الإسلام السياسي في العراق بين الإسلام والسياسة

د. عبدالرضا الفائز

[email protected]

“ما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله” كلمة الخليفة عثمان يوم حوصر من قبل ثوار الكوفة والبصرة ومصر (وكانت هي حواضر المسلمين، مع دمشق التي مسكها معاوية، آنذاك). لقد تولى عثمان الخلافة بعد تعهده بإتباع القرآن والسنة وسيرة الشيخين. لم يقبل الأمام علي الشرط الأخير لانهما بشر. فذهبت الخلافة إلى عثمان الذي لم يلتزم بسيرة الشيخين. حين قرب أهله، ليخلق الدولة العميقة الأولى في الإسلام.

لم تكن شروط الثوار صعبة التحقيق أولها وآخرها عزل الفاسدين ممن ولى مثل عمه الحكم بن أبي العاص وإبنه مروان، ومدمن الخمر أخيه لأمه الوليد بن عقبه. فلم يبق في المدينة من لم يحنق عليه كما يقول السيوطي (ابن سعد، الطبقات الكبرى، دار صادر، 1968، بيروت، ج3/ص66). فالسياسات الإدارية والمالية التي أتبعها عثمان أصبحت سببا لتذمر الرعية وانقلابها الذي انتهى بقتله. بعد أن أستنفذ الثوار معه كل الوسائل في أكثر من أربعين يوما )زكريا المحرمي، الصراع الأبدي قراءة في جليات الصراع السياسي بين الصحابة وانقسام المواقف، ص142).

فما أشبه اليوم بالبارحة، حين يتكرر فشل إحزاب “سياسية” يقال عنها “إسلامية” لم تستطع طوال مدة حكمها في العراق أن تحمي، القيم الإسلامية كالطهارة والنزاهة والأمانة والعدالة. ولم تستطع كذلك إجادة السياسة، كونها إدارة وعي في استراتيجيات، وخطط وأهداف لتحقيق جدوى الدولة، اقتصاديا على الأقل. فأنتهوا غير حامين ما سرق أو هدر، رغم ما خصصوا لأنفسهم من امتيازات عليها شبهة الحرام.

فباتوا يخافون الفضيحة وعارها. أن يأتي رئيس وزراء ليس من أحزابهم (وتعددها فضيحة). أو من أستلم منصبا سابقا، لإن العراقيين لا يقبلون أن يتحملوا، أكثر مما تحملوه. ويرفضون أن لا يكون رئيس الوزراء مزدوج الجنسية، كما ينص دستور هم كتبوه وأقروه (!). بل ويرفضون كذلك (وهذه أم الفضائح) أن يُحاسبَ الفاسدين أو يُعرّف “المندسين” الذين بالرصاص رموا أو بالسكاكين طعنوا نحو 26 ألف عراقي والعدد مع الأيام بازدياد في قتلى أو جرحى. فإن كانوا يعلمون فلتك مصيبة، وهي أعظم حين لا يعلمون.

معتقدين لبؤسهم في أنانيتهم، إن الصناديق التي كسرت والأصوات التي زورت، تجربة يمكن تكرارها. فبقوا سندا للتخلف وعونا للعطالة وعنوانا للبطالة بعد أن هزمتهم المجاري والقمامة، ولا تسأل عن الكهرباء وحفظ السيادة. لقد تناوب الإسلام السياسي في 16 سنة الحكم والقيادة، وتولت “أحزابه” إدارة السياسة. فكانت أخطاؤه الأولى صعبة التشخيص سهلة العلاج، قبل أن تكون الآن سهلة التشخيص متعذرة الشفاء.

في حرب الخليج الثانية وصلت القوات الأمريكية إلى ثلث المسافة من بغداد. لكنها لم تتردد في عدم التقدم، رغم اندلاع الانتفاضة وحنق الضباط الكبار. والسبب كان إكمال اجتثاث ثقافة وُظفَ لها صدام وأُستُخدِم بانتظار اكتمال تعفنه، لإسقاطه السهل والسريع. اليوم تتكرر الوقائع وتحضر الحقائق، ليقوموا هم بما قام به صدام لكن في اجتثاث ثقافة من نوع آخر، في إنتظار مصير له طراز آخر.

نتمنى أن يعوا ويدركوا، إن أي حاكم حين يقتل الناس ويفقد إحترامهم، يكون قد خسر التاريخ. وتماديه في عدم إدراك ذلك، انحدار نحو هاوية، آخرها سلة إن كانوا يعلمون. فقد فشلوا في صون جوهر الدين (إن لم له يسيؤا) وتعثروا في فهم السياسة (إن لم لها يؤذوا). وإنا لله وإليه نحن جميعا له راجعون، فهل نسوا … أم يا ترى هل كانوا بذلك يؤمنون؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here