فرات المحسن
لتبرير التحالف داخل كتلة سائرون أصر قادة الحزب الشيوعي العراقي على توصيف خيار تحالفهم، بأنه جاء وفق قناعة راسخة بضرورة التحالف مع قواعد التيار الصدري، وهم الشباب المهمش والعاطل عن العمل والفاقد للكثير من الامتيازات والباحث عن الكرامة الإنسانية، وأيضا التوافق ورغبة السيد مقتدى وما كانت تحويه تلميحاته الدائمة حول ضرورة الإصلاح وبناء دولة المواطنة.
ولكن بداية تحالف سائرون جاءت تحمل سوسة خرابها، بسبب ما موه عليه وأخفي عن الحلفاء من نوايا، لتتوزع أدوار قادته بنشوة منتصر يجهل القادم وما تخفيه العقليات المتوترة وغير المستقرة لمستقبل التحالف لا بل لعموم العراق، أو لنقل كان مشروع التحالف يحاول تزويق المشهد أمام الشعب ليقدم قائمة بتمنيات دسمة تضفي على حلفاء الكتلة مظاهر الكاريزما الشخصيات المستقلة والمؤثرة وذات القدرة الفائقة على اتخاذ القرار وفرض الشروط، ومن هذا أعلن المتحدث باسم سائرون قحطان الجبوري ” إن السيد مقتدى الصدر لا يدعم التحالف،في الوقت الذي ينتظر التحالف بلهفة وشوق دعم القائد السيد الصدر في قادم الأيام.” بدوره أطلق رئيس كتلة سائرون الدكتور حسن العاقولي في مقابلة تلفزيونية كذبة فجة جعلتنا نشك بمهنيته وشهادته الدراسية قبل أي شيء أخر، فقد أدعى بانعدام صلة لحزبه بالتيار الصدري وأنه لم يلتق السيد مقتدى الصدر إطلاقا، ولم يكلف من قبله أو من قبل مكتبه السياسي لبناء هيكلية حزب الاستقامة الذي يترأسه، ولا علاقة تربط حزبه لا من قريب أو بعيد بالتيار الصدري.
أذا كنا قد واجهنا منذ البداية ومن خلال هذين القياديين ما يجعلنا في شك من حال وأحوال الكتلة مع قادم الأيام، وهذا ما شاهدناه وسمعناه منذ تاريخ تشكيل الكتلة ولحد اليوم، من أنواع التلفيق والإدعاء وتضخيم الأدوار، قدم لنا مع المقبلات الممجوجة على أنواع الأطباق ومن قبل قادة ومنضرين يحسبون على كتلة سائرون.والأدهى من كل ذلك فإن تصريحات السيد مقتدى كانت قد دعمت إدعاءات هؤلاء، وما بخل السيد بالتلميح والإشارة إلى ابتعاده لا بل عزوفه عن التدخل في شؤون سائرون.
ولكن فجأة وبعيد ظهور نتائج الانتخابات تغير الحال كليا ليصبح السيد مقتدى الصدر فجأة ودون مقدمات، عراب وراعي قائمة سائرون والمفاوض الوحيد باسمها، وتكررت اجتماعاته الساخنة مع باقي القوائم وخاصة قائمة الفتح بقيادة السيد هادي العامري والنصر بقيادة السيد العبادي، واختصرت التصريحات والتلميحات بشخصه وبالمكتب السياسي للتيار الصدري دون غيرهم.وانتهت لقاءات السيد بتنصيب السيد عادل عبد المهدي كرئيس وزراء وحسب خيار التوافق والمحاصصة اللعين.
وبسبب انفراد السيد مقتدى الصدر بالمفاوضات وباسم سائرون واستشعار الحزب برغبة مقتدى التحالف مع كتل أخرى دون التشاور معهم. صدر عن الحزب الشيوعي بتاريخ 15 / 06 / 2018 بيان عرض فيه موقفه من التحالف في قائمة سائرون، بعد أن أثير داخل الحزب وخارجه لغط كثير يشكك ويدين هذا التحالف.
