تفضيل نهج الشيعة الامامية على الزيدية الحلقة الاولى والحلقة الثانية،

مروان خليفات

تفضيل نهج الإمامية على مذهب الزيدية بالأدلة الشرعية (الحلقة الأولى )

كنتُ قد سُئلت منذ مدة طويلة عن أسباب اختياري النهج الامامي الاثني عشري، دون المذهب الزيدي .

وقد أجلت الجواب نظرا للظروف الراهنة، ولكني وجدت الآخر يتمادى في نقض عقائد الإمامية، فعزمت على تبيين بعض الحقائق هذا مع دعائنا للمقاومين بالنصر والفرج .
لقد درست المذاهب الإسلامية منذ قرابة ثلاثين سنة، وها أنا ازداد ايمانا كل يوم بصحة منهجي، ولو وجدت الطريقة الزيدية هي الحق الذي يمثل نهج النبي وآله لما ترددتُ في اتباعهم طلبا للنجاة .

والحق أنه ينبغي أن يكون منبع الأدلة هما : الكتاب والسنة المتفق عليهما بين الفريقين وعلى هذا سيكون بحثي في الصفحات القادمة، والأدلة هي الاساس، وبعضهم يكرر مقولته العاطفية المخالفة للواقع، وهي أن ذرية النبي كانوا على نهج واحد في القرون الثلاثة الأولى، فيجعل من أئمة الاثني عشرية زيدية، وما أبعده عن العلم والموضوعية، وأين أئمة الإمامية من ذاك النهج ولماذا لم يقم أحد منهم بالسيف ويدع لنفسه على طريقتهم؟ بل كانوا عليهم السلام مخالفين لهم كما أثبتُ في حلقاتي حول الثورات العلوية، وهي في صفحتي فيمكن مراجعتها كلها .

لم يأتي هؤلاء إلا بدعوى عريضة نخالفهم بها، فلا يجوز الاحتجاج بما قالوه، فهو احتجاج بمحل النزاع وهذا لا يجوز، وإنما ينبغي الركون للأدلة الشرعية التي تحدد النهج من بعد النبي صلى الله عليه وآله ثم النظر فيها لنصل إلى المقصودين بالعترة الطاهرة التي يجب اتباعها، على إننا ننازعهم في بعض أئمتهم الذين كانوا امامية، كزيد رحمه الله، لكن لا نعول على هذا الدليل، مع وجود أدلة من الكتاب والسنة .
قال صالح المقبلي الزيدي سابقا في العلم الشامخ ص 12 عن ذرية النبي : ( ثم السواد الأعظم كثرة في الإمامية ، ترى الإمامية يحتجون على مذاهبهم باجماع أهل البيت ولا يعتدون ولا يعرفون سوى من هو على مذهبهم )

الدليل الأول : حديث الثقلين :

اتفق الإمامية والزيدية على صحة حديث الثقلين ( كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) واختلفوا في العترة التي لا تفارق الكتاب، فقول الإمامية أنهم الأئمة الإثني عشر ع، ورأي الزيدية أن كل عالم فاطمي يقوم بالسيف ويدعو لنفسه، فهو واجب الطاعة وهو إمام الزمان.
لكن المتأمل في حديث الثقلين يصل إلى أن العترة المقصودين في الحديث هم الأئمة الإثني عشر، وليسوا هم الأئمة الذين قاموا بالسيف، وأنا لا أفرق هنا بين الذرية ولكن الدليل أحق بالاتباع كما سيظهر لأهل الانصاف.

إن ذكر النبي للعترة والتوصية باتباعهم لا يكفي، مع عدم بيان وإيضاح صفاتهم وعددهم واسمائهم، وحاشاه من التقصير، فيدعو أمته للتمسك بالمتناقضات، وقد تنبه المقبلي لهذا فقال : ( فيقال ذرية النبي صلى الله عليه وسلم بل قرابته افترقوا في الأمة على حد افتراقها، ففي كل طوائف السنية والشيعية الكثير الطيب ، وفي أقوالهم التناقض، الذي لا يخفى لا سيما كبار المسائل التي هي ضلال قطعا …)
العلم الشامخ، ص 13
في بحثنا هذا سنحاول تحديد صفات هؤلاء الأئمة كما جاءت بها الأدلة الشرعية الثابته ليسهل تحديدهم ثم اتباعهم.

القرينة الأولى : (ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)

روي حديث الثقلين وفي آخره هذا القيد، وكأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قد جعله، ليسهل على أمته معرفة عترته وتشخيصهم.

إن حديث الثقلين يشير إلى مسألة العلم، دون السيف وهذه إحدى أهم القرائن التي تعين على تمييز العترة، فقال : ( ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) فلو كان الإمام هو من يخرج بالسيف، لأشار حديث الثقلين او أحاديث أخرى لهذه القرينة، حتى لا يقع الناس في الحرج، ولكن الحديث ذكر العلم فقط، لهذا كان السؤال والإختبار أحد الوسائل لدى بعض أصحاب الأئمة الإثني عشر لمعرفة الأئمة المزيفين .

لا شك إنه قيد مهم جدا يسهل علينا الوصول للهدف المنشود، وهو لفظ صحيح متفق عليه، بلا خلاف ، فقد روى إمام الزيدية عبدالله بن حمزة الملقب المنصور بالله ( ت 614هـ) ما يؤكد صحة هذا اللفظ، قال : (… عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم: ((لا تعلّموا أهل بيتي فهم أعلم منكم، ولا تشتموهم فتضلوا)
الشافي، ج1 ص154 ، والحديث مروي في الأمالي الخميسية للشجري، الحديث السادس، ص 156

ثم يؤكد عالم الزيدية مجد الدين المؤيدي صحة هذا اللفظ بعد أن ذهب لتواتر حديث الثقلين، قال : ( وفيه: لا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم )
لوامع الأنوار ج1 ص 50
وقال في صفحة 73 : ( وهو في أخبار الثقلين، بلفظ النهي عن التقدم، وما في معناه، كلا تقصروا ولا تسبقوا والأمر بالتعلم منهم، فإنهم أعلم )
وقال مصنف تنوير الثقلين بقطيعة ثبوت ودلالة حديث الثقلين ص 28
وفيه لفظ : لا تعلموهم …)( الحكم : صحيح )

لقد ثبت كما سيأتي أن أئمة الزيدية قد نهلوا العلم عن رجالات المعتزلة ومتكلميهم وبعض الإمامية والأحناف، في حين ينص لفظ حديث الثقلين على أن أئمة العترة الذين لا يفارقون القرآن أعلم من غيرهم، وقد نهى النبي الآخرين عن تعليمهم بقوله : (ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم )

فإذا كان أئمة الزيدية أعلم منهم ، فما سبب اختلافهم إلى علماء الطوائف المخالفة لهم ودراستهم على أيديهم ؟!
ينبغي الإعتراف بشجاعة أن وصف النبي لعترته بقوله (ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) لا ينطبق على أئمة الزيدية، لدراسة هؤلاء الأئمة عند الآخرين وأخذهم العلم كلاما وحديثا وفقها وأصوله عنهم. وفي الأسطر والصفحات التالية تتجلى الصورة واضحة لا تقبل التلفيق ولا الترقيع .

زيد بن علي ع ( ت 122هـ)

قال ابن المرتضى ( ت 840هـ) : ( وروي أن واصلا دخل المدينة ، ونزل على إبراهيم بن يحيى ، فتسارع إليه زيد بن علي ، وابنه يحيى بن زيد ، وعبدالله بن الحسن واخوته ومحمد بن عجلان وابو عباد الليثي، فقال جعفر بن محمد الصادق لأصحابه : قوموا بنا إليه ، فجاءه ، والقوم عنده أعني زيد بن علي ، وأصحابه ، فقال جعفر : أما بعد ، فإن الله تعالى بعث محمدا بالحق ، والبينات ، والنذر ، والآيات ، وأنزل عليه : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) ، فنحن عترة رسول الله ، وأقرب الناس إليه ، وإنك يا واصل أتيت بأمر يفرق الكلمة ، وتطعن به على الأئمة ، وأنا أدعوكم إلى التوبة )

ومما قاله واصل في جواب الإمام حسب الرواية : ( وإنك يا جعفر وابن الأئمة شغلك حب الدنيا، فأصبحت بها كلفا، وما أتيناك إلا بدين محمد صلى الله عليه وآله … فتكلم زيد بن علي ، فأغلظ لجعفر ؛ أي أنكر عليه ما قال ، وقال : ما منعك من ” اتباعه ” إلا الحسد لنا، فتفرقوا ، قلت ــ أي ابن المرتضى ــ : روى ذلك الحاكم ، وغيره ، والله أعلم بصحتها)
طبقات المعتزلة، أحمد بن يحيى بن المرتضى، ص 33 ـــ 34،

وقد رواها الحاكم الجشمي كما في نقل ابن المرتضى ، فضل الإعتزال وطبقات المعتزلة، ص 239 .
لم يكذب ابن المرتضى هذه الرواية ولم يصححها، وعدم تصحيحها لا يعني كذبها ووضعها من قبل الرواة، بل ربما لخطورتها، لم يجازف ابن المرتضى بتصحيحها، خاصة أن الحاكم الجشمي الزيدي أرسلها، ومثله لا يرسل عن كذابين، ثم إن ابن المرتضى له خبرته في الحكم على الروايات بالوضع والجعل، فيمكن مراجعة كتاب : ( الأخبار الضعيفة والموضوعة عند الإمام المرتضى، جمال الشامي ) لكنه لم يحكم على هذه الرواية بالوضع.

ولم يصدر حكما برفضها. ويبدو أن قاعدة قبول المراسيل عند الزيدية قد تعطلت هنا لفضاعة الرواية!
فالأصل قبول مرسل الثقة. قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد : ( وعن بعضهم أنه قال : المرسل من العدل أرجح من المسند، لأن راويه قد عرف رواته ونقح، فالارسال كالحكم بصحته، والمسند أحال النظر إلى غيره)
الإعتصام للقاسم بن محمد، ج1 ص 11

إن الحاكم الجشمي معتمد لدى الزيدية، ولو رأى فيها كذبا أو مبالغة لما أوردها أو لقام بنقدها والتعليق عليها، وإذا اضفنا اقرار ابن المرتضى برواية غير الجشمي للرواية، فهذا يزيدها قوة، ولا نعلم على وجه الدقة قصد ابن المرتضى بقوله : ( وغيره ) من الذي رواها غير الحاكم ؟ لكن لا شك إنه يعتبر شاهدا قويا لما رواه الحاكم الجشمي .
ممن ذكر هذه الحادثة القاضي عبد الجبار المعتزلي في فضل الإعتزال وطبقات المعتزلة، ص 239 . ، وأكد الشهرستاني الأشعري أخذ زيد عن واصل في الملل والنحل ، ج 1 – ص 154 – 155

نخلص إلى أن عالما زيديا وهو الجشمي ومعتزليا وأشعريا قد رووا أخذ زيد بن علي ع عن واصل بن عطاء، وهذا ما يزيد المسألة المطروحة قوة .
ورفض هذه الحادثة بحجة تقارب عمر زيد وواصل، غير صحيح، فيمكن للأقران أن يأخذوا عن بعض أو يأخذ من هو أكبر سنا عمن هو أصغر منه، والأمثلة على هذا في كتب التراجم كثيرة.
وقول البعض: كيف يمكن لزيد بن علي ع وهو من الذرية الطاهرة أن يأخذ عن واصل ؟
هذا كلام عاطفي ليس إلا، فالعديد من أئمة الزيدية أخذوا عن المعتزلة كما سيأتي وكلهم ورثة علم النبيين كما يقال!
وقد روى أبو الفرج الأصفهاني ماقد يصلح أن يكون شاهدا لرواية الجشمي وغيره.
قال : ( … عن سعيد بن خالد بن عبد الرحمن قال . قدم علينا أبو أيوب بن الأدبر رسولا لأبي حذيفة واصل بن عطاء داعيا إلى مقالته فاستجاب له محمد بن عبد الله بن الحسن في جماعة من آل أبي طالب )
مقاتل الطالبيين ، ص 161
فهناك جماعة من آل أبي طالب استجابوا لواصل وأخذوا مقالته، وهو مضمون رواية الجشمي، لكن الأصفهاني لم يسمهم .

وقد أكد الدكتور كمال الدين مرجوني في موقف الزيدية واهل السنة من العقيدة الإسماعيلية وفلسفتها ص 30 أن زيدا : ( كان قد أخذ عن واصل بن عطاء) وقال في الحاشية : ( ومن الحق القول بوقوع التلمذة ، أي تتلمذ زيد على واصل بن عطاء )
أعود للقول إن كان زيد ع مقصودا بحديث العترة، إذن فهو أعلم من واصل بنص حديث الثقلين، فكيف يأخذ عنه ؟!

في حوار بين يحيى بن زيد ع ومتوكل بن هارون، يسأل الأخير يحيى : ( يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّه أَهُمْ ـــ جعفر وابيه ع ـــ أَعْلَمُ أَمْ أَنْتُمْ فَأَطْرَقَ إِلَى الأَرْضِ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَه وقَالَ : كُلُّنَا لَه عِلْمٌ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُلَّ مَا نَعْلَمُ ، ولا نَعْلَمُ كُلَّ مَا يَعْلَمُونَ )
يتكلم يحيى رحمه الله بصيغة الجمع، فهو يخبرعن نفسه وعن أبيه زيد، فالباقر والصادق ع، يعلمون كل ما يعلمه زيد ويحيى، بل زادهم درجة ورفعهم حين قال (ولا نَعْلَمُ كُلَّ مَا يَعْلَمُونَ)

فللباقر والصادق ع علم لا يعرفه زيد ع ، ويحيى أعلم من سائر الناس بنفسه وبأبيه، وهنا يقرر أن بني عمه الباقر وابن الصادق ع أعلم منه ومن أبيه زيد، حيث أنهما عليهما السلام لديهما علم زيد ويحيى، وليس لدى زيد ويحيى معرفة بالعلم الذي عندهما .
وهذا يؤكد ما روي لدى الإمامية من قول زيد : جعفر أعلمنا بالحلال والحرام.
فكيف يكون زيدٌ إمام زمانه وحجة الله في أرضه، وكذا يحيى من بعده وهناك من هو أعلم منهما ؟

ملاحظة : إن رواية الجشمي التي نقلها ابن المرتضى وغيره، تبين أخذ زيد عن واصل وانكار جعفر الصادق ع تلك العقائد التي روج لها ، ودعوته واصل للتوبة، جاء في الرواية: ( فتكلم زيد بن علي ، فأغلظ لجعفر ؛ أي أنكر عليه ما قال ، وقال : ما منعك من ” اتباعه ” إلا الحسد)

وهذا النص يدل على الاختلاف العقائدي بين الفريقين آنذاك، وفيه نقض لمن يزعم عدم وجود خلاف عقائدي بين الذرية، وما ذكرته عن زيد رحمه الله ملزم للزيدية صحيح على طريقتهم من قبول مرسل الثقة العادل، ولا مسوغ لانكار الرواية إلا الدفاع عن المذهب، وهو خلاف الحقيقة التي ثبتت.

يحيى بن زيد ( ت 126هـ)

كان ممن أخذ عن واصل كما تقدم عن أبيه ، فليراجع.
وفي حوار بين يحيى بن زيد ومتوكل بن هارون، قال يحيى له : ( فَهَلْ لَقِيتَ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ – عَلَيْه السَّلَامُ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَهَلْ سَمِعْتَه يَذْكُرُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : بِمَ ذَكَرَنِي خَبِّرْنِي ، قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَقْبِلَكَ بِمَا سَمِعْتُه مِنْه . فَقَالَ : أَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي ! هَاتِ مَا سَمِعْتَه ، فَقُلْتُ : سَمِعْتُه يَقُولُ : إِنَّكَ تُقْتَلُ وتُصْلَبُ كَمَا قُتِلَ أَبُوكَ وصُلِبَ فَتَغَيَّرَ وَجْهُه وقَالَ ( يَمْحُوا الله ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعِنْدَه أُمُّ الْكِتابِ ) ، يَا مُتَوَكِّلُ إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ أَيَّدَ هَذَا الأَمْرَ بِنَا وجَعَلَ لَنَا الْعِلْمَ والسَّيْفَ فَجُمِعَا لَنَا وخُصَّ بَنُو عَمِّنَا بِالْعِلْمِ وَحْدَه . فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاءَكَ إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ إِلَى ابْنِ عَمِّكَ جَعْفَرٍ – عَلَيْه السَّلَامُ – أَمْيَلَ مِنْهُمْ إِلَيْكَ وإِلَى أَبِيكَ فَقَالَ : إِنَّ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وابْنَه جَعْفَراً – عَلَيْهِمَا السَّلَامُ – دَعَوَا النَّاسَ إِلَى الْحَيَاةِ ونَحْنُ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْمَوْتِ…)
الصحيفة السجادية – الإمام زين العابدين ( ع ) ، ص 12 ـــ 14 ، حقائق المعرفة في علم الكلام، المتوكل على الله أحمد بن سلمان في ، باب حقيقة معرفة الإمام، ص 504 ـ 505

أول ما يستوقف المرء هو قول يحيى مستخبرا : (فَهَلْ سَمِعْتَه ــ أي جعفر الصادق ع يَذْكُرُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي ) فهو يجهل أمرا يعلمه الصادق بالرغم من كونه إماما وحجة الله في أرضه.

فقوله هذا يدل على اعتقاد يحيى بما لدى الصادق ع من علم المستقبل ، لهذا يسأل ابن هارون إن كان الصادق ع ذكره. فإن كان يحيى وريث علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحجة الله في أرضه ، فكيف يفوته هذا العلم ويطلبه ممن هو أقل شأنا منه، وفق النظرية الزيدية ؟ بل كيف يطلبه من ابن هارون وهو إمامه، فصار متوكل بن هارون معلما ليحيى بنقله ذاك العلم، ونص حديث الثقلين ( لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم )

ملاحظة : علم الإمام ع بما يكون، إنما أخذه وراثة عن آبائه، فكما أخبر الباقر ع زيدا ما يكون إليه مصيره إن خرج من المدينة، فكذلك الصادق ع، أخبر بمصير يحيى ، وأخبر بعد ذلك بمصير محمد بن عبدالله النفس الزكية في اجتماع بني الحسن والحسين مع العباسيين قبل ثورتهم، ورفضه الانضمام إليهم، كما في رواية أبي الفرج الأصفهاني ، فقتل محمد كما أخبر الصادق ع، وقتل الحسين الفخي كما أخبره الكاظم ع. انظر سلسلة منشوراتي حول الثوارت العلوية وموقف الأئمة منها .

محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي ع ( ت 145هـ)

قال الشريف المرتضى قدس سره في الأمالي ، ج 1 – ص 117
: ( وحكى أن محمدا وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن كانا ممن دعاهما واصل إلى القول بالعدل فاستجابا له )
قد لا يقبل البعض بمرسل الشريف المرتضى، لكن ابا الفرج الأصفهاني قد روى ذلك أيضا. قال : ( …عن سعيد بن خالد بن عبد الرحمن قال . قدم علينا أبو أيوب بن الأدبر رسولا لأبي حذيفة واصل بن عطاء داعيا إلى مقالته فاستجاب له محمد بن عبد الله بن الحسن في جماعة من آل أبي طالب )

وروى الاصفهاني الزيدي ما يؤكد أخذ محمد العلم عن ابناء الأنصار، قال : ( …عن سفيان بن عيينة قال . رأيت عبد الله بن الحسن يأتي بمحمد بن عبد الله وإبراهيم وهما غلامان إلى عبد الله بن طاووس فيقول . حدثهما لعل الله ينفعهما .
…عن موسى بن عبد الله قال . كان محمد ابن عبد الله يقول . إن كنت لأطلب العلم في دور الأنصار حتى لا توسد عتبة أحدهم فيوقظني الإنسان فيقول . إن سيدك قد خرج إلى الصلاة ما يحسبني إلا عبده)
مقاتل الطالبيين – أبي الفرج الأصفهاني – ص 161
وقال : ( أخبرني محمد بن خلف بن وكيع ، قال : حدثنا إسماعيل بن محمد ، عن الواقدي ، قال : كان عبد الله بن الحسن يأمر ابنه محمدا بطلب العلم والتفقه في الدين ، وكان يجئ به وبأخيه إبراهيم إلى ابن طاوس فيقول له : حدثهما لعل الله أن ينفعهما . قال الواقدي : وقد لقى محمد نافعا بن عمر وسمع منه ، ولقى أبا الزياد وسمع منه وحدث عنهما وعن غيرهما ، وكان حديثه قليلا)
مقاتل الطالبيين – أبي الفرج الأصفهاني – ص 162 – 163
قال في الحدائق الوردية ج1 ص 313: ( وسمع من نافع وابن طاووس )
وكان ابن مسعدة مؤدبا لولد عبدالله المحض.
مقاتل الطالبيين – أبي الفرج الأصفهاني – ص 206 – 207
وهو يعني أنه كان يعلمهم .

المفروض أن محمد بن عبدالله هو وريث اهل بيت النبوة وسيكون حجة الله في الأرض وإمام الزمان، لكننا نجد في بعض المرويات أنه كان يدعي أنه هو المهدي، حتى أنبأه الإمام الصادق ع بغلطه ، وأنه سيقتل، قال الأصفهاني في بشأن محمد صفحة ص 157 – 158 : (وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه النفس الزكية ، وانه المقتول بأحجار الزيت . وكان من أفضل أهل بيته ، وأكبر أهل زمانه في زمانه في علمه بكتاب الله وحفظه له وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه وكل امر يجمل بمثله حتى لم يشك أحد انه المهدي وشاع ذلك له في العامة وبايعه رجال من بني هاشم جميعا من آل أبي طالب ، وآل العباس ، وساير بني هاشم، ثم ظهر من جعفر بن محمد ــ الصادق ع ــ قولٌ في أنه لا يملك . وان الملك يكون في بني العباس فانتبهوا من ذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه )

وفي رواية الأصفهاني قال الصادق ع لأبيه عبدالله : ( إن كنت ترى – يعني عبد الله – أن ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه )
ومما قاله الصادق ع : ( إنها والله ما هي إليك ، ولا إلى ابنيك ، ولكنها لهؤلاء ، وإن ابنيك لمقتولان … إن هذا الامر ، والله ليس إليك ، ولا إلى ابنيك ، وإنما هو لهذا – يعني السفاح – ثم لهذا – يعني المنصور ، ثم لولده)
انظر : مقاتل الطالبيين ، ص 140 – 142 و ص 171 – 173

بالرغم من توجيهات الصادق ع وتحذيراته بقي محمد على ادعائه . روى ابو الفرج الأصفهاني قال : (أخبرني يحيى بن علي ، والجوهري ، والعتكي ، قالوا : حدثنا أبو زيد ، قال : حدثنا عيسى بن عبد الله ، قال : حدثني أبو سلمة المصبحي ، قال : حدثني مولى لأبي جعفر ، قال : أرسلني أبو جعفر ، فقال : اجلس عند المنبر فاسمع ما يقول محمد . فسمعته يقول : إنكم لا تشكون أني أنا المهدي ، وأنا هو)
مقاتل الطالبيين ، ج 1 – ص 212

فادعاؤه المهدوية قد استمر حتى بعد أن ثار على أبي جعفر المنصور كما نلاحظ في هذه الرواية، فأرسل الأخير جاسوسا يتنصت على محمد، وبالرغم من تصحيح جعفر الصادق ع له ولأبيه رؤيتهم حول المهدي، وأن محمدا سيقتل، فيبدو أنه لم يصدق وبقي ينادي بالناس أنه هو المهدي .

وهنا نلاحظ أن محمد يجهل أنه سيقتل ويجهل أنه ليس هو المهدي، ، وقد تعلم ذلك من جعفر الصادق ع، فمن هو حجة الله ووريث علم النبي محمد الحسني أم جعفر الصادق ع ؟! وهل يجوز أن يكون هناك من الرعية من هو أعلم من امام الزمان وحجة الله في الأرض ؟

الحسين بن علي الفخي (ت 169هـ)

ذكره حميد بن احمد المحلي صاحب الحدائق الوردية ج1 ص379 ـــ 380 وقال: ( وقد روى الحديث عن أهله وغيرهم من الرواة. قال الشيخ أبو الفرج واكثر الرواية عن جعفر بن محمد وروى عن ابيه وأخيه محمد وابان بن تغلب )
يكفي رواية واخذ هذا الإمام وحجة زمانه عن أبان بن تغلب وغيره، فإن كان رحمه الله وارث علم النبي فما الحاجة لأن يأخذ عن سائر الناس الذين هم ــ وفق الفهم الزيدي ــ مأمورون بالرجوع إليه والأخذ عنهم ، مع العلم أن من صفاتهم كما في الحديث : ( أعلم الناس صغار وأعلمهم كبارا ) سيرة الهادي الى الحق ص 31

القاسم بن إبراهيم الرسي (ت 246هـ)

يروي القاسم عن أبي بكر بن أبي أويس واسمه عبد الحميد بن عبدالله كما في تيسير المطالب، ص 491، والأحكام ليحيى بن الحسين ، ج1 ص 52 و 68 و 106 و 124 و 346 و ج2 ص 266 و 409 وتاريخ بغداد، ج8 ص 7، راجع أيضا ميزان الأعتدال للذهبي، ج4 ص 503

وذكر صاحب الحدائق الوردية ج2 ص 390 رواية أن شيخا: (من شيوخ آل الحسن كان يدرس عليه فتيان من آل الحسن … وكان القاسم عليه السلام من شباب ذلك العصر )
فالإمام القاسم قرين القرآن ووارث علم النبي والذي يفترض أنه من ( أعلم الناس صغارا وأعلمهم كبارا) حسب الحديث النبوي كما في سيرة الهادي الى الحق ص 31

لكنه درس عند شيخ من بني الحسن، لم يكن من أئمة العترة ، المفروضة طاعتهم وبيعتهم، فصار القائد والزعيم يأخذ عمن هم دونه !

هل خالف ذاك الشيخ من آل الحسن وصية النبي ( لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) بتعليمه القاسم ؟ أم إنه لم يكن يعلم أن القاسم سيبايع إماما من أئمة العترة ؟
وإذا كان القاسم من مصاديق قول النبي ( فإنهم اعلم منكم ) ، فما سبب اختلافه لذاك الشيخ والدراسة على يديه، بالرغم من عدم حاجته لعلمه ؟!
يبدو أن حل هذا الإشكال لا يكون إلا بالقول إن القاسم ليس من مصاديق حديث الثقلين.

إن تبني هذا الرأي، يحتاج إلى شجاعة وإرادة، فنص الثقلين هو الميزان الذي ينبغي قياس الأمور وفقه، والحق لا يعرف بالرجال .

يحيى بن الحسين الهادي إلى الحق (ت 298هـ)

قال ابن عنبة في عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، ص 177
: ( أما يحيى الهادي بن الحسين بن الرسي ويكنى أبا الحسين ، كان إماما من أئمة الزيدية … له تصانيف كبار في الفقه قريبة من مذهب أبي حنيفة )

قال الباحث عبد الفتاح شابف نعمان : ( وهناك ـــــ اي في العراق ــــ التقى أحد شيوخ المعتزلة ، وهو أبو القاسم البلخي، ودرس على يديه علم الكلام … ولقد جاءت بعد ذلك آراء الإمام الهادي في علم الكلام مشابهة لأراء المعتزلة كما جاءت كثير من آرائه الفقهية مشابهة لأقوال الأحناف )
الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي واليا وفقيهاومجاهدا، عبد الفتاح شابف نعمان، ص 78، وانظر ص 81

نقل الباحث عبد الفتاح دراسة يحيى الهادي الى الحق علم الكلام على يدي البلخي المعتزلي نقلا عن طبقات الزيدية الصغرى (ق 18) يحيى بن الحسين.
إن علم الكلام هو علم أصول الدين وهو اهم المباحث، فلو كان يحيى بن الحسين مقصودا بحديث الثقلين، لما أخذ العلم عن البلخي، لأنه سيكون حينها أعلم منه ( فإنهم أعلم منكم ) حسب توصيف النبي، فتبين أن هذا الوصف لا ينطبق عليه.

الحسن بن علي الناصر الأطروشي ( ت 304هـ)

حين رجعت إلى كتابه ( البساط) تحقيق عبد الكريم أحمد الجدبان، مكتبة التراث الإسلامي، صعدة ـــ اليمن، الطبعة الأولى 1418هـ .
وجدت أن شيوخ الناصر في الرواية زيدية وإمامية وأهل سنة، ممن هم أقل منه علما وفق الفهم الزيدي، فكيف يتعلم منهم ويروي عنهم، مع قول النبي : لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ؟

هؤلاء بعض شيوخ الناصر الذين أخذ عنهم :
ـــ أحمد بن محمد بن سلام الكوفي.
ــ أحمد بن محمد بن عيسى القمي الإمامي
ــ بشر بن عبد الوهاب .
ــ الحسين بن علي ( اخو الناصر) ت 310هـ.
ـ محمد بن علي بن خلف العطار
ــ محمد بن منصور المرادي .
ــ محمد بن نوكرد ابو جعفر الأسترآبادي .
ـــ وكيع بن الجراح.
ــ أبو جنان الكلبي الكوفي.
راجع : البساط، صفحة : 65 و 68 ــ 72 ، وصفحة : 74 ــ 77، وصفحة : 85 و86 و102 و121.

