سمات النقد البيئي

ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – كلية شط العرب الجامعة – البصرة

بقلم: د. جيريريجا جاياسانكر * Dr. Giririja Jayasankar

يمثل النقد البيئي Ecocriticism توجها حديثا في مجال النقد الأدبي حيث تقيّم النصوص الأدبية أستنادا الى معايير بيئية. ويطرح هذا النمط من النقد نظرة متجددة للعلاقة ذائعة الصيت بين الطبيعة والأدب والتي مرت بتحول كبير في القرنين العشرين والحادي والعشرين. تجدر الأشارة أن العلاقة التي تربط الأنسان بالطبيعة غدت معقدة وعليه فأن تضمين هذه العلاقة في النصوص الأدبية يشمل الأنماط الثقافية والسياسية للمجتمع الأنساني الحالي. وفي ظل مثل هذا السيناريو يتعين عل النقد البيئي تحليل الجوانب الثقافية والأدبية للعوامل التي تتسبب بالرؤية البيئية.

والنقد البيئي هو أيضا تحليل للكيفية التي تتيح أمكانية تشكيل وصف الطبيعة والثقافة الأنسانية والبرامج السياسية التي تشكل النصوص الأدبية بهدف التوصل الى حل ما ذي صلة بالموضوع للكارثة البيئية المتنامية ، الأمر الذي يجعل هذا النقد الجديد بطبيعته متداخلا مع حقول معرفية أخرى. لذا يتبنى هذا النقد مباديء من حقول أخرى متنوعة مثل التاريخ وعلم النفس والفلسفة وعلم الأخلاق وعلم البيئة بهدف فهم العلاقة القائمة بين الطبيعة والأدب.

وقد أبتدع وليام روكيرت William Ruekert تعبير النقد البيئي في عام 1978 للتعاطي مع قضايا تتصل بالمناظر الطبيعية والبيئة التي لم يهتم بها نقاد الأدب في السابق. ويورد كريك كارارد Greg Garrard في كتابه الموسوم (النقد البيئي) Ecocriticism تعريفا لهذا النمط من النقد طرحه شيرل كلوتفيلتي Cheryll Glotfelty في مقدمة كتابه الموسوم (القاريء النقدي البيئي) The Ecocritical Reader الذي ينص على أن (النقد البيئي يمثل دراسة العلاقة بين الأدب والبيئة الطبيعية ، والنقد البيئي يتبنى منهجا واقعيا في الدراسات الأدبية مثله في ذلك مثل النقد المؤيد لمساواة النساء بالرجال والذي يتناول اللغة والأدب من زاوية شعورية تتعلق بجنس الأنسان والنقد الأدبي الماركسي الذي يضفي وعيا بأنماط الأنتاج والطبقة الأقتصادية في قراءته للنصوص) (كارارد ، 2004: ص13). ويذكر الناقد البيئي دونيل دريس Donelle Dreese في كتابه المهم (النقد البيئي: خلق النفس والمكان في الاداب البيئية والأمريكية الهندية) Ecocriticism: Creating Self and Place in Environmental and American Indian Literatures عدة قضايا تشكل جزءا من أهتمامات النقد البيئي الأعتيادية : ( … كيفية تقديم الطبيعة ومتى يتم تمثيلها وكيفية تأثير الأزمة البيئية على الأدب وكيفية تطور المفاهيم البيئية عبر القرون) (دريس ، 2002: ص1).

