العالم وتداعيات فيروس كورونا

زياد الشيخلي

كارثة جديدة تضرب العالم، فبعد الإرهاب والتكفير والتطرف، يهجم على الصين فيروس كورونا ليفتك بشعب الصين ويحول هذه الأمة العملاقة إلى بلد يعيش أسوأ أيامه في تاريخ الصين الجديد، من الثورة الماوية عام 1949م، بقيادة زعيم الحزب الشيوعي الصيني ماوتسي تونع إلى يومنا هذا.
الإرهابي فيروس كورونا الجديد والذي سُمي ب (nCOV-2019)، بحسب منظمة الصحة العالمية. بلا شك أنها نكبة، بل كارثة، مشاهد مبكية بطلها وكما ذكرنا آنفا، الإرهابي كورونا وفيروسه اللعين، الذي فتك بآلاف الضحايا وما يزال يضرب يمينا وشمالا، شرقا وجنوبا. ولك أن تتخيل أي مأساة عندما لا يستطيع أب أن يحتضن طفله المصاب بالفيروس، حتى أجهش بالبكاء حينما رفع الطفل ذراعيه طالبا من والده حمله واحتضانه! بيد أن دراما هذا الفيروس القاتل لن تنتهي، حيث الهروب الجماعي من المدن التي جعلها تتحول إلى أشباح وشوارع خالية، لا تحتوي على أي مظاهر للحياة.
لكن انعكاسات هذه القضية أخذت طابعا وطنيا لدى عموم الشعب الصيني، وكان لها تداعيات مجتمعية مهمة، حيث شهدت الصين منذ بداية انتشار هذا الوباء، حملة تبرعات كبيرة جُمعت فيها مبالغ فلكية لمواجهة هذا الفيروس، وصلت هذه التبرعات لمبلغ وقدره (10) مليار يوان صيني، أي ما يقترب من مليار ونصف دولار أمريكي، وهذا بحسب ما أعلنته جمعية الصين الخيرية.
لكن هناك جدلية خيالية تربط ما بين تفشي هذا المرض ونظرية المؤامرة وكيف؟ ومن يوجه إليه الاتهامات؟
وقد يكون لأن الصين استطاعت أن تزيح نظيرتها الولايات المتحدة الأمريكية من المرتبة الأولى من حيث قيمة الاستثمارات في مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة خلال العام 2018م. بالإضافة إلى أن الصين قد تمكنت من جذب نحو 107.2 مليارات دولار من المشروعات الاستثمارية الجديدة، في حين واصلت أمريكا تصدرها الدول من حيث عدد المشروعات الجديدة التي أسسها المستثمرون الأجانب، والتي بلغت 1581 مشروعاً. واستقبلت منطقة آسيا (المحيط الهادئ) أكثر الاستثمارات من حيث القيمة، إذ بلغت 377.7 مليار دولار، في حين حلت غرب أوروبا على رأس قائمة أكثر المناطق جذباً للاستثمارات الأجنبية من حيث عدد المشروعات؛ بعد أن بلغت نحو 4385 مشروعاً، وفق ما ذكرته مؤسسة (إف دي آي إنتليجنس) البريطانية المختصة بالمال.
وكعادته، اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التصعيد دون التفات لأي اعتبارات متغافلاً امتلاك الصين سلاحا ربما يكون الأقوى فى الحرب التجارية التي اندلعت بسبب فرض الرسوم الجمركية حيز التنفيذ، حيث تعد الصين أكبر حامل سندات وأذون خزانة أمريكية عما سواها من الدول، وتستثمر فى هذه السندات مليارات الدولارات ما يجعلها الورقة الرابحة فى الحرب التجارية مع واشنطن. وبحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، فإن استثمارات الصين فى السندات الأمريكية بلغت بحلول يناير الماضي 1168.2 مليار دولار، مقابل 1051.1 مليار دولار فى يناير من العام 2017، لتمثل حصة الصين بذلك من السندات الأمريكية ما يعادل 19% لتأتى فى صدارة الدول المستثمرة فى تلك السندات، متقدمة على دول مثل اليابان وفرنسا والمملكة المتحدة. (1)*

مما دعا بعض المختصين في الاقتصاد العالمي أن يعتبرون السندات الصينية، قنبلة الصين النووية فى الحرب التجارية مع واشنطن، لأن بكين تمتلك سندات بـ1168 مليار دولار وبيعها يضرب اقتصاد أمريكا فى مقتل.

ومن هذا المنطلق بدأت الحرب الاقتصادية والتجارية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على الصين.
فلنستعرض بعض المعلومات التي قد تكون مفيدة للربط بهذه الجدلية ونظرية المؤامرة:

1. بحسب موقع (روديوم جروب للأبحاث)، فإن إجمالي الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة الأمريكية وصل عام 2016م، إلى 46 مليار دولار، ولكنه انخفض في عام 2019م، ليصل إلى 29 مليار دولار، وكانت الضربة القاسمة تحديدا في عام 2018م، عندما وصلت قيمة الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أدنى مستوياتها بقيمة 5 مليار دولار.