هؤلاء من روى عنهم الناصر وتعلم منهم ، وهم ليسوا من العلوية ولا من أئمة الزيدية، فالناصر من مصاديق حديث الثقلين كما يقول الأخوة الزيدية، والحديث ينص على أن قرناء الكتاب أعلم من غيرهم ( لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم ) ! فكيف يتعلم منهم ويملأ كتابه بالرواية عنهم، إن كان هو المقصود بقول النبي ( فإنهم أعلم منكم ) ؟!

جاء في كتاب ( طبقات الزيدية الكبرى ) لإبراهيم بن القاسم ( ت 1152هـ) ص 50 : (وقال الإمام قاسم بن محمد في كتاب كتبه إلى بعض البلدان : … وهذا الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش يروي مذهبه عن محمد بن منصور عن أحمد بن عيسى بسنده إلى زيد بن علي …)
طبقات الزيدية الكبرى، ابراهيم بن القاسم بن الامام المؤيد بالله ( ت 1152هـ) عبد السلام بن عباس وجيه، الطبعة الأولى1421هـ، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، صنعاء .

إن محمد بن منصور ( ت 290ه) من علماء الزيدية، وليس هو من أئمتهم ولا من الذرية الطاهرة، فهل ورث الناصر علم علي ع عبر محمد بن منصور المرادي وأحمد بن محمد بن عيسى القمي الإمامي وسائر المشايخ الذين ذكرت أسماءهم ؟
هل يجوز أن يأخذ إمام الزمان وحجة الله على الخلق من أتباعه ويتعلم منهم ؟!
هذه الأسئلة والتي قبلها عسى أن تجد جوابا مقنعا بعيدا عن الترقيعات التي لا تغني شيئا، والجواب الوحيد هو ما كررته مرارا.

الداعي محمد بن الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب ع ( ت 360هـ)

قال يحيى الهاروني في الإفادة ص118 : ( وكان يختلف إلى أبي الحسن الكرخي ـــ شيخ الحنفية بالعراق ــ في أيامه ويلزم مجلسه ويدرس عليه فقه أبي حنيفة، فبلغ في حفظ مسائل العراقيين المبلغ الذي يضرب المثل به )
أقول: ما حاجة امام الزمان الى معرفة فقه أبي حنيفة وحفظه ؟

وفي ص 119 قال يحيى الهاروني : ( ثم اختلف رضي الله عنه إلى شيخنا أبي عبدالله ـــ البصري المعتزلي ـــ وكان يواظب على حضور مجلسه، وقرأ عليه أكثر كتب أصحابنا في الكلام وعلق )

وفي ص 119 وكان ( يبكر ويركب إلى مجلس أبي عبدالله البصري ويعود قريبا من نصف النهار )

قال يحيى الهاروني 🙁 وحدثني شيخنا أبو عبد الله البصري، قال : كنت أملي ( نقض الموجز ) لأبن ابي بشر الأشعري، فكان رضي الله عنه يستملي ذلك بنفسه ويكتبه مع سائر أصحابنا، وكان يحتاج إلى أن يكتب كل يوم نحو من ثلاثين ورقة … وقد كان قرأ على أبي عمر غلام ثعلب كثيرا من الأدب ، ورأيت في كتبه رضي الله عنه سماعاته منه.
وكان أبو عبدالله البصري يحضر داره كثيرا ويبيت فيها ويلقنه المسائل، وربما يملي عليه التعاليق، ويكرر ما جرى له من الدرس، وكان يفعل هذا لأغراض :
منها : التبجح بأن يكون مثله من أصحابه، ويتخرج بتعلمه منه وينتسب إليه…)
وقال يحيى الهاروني في الإفادة ص 121 : ( من ذلك ما كان يقوله ـــ أبو عبدالله البصري ـــ لي حين وردت عليه من أن الشريف ابا عبدالله ـــ الداعي محمد بن الحسن بن القاسم رضي الله عنه ـــ ورد بغداد وهو لا يحسن من الكلام عشر ما تحسنه أنت الآن)

قال حميد المحلي في الحدائق الوردية ج2 ص112 : ( وكان شيخه فيه ـــ أي في علم الكلام ــ الشيخ العالم النحرير أبو عبدالله البصري من المبرزين في علم الكلام الضاربين فيه بأوفر السهام، فتخرج عليه السلام معه حتى بلغ في الفن الغاية القصوى وأدرك غاية المنى )

هذا الإمام الزيدي قرين القرآن ووارث علم النبي وعلي صلى الله عليهما وآلهما درس فقه أبي حنيفة عند شيخ حنفي، ودرس الكلام عند شيخ معتزلي، وكان هذا الشيخ المعتزلي يلقن وارث الوحي المسائل ويملي عليه التعاليق !!
لا شك عندي إنه ليس أحد المقصودين بحديث الثقلين خاصة مع تذكر لفظ ( لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) بل كان الشيخ المعتزلي البصري أعلم منه، وأفاده كثيرا، حيث ما كان هذا الإمام يحسن من الكلام إلا الشيء القليل كما في شهادة يحيى بن الحسين الهاروني .

يحيى بن الحسين بن هارون الناطق بالحق ( ت 424هـ)

درس علم الكلام وأصول الفقه على يد أبي عبدالله البصري المعتزلي. راجع مقدمة كتاب الافادة في تاريخ الأئمة السادة ، ص 12
وقد ذكره يحيى عدة مرات في كتاب ( الإفادة) بقوله ( شيخنا )

قال يحيى الهاروني في الإفادة ص 121 معترفا بتتلمذه على يد البصري: ( من ذلك ما كان يقوله ـــ أبو عبدالله البصري ـــ لي حين وردت عليه من أن الشريف ابا عبدالله ـــ الداعي محمد بن الحسن بن القاسم رضي الله عنه ـــ ورد بغداد وهو لا يحسن من الكلام عشر ما تحسنه أنت الآن، فينبغي ان تصبر وتقيم، يقصد به الزيادة في حرصي )

قال حميد المحلي في الحدائق الوردية ج2 ص182 : ( وقرأ في الكلام على يد الشيخ أبي عبدالله البصري، فاحتوى على فرائده، وأحاط معرفة بجليه وغرائبه، وكذلك قرأ عليه في أصول الفقه ايضا، ولقي غيرهم من الشيوخ وأخذ عنهم )
قال إبراهيم يحيى الدرسي : ( أخذ في علم الكلام وأصول الفقه على الشيخ أبي عبدالله البصري … وأخذ على قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الهمداني وغيرهم ممن أخذ عنهم)
الدعامة في الإمامة ، ص 7 من مقدمة التحقيق .
وفي كتابه ( تيسير المطالب ) له الكثير من الشيوخ الذين أخذ عنهم العلم واستفاد منهم،

قال محقق الكتاب المذكور ـــ وما بين قوسين مني ــــ : ( ومن أبرز مشائخه والده ( الإمامي) المحدث الحسين الهاروني المتوفى في أواخر القرن الرابع الهجري … والمحدث أحمد بن عدي (السني ) الحافظ، المتوفى سنة 365هـ، وهو من أكثر الرجال الذين روى عنهم، والشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد ) الإمامي* في أواخر القرن الرابع الهجري والشيخ ابو عبدالله البصري ( المعتزلي) المتوفى سنة 377 للهجرة )
مقدمة تيسير المطالب، ص 27

ثم ذكر له 36 شيخا أخذ وروى عنهم، أغلبهم من اهل السنة والإمامية، حتى أنه روى عن أبيه الحسين بن محمد 94 رواية. راجع مقدمة تيسير المطالب، ص 31
وذكر محقق كتاب شرح البالغ المدرك يحيى الهاروني، ص 8 أعني محمد يحيى سالم عزان أن يحيى درس على يد جهابذة العلوم قال : ( هذا الى جهابذة من العلماء كان يتقلب في حلقاتهم ويتلقى عنهم العلوم والمعارف كالسيد …والمحدث أحمد بن عدي الحافظ السني، والشيخ محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد الإمامي وغيرهم من بحور العلم )

وعند مراجعة أحد كتبه وهو ( تيسير المطالب ) وجدت الكثير من رواة الإمامية قد وقعوا في أسانيده ، فهو لا شك قد أخذ العلم عبر مشايخه الإمامية خاصة عن أولئك الرواة الذين نقل أحاديثهم ، وغص بهم كتابه، من هؤلاء :

ــ سليم بن قيس الهلالي. ص 98 و 205 و 224 و 127و 386
ــ أبان بن أبي عياش. ص 98 و 205 و 224 و 127و 386
ــ زرارة بن أعين. ص 56
ــ ابو بصير عن جعفر بن محمد. ص 56 و 62
ــ عبدالله بن سنان .ص 302 و 483
ــ محمد بن سنان. ص 349 و 509
هشام بن الحكم . ص 271.
ــ هشام بن سالم . ص 488
ــ يعقوب بن يزيد بن حماد. ص 512
عبدالله بن ميمون القداح. ص 435 و558
ــ محمد بن أبي عمير . ص 71 و 127 و 271 و 484 و488 و 594
ــ جابر الجعفي. ص 130 و 165 و 214 و 375
ــ أبان بن تغلب . ص 137 و 138
ــ علي بن جعفر بن محمد العريضي . ص 28
ــ الحسن بن محبوب . ص 178 و 214 و 349 و 395 و 446 و509
ــحماد بن عيسى. ص 205
ــ عمر بن أذينة . ص 205 و 224
ــ حماد بن عثمان . ص 213
ــ عبدالله بن حماد . ص 302
ـــ اسحاق بن عمار. ص 395 و 422
ــ علي بن رئاب. ص 446
ــ أحمد بن محمد بن خالد البرقي. ص 178 و 205 و 213 و 224 و 242 و 301 و 349 و 395 و 404 و 474 و 495 و 502 و 509 و 515 و 539 و 558
ــ محمد بن الحسن بن الوليد .
تسير المطالب : 56 و 59 و 68 و171 و 205 و 213 و216 و 242 و 261 و 395 و453 و 495 و 502 و 549

ــ محمد بن الحسن الصفار . ص 205 و213 و216 و242 و 349 و 395 و 404 و453 و495 و 502 و 504

ــ عبدالله بن جعفر الحميري القمي صاحب قرب الإسناد. ص 261 و 367
ــ الحسين بن سعيد الأهوازي. ص 67 و68 و 367 و 509
ــ أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي. ص 143
ــ علي بن إبراهيم بن هاشم القمي . ص 143 و 176 و 349 و488 و594 و599

ــ إبراهيم بن هاشم القمي . 143 و 176 و 349 و488 و594 و599
ــ أحمد بن محمد بن عيسى القمي. ص 216 و 67 و 68 و 367
ــ جعفر بن محمد الأشعري القمي. ص 435
ــ سعد بن عبدالله القمي . ص 453 و 512
ــ الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسين العقيقي. ص 107 و 124 و 127 و 386

ـــ أحمد بن إدريس. ص 302 و 422
ــ محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري . ص 302
ــ محمد بن عبدالله بن يحيى . ص 515

ــ حمزة بن القاسم العلوي الإمامي العباسي، وقع 26 مرة في أسانيده.
تيسير المطالب، ص 149 و 213 و 223 و 229 و301 و 302 و 318 و 327 و 349 و 367 و 422 و 429 و 435 و453 و 464 و 474 و 484 و 505 و 506 و 512 و 515 و 558 و 568 و 594 و 596 و 599

ــ الحسين بن هارون الحسني الإمامي. والد يحيى الهاروني. روى عنه يحيى 94 مرة كما ذكر محقق كتاب ( تيسير المطالب )

انظر مروياته عن حمزة بن القاسم العلوي في تيسير المطالب، ص : 149 و 213 و 223 و 229 و301 و 302 و 318 و 327 و 349 و 367 و 422 و 429 و 435 و453 و 464 و 474 و 484 و 505 و 506 و 512 و 515 و 558 و 568 و 594 و 596 و 599

ــ عبدالله بن بكير الفطحي.
ــ حنان بن سدير، وهو واقفي. ص 176

قد يقال إن روايته عن هؤلاء إنما هي للإحتجاج عليهم، ودليل ذلك قوله في ( (شرح البالغ المدرك) بعد أن اورد اخبارا من طريق العامة : ( واعلم أنه دعانا إلى ذكر هذه الأخبار بنقل العامة ـــــ وإن كان قد نقلها عندنا من نثق بها من أئمتنا عليهم السلام إلى رسول الله صلى الله عليه ومشائخ أهل العدل والتوحيد ــــ انكار فقهائهم حجج العقول والرجوع إليها في متشابه القرآن والأخبار )
شرح البالغ المدرك، ص 54 ، لكن هنا ملاحظات ينبغي ذكرها :

ـــ إن قول يحيى الهاورني : (واعلم أنه دعانا إلى ذكر هذه الأخبار بنقل العامة…) ناظر إلى الأخبار التي نقلها في كتابه ( شرح البالغ المدرك) حيث أورد عشر أخبار عن الزهري وابن عمر وأنس وعمر بن الخطاب … ثم عقب بما ذكر، فقوله خاص بتلك الروايات، ولا يجوز تعميمه إلى جميع كتبه إلا بدليل، وإن قيل إن هذا منهج القدماء، فرده إن هذا الإطلاق يحتاج إلى دليل منهم أنفسهم.

ــ إن هناك عددا لا بأس به من الأحاديث في هذا الكتاب هي موضع اتفاق الطوائف خاصة تلك المتعلقة بالزهد والرقائق والسيرة النبوية، فأي شيء يصلح فيها للإحتجاج عليهم، مع روايتهم لها من طرقهم وقبولهم متونها ؟

ــ إن الإمامية من أهل العدل والتوحيد وتأخذ بحجج العقول فلا ينطبق هذا الكلام عليهم .
ــ إن كثيرا مما أورده في كتابه عبر رواة الإمامية مذكور في كتب الإمامية ، فلا وجه لإيراد تلك النصوص لأجل الإحتجاج عليهم.

ــ إن قوله ( بنقل العامة ) فيه اشارة إلى أهل السنة والحديث ، حيث إن هذا المصطلح يطلق عليهم، كما أن الإمامية أيضا يطلقون هذا المصطلح عليهم، فلا يكون كلامه موجها للإحتجاج على الإمامية، فيكون اعتماده على رواتهم لأجل صدقهم وعدالتهم وضبطهم .

وفي آخر كتاب تيسير المطالب ص 707 وثق محمد بن الحسن العجري المؤيدي عبدالله بن حمود أغلب الرواة الذين ترجم لهم وفيهم كثير من مشايخ الإمامية .
ـــ لو افترضنا أن نقل يحيى الهاروني عن هؤلاء الرواة لأجل الاحتجاج على العامة، فهو خاص بكتابه هذا ولا يشمل بقية كتبه، وإلا لأشار لذلك بقول يتضمن هذا المعنى في كتاب شرح البالغ المدرك أو سائر كتبه، فلا ينبغي تعميم قوله ذاك الخاص بالعامة دون دليل .
فهذا التبرير ضعيف، وهو مجرد ترقيع لئلا يقال أن رواة سائر الفرق قد وقعوا في اسانيدهم.

من أساتذة يحيى بن الحسين الهاروني الشيخ المفيد ، شيخ الطائفة الإمامية في زمانه.

قال محقق كتاب تيسير المطالب ص 27 : ( ومن أبرز مشائخه والده المحدث الحسين الهاروني … والشيخ محمد بن محمد بن النعمان المفيد في أواخر القرن الرابع الهجري)

لا يقتصر الأمر على رواة الإمامية، فالفاحص في كتابه ( تيسير المطالب) يجد العديد من مشاهير رواة أهل السنة في أسانيده أيضا، فكانوا أحد موارده في تكوين معارفه الحديثية، من هؤلاء :

ـــ أبو هريرة، الذي كذبه الإمام علي ع. ص : 218 و 241 و 251 و 440
ـــ عبدالله بن عمر، أحد الخاذلين للإمام علي ع. روى عنه أكثر من عشرين مرة ، انظر صفحة : 233 و 236 و 237 و 239 و 245 و 320 و 338 و 346 و 423 و438 و 447 و 455 و 459 و473 و 490 و510 و 516 …
ــ سمرة بن جندب، ص 389
ـــ عبدالله بن عمرو بن العاص. ص 226 و 451 و 524
ــ أنس بن مالك، أحد الذين كتموا خبر الغدير فاصابته دعوة الإمام علي ع . ص 308 و 312 و 316 و318 و 323 و 339 و 343 و 344 و 461 و464 و 466 و 471 و 479 و 522
ــ عبد الرحمن بن عوف، 483
يحيى بن معين ، الذي يتهم ابا خالد الواسطي بالكذب والوضع. ص 454

بعد هذا العرض يحق للمنصف أن يتساءل : إذا كان يحيى الهاروني أحد المقصودين بحديث الثقلين، وهو قرين القرآن ووارث علم النبي وأهل البيت ع ، فكيف يتعلم عند شيخ الإعتزال البصري، ويتخرج على يديه ؟ أم كيف يأخذ العلم والرواية عن والده الإمامي وعن المفيد شيخ الطائفة الإثني عشرية الرافضة وعن سائر رواة الإمامية وأهل السنة ؟

بل كيف يأخذ عن رجالات الزيدية، وهو إمام زمانهم وحجة الله في الأرض؟ مع قول النبي : ( ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) ؟!

إن النتيجة التي يرتضيها أي عاقل منصف أن يحيى الهاروني لم يكن من مصاديق حديث الثقلين، لتعلمه عند كثيرين من أهل الطوائف وتخرجه على أيديهم، وعدم التزامه بمدلول قول النبي ( ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) الذي يستلزم عدم أخذه عمن ليس إماما، فلو كان أعلم من المشايخ كما هو مفاد حديث حديث الثقلين بلفظ ( ولا تعلموهم )، لما كانت هناك حاجة لأن يلقنونه المسائل ويأخذ عنهم ويدرس على أيديهم .

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (ت 411هـ)

قال حميد المحلي في الحدائق الوردية ج 2 ص 136 : ( واختلف أيضا إلى أبي الحسين علي بن إسماعيل بن إدريس وقرأ عليه فقه الزيدية والحنفية، وروى عنه الحديث )
وقال الشجري ص 17ــ18 : ( واختلف أيضا إلى أبي الحسين علي بن إسماعيل بن إدريس وقرأ عليه فقه الزيدية والحنفية… وكان أبو الحسين هذا من اجلة أهل طبرستان رئاسة ، وسترا، وفضلا، وعلما )
وابو الحسين هو أحد رجال الزيدية ومحدثيها. لم يكن من أئمة الزيدية فضلا عن كونه علويا.
وقال المرشد بالله ص 37 : ( ولقي الشيخ المرشد وقرأ عليه، ولقي جميع علماء عصره واقتبس منهم، وعلق (زيادات الشرح) باصفهان عن قاضي القضاة بقراءة غيره )
وأخذ العلم عن قاضي القضاة في الأهواز أبي أحمد بن أبي علان، بقراءته عليه ( مختصر الكرخي، وهو كتاب في الفقه الحنفي.
راجع سيرة الإمام الناطق بالحق للمرشد الشجري، ص 39 و 41

بالرغم من كون أحمد الهاورني وارث علم النبي وإمام زمانه وحجة الله في بلاده إلا أنه صعبت عليه مسألة في رد الدهرية ، فقصد القاضي عبد الجبار المعتزلي، ليعينه على حلها. قال يحيى بن الحسين الشجري : ( … بلغني أن المؤيد بالله كان في بعض الليالي يطالع مسألة مع الملحدة الدهرية، فاشتبه عليه جواب المسألة !!، فأمر باتخاذ مشعلة وقصد باب قاضي القضاة … حتى إذا دخل عليه وجاراه في تلك المسألة وانفتح له جوابها واتضح لديه ما كان بها…) سيرة الإمام الناطق بالحق للمرشد الشجري، ص 154

هل كان القاضي عبد الجبار حجة الله في أرضه، حتى يقصده الناطق بالحق ليفتح له مغاليق المسألة العويصة ؟ وهل يقصد وارث الإمام علي ع وإمام عصره سائر الناس ليعينوه في فهم ما استشكل عليه ؟
أين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) إن كان أحمد الهاروني مقصودا بهذا النص؟!