حمل البيان رؤية توضيحية تؤكد إصراره على الاستمرار بتحالفه داخل قائمة سائرون وأعطاه توصيف، وسماه بتحالف انتخابي ليس إلا. ولكن الحزب وضع شروطا لهذا التواجد وأفصح عنه بالقول ” إن وجد الحزب في سياسة هذا التحالف ما هو بعيد عن رؤاه وغير متوافق ومبادئه ومساعيه في ترسيخ مبادئ الديمقراطية والحريات المدنية ودولة المواطنة والابتعاد عن المحاصصة ومحاربة الفساد (( وتلك هي مرتكزاتنا وبمجملها حجر الزاوية في تحالفنا)) وإن حدث خلاف ذلك وأنجرف تحالف سائرون وابتعد عن تلك الأهداف فللحزب قراره السياسي المستقل ويكون له موقفا مخالفا بعيدا عن ذلك التحالف.”
جاء قرار العمل بصيغة سانت ليغو 1.9 الذي أقره البرلمان وصوتت عليه جميع الكتل والأحزاب ومنها كتلة سائرون، أمعانا بصيغ التحاصص السياسي المقيت وإصرار فج وكريه على حصر القرار البرلماني ومثله السلطوي وأيضا في مجالس المحافظات بيد أحزاب وكتل بعينها، وإقصاء القوى والكتل الصغيرة عن مركز القرار والمشاركة في إدارة الدولة.ومثل هذا الموقف تحدي حقيقي لإرادة الحزب الشيوعي ورغباته وطعنا من قبل الحلفاء بالمسلمات التي اتفق عليها حين شُكلت كتلة سائرون. عد هذا الأمر وقبله حصر التفاوض بيد السيد مقتدى خلاصة للمواقف الذاهب أليها سائرون بقيادة الصدر وليس سواه. وأعقبت ذلك مواقف أخرى جميعها كان أخلالا بالتحالف وتفردا من قبل السيد مقتدى ومكتبه السياسي على حساب باقي شركائهم.
أظهرت وقائع متعاقبة إن التيار الصدري له من الأجندات ما هو ابعد بأشواط عما أتفق عليه مع التحالف الذي ضم الحزب الشيوعي بشخص أمينه العام السيد فهمي وأربعة أحزاب أخرى غير معروفة بين أوساط الجماهير، مثلها سعد عاصم الجنابي رئيس التجمع الجمهوري، ومضر شوكت أمين حزب الترقي، وقحطان الجبوري أمين حزب الدولة العادلة، وحزب الشباب والتغيير، وهذه النتف الحزبية الصغيرة اختفت كليا وكأنها قطعة ملح رميت في بحر لجج، وبعد ظهور نتائج الانتخابات لم يحصل أحد من هؤلاء على مقعد برلماني،ليتفرغ الجميع لتجارتهم بعد أن أطمأنوا لحصولهم على فيء السيد مقتدى وحمايته. وبقي الحزب الشيوعي في الواجهة يواجه الانتقاد والتقريع من قبل الأصدقاء والأعداء.أما من قاد الحزب إلى هذا التحالف ورغم ما يراه من اختلال في صيغة التعاقد،فكانوا ولازالوا يكابرون وتأخذهم العزة بالإثم.
اليوم وبعد كل الذي حصل وبعد أن قطع الصدريون وقائدهم جميع حبال الود مع شباب الانتفاضة وخرقوا العهود وتنكروا للوعود وافرغوا حقدهم حتى على من تحالف معهم، ومارسوا القتل والترهيب بحق أصدقائهم ورفاقهم الذين تناولوا معهم الطعام وتسامروا فيما بينهم عند ليالي الفزع التي كانت فيها قوات السلطة الفاشية ومليشياتها تصب غضبها على رؤوس وأجساد جميع شباب الانتفاضة دون تمييز وذهب إثرها ولحد الآن أكثر من 700 شهيد كانوا في ريعان شبابهم لتذهب معهم آمال وأماني عريضة كانوا وعائلاتهم يبنون عليها أحلام لحياة رغيدة قادمة. وأصاب العوق أكثر من ألفي شخص وجرح ما يقارب الثلاثة وعشرين ألف .
