ثورة الشعب المظاهراتية ومسؤولية الحكومة المستقيلة

البروفيسور الدكتور عبدالقادر العبادي
المرشّح المستقل لرئاسة الحكومة الاتحادية القادمة
26 كانون الثاني / يناير عام 2020م
[email protected]

تعتبر ثورة الشعب المظاهراتية التي اشتعل فتيلها منذ أربعة أشهر في عموم المحافظات العراقية مؤشّراً صحياً على استيعاب جيل الشباب لديناميكية الوعي الإدراكي وهو يحملها بين جنبيه مؤمناً بمشروعيتها ومدركاً أنه لا أحد بسيف غيره ينتصر متحملاً الانتفاضة بكامل ديمومتها بعد أن حاولت الأحزاب والتكتلات السياسية والطائفية لأعوام من القهر المرّ والرماد احتكار هذا الوعي العقلاني المنطقي وحصره في منظوراتها الفكرية البيروقراطية التهميشية والتسقيطية والإقصائية والولائية وسياساتها البراغماتية وعزل الأجيال الشبابية الواعية عن ممارسة حقوقها الثقافية والاجتماعية والإنسانية وهي تتربع على منصّة العرش العراقي مدعية أنها دولة مؤسساتية مدنية تصان فيها الحقوق المدنية والإنسانية للأفراد والجماعات لا أن تكون مجموعة تكتلات طائفية وأسرية وحزبية تتبنى بانوراما الاستبدادية المقيتة على الشعب وهي تحاصر أفكاره وحرياته التعبيرية التي يكفلها الدستور باعتباره وثيقة العهد التي تحتكم إليها الدول الديمقراطية المؤسساتية خارج إطار استخدام العنف المفرط والتسلطية والتطرفية والبروقراطية.
تؤكد جغرافية الحركة لثورة الشباب التظاهراتية منذ انطلاقتها الأولى على أنها ثورة الشعب الذي مرّ بأعوام من القهر والظلم والإقصاء والتهميش ونهب الثروات وصنوف الفساد المركّب الذي انتشر في مفاصل الدولة العراقية من أعلى قمة الهرم الرئاسي حتى قاعدته وأصبح ثقافة عامة يمتهنها أصحاب المناصب العليا وما هو في شبكاتهم العنكبوتية في التسلسل الهرمي خارج إطار عملية التناسب المنطقي الرياضي.
هذه الثورة الشبابية أكدت بكل موجبات القوة والحيوية أنها على الرغم من الإندفاع الأعمى للاستبدادية الحزبية القمعية وهي تتبع أساليب تدجينية غير حضارية في قمع المتظاهرين التي أنتجت مئات القتلى وعشرات الألوف من الجرحى إلا أنها استطاعت أن تسجل نجاحاً جوهرياً عالمياً وشجاعة وشهامة وعزيمة لكل المتظاهرين من جيل الشباب واستطاعت أن تنتج وعياً مجتمعياً مناهضاً لسياسات البيروقراطية والتطرفية في مفاصل الحكومة العراقية المستقيلة التي لا تؤمن بالديمقراطية في إدارة شؤون البلاد والعباد وحقوق الأنسان بل إنها ومن خلال مشاهد القمع الظالم المفرط للشباب المتظاهر لا تمتلك في بنيتها الأساسية نظرية سياسية واضحة نقية شفافة مهنية في إدارة الدولة المدنية ، دولة الإنسان المعاصر.
كان على الحكومة المستقيلة أن تؤمن بأن المظاهرات وإن كانت مضادة (معارضة) لسياسة أحزابها الاستبدادية الاحتكارية لكن الواجب المؤسساتي المدني يوجب عليها أن تؤمّن كافة المستلزمات الضرورية لحماية الشعب المتظاهر سلمياً وهم يطالبون بالتوزيع العادل لميراث آبائهم وأجدادهم المتمثل بالثروة النفطية والمعدنية الهائلة التي يحتكم عليها العراق العظيم ، لا أن تتجاهل استخدام القوة المفرطة ضدهم من قبل المندسين والاختراقات السالبة القيمة باندفاعها الانتقامي الأهوج وهم يتحركون وفق ماكنة خارجية سياسية وانتماءات هجينة لإبادة العراقيين المنتفضين السلميين.
