حقائق التأريخ الشيعة والصليبيين،

الدكتور صالح احمد الورداني
تقوم شبهة علاقة الشيعة بالصليبيين على اساس كلام ابن تيمية..
وكلام ابن تيمية لا يخرج عن كونه كلام مرسل ارتكز على ماعاصرة من فرق الشام المنسوبة للشيعة ..
وعلى موقفه العدائي من الفاطميين..
ومن الطبيعي لابن تيمية أن يتخذ من الشيعة عدوا ويجعلهم شغله الشاغل..
فهو قد نشأ في مناخ الخصومة والعداوة لأهل البيت وارتوى من معين مذاهب قامت على روايات بني أمية..
وقد تلقف خصوم الشيعة كلام ابن تيمية تلقف الكرة وأغفلوا النصوص التي تشير الى علاقة السلاجقة والأيوبيين وغيرهم بالصليبيين..
وتغافل ابن تيمية عن حقيقة هامة وهى أن حال المسلمين من فرقة وتشرذم وصراعات هو الذي أطمع الصليبيين ودفعهم لغزو بلاد المسلمين..
جاء في الكامل في التأريخ لابن الاثير حوادث سنة إحدى وتسعين وأربعمائة :كان ابتداء ظهور دولة الفرنج، واشتداد أمرهم، وخروجهم إلى بلاد الإسلام، واستيلائهم على بعضها، سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، فملكوا مدينة طليطلة وغيرها من بلاد الأندلس، وقد تقدم ذكر ذلك.
وجاء في مقدمة ابن خلدون:ثم لما ضعف أمر الخلافة أعوام الخمسمائة من الهجرة في آخرها، وكانت في مملكة العبيديين خلفاء القاهرة من الشيعة واختل أمرهم، زحف الفرنجة إلى بيت المقدس، فملكوه وملكوا معه عامة ثغور الشام..
والمسئولية هنا لا تقع على الشيعة بالطبع إنما تقع على ما تبقى من دويلات عاجزة لا هم لها الا الهيمنة واستنزاف موارد المسلمين..
وحتى تتضح الصورة لنا لابد من استعراض كلام ابن تيمية ومناقشته..
جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية تحت عنوان فتوى في النصيرية :
ومن المعلوم عندنا ان السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم- أي النصيرية – وهم دائما مع كل عدو للمسلمين فهم مع النصارى على المسلمين..
ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانقهار النصارى، بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار..
ومن اعظم اعيادهم اذا استولى والعياذ بالله تعالى النصارى على ثغور المسلمين..
فهؤلاء المحادون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها فاستولى النصارى على الساحل ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره فان احوالهم كانت من اعظم الاسباب فى ذلك..
ولهم ألقاب معروفة عند المسلمين تارة يسمون الملاحدة وتارة يسمون القرامطة وتارة يسمون الباطنية وتارة يسمون الاسماعيلية وتارة يسمون النصيرية وتارة يسمون الخرمية..
وواضح من هذا الكلام أن ابن تيمية يتحدث عن فرقة النصيرية وليس عن الشيعة..
وقد حمل هذه الطائفة مسئولية هزيمة المسلمين وسقوط سواحل الشام والقدس في أيدي الصليبيين..
وهو كلام فيه غلو كبير وتعتيم أكبر على الحقيقة ..
وحسب قول احد المؤوخين : اختلف السلاطين فتمكن الفرنج من البلاد..
وما ذكره عن فرحة هذه الفرقة وسعادتها البالغة بهزيمة المسلمين وما وصفه بأعظم الأعياد هو كذب واضح..
ولو كان الأمر بهذه الصورة لشاع بين المسلمين وما غاب عن الفقهاء والمؤرخين..
وقال عن الفاطميين : فانهم كانوا مستولين عليها- أي مصر- نحو مائتى سنة واتفقوا هم والنصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد..
ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الاسلام بالديار المصرية والشامية..
