ترامب عرض في خطته عدة تعهدات لا يمكن تطبيقها

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 29/1/2020

” صفقة القرن تلغي سريان القانون الدولي في المناطق، الذي هو احدى الساحات الاساسية التي سيلجأ اليها الفلسطينيون من اجل مواجهة هذه الصفقة. واسرائيل يمكن أن تجد نفسها أمام هيئة قضائية ذات صلاحيات “.

هناك شعاران اسرائيليان يرافقان العملية السياسية منذ التوقيع على اتفاق اوسلو: “الفلسطينيون لم يفوتوا أي فرصة لتفويت الفرص” و “لم يطرح على الفلسطينيين في أي يوم عرض أفضل من هذا العرض”. هذه شعارات نمطية، ليس فقط أنها غير صحيحة، حيث أن الفلسطينيين وقعوا على اتفاق اوسلو، واتفاق أوسلو 2 واتفاق باريس، بل هي مناسبة ايضا بالنسبة لاسرائيل.

الآن ايضا، عند نشر تفاصيل “صفقة القرن” (بدون مشاركة الفلسطينيين) فان الرئيس الامريكي واثق من أنها صفقة ممتازة للفلسطينيين. لذلك، هو مقتنع بأنهم سيوافقون عليها في نهاية المطاف. وفي هذه المرة “لن يفوتوا الفرصة”، حيث أنه مع ذلك معروض عليهم دولة ما. رد الفلسطينيين على الرئيس الذي فشل في لفظ اسم المسجد الاقصى لم يتأخر. فقد اعلنوا عن رفضهم المطلق للخطة ودعوا للخروج في مظاهرات غضب اليوم وغدا.

في نفس الوقت دعت السلطة الى اجتماع عاجل وخاص للجامعة العربية. وحسب تقارير مختلفة فان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يهدد بحل السلطة الفلسطينية والانسحاب من اتفاقات اوسلو. بالنسبة لهم هذه خطة تتبنى بالكامل طموحات اسرائيل في ضم المناطق وانهاء أي احتمال لاقامة دولة فلسطينية مستقلة.

اذا كانت الخطط في السابق تحدثت عن جيوب أو كتل يهودية في دولة فلسطينية ذات حدود معترف بها تستند على خطوط 1967، الآن ستكون عدة جيوب فلسطينية داخل دولة اسرائيل. جيوب بدون أي تواصل جغرافي مع اعتماد اقتصادي كامل على اسرائيل، الذي يعني التنازل عن الحلم الوطني الفلسطيني باقامة دولة ذات سيادة بعد عشرات السنين من النضال.

حسب الخطة، غزة والضفة ستتم اعادة ربطهما، لكن في الطريق سيتم اقتطاع عدد من السكان الفلسطينيين في الضفة ونقلهم الى السيادة الاسرائيلية. الولايات المتحدة تعرض مليارات الدولارات كمساعدة على اعادة الاعمار والتطوير الاقتصادي. ولكن بدون أي التزام واضح مع جدول زمني لتحويل هذه الاموال وبدون الاشارة الى هوية المتبرعين الذين سيقدمون هذه المليارات التي يدور الحديث عنها. هل ترامب يتوقع أن تدفع السعودية الحساب أم دولة الامارات؟ الواضح هو، على

الاقل حسب النقاشات التي جرت في البحرين في شهر حزيران الماضي، أن الولايات المتحدة لن تساهم ولا حتى بدولار واحد في الخطة. ومن المثير للاهتمام أن سفراء السعودية ومصر والاردن لم يشاركوا في الاحتفال ولم يحصلوا على الشكر من ترامب ايضا.

خلافا للاردن الذي عبر بشكل صريح عن معارضته للخطة، فان مصر والسعودية تنتظران أن يعلن الفلسطينيون عن موقفهم أولا. ويمكن التقدير بأنه في اجتماع الجامعة العربية ستسويان صفوفهما مع الخط الفلسطيني – الاردني، هذا بشكل خاص بعد أن اوضح ترامب بأنه لن يكون أي تغيير في الوضع الراهن في الاماكن المقدسة، التي تطمح السعودية الى نقلها تحت رعايتها. واذا كان غياب هؤلاء السفراء عن الاحتفال يدل على مواقف هذه الدول، فمشكوك فيه أن يتحقق الاغراء الكبير الذي يعرضه ترامب على الفلسطينيين على شكل الاموال الطائلة تمكن “هؤلاء الناس المؤهلين من الازدهار”.

الخطة احادية الجانب هي على الاكثر صفقة بين اسرائيل وامريكا. في هذه الاثناء تسمع صرخات اليمين الاستيطاني الذي يعارض بشكل قاطع اقامة دولة فلسطينية، بعد اربع سنوات أو اربعين سنة. ولكن ايضا اذا حدثت المعجزة وحكومة اسرائيلية برئاسة الليكود أو أزرق ابيض تبنت هذه الخطة، فهي ستجد نفسها بدون أي شريك فلسطيني في الضفة، بالذات في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، الى جانب صراع عميق مع الاردن سيهدد اتفاق السلام بين الدولتين.