هذا ما أكدته ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة (جينين هينيس بلاسخارت) وهي تقرأ وثيقتها أمام مجلس الأمن حول أوضاع المتظاهرين الشباب في العراق المعاصر وممارسات العنف اللامسؤولة في ظل غياب حكومة السيد عادل عبدالمهدي وكيف يتعرض شباب مسالمون للقمع المبرمج وهم بعيدون عن المصالح الحزبية والطائفية والتدخلات والأجندات الخارجية يدفعهم الولاء المطلق خالصاً للأرض وللوطن ولهويتهم العراقية وكل الذي يريدونه من الحكومة بسلّمها الهرمي وقياداتها الحزبية البيروقراطية أن تسمع أصواتهم التي تنادي لا للظلم والظالمين بعد أن وصل العراقيون لحالة متدنية من الإحباط المرّ في مستوياتهم الحياتية.

هذا الجيل الشبابي لم يخرج ثائراً إلا بعد أن بلغت فيه الروح الحلقوم حيث على مدى ما يقرب من عشرين عاماً نهبت ثرواته وتدنت البنى التحتية للبلاد وتربعت الأحزاب والكتل والطوائف والعوائل والسلالات الأسرية على أملاك العراق والعراقيين وهي تؤسس لامبراطورياتها المالية العملاقة مندفعون بشكل قطيعي روليتي مقامر تاركين خلفهم أصقاعاً من الفقر والأمراض والتدني الخدماتي للشعب والأرض.
كل هذا يجري على مرأى ومسمع من حكومة السيد عادل عبدالمهدي التي لم تستطع أن تقدم الحماية الضرورية وفق قانون إداري ورقابة قضائية وأن تستدعي ماكينتها الأمنية والعسكرية الكبيرة لتوفير الحماية للمتظاهرين السلميين وتفرز أفواج وعناصر المندسين والمخترقين والمخربين والأجندات الخارجية وهم يستخدمون ألوان الموت المتطرف في قمع المتظاهرين لكي تستمر الأحزاب في ساديتها واستبداديتها وإحكام قبضتها على العرش العراقي.
ماذا تعني كلمة مندوب العراق في الأمم المتحدة وهو يصنّف هؤلاء القتلة بأنهم جماعات خارجة عن القانون! فإن كان الأمر كذلك فأين الحكومة حتى لو كانت مستقيلة من هؤلاء القتلة لأنها من يدير دفة الحكم وصاحبة القرار؟ أين نحن في عراق الحضارات أم في الأحراش والغابات؟
حكومة السيد عادل عبدالمهدي المستقيلة لا زالت على عرش السلطة وعليها واجب قومي ووطني في أن تكون على دراية تامة في ميدان تقنيات إدارة الحشود والتجمعات الميدانية والتحركات الجماهيرية للتقليل من المخاطر التي قد تصيبهم من وراء أجندات مسيَّسة لا أن تلتزم الصمت الأعمى وأمامها أكثر من 600 قتيل بدم بارد وما يقرب من خمسة وعشرين ألف جريح وكلهم شباب مكافح يعيشون دون مستوى خطوط الفقر ويقطنون العشوائيات ومدن الصفيح الطينية إلى جانب المختطفين من الناشطين المدنيين والإعلاميين والطواقم الطبية التي تسعف الجرحى.