وببرود وجفوة أعتدها مقتدى الصدر أنقلب ومجاميعه على ما اتفق عليه في تحالف سائرون من مبادئ وعهود لتحقيق الإصلاح ووصل الأمر به وبناطقه الرسمي محمد صالح العراقي، إلى حد التهديد والوعيد بالتصفية الجسدية لجميع من يعارضه أو يعارض خياره بتوزير المجرب محمد توفيق علاوي. ولم يكذب خبرا فأنشأ حركة احتجاجية مضادة لغرض افتعال صدامات مع باقي المنتفضين ليبرر للسلطة التدخل لفض الاعتصام.فتقدم بحشوده المدججة بالسلاح ليقتل ويجرح العشرات من المنتفضين ويحرق خيامهم في ساحة التحرير والنجف والناصرية وكربلاء. وبعد أن ثار بوجهه الأمم المتحدة والعديد من سفراء العالم المتحضر وقطاعات كبيرة من أبناء الشعب العراقي ويتوج كل هذا بخطبة الجمعة للمرجع الديني السيد علي السيستاني،الذي طلب من قوى الجيش والشرطة أن تكون الجهة الوحيدة والمسؤولة التي لها الحق بالتدخل لحماية المنتفضين. وتلك كانت إشارة واضحة لهجمات جماعة القبعات الزرق الذين شكل فصائلهم مقتدى الصدر لغاية كسر شوكة الانتفاضة وتخريبها. وبعد كل هذا بدأ مقتدى اليوم بتحريض قيادات الجيش والشرطة للتدخل السريع والقوي لفض الاعتصام وإنهاء الانتفاضة.
جميع هذه الوقائع والمستجدات أثبتت صحة ما ذهب أليه العديد من رفاق الحزب وأصدقاءه ومؤازريه من الذين حذروا قادة الحزب من ذلك التحالف، وأشاروا عليهم بعدم التورط والإقدام على توقيع وثيقة لا يؤتمن طرفها الأكبر، ونبهوهم للطبيعة العنيفة المتقلبة لشخصية مقتدى والكثير من مجاميعه غير الواعية، والتي تنقاد وفق رغباته ومزاجه الشخصي المتقلب وتتغذى على كره الأخر، وتعمل وتفكر بخلاف ما يمت للتحضر والحوار العقلاني بصلة، وتترصد الفرص للنيل من المخالفين بوسائل الترويع والترهيب وحتى القتل.
مما تقدم فقد أثبتت الوقائع والأحداث إن العديد من أعضاء الحزب ومؤازريه من الذين نبهوا لذلك الخطر المحدق بالحزب، كانوا أكثر أدركا وأشد حرصا من غيرهم على كيان الحزب ومسيرته، وكان وعيهم متقدما ودقيقا بتشخيص المآل الذي سيصل أليه هذا التحالف، أما من قاد الحزب إلى هذا التحالف ورغم ما يراه من اختلال في صيغة التعاقد ومتغيرات الأحداث وتقلب الحلفاء ليصل الأمر لجرائم ترتكب يوميا وتلصق باسم سائرون دون استثناء لأحد في التحالف،فأنهم يستمرون بالمكابرة وتأخذهم العزة بالإثم.وهذا ما يحدث اليوم فهل هناك مجال لتصحيح الخطأ.
أجد إن على الحزب الشيوعي وقيادته العودة لقراءة بيانهم الصادر بتاريخ 15 / 06 / 2018 وأن يعلنوا وبشجاعة أبطال المواجهات الكبرى التي قدم فيها الحزب الشيوعي وعلى مذبح العز وحرية العراق وكرامة شعبه ولأجل العدالة الاجتماعية الكثير من شبابه وناضل دون هوادة لإعلاء كلمة حق بوجه قاتل مأجور أو سلطة ظالمة.ليعلن الحزب الشيوعي ابتعاده الكلي وقطيعته مع كتلة سائرون ويفسخ عقده مع المجاميع التي أولغت بدماء المنتفضين العراقيين وخانت العهود وعادت وبشكل سافر لتكون مثلما كانت عليه وفي جميع المراحل ظلا للسلطة وجزءا من ماكينتها .
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط