الحسقلة والدونقة!!

الحسقلة: شدة المحاسبة , وهي منسوبة إلى أول وأنزه وزير مالية عراقي إسمه “حسقيل ساسون” , (17\3\1860- 31\8\1932) , الذي قاد وزارة المالية في حكومات عبدالرحمن النقيب ومحسن السعدون وطه الهاشمي , وكان في غاية الإخلاص والنزاهة والدقة والمسؤولية والحرص.

“إنه الوزير الثابت في الوزارات العراقية , لأنه ليس في العراق مَن يضاهيه في علم الإقتصاد والتضلع في إدراك الشؤون المالية”

وفي تأريخ العراق كان أبو جعفر المنصور من أشد الخلفاء غلظة ومحاسبة على المال العام , وكان يعتمد على مفهوم الشخص المناسب في المكان المناسب , ولقبوه بالبخيل أو أبو الدوانق (أي أبو فليس في العامية العراقية , أو يحسقلها).

والدرس المستنبط من السلوكين أن أحوال العراق لا تستقيم وتستقر إن لم يتوفر له وزير مالية أو رئيس رقابة مالية بمواصفات ” حسقيل ساسون” , يتمكن من ضبط عائدات النفط وتوزيعها بعدل وإنصاف , ووفقا للضرورات والحاجات والمشاريع والخطط الواضحة المرهونة بمراقبة متواصلة , ومحاسبة فورية عن أي شطط أو إنحراف.

فعِلّة العراق تتلخص بمشاعية ثرواته وعائدات نفطه , وعدم وجود قوانين صارمة ومؤسسات كفوءة مستقلة للحرص عليها , والمحافظة على تصريفها بأمانة ومسؤولية ونزاهة.

فمنذ إنطلاق الجمهوريات وحتى يومنا الحاضر لا توجد رقابة مستقلة لعائدات النفط , فتفردت بها الكراسي على هواها , ومنذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم صارت بلا رقابة , ولكل فئة ومجموعة يدها الطولى في الإستحواذ على ما تستطيعه من الثروات ومن عائدات النفط.

ذلك أن مفهوم المحاصصة لم يأتي من الغيب وإنما إنطلاقا من المفاهيم المؤدينة المتزمتة التي حسبت البلاد وأهلها وما فيها وعليها من غنائمها التي عليها أن تتقاسمها , ولا يحق لأحد أن يحاسبها عمّا غنمته , ووفقا لهذا المفهوم تم سرقة عائدات النفط وحرمان الشعب منها , وتدويخه بالتفاعلات السلبية والطائفية والمذهبية وتعميق حدة الصراع فيه لكي ينفرد الغانمون بغنائمهم دون رقيب.

إن ما يُطرح من مطالبات لا يلامس بيت الداء ولا يقترب منه , فلو أن ثروات العراق تحت نظام رقابي مستقل وأمين , لما فكر أي من المتمسكين بالسلطة بالبقاء فيها , لأنها ستتحول إلى مسؤولية وأمانة , وليست غنيمة ومكسب يدر مالا وأملاكا ويضع اصحابه فوق القانون.

فعندما تكون السلطة مسؤولية وأمانة , والذي فيها يكون معرضا للمحاسبة والمسائلة , عندها سيكون الشخص المناسب في المكان المناسب , وستفعل الحسقلة فعلها , وسيستتب العدل والأمان , وسيحسب الواحد ألف حساب وحساب قبل أن يفكر بالجلوس على كرسي المسؤولية.

فهل من حسقلة ودونقة لكي يستعيد العراق قوته وقدرته على الحياة الحرة الكريمة؟!!

د-صادق السامرائي

27\1\2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here