ــ الشريف ابو الحسن علي بن جعفر الحقيني من أئمة الزيدية في الديلم ( ت 490هـ)

يعد من تلاميذ القاضي عبد الجبار كما ذكر الحاكم الجشمي في شرح عيون المسائل ص 384
وله وصية، استشهد فيها بقول لأبي حنيفة نقلا عن الجامع الصغير . الحدائق الوردية ج2 ص 220

يريد الأخوة الزيدية أن نقتنع أن علي بن جعفر الحقيني قرين القرآن ، لا يفارقه، وينطبق عليه قول المصطفى:( ( ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) بالرغم من أنه كان تلميذا لدى المعتزلي عبد الجبار وبالرغم من رجوعه لفقه أبي حنيفة !

ــ الإمام الناصر الحسين الهوسمي (ت 472هـ)

قال حميد المحلي في الحدائق الوردية ج2 ص 215 : ( قام بالأمر سنة اثنتين وثلاثين واربعمائة، ونصبه العلماء بهوسم للأمر نصبا، ولم يبايعوه على الطاعة لقصور رأوه في علمه، واشتغلوا بالتدريس له بالليل، … حتى استتم العلم فبايعوه على الطاعة )

يقوم العلماء من الرعية بتعليم إمام زمانها وحجة الله في أرضه وارث علم النبيين، ثم يبايعونه ليعلمهم بعض الذي تعلمه منهم !.

وقال المقبلي الزيدي ــ سابقا ــ مبينا رجوع أئمة الزيدية للمعتزلة واعتمادهم عليهم : (كالزيدية في هذا الجبل من اليمن هم معتزلة في كل الموارد إلا في شيء من مسائل الإمامة وهي مسألة فقهية وإنما عدها المتكلمون من فنهم لشدة الخصام كوضع بعض الأشاعرة المسح على الخفين في مسائل الكلام…

والمخالف في مثل هذه المسائل لا ينبغي أن يعد فرقة كما قال السيد الهادي بن إبراهيم الوزير – رحمه الله تعالى – وهو من أشد الناس شكيمة في نصرة مذهب الزيدية والتعصب لهم والرد على مخالفيهم فقال فيهم وفي المعتزلة : ” وإنهما فرقة واحدة في التحقيق إذ لم يختلفوا فيما يوجب الإكفار والتفسيق ) ذكر هذا في خطبة منظومتة التي سماها ( رياض الأبصار ) عدد فيها أئمة الزيدية وعلماءها وعلماء المعتزلة متوسلا بهم ، فذكر الأئمة الدعاة من الزيدية ، ثم علماء المعتزلة ثم علماء الزيدية من أهل البيت ثم من شيعتهم واعتذر عن تقديم المعتزلة على الزيدية بما لفظه : ( وأما المعتزلة فقد ذكرت بعض أكابرهم وكراسي منابرهم ، مع إجمال وإهمال إذ هم الأعداد الكثيرة والطبقات الشهيرة ، ورأيت تقديمهم على الزيدية ؛ لأنهم سادتها وعلماؤها فألحقت سمطهم بسمط الأئمة وذلك لتقدمهم في الرتبات ، ولأنهم مشايخ سادتنا وعلماءنا القادات ، وهذا الذي قال هو حقيقة الأمر في اتحاد هاتين الفرقتين كما لا يخفى على من صح أن يعد من أهل هذا الشأن ، هذه كتبهم شاهدة بذلك ، وإنما بعضهم يوافق هذا وبعضهم يوافق ذاك . فانظر كلام الإمام المنصور بالله في كتبه كلها ، وكلام الإمام المهدي في كتبه ، وكلام أبي طالب في كتبه كشرح البالغ المدرك والسيد مانكديم والمؤيد بالله تجدها كلمات الجبائية بأعيانها مع تصريحهم بقولهم ؛ المختار كلام شيخنا أبي علي أو أبي هاشم أو أبي رشيد أو غير ذلك ، وكذلك كلام الهادي غالبه كلام أبي القاسم الكعبي وكذلك كلام يحيى بن حمزة موافق غالب أمره لأبي الحسين البصري سائر سيره… وبعضهم يغلب على مذهبه مذهب الشافعي كالناصر الأطروش…)
العلم الشامخ، ص 7 ـــ

الخلاصة
لقد بينت نصوص عديدة مروية عن الإمام علي ع صفات ائمة العترة عليهم السلام، فهم :

ــ الراسخون في العلم .
قال علي ع : ( أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذبا وبغيا علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم . بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى . إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم )
نهج البلاغة، ج2 ص 27

ـــ وعندهم علم النبيين، وما جاءت به الرسل .
روى أبو طالب بسنده، قال الإمام علي ع : ( واعلموا أن العلم الذي هبط به آدم عليه السلام وما فصلته الأنبياء في عترة نبيكم، فأين يتاه بكم …) تيسير المطالب، ص 259
ـــ وهم عيش العلم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه .
قال ع ( هم عيش العلم ، وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، وهم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق إلى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ورواية ، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل) نهج البلاغة، ج2 ص 232
لا يختلفون في الحق، لكن العديد من أئمة الزيدية حارب بعضهم بعضهم وأراقوا دماء بعض ،واختلفوا في الفقه .
ــ وهم أزمة الحق ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق.
قال ع : ( فأين تذهبون ؟ وأنى تؤفكون ؟ والأعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم ؟ بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم ؟ وهم أزمة الحق ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش )
نهج البلاغة ،ص 154 .

ـــ ولديهم أبواب الحكم وضياء الأمر.
قال ع : تالله لقد علمت تبليغ الرسالات ، وإتمام العدات، وتمام الكلمات . وعندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر.
نهج البلاغة – خطب الإمام علي ( ع ) – ج 1 – ص 215

وقال ع : ( نحن شجرة النبوة ، ومحط الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومعادن العلم ، وينابيع الحكم)
نهج البلاغة – خطب الإمام علي ( ع ) – ج 1 – ص 194

ـــ وهم الخزنة والأبواب
قال ع : ( نحن الشعار ، والأصحاب ، والخزنة ، والأبواب . لا تؤتى البيوت إلا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها ، سمي سارقا ) نهج البلاغة، ص 43 ـــــ 44 .

ــ هم أساس الدين . وعماد اليقين ، وفيهم الوصية والوراثة
قال ع :لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا . هم أساس الدين . وعماد اليقين . إليهم يفئ الغالي . وبهم يلحق التالي ( 3 ) ولهم خصائص حق الولاية . وفيهم الوصية والوراثة . نهج البلاغة – خطب الإمام علي ( ع ) – ج 1 – ص 30

ـــ وهم عيبة علم النبي وموئل حكمه وكهوف كتبه وجبال دينه
نهج البلاغة – خطب الإمام علي ( ع ) – ج 1 – ص 29 – 30
ومنها يعني آل النبي عليه الصلاة والسلام ) موضع سره ولجأ أمره وعيبة علمه وموئل حكمه وكهوف كتبه . وجبال دينه . بهم أقام انحناء ظهره وأذهب ارتعاد فرائصه)

وقد وصفهم الإمام علي بن الحسين ع بأنهم خزنة علم الله، وحججه على عباده.
الصحيفة السجادية، ص 216

و قال زيد في مجموع رسائل الإمام زيد ج1 ص240 : ( نحن ولاة الأمر وخزان علم الله، وورثة وحي الله، وعترة نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) مجموع رسائل الإمام زيد، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية.
قال عبدالله بن حمزة في الشافي ج2 ص 151

( وليعلم الفقيه – أبقاه الله تعالى – أن اعتقاد أهل البيت أولهم وآخرهم أنهم حجة الله على خلقه، وخزنة علمه، وورثة كتابه، وولاة أمره، وأنهم في هذه الأمة بمنزلة الأسباط في الأمم التي كانت فيها الأسباط )

فضلا عن هذا كله جاء تمييز النبي لهم بأنهم أعلم من غيرهم، فقال قولا صريحا قاطعا طريق كل شاك ( لاتعلموهم فإنهم أعلم منكم)

لكن الدارس لحياة أئمة الزيدية يجدهم قد اخذوا من رجالات المعتزلة ودرسوا عندهم الكلام وأصول الفقه كالمروي عن زيد بن علي ويحيى، والثابت عن الهارونيين يحيى وأحمد والداعي محمد بن الحسن بن القاسم، وعلي بن جعفر الحقيني…
حتى أن أحمد بن الحسين الهاروني، كان يراجع القاضي عبد الجبار حين أشكلت عليه مسألة في الرد على الدهرية، هذا وهو إمام زمانه وحجة الله عليه !
ثم إن الحسين بن علي الفخي قد روى عن ابان بن تغلب وغيره، ودرس القاسم الرسي عند شيخ من آل الحسن ، وروى عن أبي بكر بن ادريس، واخذ الناصر الأطروش عن بعض مشايخ الإمامية، أمايحيى الهاروني فقد ملأ كتابه ( تيسير المطالب) بالرواية عن الإمامية، أما الناصر الهوسمي فقد درسه ــــ بتشديد الراء ــــ العلماء لقصور فيه، حتى تعلم منهم وصار حجة عليهم ! ودرس المنصور بالله عبدالله بن حمزة على يد الحسن بن محمد الرصاص وهو ليس من أئمة العترة عندهم.

