مثال لفهم سبب غيبة الإمام الثاني عشر ع، مع بحوث اخرى،

مروان خليفات

جاء الإسلام هداية للناس والنبي هو خاتم النبيين، لا نبي بعده، وقد أرسل الله آلاف الرسل لئلا يكون للناس على الله حجة، وإذا كان الدين للبشرية جمعاء والنبي غير مخلد فمن يكمل المسيرة بعده؟ الصحابة، العلماء ، الأمة؟ّ! لكنهم اختلفوا واقتتلوا وتفرقوا؟ ماذا ترك لنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليحفظ دينه من الضياع والتحريف؟ هل فعلا نهى عن تدوين السنة والقرآن لم يجمعه في كتاب واحد؟ هل ترك تشريعات الإسلام وقوانينه مفرقة في صدور الصحابة وهم يقاتلون في ساحات الحروب ويموتون في الأمراض ويتعرضون للنسيان؟

أم أن الله الحكيم قد اكرم البشرية بهداة وحجج حتى يوم الدين؟ هذه إثارات للتحفيز فقط على التفكير، ليس هدفي أن أجيب عليها وإنما سأضرب مثالا يبين عظمة الطرح الشيعي في تبنيه لمفهوم الإمامة، واقامة الحجة من خلال اثني عشر امام لايخلو الزمن من أحدهم. السؤال المعتاد أين إمامكم اين أختفى إلى متى تنتظرون ولماذا اختفى ؟

لو افترضنا أن هناك مدينة تعيش في ظلام دامس ويكثر فيها التصادم والفوضى بسبب الظلمة، وكان حاكم المدينة رجلا حكيما، فاكتشف للناس مصباحا يضيء المدينة بأكملها، فوضع المصباح ليستضيء به الناس وينير دربهم، وفرح الناس وبعد مدة قام بعض الناس برمي المصباح بحجر فكسروه، ولأن حاكم المدينة محب لشعبه، وضع مصباحا آخر، وكسره الناس، وجعل مصباحا آخر وكسروه، حتى وضع أحدى عشر مصباحا، والناس تكسر المصابيح، ولم يبق عنده سوى مصباح واحد، فماذا يفعل؟

إن أخرجه للناس سيكسرونه ويعيشون هم وذراريهم في ظلمات، الحكمة تقول والعقل يقول المحافظة على هذا المصباح أفضل وهو عين الصواب، وفعلا أخفاه الحاكم، حتى يأتي يوم ويعي الناس أهمية هذا المصباح حتى يستطيعوا الاستضاءة به والدفاع عنه وحمايته .

هكذا جعل الله بعد نبيه اثني عشر اماما وهم مصابيح الدجى لكن الناس قتلوهم واحدا بعد واحد، فأخفى الله آخر امام حفظا له ، لكي يهتدي به الناس حين تتوفر الظروف لذلك، ليظهر دينه على الدين كله كما وعد.

ملاحظه : مما يؤسف له تلقف البعص لهذا المثال ونسبته للسيد الخوئي رحمه الله، والحق إنه للشيخ محسن قراءتي حفظه الله بصياغة العبد الفقير .
يا ابن خيرة الاماء !

ورد التعبير عن الإمام المهدي ع والإشارة إليه في مصادر الإمامية ــ وسيأتي عن غيرهم ــ بلفظ : (يا ابن خيرة الاماء) وفي لفظ : (بأبي ابن خيرة الإماء)

وكل مطالع لحديث أهل البيت ع، يدرك أن المقصود هو صاحب الأمر، المهدي المنتظر، وخيرة الاماء اشارة لأمه الطاهرة التي كانت من خير الاماء، وقد تحقق هذا فجاءت الروايات من قبل أئمة اهل البيت ع أن أم المهدي ع هي من الاماء، وفي هذا تصديق وتأكيد لمعتقد الاثني عشرية، ولما رواه الأئمة المعصومون.

