الانتفاضة في مواجهة التحديات

جاسم الحلفي

الانتفاضة الباسلة التي باغتت الطغمة الحاكمة بقوة انطلاقتها، وصمدت امام كل انواع القمع وأشكاله: العنف المنظم والقتل الممنهج الى جانب الاعتقالات العشوائية، هذه الانتفاضة المستمرة لن يمكن اجهاضها مهما كثر اعداؤها. وهذا ليس رأيا عاطفي البواعث، بل هو استنتاج أجمعت عليه العقول العراقية التي رصدت وتابعت فكريا يوميات الانتفاضة ومسارها.

عند معاينة بعض التحديات التي واجهتها الانتفاضة وما زالت، يمكننا الاتفاق مع ما مر ذكره. ونحن إذ نورد ذلك انما نهدف الى توجيه رسالة الى كل الفاعلين السياسيين، مفادها ان الانتفاضة لن توقف حراكها الا اذا صار يقينا ان مسار الاستجابة لتحقيق أهدافها يتجه نحو التغيير الجذري.

– على صعيد الوقت: راهنت طغمة الحكم عليه، آملة ان يكل المنتفضون ويملوا من مواصلة الكفاح والحضور في ساحات الاحتجاج. ولكن كلما لعب المتنفذون على عامل الوقت، محاولين التسويف وفقا لاسلوبهم الدارج في مواجهة الازمات، كانت الجموع البشرية المنتفضة تزيد من حضورها في الساحات، عبر المشاركة الواسعة لمختلف طبقات وفئات الشعب وشرائحه الاجتماعية، في تأكيد بالغ الدلالة على استمرارها في الانتفاضة وعدم التراجع.

– العنف: فشلت كل المحاولات – وما اكثرها! – التي هدفت الى جر الانتفاضة الى العنف. ويتعجب المرء حين يرصد حجم العنف المدان وتنوع اشكاله، والذي مارسته أدوات السلطة القمعية بالاشتراك مع المليشيات المنفلتة بمختلف مسمياتها ضد المنتفضين، كيف ان هؤلاء لم ينجروا الى العنف مع ان الشرائع السماوية والقوانين الوضعية تعترف لهم بحق الدفاع عن النفس حينما ترتكب جرائم ضدهم وهم يكافحون من اجل الحياة والكرامة. لقد تمسكت الانتفاضة بالأسلوب السلمي، ونجحت في تجديد أساليبها الاحتجاجية السلمية وتطويرها وابتكار الجديد منها، وهذا ما يؤرق طغمة الفساد، ويقض مضاجعها.

– جدل الإصلاح والتغيير: تجاوزت الانتفاضة مفهوم الإصلاح بالمعنى الذي يبقي على نظام المحاصصة ويتسمك به، مع اجراء تحسينات في وظيفته كتقديم خدمات وتوزيع عطاءات، علما انها (الانتفاضة) لم تندلع من اجل فرص عمل محدودة في دوائر الدولة او لزيادة شرائح الزبائنية، بل هدفت الى التغيير، تغيير بنية النظام لتكون المواطنة هي الوحدة الأساسية في البناء، والخروج من دولة المكونات وزعمائها المتنفذين، ومغادرة منهج المحاصصة المقيت. اضافة الى اقامة نظام العدالة الاجتماعية الضامن لمساواة المواطنين الأحرار، حيث تتاح الفرص المتكافئة للجميع دون هيمنة الأتباع والمتحزبين واستحواذهم على المناصب والمواقع.

– العدالة: لا يرجع المنتفضون ولا يتراجعون عن هدف العدالة الاجتماعية، وردم الهوة الواسعة في المستوى المعيشي بين طبقة فاسدة اتخمها نهب المال العام وتربعت على موارد واقتصاديات العراق من سرقة النفط وتهريبه الى السيطرة على الموانئ والارصفة مرورا بالاستحواذ على العطاءات، وبين طبقات المجتمع الأخرى التي تعيش الفاقة والعوز والبطالة. لا يتراجع المنتفضون عن محاسبة الفاسدين، وتقليص الفجوة المعيشية بين الطبقة الغارقة حد التخمة في الامتيازات، وتلك الطبقات الاخرى والفئات المهمشة وسكنة العشوائيات، الذين لا يكادون يجدون قوتهم وقوت اطفالهم اليومي!.

– البديل: نعيش اليوم الأزمة التي لازمت كل الثورات التي لم ينضج بديلها، حينما يُرفض القديم ولا يعود مقبولا من الشعب، ويتصدع بنيانه، ويتهاوى امام ضربات الشعب المتواصلة بدأب ومن دون تردد. فحينما يشتد الصراع بين القديم المرفوض، والجديد الذي لم يتشكل ويأخذ اطاره الواضح، يكون التحدي خطرا، بل ويتحول الى خطر على الانتفاضة، وهذا ما يتطلب الاستعداد له من لدن شباب الانتفاضة وقواها الناهضة، ومن قبل القوى والشخصيات الوطنية والمدنية والعقلانية وكل قوى الاعتدال ومناصري العدل بشكل عام والعدالة الاجتماعية بشكل خاص.

نحن نراهن على قدرة الانتفاضة على النجاح امام شتى التحديات التي تواجهها، بعد ان نجحت في تجاوز الكثير من المخاطر التي اعترضت طريقها. فقد اثبتت قدرتها على خلق آلية خلاقة متجددة، تولد إمكانيات هائلة فعالة لمقاومة وافشال كل محاولات اجهاضها أو تحجيمها.

وان الرهان على الانتصار هو رهان شباب الانتفاضة، الرهان على شجاعتهم وبسالتهم ومطاولتهم وابتكار الجديد من أساليب الكفاح، وهذا كله يشكل قوة دفع هائلة. اما التضحيات الجسام التي قدمها الشعب، فمنطلقها ومستقرها الضمير ووجدان شباب العراق، الذين يعلون قيم نكران الذات والدفاع عن الحق والعدل، القيم الإنسانية الراقية التي تمنحهم القوة والاندفاع نحو الهدف، وتشكل الرافعة لانتصارهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here