من أكاذيب السلفية الوهابية،

الدكتور صالح الورداني
———————
اعتاد المسلمون منذ قرون طويلة تكريم أئمتهم ورموزهم ببناء قبور خاصة بهم وبناء القباب فوق هذه القبور ..
واعتاد المسلمون أيضاً الاحتفال بهؤلاء الأئمة وإحياء المناسبات الخاصة بهم وزيارة مراقدهم والتوسل بهم عند الله سبحانه ..
ولم يبرز من بين الفقهاء من يعترض على هذه الظاهرة أو يستنكرها ، أو يعتبرها من البدع والضلالات إلا بعض فقهاء الحنابلة ممن لا وزن لهم..
ثم برز ابن تيمية في القرن الثامن الهجري وأعلن الحرب على هذه المراقد وعلى أصحابها..
وحرم شد الرحال إليها ومن بينها قبر الرسول (ص)..
واعتبر التوسل بالرسول وأصحاب المراقد من الشرك، والزيارة والتبرك بهم عبادة لغير الله ..
ولم يكن لابن تيمية من دليل على هذا سوى بعض الروايات المختلف على صحتها وعلى تفسيرها بين الفقهاء ، وبعض الأقوال الشاذة لبعض الحنابلة..
وهو ما أدى إلى تصدى الفقهاء له وإعلان الحرب عليه من قبلهم بسبب تبنيه لمثل هذه الأمور ..
وتبنى ابن عبد الوهاب أفكار ابن تيمية وفرضها على المسلمين في جزيرة العرب بسيوف آل سعود ، وجعلها من أساسيات التوحيد ، وحكم على مخالفيه من المسلمين بالشرك والكفر واستحل دمائهم وأموالهم ..
ومنذ ذلك الحين حمل الوهابيون راية المواجهة مع المسلمين متسلحين بهذه الأفكار التي عدوها من المسلمات ، لتصبح شغلهم الشاغل وأرهبوا بها العامة والبسطاء من الناس ..
وكان تفجير ابن تيمية لمسألة التوسل وزيارة قبر النبي (ص) وقوله بتحريمها قد دفع بفقهاء أهل السنة إلى التصدي له وتبيين موقف أهل السنة منها ..
وعلى رأس الفقهاء الذين تصدوا له القاضي الفقيه الشافعي تاج الدين السبكي بكتابه الشهير : شفاء السقام في زيارة خير الأنام ..
وقام الشيخ التقي ابن الأخنائي المالكي بالرد على ابن تيمية في مسألة الزيارة برسالة :
( المقالة المرضية في الرد على من أنكر الزيارة المحمدية )
فرد عليه ابن تيمية واستجهله وأعلمه أنه قليل البضاعة في العلم..
وتلقف الوهابيون رد ابن تيمية وقاموا بتحقيقه ونشره وإشاعته بين المسلمين..
ومما يؤكد كذب الوهابيون فيما يتعلق بمسألة القبور والتوسل نصوص كتب عقائد أهل السنة التي لم تشر من قريب أو بعيد لمسألة الزيارة والتوسل التي جعلوها من المعتقدات..
وعلى رأس هذه الكتب كتاب اعتقاد الإمام المبجل أحمد بن حنبل وهو من الكتب التي تبناها الوهابيون، وقد قال فيه ابن حنبل بجواز الكرامات على الأولياء ووجوب التفريق بينهما بينها وبين المعجزة ، وأنكر على من رد الكرامات وضلله..
وكذلك في رسالة السنة لولده عبد الله..
وفي أصول السنة له أيضاً لم يشر إلى شئ يتعلق بالتوسل والقبور..
والطريف أن ابن حنبل كان له قبر يزوره أتباعه ومحبيه وأخذه السيل فاتجه الزوار نحو قبر ولده عبد الله كما ذكر الذهبي في ترجمة ابن حنبل في كتابه تأريخ الإسلام..
وإذا كان ابن حنبل الذي يعدونه إمامهم لم يشر لمسألة القبور والتوسل ،فمن أين أتى الوهابيون بهذه المسالة ، وكيف ضخموها كل هذا التضخيم وحكموا على المسلمين المخالفين بالكفر والشرك على أساسها..؟
والجواب هو أنهم أتوا بها من ابن تيمية الذي لم يتمرد على أهل السنة وحدهم بل تمرد على إمامه ابن حنبل أيضاً..
ومن الطريف أن ابن تيمية لم يشر أيضاً في عقيدته الواسطية لمسألة القبور والتوسل..
وكذلك العقيدة الطحاوية لا توجد بها أية إشارة لهذه المسألة ورغم ذلك قام الوهابيون بتحقيقها ونشرها..
وحتى في كتب الاعتقاد الحنبلية وغير الحنبلية التي يقوم الوهابيون بنشرها لا توجد إشارة لهذه المسالة سوى في بعض الكتب المتأخرة بعد ظهور ابن تيمية..
وجميع كتب العقائد عند أهل السنة تركز على مسألة صفات الله تعالى والسمعيات ومسألة الصحابة ، وهى تجمع على عدم تكفير أهل القبلة بذنب كبيراً أو صغيراً..