أهمية الثقافة في النقد البيئي

تحظى عملية وأثار الثقافة الأنسانية بأهمية بالغة في النقد البيئي. ومن الأهتمامات الكبيرة لهذا النمط من النقد التفرع الى (ثقافة / طبيعة) والتفاعل بينهما لكون المشاكل البيئية تعتبر بمثابة نتيجة ثانوية أساسية للقضايا الثقافية والأجتماعية. وربما تشمل الدراسات النقدية البيئية دراسات ثقافية تضم تحليل النصوص ذات الصلة بالتلفزيون والأفلام والفن والعلوم فضلا عن التوجهات الرامية للمحافظة على البيئة مثل (أنظمة المتنزهات الوطنية) National Park Systems اضافة الى القصص ذات الصلة بالبرية ووصف الطبيعة. يقول كريك كارارد في هذا الشأن :

تتطلب المشاكل البيئية أجراء عملية تحليل في المجالين الثقافي والعلمي لأنها تنشأ عن

التفاعل بين كل من المعرفة البيئية للطبيعة وأنعطافاتها الثقافية …. وسوف يضم مثل هذا

الأمر دراسات تشمل عدة حقول معرفية متداخلة تفضي الى النظرية الأدبية والثقافية والفلسفة

وعلم الأجتماع وعلم النفس والفلسفة البيئية أضافة الى علم البيئة. (كارارد ، 2005: ص 14)

نمط الأستعلام النقدي البيئي

أشرنا الى أن النقد البيئي يتناول العلاقة الحيوية بين الأدب والبيئة الطبيعية ، وهو بذلك يوفر فهما أعمق للتفاعل بين كل من اللغة والبيئة في الأدب ، عليه فأن تحليل أوصاف الطبيعة فحسب في الأدب لايمثل هدفا للنقد البيئي فهو يحلل عالم الطبيعة ويفهمه ، هذا العالم الذي يتصف بتعقيده وخصوصيته. ومثل هذا الأمر يمكّن الناقد البيئي من مساندة تغيير ثقافي في المجتمع من خلال تبني وجهة نظر عالمية واقعية أحيائية تحفز الأنسان على تخيل مجموعات عالمية تضم الكائنات غير البشرية والبيئة الطبيعية.

ويضع نقاد البيئة قاعدة ثقافية لنمط الأستعلام النقدي البيئي بهدف منع هذا النقد من أن يكون فرعا من فروع النقد الأدبي ليس الا! في هذا الخصوص يقتبس كريك كارارد وجهات نظر ريتشارد كيريدج Richard Kerridge التي وردت في كتابه الموسوم (كتابة البيئة) Writing the Environment الذي يركز على أمكانيات النقد البيئي في أستكشاف المضامين الثقافية لأي تحليل يتناول نصا أدبيا عن البيئة: (يتطلع الناقد البيئي لأقتفاء أثر الأفكار والمزاعم البيئية حيثما تظهر ليتسنى له ملاحظة حوار متوقع …. ويعمد النقد البيئي الى تقييم النصوص والأفكار في مايتعلق بترابطها وجدواها بصيغة أستجابة للمحنة البيئية) (كارارد ، 2004: ص 4).

ومن غير المحتمل أن يفلح النقاد البيئيون في تقديم حلول للمشاكل البيئية ، مع ذلك بمقدورهم أن يخلقوا وعيا متزايدا بين الناس حول الحاجة لحصول تغيير في أدراكهم البيئي وهذا هو الهدف النهائي للناقد البيئي. فعلى سبيل المثال يشكل كل من التزايد السكاني الهائل وما ينشأ عنه من تلوث بيئي قضية ثقافية وأجتماعية وليس مجرد مشكلة بيئية فحسب ، لكنها مع ذلك تشكل قلقا كبيرا لنقاد البيئة.

قاعدة النقد البيئي

يستند الأستعلام البيئي على بعض الفلسفات البيئية الآتي ذكرها وفق ماذكره كريك كارارد:

· قرن الوفرة **. Cornucopia يظن مؤيدو هذه الفلسفة أن غالبية المخاطر البيئية مجرد وهم أو مبالغ فيها! لذا فأن الذين يتبنون مثل هذا النمط من التفكير ليسوا في الواقع من المحافظين على البيئة بل أن الصناعيين المناوئين للبيئة يقومون بدعمهم ومساندتهم.