فهو يعد إسقاط الفاطميين والاستيلاء على مصر فتحاً..
ولم يكن هناك إسلام بمصر والشام حتى جاء نور الدين والكرد بقيادة صلاح الدين فنشروا فيهما دعوة الإسلام .
وقد استغل ابن تيمية حادثة تمرد شاور على العاضد الفاطمى واستعانته بالإفرنج في اتهام الشيعة بموالاة الصليبيين..
(انظر مقالة شاور وضرغام على الصفحة)
وجاء في الرسالة القبرصية بمجموع الفتاوى :
وقد عرف العارفون بالاسلام ان الرافضة تميل مع اعداء الدين ولما كانوا – اى الفاطميين- ملوك القاهرة كان وزيرهم مرة يهوديا ومرة نصرانيا أرمينيا ،وقويت النصارى بسبب ذلك النصرانى الارمينى وبنوا كنائس كثيرة بأرض مصر فى دولة أولئك الرافضة المنافقين..
ومن خلال هذا الكلام يتبين لنا جهل ابن تيمية وغباءه..
إذ أن العارفين بالإسلام لا ينكرون تولي المناصب في الدولة لغير المسلمين..
ذكر ابن الاثير في حوادث سنة أربع وثمانين وأربعمائة :في هذه السنة، في ربيع الأول، عزل الوزير أبو شجاع من وزارة الخليفة..
وكان سبب عزله أن إنساناً يهودياً ببغداد يقال له أبو سعد بن سمحا كان وكيل السلطان والوزير نظام الملك، فلقيه إنسان يبيع الحصر، فصفعه صفعة أزالت عمامته عن رأسه، فأخذ الرجل، وحمل إلى الديوان، وسئل عن السبب في فعله، فقال: هو وضعني على نفسه، فسار كوهرائين ومعه ابن سمحا اليهودي إلى العسكر يشكوان، وكانا متفقين على الشكاية من الوزير أبي شجاع.
و كان موسى بن ميمون اليهودي طبيب صلاح الدين..
وكان وزير الصالح اسماعيل أبو الحسن السامري الذى وصفه الذهبي بقوله : ما كان مسلماً ولا سامرياً ،بل كان يستتر بالإسلام ويبالغ في هدمه…
وهو أمر مشهور ولا يغيب عن مثل ابن تيمية إلا أن تكون أعمته العصبية ..
وجاء في شرح حدبث تفترق امتى بمجموع الفتاوى : والذين يوجدون فى بلاد الاسلام من الإسماعيلية والنصيرية والدرزية وأمثالهم من أتباعهم وهم الذين أعانوا التتر على قتال المسلمين..
وهؤلاء أعظم الناس عداوة للمسلمين وملوكهم ثم الرافضة بعدهم..
فالرافضة يوالون من حارب اهل السنة والجماعة ويوالون التتار ويوالون النصارى وقد كان بالساحل بين الرافضة وبين الفرنج مهادنة حتى صارت الرافضة تحمل الى قبرص خيل المسلمين وسلاحهم وغلمان السلطان وغيرهم من الجند والصبيان واذا انتصر المسلمون على التتار أقاموا المآتم والحزن واذا انتصر التتار على المسلمين أقاموا
الفرح والسرور..
وبغض النظر عن صحة هذا الكلام من عدمه الأمر هنا أيضاً لا يتعلق بالشيعة..
أما أن الرافضة توالى من حارب اهل السنة والتتار والنصارى فهو كلام مرسل..
والحمد لله كون ابن تيمية فرق بين الرافضة – اذا كان المقصود بهم الشيعة – وهذه الفرق وجعلهم في مرتبة أدنى في العداوة للمسلمين..
وبخصوص المهادنة مع الصليبيين فقد هادن نور الدين وصلاح الدين من بعده الصليبيين..
وابن تيمية لم يشر من قريب أو بعيد إلى دور الحمدانيين الشيعة في مقاومة الروم والحروب الطويلة التي دارت بينهم ..