واستند الوهابيون على حديث يقول :لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد :
المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا ..
وهذا الحديث فيه وقفات :
أولاً \ إن المسجد الحرام ومسجد الرسول به قبور ..
ثانياً \ إن المسجد الأقصى غير معروف مكانه ..
ثالثاً \ إن أهل السنة لم يفهموا هذا الفهم الذي فهمه الوهابيون من الحديث فهم
لايقولون بتحريم زيارة القبور..
رابعاً \ إن الوهابيين يفرقون بين زيارة مسجد الرسول وزيارة قبر الرسول فهم يقرون بجواز زيارة المسجد لا القبر..
وإذا كان محور الإشكال في زيارة قبر االرسول (ص) فلماذا طلب الرسول شد الرحال إلي مسجده وهو يحوي قبره..؟
وكيف يكون الحديث بهذا اللفظ الذي يوحي بمنع شد الرحال مطلقاً إلا لهذه المساجد الثلاث..؟
قال السيوطي : لَا تشد الرّحال أَخذ بِظَاهِرِهِ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْن فَقَالَا يحرم شدّ الرّحال إِلَى غير الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة كقبور الصَّالِحين والمواضع الفاضلة وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا أَنه لَا يحرم وَلَا يكره..
قَالُوا: وَالْمرَاد أَن الْفَضِيلَة التَّامَّة إِنَّمَا هِيَ فِي شدّ الرّحال إلى هَذِه الثَّلَاثَة خَاصَّة وَهَذَا الَّذِي إختاره إِمَام الْحَرَمَيْنِ والمحققون..
وقال العراقي: من أحسن محامل الحديث أن المراد منه حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد من الرحلة في طلب العلم، وزيارة الصالحين، والإخوان والتجارة، والتنزه ونحو ذلك، فليس داخلاً فيه..
وقال ابن حجر في فتح الباري ج 3بَابُ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ: وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي عَصْرِنَا فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ مُنَاظَرَاتٌ كَثِيرَةٌ وَصُنِّفَ فِيهَا رَسَائِلُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ – يُشِيرُ إِلَى مَا رَدَّ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى ابن تَيْمِيَةَ ،وَمَا انْتَصَرَ بِهِ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي وَغَيْرُهُ لِابْنِ تَيْمِيَةَ وَهِيَ مشهوره فِي بِلَادنَا..
وَالْحَاصِل إِنَّهُم ألزموا ابن تيميه بِتَحْرِيم شدّ الرحل إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ ،وَأَنْكَرْنَا صُورَةَ ذَلِكَ وَفِي شَرْحِ ذَلِكَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ طُولٌ..
وَهِيَ مِنْ ابشع الْمسَائِل المنقوله عَن بن تَيْمِيَةَ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى دَفْعِ مَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ، مَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ زُرْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ..
وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ كَرِهَ اللَّفْظَ أَدَبًا لَا أَصْلَ الزِّيَارَةِ ،فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّ الْقُرُبَاتِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى ذِي الْجَلَالِ ،وَأنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مَحَلُّ إِجْمَاعٍ بِلَا نِزَاعٍ وَاللَّهُ الْهَادِي إِلَى الصَّوَابِ..
وَقال النووي في شرح مسلم : فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هذه المساجد الثلاثة وفضيلة شد الرحال اليها ،لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَا فَضِيلَةَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى مَسْجِدِ غَيْرِهَا..
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا من يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا وَهُوَ غَلَطٌ..
وهذا ما عليه إجماع أهل السنة فيما يتعلق بمسألة شد الرحال..
ومن الأكاذيب الفاضحة للوهابية أنهم عمدوا إلى أمور من الفقه والمستحبات فجعلوها من المعتقدات وبنوا عليها مواقف تكفيرية وشركية وتبديعية استخدموها ضد المخالفين..
ومن بين القضايا التي استثمرها الوهابيون وجعلوها من العقائد قضية التوسل ..
والسؤال هنا هو : هل التوسل حقاً من مباحث الاعتقاد .. ؟
قال الدكتور عيسى الحميري في كتابه التأمل في حقيقة التوسل : يعتقد بعض الناس أن التوسل من مباحث العقيدة ، ويترتب على القول به تكفير أو تبديع أو تفسيق وتضليل ، ولو نظرنا إلى هذه القضية بعين الإنصاف لعلمنا أن التوسل ليس مبحثاً من مباحث الاعتقاد ، وأمره يدور بين الجواز والندب..
وما كان أمره كذلك فهو من موضوعات الفقه ،وإقحام مباحث الفقه في العقيدة خطأ جسيم وقلب للحقائق ، وصرف للأمور عن وجهها ، والأصل أن ينزل كل بحث في منزلته الصحيحة وفنه اللائق به ، علماً بأن جميع الفقهاء على اختلاف مذاهبهم الفقهية يذكرون التوسل في باب صلاة الاستسقاء أو عند زيارة القبر النبوي الشريف ، ولم نر أحداً من علماء أصول الدين يذكر التوسل في التوحيد إطلاقاً ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here