من ذلك ما رواه الشيخ الطوسي عن أمير المؤمنين يذكر صفات المهدي ع: (… هو شاب مربوع ، حسن الوجه ، حسن الشعر ، يسيل شعره على منكبيه ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه ، بأبي ابن خيرة الإماء)
الغيبة ، ص 470

ورورى الشيخ الكليني بسنده والرواية طويلة : ( فبكى الرضا عليه السلام ، ثم قال : يا عم ــــ علي بن جعفر الصادق ع الإمامي ـــــ ! ــ ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : بابي ابن خيرة الإماء ابن النوبية الطيبة الفم ، المنتجبة الرحم ، ويلهم لعن الله الأعيبس وذريته ، صاحب الفتنة ، ويقتلهم سنين وشهورا وأياما يسومهم خسفا ويسقيهم كأسا مصبرة ، وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة ، يقال : مات أو هلك ، أي واد سلك ؟ ! أفيكون هذا يا عم إلا مني ، فقلت : صدقت جعلت فداك)
الكافي ، ج 1 – ص 322 – 323

وهذه الرواية مذكورة في كتاب علي بن جعفر الصادق المطبوع.
مسائل علي بن جعفر ، ص 321 – 322

وامثال هذه العبارة ودت في مصادر عديدةن منها كتاب : الغارات للثقفي ، ج1 – ص 4 – 13 ومقتضب الأثرلأحمد بن عبيد الله بن عياش الجوهري ، ص 31
هذه الروايات تزيد المؤمنين ايمانا، لكن اتهام الإمامية بالافتراء ووضع هذه الأخبار جاهز عند خصومهم، ليسهل التخلص من لوازم هذا القول المنسوب لعلي ع.
وهذه الحيلة غير ناجعة، فهذا القول المروي عن علي ع وعن أئمة اهل البيت ع، رواه أحد أعلام الجمهور، وأكد ابن أبي الحديد المعتزلي أن الرواية بذلك مستفيضة ذكرها أهل السير، وهذا يُعد قرينة قوية على صحة صدوره.

رواية المدائني للخبر ( 135ـــ 225هـ )

قال الذهبي في ترجمته : ( العلامة الحافظ الصادق أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني الاخباري . نزل بغداد ، وصنف التصانيف ، وكان عجبا في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيام العرب ، مصدقا فيما ينقله ، عالي الاسناد
سير أعلام النبلاء ، ج 10 – ص 400 – 401

قال ابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي : ( خطبة علي بعد يوم النهروان ] وروى المدائني في كتاب ( صفين ) ، قال : خطب علي عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان ، فذكر طرفا من الملاحم ، قال : إذا كثرت فيكم الأخلاط ، واستولت الأنباط ، دنا خراب العراق ، ذاك إذا بنيت مدينة ذات أثل وأنهار . فإذا غلت فيها الأسعار ، وشيد فيها البنيان ، وحكم فيها الفساق ، واشتد البلاء ، وتفاخر الغوغاء ، دنا خسوف البيداء ، وطاب الهرب والجلاء . وستكون قبل الجلاء أمور يشيب منها الصغير ، ويعطب الكبير ، ويخرس الفصيح ويبهت اللبيب ، يعاجلون بالسيف صلتا ، وقد كانوا قبل ذلك في غضارة من عيشهم يمرحون . فيالها مصيبة حينئذ ! من البلاء العقيم ، والبكاء الطويل ، والويل والعويل ، وشدة الصريخ ، في ذلك أمر الله – وهو كائن ، وقتا – مريج .

فيا بن حرة الإماء ، متى تنتظر!! ! أبشر بنصر قريب من رب رحيم . ألا فويل للمتكبرين ، عند حصاد الحاصدين ، وقتل الفاسقين … قال رجل من أهل البصرة لرجل من أهل الكوفة إلى جانبه : أشهد أنه كاذب على الله ورسوله ! قال الكوفي : وما يدريك ؟ قال : فوالله ما نزل على من المنبر حتى فلج الرجل ، فحمل إلى منزله في شق محمل ، فمات من ليلته)
شرح نهج البلاغة ، ج 6 – ص 134 – 136

هذه الخطبة نقلها ابن أبي الحديد عن كتاب صفين للمدائني، والمدائني مصدق فيما ينقله كما في تصريح الذهبي، وابن أبي الحديد ( ت 655هـ) ليس شيعيا، بل هو من المعتزلة، وله ردود على الإمامية في شرح النهج، وكتابه : شرح نهج البلاغة يحوي مادة تاريخية مهمة، حيث رجع ابن أبي الحديد لمصادر كثيرة فُقدت مع مر الزمان، من تلك المصادر ما أشرنا إليه ونقله عن كتاب صفين للمدائني .
إن دراسة الخبر التاريخي يقوم على جمع القرائن والشواهد، ولا يُشترط فيه صحة السند كما هو حال أحاديث الأحكام الشرعية.