هل حقاً يا حكومة السيد عادل عبدالمهدي المستقيلة أنك شكلت وفريقك الوزاري لجاناً تحقيقية للمتابعة وعرض نتائجها على الإعلام العام؟ أم أن كل ذلك من بوابات ذر الرماد في العيون؟
هل حقاً ذهبت تلك الأنفس البريئة إلى ربها ولم تنجز لجان حكومتك التحقيقية مهمتها ولم تصل لهؤلاء المجهولين الملثمين المسلحين القناصين المدربين على القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد وهم يقتحمون المظاهرات ميدانياً أو كما وصفتموهم بالطرف الثالث؟ أين حقوق الإنسان الأساسية التي تتمثل بالحياة الحرة الكريمة والتجمع السلمي وحرية التعبير؟ بل أين الشفافية والمهنية في سياسة الحكومة؟
يبدو واضحاً أن الطبقة الحاكمة المستبدة لا تريد النزول عن منصة العرش العراقي ولا تريد الإنصات لخطاب المرجعية الحكيمة لذا أدعو السيد عادل عبدالمهدي وحكومته المستقيلة أن تحافظ على أرواح الشباب المنتفضين وتوفر لهم كافة مستلزمات الحماية من الجماعات المسلحة والقناصين الخارجين عن القانون لأننا لسنا من سكان الأحراش والغابات وليس العراق ملكاً مُشاعاً للأجندات الخارجية والأحزاب والسلالات الأسرية.
ثورة الشباب يا حكومة السيد عادل عبدالمهدي المستقيلة ثورة العراق والعراقيين مقدّسة في رؤيتها وطروحاتها تتسم بالسلمية وعدم الطائفية وهي تعكس طموحات الشعب العراقي فهي لم تحرق ولم تنهب ولم تتعدى على المال العام هي ثورة نقية في جوهرها واضحة في آرائها سلمية في تظاهرها تطالب بحقوقها المشروعة من الثروة البترولية والمعدنية العملاقة وتوزيعها العادل وفق اللوائح والأنظمة والقوانين في دولة مؤسساتية مدنية وليس تكتلية طائفية ولا مكان في فلسفة هذه الثورة الشبابية لمن لا يكون ولاؤه خالصاً نقياً للعراق العظيم شعباً وأرضاً وموروثاً حضارياً.
نعم هناك اختراقات مسيَّسة ومندسون ومخربون وصعاليك وخارجون عن القانون وقناصون وقطّاع طُرق مدربون ولصوص وعلّاسون وشبكات مدربة يقومون بأعمال الشغب والسلب والنهب والحرق للمال العام والمؤسسات الحكومية وإثارة الفوضى حتى يحرفون بوصلة هذه التظاهرات السلمية عن مسارها الصحيح وواجب الحكومة الديمقراطية المؤسساتية أن تفرز هذه الأوراق وتقف على كل هذه الخروقات ومن هم المقامرون بأرواح الشعب وممتلكاته وتقتص منهم أمام الرأي العام.
يا حكومة السيد عادل عبدالمهدي المستقيلة أنتم مسؤولون أمام القانون الإلهي الذي لا مفرّ من سلطانه وكذلك القانون الوضعي الدولي لحقوق الإنسان والعهد الدولي بحماية ثورة الشعب العراقي وحقه في التعبير والتجمع السلمي وعدم استخدام القوة المفرطة في قمعه.
إن ما حدث من انتهاكات وخروقات وتخريب في المال العام وراءه ماكنة تخريبية عملاقة وأجندات خارجية مبرمجة لصالح الأحزاب وأصنامها لكي تستمر في استعباد الشعب ونهب ثرواته خدمة لمصالحها في التربع على ملك العراق لا علاقة للمتظاهرين السلميين بها وعليك يا سيد عادل عبدالمهدي تشخيصها باعتبارك تمثل قمة الهرم التنفيذي في الدولة العراقية حتى ولو كنت مستقيلاً والوقوف على مرتكبيها هي مسؤولية الحكومة العراقية بكل مفاصلها وقوتها الأمنية والعسكرية التي تحتل ميزانيتها مركز الصدارة في الموازنة العامة حيث أعدّت لحماية البلاد والعباد في الجبهتين الداخلية والخارجية.

البروفيسور الدكتور عبدالقادر العبادي
المرشّح المستقل لرئاسة الحكومة الاتحادية القادمة
26 كانون الثاني / يناير عام 2020م
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here