مقالات محمد توفيق علاوي

رافد الجبوري

نشط رئيس الوزراء العراقي المكلف، محمد توفيق علاوي، في إجراء اللقاءات التلفزيونية في الأيام التي سبقت تكليفه. وفي أحد تلك اللقاءات، نوّه علاوي إلى أن أفكاره مطروحة في مقالات منشورة، ليجيبه محاوره بما ردّده متابعون كثيرون إن العراقيين قد جرّبوا طريق كتاب المقالات، في إشارة واضحة إلى رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي. وجاءت الملاحظة طبعا في سياق عدم الاستناد إلى مجرّد فكرة أن يكون الشخص كاتبا للمقالات، ليكون مؤهلا لاحتلال منصب رئاسة الوزراء وهذا صحيح، لكن علاوي لم يوضح أن المقالات وسيلة وليست وساما.
ها هو الوضع السياسي العراقي يُلقي آثاره السلبية على مجال الفكر والمعرفة، فعبد المهدي الذي قتل في عهده مئات من المتظاهرين، وجرح آلاف، يسدّد أيضا، كجزء من تركة عهده، بطريقةٍ غير مباشرة ضربة لفكرة كتابة المقالات، إذ ها هو يترك انطباعا سلبيا لدى الناس عن كتاب المقالات، وعن المقالات نفسها وسيلة للتعبير عن الأفكار بطريقة منظمة ومنهجية، تستند إلى بحث علمي. هناك طبعا مقالاتٌ سيئة يكتبها كتاب سيئون لا نتحدث عنها هنا، فالقارئ هو الأعرف، وهو الذي يميز نوعية ما يقرأ.
لم تكن مقالات علاوي منتشرة بصورة واسعة، بالمقارنة مع مقالات عبد المهدي مثلا، لأسباب عديدة، أهمها أن عبد المهدي كان معروفا أكثر من علاوي، وكان يكتب في صحيفة تصدر عن حزب المجلس الأعلى الإسلامي العراقي هي صحيفة العدالة، بينما ينشر علاوي مقالاته في مواقع إلكترونية غير منتشرة. وكنت قد أشرت، مع تولي عبد المهدي رئاسة الوزراء، إلى قضية كونه كاتبا للمقالات وقلت إنها مؤشر إيجابي لوجود شخص يقرأ ويكتب، وسط طبقة سياسية عراقية عرفتها جيدا، وقلما وجدت بينها من يقرأ الصحف والكتب أو يكتب أي شيء، لكنني أشرت أيضا إلى ضعف أسلوب عبد المهدي، وحاجته إلى خبرة محرّر أو صحافي محترف. أما مقالات محمد علاوي فهي أفضل تحريريا. وبينما تمتاز مقالات عبد المهدي غالبا بطولها وكثرة الحشو والأخطاء التحريرية واللغوية فيها، فإن مقالات علاوي أكثر ترتيبا، وهي مركّزة الأفكار إلى حد مقبول.
الأهم من هذا أن علاوي، في أحد مقالاته قبل عامين، يتوقع حصول ثورة شعبية ضد كل الطبقة السياسية. وفي مقال آخر، يتحدث بدقة عن حجم الفساد وأوجهه، وينتقد محقا رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، لأنه لم يفعل الكثير لمحاربة الفاسدين وإقصائهم من مناصبهم، على الرغم من تمتعه بدعم كبير. بعض مقالات علاوي هي مطارحات مع خصوم سابقين له، مرتبطين برئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، الذي حرّك ضد علاوي اتهامات فسادٍ أدّت إلى إدانته ثم تمت تبرئته. يضع محمد توفيق علاوي رؤيته للحل في العراق بإقامة حكومة تختار رئيسَها كل القوى السياسية، ويتم إعطاؤه صلاحياتٍ واسعة لتعيين وزرائه، ويضع أربع مواصفات للرئيس ولوزرائه، تتمثل بالنزاهة والكفاءة والشجاعة، وعدم الخضوع لإرادة الأحزاب السياسية والأجندات الخارجية. يقول إن تلك هي الصيغة الوحيدة التي تمثل الحل، بدلا من التفكير في فكرة تشكيل حكومة من الغالبية البرلمانية، ومعارضة من الأقلية في البرلمان، لأن ذلك سيؤدي إلى استقطاب سياسي، لا يسمح بالمحاسبة والتطوير.
على الرغم من أن مقالات علاوي أفضل من مقالات عبد المهدي في صياغتها، وهي تعبر بوضوح أكبر عن أفكاره، فإن هناك مشكلة عامة في تلك الأفكار، تتمثل في أنها تدور في فلك النظام السياسي في العراق، وهو نظام سياسي وصل إلى أزمة حقيقية. لقد وقع فعلا ما توقعه علاوي من ثورة شعبية ضد الطبقة السياسية، وبات المطلوب أن يكون هناك حلٌّ يغير أسس النظام السياسي، بطريقةٍ واضحةٍ تعطي للعراقيين أملا في تحقيق إصلاح حقيقي، مع التكليف برئاسة الوزراء، بدأ علاوي بإصدار الكلمات والخطابات، وليس المقالات. والمشكلة هنا أنه أجزل في هذه الخطابات سلسلةً طويلة من الوعود التي يصعب تنفيذها.
هناك أكثر من شبه بين عبد المهدي ومحمد علاوي، خصوصا في طريقة التعيين التي جاءت باتفاق بين زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وزعيم تحالف الفتح، هادي العامري، في المرّتين وبتنسيق مع إيران. ولكن تكليف علاوي يأتي بعد انتفاضةٍ شعبيةٍ تم قمعها بطريقة وحشية في أكثر من مكان ومناسبة، وما يزال القمع مستمرا. المشكلة الرئيسية بالنسبة لعلاوي هي ادعاؤه أن المتظاهرين قد طالبوا بتعيينه أو أنهم يؤيدون تعيينه، على الرغم من أنهم رفضوه قبل التكليف. وقد انطلقت تظاهرات مخصصة لرفضه، بعد صدور تكليفه، لكنه قد عينته في منصبه القوى المسيطرة على الوضع في العراق، والتي أيدت قوله إنه مرشّح المتظاهرين، إن لم تكن قد أملت عليه ذلك القول، لتنطلق مواجهة جديدة بينه وبين المتظاهرين، وبين المتظاهرين والتيار الصدري.
سيترك محمد علاوي كتابة المقالات بعد توليه رئاسة الوزراء. لا بأس في ذلك، لأن العراقيين سيقيّمونه على أفعاله لا كتاباته وأقواله، لكن الكتابات تبقى مهمة لنا، للدراسة والبحث والفهم وكتابة التاريخ.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here