إن وورود الاشارة للمهدي ع وأنه ابن أمة، من طرق الإمامية ورواية ذلك عن طريق علم من أعلام الجمهور ولد سنة 135هـ، مصدق فيما ينقله، يدفعنا للقول إن هذا الخبر صحيح تطمئن النفس إليه.

مما يزيد الأمر وضوحا وتأكيدا ما قاله ابن أبي الحديد في موضع آخر حول خطبة أخرى لعلي ع ، قال : ( وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير ، وهي متداولة منقولة مستفيضة ، خطب بها علي عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان ، وفيها ألفاظ لم يوردها الرضي رحمه الله . من ذلك قوله عليه السلام : ” ولم يكن ليجترئ عليها غيري ، ولو لم أك فيكم ما قوتل أصحاب الجمل والنهروان . وأيم الله لولا أن تتكلوا فتدعوا العمل لحدثتكم بما قضى الله عز وجل على لسان نبيكم صلى الله عليه وآله : لمن قاتلهم مبصرا لضلالتهم ، عارفا للهدى الذي نحن عليه ، سلوني قبل أن تفقدوني ، فإني ميت عن قريب أو مقتول ، بل قتلا ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه بدم ” . وضرب بيده إلى لحيته …

ومنها : ” فانظروا أهل بيت نبيكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن استنصروكم فانصروهم ، فليفرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت ” ، بأبي ابن خيرة الإماء ، لا يعطيهم إلا السيف هرجا هرجا ، موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر ، حتى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا ، يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاما ورفاتا ، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا . سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا …

فإن قيل ـــ والقول لابن ابي الحديد ـــ : ومن هذا الرجل الموعود به الذي قال عليه السلام عنه : ” بأبي ابن خيرة الإماء ” ؟ قيل : أما الامامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر ، وأنه ابن أمة اسمها نرجس ، وأما أصحابنا ــ المعتزلة ــ فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان ، لام ولد ، وليس بموجود الآن) .
شرح نهج البلاغة ، ج 7 – ص 57 – 59

إن قول الإمام علي ع : (بأبي ابن خيرة الإماء) تكرر في نقل ابن ابي الحديد عن أكثر من مصدر ، وقال إن هذه الخطبة ( ذكرها جماعة من أصحاب السير ، وهي متداولة منقولة مستفيضة)

وهذا كافي في اثبات الخبر التاريخي، خاصة مع وروده عند أكثر من فريق.
إننا إذا ما عدنا للنص نجد أن قول الإمام علي ع: (فيا بن حرة الإماء ، متى تنتظر) يدل على أن الإمام المهدي ع هو ابن أمة، وهو عين ما قالته الإمامية وروته عن أئمة اهل البيت ع.

قال ابن أبي الحديد : ( وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما ، وينتقم من الظالمين وينكل بهم أشد النكال ، وأنه لام ولد ، كما قد ورد في هذا الأثر وفي غيره من الآثار)
شرح نهج البلاغة ، ج 7 – ص 59 – 60

فلو أن المهدي سيولد في آخر الزمان كما تدعي بعض الفرق الإسلامية، فهذا يستلزم عودة العبيد والرقيق ثانية، وهو مستبعد.

ولو افترضنا عودة الرق في زمن ظهور الإمام المهدي ع وقبل ولادته، فإن قول الإمام علي ع ( متى تنتظر) فيه اشارة إلى الإنتظار المعروف في أدبيات الإمامية، وهو تعبير عن طول مدة انتظاره لظهوره الشريف، ولا يقول أحد بالانتظار إلا الاثني عشرية، فهاتان قرينتان وافيتان في اثبات عقيدة الإمامية .

باختصار من كتاب: اضاءات مهدوية ( تحت الطبع )
اعتقاد مفتي الشافعية الحصطفي بالمهدي ع وقوله بغيبته

يحيى بن سلامة الحصكفي ( ت553هـ) (الشاعر الفقيه المشهور)
راجع : تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، ابن حجر ، ج3 ص 870

من كبار الشافعية ( كان إماما في علوم كثيرة من الفقه والآداب ، ناظما ناثرا) ( وكان إماما في كل فن) .