والانتصارات الكبيرة التي حققها سيف الدولة الحمداني على الصليبيين..
وهو قد أغفل أيضاً دور الفاطميين في التصدي للصليبيين..
وكانت محاولات الصليبيين لغزو مصر هى ما أدي بالخليفة العاضد الى الاستنجاد بنور الدين في الشام..
وهذا أيضاً أغفله ابن تيمية..
جاء في الكامل حوادث سنة خمس وتسعين وأربعمائة:وفيها، في رجب، خرجت عساكر مصر إلى عسقلان ليمنعوا الفرنج عما بقي في أيديهم من البلاد الشامية، فسمع بهم بردويل، صاحب القدس، فسار إليهم في سبعمائة فار
وجاء في حوادث سنة أربع وخمسمائة ذكر استيلاء المصريين على عسقلان :كانت عسقلان للعلويين المصريين، ثم إن الخليفة الآمر بأحكام الله استعمل عليها إنساناً يعرف بشمس الخلافة، فراسل بغدوين ملك الفرنج بالشام، وهادنه، وأدى إليه مالاً وعروضاً، فامتنع به من أحكام المصريين عليه، إلا فيما يريد من غير مجاهدة بذلك.
فوصلت الأخبار بذلك إلى الآمر بأحكام الله، صاحب مصر، وإلى وزيره الأفضل، أمير الجيوش، فعظم الأمر عليهما، وجهزا عسكراً وسيراه إلى عسقلان مع قائد كبير من قواده، وأظهرا أنه يريد الغزاة، ونفذا إلى القائد سراً أن يقبض على شمس الخلافة إذا حضر عندهم، ويقيم هو عوضه بعسقلان أميراً. فسار العسكر، فعرف شمس الخلافة الحال، فامتنع من الحضور عند العسكر المصري، وجاهر بالعصيان، وأخرج من كان عنده من عسكر مصر خوفاً منهم.
فلما عرف الأفضل ذلك خاف أن يسلم عسقلان إلى الفرنج، فأرسل إليه وطيب قلبه، وسكنه، وأقره على عمله، وأعاد عليه إقطاعه بمصر..
أما صور الخيانة وتولي الصليبيين التي وقعت في محيط الشام من قبل حكام المسلمين – السنة – فهى كثيرة..
وهذه أغفلها ابن تيمية أيضاً..
وقال الذهبي في تأريخ الإسلام : فلما تسلطن الصالح إسماعيل وأعطى الفرنج الشقيف وصفد نال منه ابن عبد السلام على المنبر ، وترك الدعاء له ، فعزله الصالح وحبسه ،ثم أطلقه ، فنزح إلى مصر ..
واعتضد الصالح اسماعيل بالفرنج وسلم اليهم القدس وطبريا وعسقلان وجناياته على المسلمين ضخمة
وذكر ابن الاثير في حوادث سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ذكر ملك الفرنج مدينة أنطاكية:فلما طال مقام الفرنج على أنطاكية راسلوا أحد المستحفظين للأبراج، وهو زراد يعرف بروزبه، وبذلوا له مالاً وأقطاعاً، فلما تقرر الأمر بينهم وبين هذا الملعون الزراد، جاؤوا إلى الشباك ففتحوه ودخلوا منه، وصعد جماعة كثيرة بالحبال، وكان ذلك معونة للفرنج، ولو ثبت ساعة لهلكوا-أي الإفرنج-..
ومن العجيب أن الوهابيين لازالوا يرددون شبهة علاقة الشيعة بالصليبيين في الوقت الذي تعلن فيه دولة الوهابيين بزعامة آل سعود موالاتها للصليبيين وتحالفها معهم ضد المسلمين..
ومباركة أئمة الوهابية لهذا الموقف..
مع الإشارة إلى أن العقيدة الوهابية تنص على كفر من يوالي المشركين..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here