· الأهتمام البيئي السطحي. يؤكد المهتمون السطحيون بالبيئة على المخاطر البيئية مثل الأحتباس الحراري والتلوث ويعولون على مسؤولية الحكومة في التوصل الى حلول لمثل هذه القضايا فضلا عن الأزمات ذات الصلة بالموارد. ولربما لن يكونوا على أستعداد لحصول أي تغيير جذري في نمط الحياة لتحسين الحال.

· علم البيئة العميق. هذا النمط من الفلسفة البيئية يلهم منظمات مثل (الأرض اولا) Earth First و (أصدقاء الأرض) Friends of Earth و (راعي البحر) Sea Shepherd. وقد تركت هذه الفلسفة أثرا كبيرا حتى خارج نطاق الحقل الأكاديمي. ويعتبر غاري سنايدر Gary Snider ، في نظر كارارد ، الشخصية الرائدة البارزة لعلم البيئة العميق وآرني نيس Arne Naes بأعتباره المرشد الروحي الفلسفي لهذا التوجه. ويعزو دعاة هذا التوجه البيئي قيمة جوهرية للبشر وكذلك للكائنات غير البشرية كما أنهم يبرزون الحاجة لنمط حياة مستدام ولعدد سكان أقل من أجل أزدهار الكائنات غير البشرية على الأرض.

· تساوي الجنسين البيئي Ecofeminism. في الوقت الذي يركز فيه علم البيئة العميق على الأزدواجية المركزية البشرية (الرجل / المرأة) تذهب الفرضية الأساسية لمثل هذا التوجه الى أن النساء يرتبطن بشكل وثيق بالطبيعة ويتصفن بسمات ربما تفضي الى معالجة أكثر عقلانية وأمانا من الناحية البيئية للحياتين الحيوانية والنباتية.

· علم البيئة الأجتماعي والماركسية البيئية. أن هذه الفلسفة البيئية توفر الأساس للنقد البيئي تماما مثل التوجه السابق. ومثل هذه الفلسفة (تظهر أنظمة الهيمنة على البشر وأستغلالهم من بشر آخرين) بأعتبار ذلك يمثل السبب الرئيسي للقضايا البيئية.

· الفلسفة البيئية الهيدكرية. شكلت آراء الفيلسوف الألماني هيدكر Martin Heidegger (1889 – 1976) مصدر ألهام للكثيرين من نقاد البيئة. ووفق ماتؤمن به هذه الفلسفة فأن العالم المحيط بالأنسان يضم الحياتين الحيوانية والنباتية وأن دور البشر يتمثل في أفساح المجال أمام تلك الكائنات في ممارسة حياتها الحرة. ولاينظر الى الأنسان وفق هذه الفلسفة بأعتباره سيد هذا الكون فهو لايعدو كونه أكثر من مرشد للكائنات الأخرى التي تحيط به. كما أن معنى العالم من حولنا يعبّر عن حاله من خلال الأدب وخاصة الشعر (كارارد ، 2004: ص 16 – 32).

لقد غدت الكتابات البيئية حقلا معرفيا ثرا يتنامى بسرعة في عالم الأدب الحديث. من هنا اصبح للنقد البيئي أهمية بالغة لأنه يعيننا على فهم وتقييم أفضل للأدب البيئي، وهو بدراسته للصلة الوثيقة بين الكلمة والعالم من حولنا يوحي بتوجه جديد في النقد الأدبي.

—————————————————————————————————

* يعمل الكاتب أستاذا ورئيس قسم اللغة الأنكليزية في أحدى الكليات في مقاطعة بانكلور في الهند والتابعة لجامعة بانكلور. (المترجم)

** قرن معزاة مليء بالثمار ألخ يتخذ رمزا للوفرة. (المترجم)

المصادر

1. Donelle N. Dreese. Ecocriticism.: Creating Self and Place in Environmental and American Indian Literatures. New York: Peter Land Publishing, 2002.

2. Greg Garrard. Ecocriticism. New York: Routledge, 2004.

https://ashvamegh.net/ecocriticism-a-new-idiom-of-literary-criticism/

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here