التغيير الشامل هو الهدف

محمد عبد الرحمن

مضت أربعة اشهر على انطلاق الحركة الاحتجاجية بنسختها الجديدة في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩ ، والتي سرعان ما غدت انتفاضة جماهيرية واسعة، أجبرت الحكومة على الاستقالة وأدخلت معادلة جديدة في الواقع السياسي العراقي، فرضت على الكتل المتنفذة مراعاتها. فهذه الكتل لم تعد قادرة بمفردها وحسب ما تشتهي، على التحكم بمسارات وآليات إدارة شؤون البلد التي استحوذت عليها منذ ٢٠٠٣.

وطبيعي ان هذا وغيره الكثير، لم يتحقق من دون ثمن باهظ دفعته الجماهير المنتفضة، حيث استشهد اكثر من ٦٠٠ متظاهر، وجرح وأصيب ما يقرب من ٢٥ الفا غيرهم، وزاد عدد المعاقين عن ٤ آلاف.

ومنذ انطلاق الانتفاضة اتخذت قوى عديدة، جلها من المتنفذين الحاكمين والفاسدين والمرتشين، موقفا معاديا لها ولجأت الى كل الوسائل المتاحة لها لفضها ووأدها، واستخدمت على نطاق واسع آلية القتل العمد والعنف والاعتقالات والاغتيال والتسقيط السياسي والاجتماعي ونشر الأكاذيب والافتراءات وتشويه الحقائق. وتمت الاستعانة في هذا المسعى القبيح والإجرامي، بمؤسسات وأجهزة داخلية وخارجية، رسمية وغير رسمية، فيما بقي البعض متفرجا على ما يحصل، او سعى الى الظهور بخلاف حقيقته وحقيقة مواقفه، وما دأب عليه من مواقف ترتعب من اَي حراك جماهيري وتشكك فيه.

بعد أربعة اشهر، ورغم كل الظروف والتعرجات والقمع المفرط ، ظلت الانتفاضة متواصلة صامدة، وتحقق هذا قبل كل شيء بفضل تضحيات المنتفضين وتحملهم وصبرهم وعزيمتهم وإرادتهم التي فاقت كل التصورات والتقديرات. كما تحقق بفضل دعم جماهير وقطاعات مجتمعية واسعة، وانحياز قوى وأحزاب وطنية ومؤسسات واتحادات ونقابات اليها ومشاركتها فيها. وتأتي في هذا السياق أيضا مواقف شخصيات ثقافية ومدنية ودينية، إضافة الى المرجعية العليا التي ادانت على نحو

واضح العنف ومساعي فض الاعتصامات بالقوة، مشددة على سلمية الحركة الاحتجاجية .

ولا يمكن نسيان او تجاهل الدعم، المادي والمعنوي والسياسي، والإسناد الكبير للمنتفضين من الجاليات العراقية في الخارج، التي كانت بحق سفارات لهم في دول العالم المختلفة، تعرّف بهم وبشهدائهم وبمطالبهم العادلة، التي جرى اختصارها في شعار: نريد وطن .

وليس هذا وحسب، فهناك العديد من المؤسسات الدولية والمنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان التي عرَّت عنف السلطة وأدانت الانتهاكات الفظة لحقوق المواطن والدستور العراقي . وفي المقابل ليس مستغربا ان تقف قوى معينة ضد الانتفاضة، عندما غدت مطالبها وطنية عامة وعندما لامست جذور الازمة التي تعصف بالوطن ومسبباتها وطالبت بالإصلاح والتغيير. فهي قد تكون هددت او في طريقها الى تهديد مصالح الفاسدين والفاشلين المتنفذين، وزعزعة سلطتهم وهيمنتهم التي صوروها بصورة سلطة الأكثرية ، فيما هذه الأكثرية تنفض اليوم عن الحاكمين ذاتهم وتضيق الخناق عليهم وتقول لهم بوضوح: لقد انتهت اللعبة، هيا ارحلوا فأنتم لا تمثلون الا أنفسكم ومصالحكم، ونحن منكم براء !

ان امام المنتفضين مهام أخرى جسيمة ولا تقتصر على تشكيل حكومة جديدة. مهام يفترض ان تتحقق من خلالها مجموعة من الأهداف التي حددتها ساحات الاعتصام وغدت عهدا كتب بدماء الشهداء البررة. والهدف كان وما زال السير على طريق الإصلاح الشامل، وهو ما يستوجب إبقاء جذوة الحراك والضغط متقدة. وعلى هذا فالمنتفضون في حاجة دائمة الى زيادة عديدهم، والى اصطفاف قوى شبابية وطلابية وجماهيرية أخرى معهم. وأصبح واجبا الآن ان يتوقف المنتفضون عند بعض الشعارات الخاطئة، لمراجعتها وتدقيقها كي لا تختلط الأوراق وتتشتت القوى وتضعف العزيمة، وهو ما يراهن عليه أعداء الانتفاضة .

ومن الملحّ أيضا ان تمتلك الانتفاضة برنامجها ورؤاها، وان تميز بين القوى والأحزاب والشخصيات المنحازة اليها والى الشعب ومطالبه، وبين تلك الفاسدة التي لم تجلب للعراق الا الخراب والمآسي، والتي انتفض ضد سلطتها الشعب بشبابه ورجاله ونسائه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here