في نفس الوقت، من شأن نشر الخطة بالضبط أن يسرع المصالحة بين فتح وحماس كجزء من الجهود لتنسيق النضال الداخلي والدولي ضد الخطة. الشروط التي ذكرها ترامب من اجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية (في حينه) موجهة بشكل مباشر ضد حماس التي سيكون مطلوب منها ليس فقط الاعتراف بدولة اسرائيل، بل نزع سلاحها. جميع أسس المقاومة المسلحة وغير المسلحة التي وجدت تعبيرها في المظاهرات على حدود القطاع، وهو الامر الذي اعتبره ترامب ونتنياهو تحريضا، يجب أن تتوقف.

هذه شروط غير ممكنة وغير مقبولة، ليس فقط من قبل حماس، بل ايضا من قبل عباس. في اطار الخطة مطلوب منه الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية ووقف دفع الاموال لعائلات الارهابيين، وهو الموضوع الذي اضطر نتنياهو الى التنازل عنه من اجل منع الانهيار الاقتصادي في الضفة. اذا وحدت حماس وفتح جهودهما من اجل بناء سور محصن ضد الخطة، فان الرد المشترك يمكن أن يرتكز الى قاسم مشترك متطرف بين المنظمتين.

موضوع اللاجئين الفلسطينيين يضع عائق كبير امام الخطة. ومثلما اوضح نتنياهو، فانه لن يعود أي لاجيء فلسطيني الى المناطق التي توجد تحت سيادة اسرائيل، داخل الخط الاخضر أو المناطق التي سيتم ضمها اليها. أي أنه في حالة تمكن اللاجئون من العودة فانه يمكنهم

الاستقرار في الضفة وفي القطاع أو في دول عربية اخرى. من هذا بالضبط يخاف الاردن، المرشح لاستيعاب مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، الامر الذي سيحطم التوازن الهش والدقيق الذي يهدد الآن هويته الوطنية. وليس من الواضح، بالمناسبة، هل يستطيع اللاجئون العودة، حتى الى الضفة، قبل اقامة الدولة الفلسطينية المعترف بها، وطالما أن اسرائيل تسيطر على المعابر الحدودية على نهر الاردن.

الخطة تعد بتواصل جغرافي للدولة الفلسطينية. ونتنياهو ألمح باختراعات صيغت من اجل تحقيق ذلك. تصعب رؤية كيف سيكون بالامكان حل التناقضات بين سيادة اسرائيلية في جميع المستوطنات والبؤر الاستيطانية (لن يتم اخلاء أي يهودي أو فلسطيني من بيته)، التي ستقتضي فضاء دفاعي عنها وبين ايجاد تواصل جغرافي بين الاراضي الفلسطينية.

ترامب ألغى في خطته سريان مفعول القانون الدولي في المناطق. وهذه احدى الساحات الاساسية التي سيتوجه اليها الفلسطينيون من اجل مواجهة الخطة. اسرائيل التي تفاجأت من قرار محكمة الجنايات الدولية التحقيق في القضايا التي اعتبرت جرائم حرب، يمكن أن تجد نفسها أمام هيئة قضائية دولية سارية المفعول لا تتبنى جموح ترامب، ويمكن أن تطالب بفرض عقوبات اقتصادية على اسرائيل اذا قامت بتطبيق الاذن بالضم الذي أعطي لها من البيت الابيض. إن وسم منتجات المستوطنات سيكون في حينه فقط فقرة في نظام كامل من العقوبات.

الفلسطينيون لا يتحدثون فقط عن احتمال حل السلطة، بل ايضا الغاء اتفاقات اوسلو ووقف التنسيق الامني مع اسرائيل ونقل المسؤولية عن الادارة اليومية لشؤون المناطق الفلسطينية الى اسرائيل. المعضلة في هذه المسألة هي أكبر من أن تحتمل. عباس قال في السابق إن اقامة السلطة الفلسطينية هي احد الانجازات الكبرى للشعب الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية هي ايضا الجهة المعترف بها والتي الدول المانحة مستعدة لأن تضخ لها الاموال: يوجد لها مكانة معترف بها في المؤسسات الدولية، ومؤسسات الامم المتحدة، وهي لديها سفارات في دول كثيرة في ارجاء العالم. حلها يعني التنازل عن كل ذلك وفقدان اجهزة السيطرة. حل السلطة والانسحاب من اتفاقات اوسلو، ومنها اتفاق التجارة والتنسيق الامني، سيمنح اسرائيل الشرعية للسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني بشكل كامل. وفي المقابل، هذا القرار سيضع اسرائيل في وضع يكون عليها فيه تمويل جميع النشاطات المدنية في المناطق، وبناء اجهزة ادارة جديدة والعودة الى احتلال مباشر على المستوى الجزئي.

الجزء الاكثر واقعية في خطة ترامب وفي الاقوال التي قالها هو أن الامر يتعلق بحلم، مثل حلم يوم القيامة أو حلم احياء العظام. الـ 81 صفحة التي خصصت لهذا الحلم ربما تشمل أدق

التفاصيل الممتعة والاصلية، لكن خطة، بالاحرى صفقة، سيكون هذا تعريف بعيد جدا لهذه الوثيقة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here