2. ومن نفس المصدر.. (360 مليار دولار قيمة التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين)، من هنا بدأت المعركة الاقتصادية والحرب التجارية بين البلدين، ليُكشر العم سام عن أنيابه وتفرض الولايات المتحدة الأمريكية حزمة من الرسوم الكمركية التي تُعد كأسلحة دمار شامل على الاقتصاد الصيني بعينه. ففي يوليو عام 2018م، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية رسوما كمركية على البضائع الصينية بمعدل 68 مليار دولار، وهنا الصين ردت بفرض رسوم كمركية على البضائع الأمريكية بنفس القيمة. وفي نفس العام من شهر أغسطس كانت هناك حزمة ثانية من الرسوم الكمركية على البضائع الصينية بمعدل 16 مليار دولار، وكذلك الصين ترد بنفس الطريقة وذات المبلغ على البضائع الأمريكية. وكانت الطامة الكبرى عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية في نفس العام ولكن في شهر سبتمبر بفرض الحزمة الثالثة من الرسوم الكمركية على بضائع صينية بمعدل 200 مليار دولار، لكن الصين هذه المرة لم ترد بنفس المبلغ، بل فرضت رسوم كمركية بمقدار 60 مليار دولار على البضائع الأمريكية. (2)*

3. التغلغل الصيني الاقتصادي في الكويت.. حيث تخطط الصين والكويت لإنشاء صندوق استثماري مع بقيمة 10 مليارات دولار وكانت الكويت قد دخلت في مفاوضات مع الصين إنشاء صندوق( طريق الحرير الصيني الكويتي) الذي سيستثمر في المشاريع الكويتية المتعلقة بمدينة الحرير وتنمية الجزر. كما يمكن استخدام أموال الصندوق، لضخ استثمارات استراتيجيه في الصين ومناطق أخرى في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وتهدف المبادرة الصينية إلى ضم الحزام الاقتصادي لطريقي الحرير البري والبحري للقرن الواحد والعشرين، في سبيل بناء شبكة للتجارة والبنية التحتية تربط قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، ممثلة بقرابة 60 دولة. وأشارت المعلومات إلى أن الكويت والصين، ستقومان بتوفير المبلغ مناصفة، دون تفاصيل عن موعد انطلاقه.
الجدير بالذكر أن بكين قد نفذت استثمارات بقيمة 64.64 مليار دولار في دول الحزام والطريق، منذ 2014 حتى 2017، في أكثر من 50 دولة بقارات آسيا وأفريقيا وأوروبا. وقالت المصادر إن الصين ستعمل مع الشركاء الاستراتيجيين لترتيب تمويل المشاريع التي سيتبنّاها الصندوق المشترك، وهو ما يمكن أن يمنح الصندوق قدرة استثمارية تصل إلى 30 مليار دولار. بيد أن الكويت تعكف حاليا على تطوير منطقتها الشمالية في إطار سعيها إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية، وتحويل نفسها إلى مركز أعمال إقليمي بحلول 2035. ويعدّ مشروع مدينة الحرير الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات، وتم التخطيط له لأكثر من عقد من الزمن أحد أهم الأهداف. ويبني البلدان مشروعا مشتركا يضم مصفاة لتكرير النفط ومجمعا لصناعة البتروكيماويات في غوانغدونغ في الصين، تبلغ كلفته نحو 9 مليارات دولار. ولدى الكويت استثمارات في الصين تتجاوز قيمتها 3 مليارات دولار، بينما بلغ حجم الاستثمارات الصينية في الكويت 750 مليون دولار في 2017. وتظهر الأرقام الرسمية أن حجم التبادل التجاري بين الكويت والصين بلغ بنهاية 2017 قرابة 12 مليار دولا. (3)*

4. الاتفاقية العراقية الصينية وما أدراك ما هذه الاتفاقية.. يتوهم من يعتقد أن الصين تحمست لتوقيع اتفاقيتها مع العراق ودفعت الحكومة المستقيلة الى سرعة تنفيذها انطلاقا من باب الصداقة بين البلدين، أو لمصلحة العراق واقتصاده والحرص على بنيته التحتية. لكن الصين، ومن خلال هذه الاتفاقية، تريد ربط العراق ورهن اقتصاده ضمن مشروعها العملاق الذي يعرف بمبادرة (الحزام والطريق)، الذي يقوم على أنقاض طريق الحرير لبناء اكبر مشروع بنية تحتية في التاريخ البشري .
حيث تغطي مبادرة الحزام والطريق أكثر من (68) دولة، بما في ذلك 65٪ من سكان العالم، و 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي لذلك يقدر أنّها ستدرج ضمن أكبر مشاريع البنية التّحتيّة والاستثمار في التّاريخ.
كما تحرص الصين المحافظة على أسواق التّصدير، وفتح أسواق تصدير جديدة، فتتحول هذه المبادرة تدريجياً إلى تحالفات تجاريّة ترسخ مكانة الصّين تجارياً بشكل مستدام، ففي عام 2017 بدأت الصّين تجني أرباح هذه المبادرة فارتفعت صادراتها إلى الدّول التي تقع ضمن المسارين (الحزام والطريق) بنسبة 16٪، ونمت وارداتها بنسبة 27٪. أما المحور الهام جداً، هو سعي الصّين لزيادة التّبادل التّجاري بالعملة الصّينيّة، ومن فوائدها تقليل تكلفة التّبادل التّجاري، وتقليل وقت التّسويّة (قياساً بالتّعامل باليورو أو بالدولار).
وتروج الصّين لاستخدام (اليوان) في التّعاملات التّجاريّة والمشاريع. وهذا مما يجعل عملة الصين ، عملة صعبة.(4)*

وتأسيسا لما تقدم، هل يمكننا التسليم لنظرية المؤامرة بوجود أصابع أمريكية صهيونية لهذه الكارثة التي ضربت الصين؟

المصادر:

(1)* 2019م، at-ain.com
(2)* 2019مwww.alarabyia.net
(3)* 2919مalarab.co.uk
*(4) www.rudaw.net, 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here