راجع : البداية والنهاية ، ج 12 – ص 297 – 298، والنجوم الزاهرة ، يوسف بن تغري ،ج 5 ، ص 328

تعددت عبارات وصفه، وكثرت جمل الثناء والتبجيل لعلمه وشخصه، فمما قيل فيه : ( الأديب أبو الفضل يحيى بن سلامة بن الحسين الحصكفي الخطيب … علامة الزمان في علمه ، ومعري العصر في نثره ونظمه ، بل فضل المعري بفضله وفهمه …)
خريدة القصر وجريدة العصر، عماد الدين الكاتب الأصبهاني ، ج 2 ، ص 480 – 481

قال السمعاني : ( أحد أفاضل الدنيا ، وكان إماما بارعا في قول الشعر جواد الطبع رقيق القول ، اشتهر ذكره في الآفاق بالنظم والنثر والخطب ، وعمر العمر الطويل ، وكان غاليا في التشيع ويظهر ذلك في شعره ، كتب إلي الإجازة بجميع مسموعاته بخطه في سنة إحدى وخمسين)
الأنساب للسمعاني ، ج 2 – ص 227

وقال اليافعي : ( كان علامة الزمان في علمه ومقرىء العصر في نظمه ونثره … وكان قد اشتغل بالأدب وبرع فيه ، ثم اشتغل بالفقه على مذهب الإمام الشافعي ، وأجاد فيه ، وتولى الخطابة في فارقين ، وتصدر للفتوى بها ، واشتغل عليه الناس ، وانتفعوا به ، ولم يزل على رئاسته وجلالته وإفادته إلى أن توفي…) . مرآة الجنان وعبرة اليقظان، اليافعي اليمني المكي ، ج 3 – ص 228
وصفه السبكي بالأديب الفقيه وعده ابن الملقن من أصحابهم الشافعية
الفقهاء.
راجع : طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي ج 7 – ص 330، المقنع في علوم الحديث لابن الملقن ( ت 804هـ ) ج 2 ، ص 652

وقال الذهبي : ( الحصكفي الامام العلامة الخطيب ، ذو الفنون ، معين الدين ، أبو الفضل ، يحيى بن سلامة بن حسين بن أبي محمد عبد الله الديار بكري الطنزي الحصكفي ، نزيل ميافارقين . تأدب ببغداد على الخطيب أبي زكريا التبريزي ، وبرع في مذهب الشافعي ، وفي الفضائل…)
سير أعلام النبلاء، ج 20 – ص 320 – 321

نظم هذا الفقيه الكبير الشافعي قصيدة ذكر فيها الأئمة الأثني عشر ع، بما فيهم محمد بن الحسن العسكري ع، وذكر أنهم حجج الله على عباده، وأن هذا معتقده.
ذكر هذه القصيدة ابن الجوزي الحنبلي ( 510هـ ـــــ597هـ) وهو ممن عاصره، ومما قال فيها :

( وسائل عن حب أهل البيت*** هل أقر إعلانا به أم أجحد

هيهات ممزوج بلحمي ودمي*** حبهم وهو الهدى والرشد

حيدرة والحسنان بعده *** ثم علي وابنه محمد

جعفر الصادق وابن جعفر*** موسى ويتلوه علي السيد

اعني الرضا ثم ابنه محمد*** ثم علي وابنه المسدد

الحسن التالي ويتلو تلوه *** محمد بن الحسن المفتقد!

فإنهم أئمتي وسادتي ***وإن لحاني معشر وفندوا

أئمة أكرم بهم أئمة *** أسماؤهم مسرودة تطرد

هم حجج الله على عباده*** وهم إليه منهج ومقصد

هم في النهار صوم لربهم *** وفي الدياجي ركع وسجد

قوم أتى في هل أتى مدحهم*** ما شك في ذلك الا ملحد

قوم لهم فضل ومجد باذخ*** يعرفه المشرك ثم الملحد

قوم لهم في كل أرض مشهد*** لا بل لهم في كل قلب مشهد

قوم منى والمشعران لهم *** والمروتان لهم والمسجد

قوم لهم مكة والأبطح و الخيف *** وجمع والبقيع الغرقد

ما صدق الناس ولا تصدقوا*** ما نسكوا وأفطروا وعيدوا

لولا رسول الله وهو جدهم*** واحبذا الوالد ثم الولد

ومصرع الطف ولا اذكره *** ففي الحشا منه لهيب موقد

يرى الفرات ابن البتول طاميا ***يلقى الردى وابن الدعي يرد

حسبك يا هذا وحسب من بغى*** عليهم يوم المعاد الصمد

يا أهل بيت المصطفى يا عدتي*** ومن على حبهم اعتمد

أنتم إلى الله غدا وسيلتي *** وكيف أخشى وبكم اعتضد

وليكم في الخلد حي خالد *** والضد في نار لظى يخلد )

المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ج 18 – ص 130 – 131.

