ساحة المدرسة…

Image preview
ثمةُ أحزان في حياتنا لا تنسىى ولا يندمل جرحها مدى الحياة وهناك أيام مرت نتمنى لو نعيشها ألف مرة ولا تنقضي أبدا وثمة أحلام لم تتحقق إلا بعدما نفقد شغفنا بها
وسعادة كانت بين أيدينا لم ندركها ألا بعد زوالها تلك هي حياتنا .
وفي صباح كل يوم تكتب لنا حكاية فكان صباحي مختلف حيث قادني القدر الى
ان التقي في يومي بتلك التلميذة في ساحة المدرسة ولفت نظري طفلة لم تتجاوز السادسه من عمرها تحمل بيدها حافظة طعام مفتوحة شاهدتها وهي تتنقل بين الطالبات كانت معلمتها تنظر اليها والى بقية الطالبات بهدوء أغاظني ، اقتربت منها بهدوء كي اكتشف سرها أو لعلي أكتشف سر حافظة الطعام التي تحملها، دنوت منها والقيت عليها تحية الصباح “صباح الخير” ماهو اسمك حبيبتي؟ أجابتني بخجل : نور، مامعك في هذه الحافظة وهل لديك حلوى تبيعينها ؟ كنت أظنها تبيع ما في داخل الحافظه ، نظرت إليًً وقد إحمرَ وجهها خجلا وتلك أنفاسها المتسارعة من الخوف تقترب مني ، هزت رأسها على إستحياء وأرتني الحافظة المفتوحة واذا بها ثلاثة سندويتشات صغيرة ملفوفة بعناية أكاد ألمح فيها لمسة أمها بنكهة الحنان والغربة فقلت لها انت بطلة يانور تأكلين ثلاثة سندويشات نظرت اليَّ بنظرة قلق مبهمة من سؤالي وهزت رأسها نافية ، فدنت مني معلمتها بإبتسامة قبل أن استرسل في تساؤلاتي انها مس أمل إنها تبحث عن شريكه.
لم أفهم ما تعنيه ، تابعت مع مس أمل كل يوم تجهز أم نور لها ثلاثة سندويشات واحدة لها فقاطعتها نور بفرح واثنان لصديقاتي ممن ليس لديهم طعام أو من تريد أن تأكل معي من صديقاتي ، ابتسمت مس أمل ولكن الحيرة أخذت من عقلي وتفكيري
لم أستطع اخفاء دهشتي من الموقف فأنا بالكاد أجهز لأولادي طعامهم كل صباح ومضت الأيام لتحمل لي بطياتها فرصة إلقاء مع ام نور في اجتماع أولياء أمور الطلبة
فبادرت بالتعرف عليها كي اقتل ذاك التفكير بالسندويشات الثلاثة، فبادرتني بالسلام
ام نور آسفة أنا من بغداد لم اكن أعلم ان تعليمات المدرسة تمنع مشاركة الطالبات وجبة الفطور لكنه خير ادخرته لأبنتي عسى ان يرده الله لي ولها.
كانت نظراتي بل كل مشاعري مع كل كلمه تنطقها مستغربة لم افهم ما تعنيه
ام نور فقالت لي في بداية زواجي نقل زوجي الى محافظة خارج بغداد كنت موظفة معه في نفس الشركة وعملنا يتطلب منا البقاء حتى الليل لتأمين حياة جيدة لنا و لابنتنا الوحيدة نور التي كنت اتركها صباحا عند صديقة لي وهي جارتي الله يسعدها اين ما كانت واعود اليها بلهفتي وشوقي بعد الظهر لنذهب معا الى بيتنا في العمارة المجاورة لنبدأ يومنا الأسري الجميل (وتابعت وكأنها تستذكر الماضي) في يوم وانا عائدة من الدوام وقد أنهكني التعب والجوع دخلت بالخطأ الى عمارة اخرى وقد امتلأت بروائح الطعام اللذيذ في موعد الغداء ، روائح اخترقت عقلي قبل انفي وايقظت الشوق في داخلي ، اشتقت الى أمي وطعامها المشهود له ، طعام امي بل وحنان امي ووجدت نفسي اغرق في دموعي لو انها هنا ما كان كل هذا التعب لو انها معي لكانت حياتي اسهل واجمل.
أدركت حينها أنني أخطات بالعمارة عدت الى جارتي مسرعة ناولتني نور وكانت نائمة هممت بالخروج واذ بها تحضر لي طبقا من الدولمة البغدادية الذي لم اذقه منذ آخر زيارة لي لأهلي في بغداد لصعوبة تحضيره فقالت لي نور احبت الدولمه واكلت الكثير منها فعرفت انكم من عشاق الدولمه فحسبت حسابكم بهذا الصحن
لن اصف لك يا مس كم كان سر سعادتي وانا آخذ منها الصحن وقد جبر الله خاطري بشيء بسيط لكنه في حينها كان السعادة بحد ذاتها
اتصلت بأمي لأشاركها سعادتي عدة مرات قبل ان ترد علي ، اخيرا اين انت يا أمي لماذا لا تردين عليَّ لقد اخذني التفكير واستبد بي َّالقلق عليها؟
امي : ردي فكري مشغول عليك من الصباح والحنين لك يقتلني .
استعذت بالله من الشيطان وتذكرت أمي عندما كانت جارتنا المحتاجة مريضة تطبخ الطعام وترسله لها لأنها بأمس الحاجة له هي واولادها فكانت عندما ترسل لها أو الى أي جار محتاج تقول ” يارب لقد ادخرتها لأبنتي في غربتها هي اخلاق ربتني عليها امي وترعرت في تقويمي وأخلاقي لذى أنا أفعل مع ابنتي مثل ما فعلت امي معي اقوم ابنتي عليها وأن أدخرها لها وكل ما يجبر خاطرها في كل حين فلربما تكون في يدها شندويش اشتهته طفلة لم يتسن لوالدتها تجهيزه لها لسبب ما فتسعد بها كسعادتي بطبق الدولمة الساخن في يوم غريب مرهق ، غادرتني ام نور وأنا ادعو الله أن يزيدها كرما وأقول في نفسي ادخروا لأنفسكم ولأحبتكم فالخير في سعادة تمنح وعطاء بنكهة الحب سيرده الله لنا مضاعفا….

بقلم :ذكرى البياتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here