فهل كان شيوخ المعتزلة كواصل وعبد الجبار والبصري، من ورثه الأنبياء، حتى يدرس عندهم أئمة الزيدية، فيرثوا عنهم ذاك العلم ؟

هل كان رواة الإمامية الذين ذكرناهم ورثة محمد وورثة بقية أهل الكساء عليهم وعلى آلهم الصلاة والسلام، حتى يروي عنهم أئمة الزيدية، ويرثوا ذاك العلم ؟!
إن أخذ ائمة الزيدية عن مشايخ الإمامية وعن اهل السنة وعن مشايخ الزيدية دليل على أنهم ليسوا هم المقصودن بقول المصطفى : ( لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم )
ثم لو قارن المنصف حال هؤلاء الأئمة مع الأئمة الإثني عشر ع، لوجد أن الصفات التي أطلقها النبي والإمام علي ع عليهم قد تطابقت مع سيرتهم.
فلم يذكر التاريخ أنهم تتلمذوا على أحد، وحديثهم هو عن آبائهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فعلوم هؤلاء الأئمة جاءتهم بالوراثة عن رسول الله، وبتحديث الملائكة والإلهام، وأحاديثهم حول وراثتهم العلم عن آبائهم عن رسول الله متواترة معنى بل هي فوق التواتر، فهناك أكثر من 300 رواية تنص على توارثهم لذاك العلم النبوي، وردت في الكتب الحديثية المختلفة، أمثال بصائر الدرجات للصفار والخصال للصدوق والاختصاص والارشاد كلاهما للمفيد … وقد جعل الشيخ الكليني ( ت 329هـ) في كتابه الكافي عنوانا : (أن الائمة عليهم السلام ورثة العلم، يرث بعضهم بعضا العلم) وفيه اثنا عشر حديثا، هذا فضلا عن الأحاديث الأخرى في الكافي التي تبين هذا المعنى .

من هذه الروايات ما رواه الشيخ الصدوق بسند صحيح، قال : (حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعا، قالا: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: لم يترك الله عز وجل الأرض بغير عالم يحتاج الناس إليه، ولا يحتاج إليهم بعلم الحلال والحرام. قلت: جعلت فداك؛ بماذا يعلم؟ قال: بوراثة من رسول الله ومن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما(
كمال الدين (ص224)

وروى محمد بن الحسن الصّفار في كتابه بصائر الدرجات صفحة 284 بسند صحيح عن الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : (إنّا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّها آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وأصول علم نتوارثها كابر عن كابر ، نكتنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضّتهم)

هذه الروايات الكثيرة التي تتجاوز 300 رواية، فيها الصحيح وغيره، ومع تواترها فلا حاجة لدراسة سندها، لأن التواتر يغني عن ذلك وهو أمر متفق عليه بين الطوائف .

من مصاديق وراثة الأئمة لعلم رسول الله عليهم جميعا الصلاة والسلام تصريحهم أكثر من مرة بأن لديهم الجامعة أو كتاب علي ع والجفر ومصحف فاطمة ع ، وهو كتاب وليس قرآنا .

قال الامام جعفر الصادق عليه السلام لأحد أصحابه وهو أبو بصير: ( يا أبا محمد وإنّ عندنا (الجامعة) وما يدريهم ما الجامعة ! قال: قلت جعلت فداك، وما الجامعة ؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإملائه من فلق فيه، وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس حتّى الارش في الخدش )
بصائر الدرجات للصفار، ص 163

وعن عذافر الصيرفي، قال: ( كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر ــ الباقر ــ (عليه السلام) فجعل يسأله، وكان أبو جعفر (عليه السلام) له مكرماً، فاختلفا في شيء فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا بني قم فأخرج كتاب علي (عليه السلام)، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً، ففتحه، وجعل ينظر حتّى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر (عليه السلام): هذا خط علي (عليه السلام) وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) وأقبل على الحكم، وقال: يا أبا محمّد اذهب أنت وسلمه وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبريل ع)
رجال النجاشي، ص360

وقد جاء في مصادر الجمهور ما يؤكد هذا الأمر، ولو بشكل مقتضب كما هي عادتهم .
( قال سعيد بن أبي مريم : قيل لأبي بكر بن عياش : ( مالك لم تسمع من جعفر – الصادق ـ عليه السلام وقد أدركته ؟ قال : سألناه عما يتحدث به من الأحاديث ، أشئ سمعته ؟ قال : لا ولكنها رواية رويناها عن آبائنا)
تهذيب التهذيب : 2ج ص 88
و(سئل مرة سمعت هذه الأحاديث من أبيك فقال نعم وسئل مرة فقال إنما وجدتها في كتبه)
تهذيب التهذيب، ج 2 – ص 89

ورد ذكر كتاب علي ع بسند صحيح في رواية أخرجها الصنعاني في المصنف، قال : ( … عن جعفر بن محمد عن أبيه ـ الباقرـ قال: في كتاب علي (ع) : الجراد … )
المصنف ج4 ص 532.

ــ صرح الأئمة ع أنهم يروون عن آبائهم في حالة عدم ذكرهم السند. روي في الكافي بسند معتبر : ( عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين ، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله قول الله عز وجل )
الكافي، ج1 حديث رقم 14 من باب رواية الكتب والحديث.
وهذه الرواية في سندها سهل بن زياد وفيه اختلاف، لكن بعض المحققين وأهل الرجال يقبلون رواياته، فتكون الرواية معتبرة على بعض المباني.
قال السيّد بحر العلوم في رجاله : ( والأصحّ توثيقه، وفاقا لجماعة من المحقّقين ) وممن وثقه الرجالي المعاصر محمد جواد الشبيري في كتابه أصول الرجال.
وذهب البعض لصحة هذه الرواية. قال المجلسي الأول : (وفي القوي كالصحيح ، عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيره قالوا : سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : حديثي حديث أبي…) الحديث
روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ، ج 12 – ص 175
وقال هاشم معروف الحسني في كتابه دراسات في الحديث والمحدثين ، ص 244 : ( وقد صح عن الإمام الصادق ( ع ) أنه قال : حديثي حديث أبي …)

ويشهد لهذه الرواية ما روي في الكافي بسند صحيح : (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ؛ وَعِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ الْكُوفِي …‏ ــــ بعد جواب الكاظم ع على أسئلته ـــ (قال خلف : فاستحفني الفرح فبكيت فلما سكن بكائي قال : ما أبكاك ؟ قلت : جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك ؟ قال : فرفع يده إلى السماء وقال : والله إني ما أخبرك إلا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن جبرئيل عن الله عز وجل)
الكافي ، ج3 ص 94.

تم الجزء الاول وهو باختصار من الاصل الذي احتفظ به .
يتبع

تفضيل نهج الإمامية على مذهب الزيدية بالأدلة الشرعية (الحلقة الثانية )

الدليل الثاني : قتل الأمة لأئمة العترة، قرينة لتشخيصهم

ذكرنا فيما سبق أول دليل على أن أئمة الزيدية ليسوا هم المقصودون بأئمة العترة الذين أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباعهم والتمسك بهم، اعتمادا على قرينة داخلية في حديث الثقلين وهي : ( لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم) وتبين أن الكثير من أئمة الزيدية تعلموا من المعتزلة علم الكلام، وأخذوا من السنة والإمامية رواية الحديث، والفقه من الأحناف، لعل هذه القرينة كافية لدى المنصفين في تحييد أولئك الائمة رحمهم الله، لكن لا زال البحث مستمرا محاولا استنطاق النصوص الشرعية المقبولة ، وذلك لأجل معرفة الآل المقصودين والتمسك بهم، وهذا دليل آخر :
روى يحيى بن الحسين الشجري (ت 499 هـ) في كتابه “الأمالي الخميسية” الحديث السادس، ص 136 ، بسنده قال: … عن أبيه الحسين بن علي الشهيد، قال: سمعت جدِّي رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: “من أحبَّ أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنَّة التي وعدني ربي؛ فليتولَّ عليَّ بن أبي طالب وورثته الطاهرين، أئمَّةَ الهدى ومصابيحَ الدُّجى من بعدي، فإنَّهم لن يُخرجوكم من باب الهُدى إلى باب الضلالة.

في هذا النص حث على التمسك بعلي وورثته من الأئمة، ثم يوضح في نص آخر في الصفحة نفسها ما يجري على هؤلاء الأطهار من القتل، قال : (… عن ابن عباس رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من سره أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل جنة عدن التي غرسها ربي عز وجل بيده، فليتول علي بن أبي طالب وأوصياه، فهم الأولياء والأئمة من بعدي، أعطاهم الله علمي وفهمي، وهم عترتي من لحمي ودمي، إلى الله عز وجل أشكو من ظالمهم من أمتي، والله لتقتلنهم أمتي لا أنالهم الله عز وجل شفاعتي)

استشهد المنصور بالله عبدالله بن حمزة بهذا الحديث في ( الشافي )، ولم ينكره مجد الدين المؤيدي في تعليقه على الكتاب، بل ذكره في حاشية له في موضع آخر مستدلا به، حيث قال في ص 134 : ( وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إلى الله اشكو من ظالمهم، والله لتقتلنهم أمتي…)
الشافي، ج2 ص 48، 234

روي قتلُ الآل في كتب أهل السنة أيضا ، ممن ذكر ذلك : الحاكم النيسابوري وصححه، ونعيم بن حماد بلفظ : ( سيلقون من أمتي بعدي قتلا شديدا) ، ومن الإمامية السيد ابن طاووس نقلا عن ابن حماد .
انظر :المستدرك على الصحيحين، ج4 ص 487، التشريف بالمنن في التعريف بالفتن، لابن طاووس ص 83 والفتن لنعيم بن حماد، ص 73.