ذكر هذه القصيدة غير واحد من أهل التاريخ دون طعن وانكار، منهم : ابن كثير في البداية والنهاية، ج 12 – ص 297 – 298 والباعوني الشافعي في جواهر المطالب في مناقب الإمام علي ع ج2 ص 308 وغيرهما .

ولأجل هذه الأشعار نسبوه للتشيع والغلو فيه، فقال فيه ابن الجوزي والسمعاني وابن كثير : (( وكان ينسب إلى الغلو في التشيع ) وقال ابن الأثير وابن الدمياطي: ( وكان يتشيع )
الكامل في التاريخ ، ج 11 – ص 239

وقد ذهب الميرزا عبدالله أفندي من الإمامية إلى القول بتبصره، حيث قال في ترجمته : ( كان من اكابر علماء الإمامية وأعاظم خطبائهم وشعرائها، وكان معاصرا للشيخ أبي علي الطبرسي …)
رياض العلماء وحياض الفضلاء، ج5 ص 377 ــــ ـ378 .

لكن الحصطكفي في تكملة قصيدته يقول :

( ولست أهواكم ببغض غيركم*** إني إذا أشقى بكم لا أسعد

فلا يظن رافضي أنني*** وافقته أو خارجي مفسد

محمد والخلفاء بعده أفضل*** خلق الله فيما أجد

هذا اعتقادي فالزموه تفلحوا*** هذا طريقي فاسلكوه تهتدوا

والشافعيّ مذهبي مذهبه *** لأنه في قوله مؤيد

اتبعه في الأصل والفرع معا *** فليتبعني الطالب المسترشد)

المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ، ج 18 – ص 131

فهو ينسب نفسه في هذه الأبيات صراحة للشافعي فروعا واصولا، ، لكنه في الوقت نفسه يعتقد بالأئمة الإثني عشر ع ويسميهم واحدا تلو الآخر كما يفعل الإمامية، ثم يذكر عقيدته بالمهدي بن الحسن العسكري ع وغيبته، كما هو مفاد قوله المتقدم: ( محمد بن الحسن المفتقد )

ولا يكتفي الحصكفي بذلك، حتى ينعت الأئمة الأثني عشر بأنهم حجج الله على عباده، ثم يشير لأضرحتهم المقدسة وفاجعة الطف ولهيبها المتوقد في
قلبه.

والذي ينبغي الاشارة إليه هو كيف ينسب الحصكفي نفسه للشافعي في حين إن الشافعي لا يعتقد بالأئمة الإثني عشر وبالحجة ابن الحسن العسكري، ولم يقل أنهم حجج الله على البرايا، والشافعي (ت 204ه) كان معاصرا للإمامين السابع والثامن من الأئمة الإثني عشر، وهما الكاظم والرضا عليهما السلام، ولم يكن على تواصل معهما ولا روى عنهما أو رجع إليهما. وما كان يرى أنهم حجج الله على العباد، ومع هذا الافتراق بين رؤية الحصكفي وعقيدته وبين الشافعي، أقول إنه ليس بعيدا أن الحصكفي كان يتقي ويوري في كلامه، كما هو حال العديد من أعلام الجمهور، ولهذا اشار العلامة العلامة الحلي في منهاج الكرامة ، ص 67 – 68 حيث قال: ( وما أظن أحدا من المحصلين وقف على هذه المذاهب ، فاختار غير مذهب الإمامية باطنا ، وإن كان في الظاهر يصير إلى غيره طلبا للدنيا حيث وضعت لهم المدارس والربط والأوقاف حتى تستمر لبني العباس الدعوة ، ويشيدوا للعامة اعتقاد إمامتهم . وكثيرا ما رأينا من يدين في الباطن بمذهب الإمامية ، ويمنعه عن إظهاره حب الدنيا وطلب الرياسة…)

على أن المقصود من المقال هذا ليس بحث استبصاره من عدمه، بل التأكيد على اعتقاده بالمهدي ع وأنه ابن الإمام الحسن العسكري ع وأنه غائب كما هو مفاد قصيدته .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here