يشير الحديث الأخير الذي رواه الشجري الزيدي إلى أن الأئمة الذين أوصى النبي بموالاتهم سيقتلون، ولم يستثن النبي منهم أحدا، بل أدخل ادوات التوكيد لكلمة القتل تأكيدا له، فالأئمة المقصودون في الرواية ليسوا أئمة الزيدية، في حين إن الأئمة الإثني عشر ع الذين يرجع إليهم الإمامية قد ماتوا كلهم مقتولين إما بالسيف وإما بالسم ما عدا الإمام الحجة المنتظر، وقد روي أيضا أنه سيموت مقتولا بالسم.

قال الشيخ الصدوق : (وجميع الأئمة الأحد عشر بعد النبي ( ص ) قتلوا منهم بالسيف وهو أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام والباقون قتلوا بالسم قتل كل واحد منهم طاغية زمانه)
عيون أخبار الرضا ( ع ) ، ج 1 – ص 193

لقد مات كثير من أئمة الزيدية ميتة طبيعية، الأمر الذي يدل على أنهم ليسوا هم المقصودون في الرواية، من هؤلاء:

1ـــ القاسم بن إبراهيم الرسي ( ت 246ه)
بقي متخفيا مطارداـ لكنه استقر في الرس قرب ذي الحليفة، وبنى لنفسه ولولده ، ومات هناك وعمره سبع وسبعون سنة. انظر: الإفادة في تاريخ الأئمة السادة، يحيى بن الحسين الهاروني، ص86، التحف شرح الزلف، للمؤيدي، ص 141
لم يُقتل القاسم قتلا كما ذكرت الراوية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

2ـــــ الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل (ت 270هـ)
توفي في طبرستان، لم يقتله أحد .
انظر : التحف شرح الزلف، ص 154

3ـــــ الحسن بن علي الأطروش ( ت 304ه)
لم يذكر أحدٌ أنه مات قتلا في الحرب أو بالسم، قال يحيى الهاروني : ( وتوفي عليه السلام بأمل في شهر شعبان سنة أربع وثلاثمائة)
الإفادة، ص 113
وقال مجد الديين المؤيدي : ( وفاضت نفسه عليها السلام وهو ساجد )
التحف شرح الزالف، 178

4ـــ الإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي ( ت 310هـ)
قام بعد ابيه في اليمن، ومات حتف أنفه دون قتل. قال يحيى بن الحسين : ( وتوفي رضي الله عنه بصعدة حرسها الله …)
الإفادة، ص 115، الحدائق الوردية، ج2 ص 96، التحف شرح الزلف، 182

5ــ الناصر لدين الله أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي ( ت 315هـ)
مات ميتة طبيعية دون قتل أو سم .
انظر ترجمته في الإفادة، ص 117، الحدائق الوردية ج2 ص ، التحف شرح الزلف، ص 188

6ــ المنصور بالله يحيى بن أحمد بن يحيى الهادي إلى الحق ( ت 366هـ)
انظر : التحف شرح الزلف، ص 189

7ــــ الإمام الداعي يوسف الأكبر بن يحيى بن أحمد بن يحيى الهادي إلى الحق
انظر : التحف شرح الزلف، ص 191

8ــــ الإمام المنتصر بالله محمد بن القاسم بن الإمام الناصر للحق( 365ه)
انظر : التحف شرح الزلف، ص 193

9ـــــ المنصور بالله القاسم بن علي بن عبدالله ( ت 393هـ)
مات حتف أنفه، قال حميد المحلي : ( ثم كانت وفاته عليه السلام اول يوم الأحد…)
الحدائق الوردية، ج2 ص ، وراجع : التحف شرح الزلف ، ص 194

10ـــــ الثائر في الله جعفر بن محمد بن الحسين وابناه التاليين.
التحف شرح الزلف، ص 202

11ــــ الإمام أبو الحسن المهدي بن أبي الفضل جعفر الثائر في الله
ذكر مجد الدين المؤيدي أن الله توفاه في شبابه دون أن يذكر سببا لموته ــــ كما هي عادته ــــ من قتل أو سم، كما هي عادته .
التحف شرح الزلف، ص 202

12ـــــ الثائر في الله أبو القاسم الحسين بن جعفر بن محمد
التحف شرح الزلف، ص 202

13ـــ المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون ( ت 411هـ)
عاش تسعا وسبعين سنة، ومات دون قتل.
انظر : الحدائق الوردية، حميد الملحي ج2 ص 161، التحف شرح الزلف، ص 203

14ــ الناطق بالحق يحيى بن الحسين بن هارون ( ت 424هـ)
قام بعد أخيه أحمد، لم يمسه قتل أو سمٌ، قال حميد المحلي : ( وأقام عليه السلام آمرا بالمعروف … حتى مضى إلى رضوان الله. وتوفي عليه السلام وهو ابن نيف وثمانين سنة، وكانت وفاته عليه السلام بالديلم سنة أربع وعشرين واربعمائة )
الحدائق الوردية، ج2 ص 185 ـــ186، وانظر : التحف شرح الزلف، ص 207

15ــــ الإمام مانكديم أحمد بن الحسين
قال مجد الدين المؤيدي : ( توفي بالري سنة نيف وعشرين وأربعمائة )
التحف شرح الزلف، ص 216

16ــ أبو هاشم الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى النفس الزكية. ( كان حيا سنة 433هـ)
مات ميتة طبيعية. قال حميد المحلي : ( واقام آمرا بالمعروف الأكبر ناهيا عن الفحشاء والمنكر، حتى توفاه الله حميدا وقبضه سعيدا )
الحدائق الوردية، ج2 ص 188، وانظر : التحف شرح الزلف، ص 217

17ــ الإمام الناصر الحسين الهوسمي ( ت 472هـ)
لم ينص أحد على موته مقتولا في حرب أو سم. انظر الحدائق الوردية،ج2 ص 216، والتحف شرح الزلف، ص 222

18ــــ الموفق بالله الجرجاني الحسين بن إسماعيل بن زيد
( توفي بعد العشرين والأربعمائة تقريبا )
التحف شرح الزلف، ص 223

19ــــ يحيى بن الحسين المرشد بالله الشجري ابن الموفق بالله السابق ( 479ه)
التحف شرح الزلف، ص 224

20ــ الإمام أبو الرضى الكيسمي الحسيني
قال حميد المحلي 🙁 ولم يعش بعد الهادي عليه السلام إلا قليلا ثم قبضه الله تعالى إلى رحمته )
الحدائق الوردية، ج2 ص 224، التحف شرح الزلف، ص 224

21ــ أبو طالب الأخير يحيى بن أبي الحسين احمد ( ت 520هـ)
مات حتف أنفه . الحدائق الوردية، ج2 ص 227، التحف شرح الزلف، ص230

22ــ المتوكل على الله أحمد بن سليمان ( ت 566هـ)
الحدائق الوردية، ج2 270، التحف شرح الزلف، ص 233

23 ــــــ المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان ( ت 614ه)
انظر: مقدمة مجد الدين المؤيدي على كتاب الشافي للمنصور بالله، ج1 ص 23، والتحف شرح الزلف، ص 246

24ـــــ الإمام الداعي يحيى بن المحسن بن محفوظ ( ت 636هـ)
التحف شرح الزلف، ص 250

25ـــــ الإمام الناصر يحيى بن محمد السراجي ( ت 696هـ)
التحف شرح الزلف، ص 259

26ـــــ المنصور بالله الحسن بن بدر الدين ( ت 670ه)
التحف شرح الزلف، ص 260

27ــــ الإمام المتوكل على الله المطهر بن يحيى بن المرتضى (ت 697ه)
التحف شرح الزلف، ص 265

28ــــ الإمام المهدي محمد بن المطهر ( 728هـ)
التحف شرح الزلف، ص 265

29ــــ الإمام الواثق المطهر بن محمد ( ت 802هـ)
عاس تسعا وتسعين سنة، ولم يذكروا في تاريخه موته مقتولا أو مسموما .
راجع : التحف شرح الزلف، ص 267

30ــــ المؤيد بالله يحيى بن حمزة ( ت 749هـ)
التحف شرح الزلف، ص 271

هؤلاء ثلاثون إماما من أئمة الزيدية، ماتوا ميتة طبيعية ، على أني اقتصرت بالبحث إلى حين وفاة الإمام يحيى بن حمزة المتوفى سنة( 1346م) ولو مضيت قدما في البحث لوجدت عشرات آخرين من أئمة الزيدية ممن ماتوا حتف أنفهم، فمن المعلوم أن نظام الإمامة الزيدي استمر حتى سنة 1962م.

أخلص بعد هذه الأسطر إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : (، فليتول علي بن أبي طالب وأوصياه، فهم الأولياء والأئمة من بعدي، أعطاهم الله علمي وفهمي … والله لتقتلنهم أمتي…)

قد جعل علامة لمعرفة المقصودين بعترته الطاهرين، الواجب على الأمة التمسك بهم . فقد أقسم صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة ستقتل الأئمة من عترته دون أن يستثني أحدا، لكن وجدتُ بعد التقصي أن كثيرا من أئمة الزيدية ماتوا ميتة طبيعية، وبعضهم عاش طويلا، وهذا يدفعنا للقول إلى أنهم ليسوا هم المقصودون بحديث النبي الذي رواه الشجري وارتضاه المنصور بالله عبدالله بن حمزة .

يتبع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here