زكوتو عشيقة سنحاريب

بقلم : عضيد جواد الخميسي

زكوتو (701-668 ق.م ) ، هو الاسم الأكدي لـ (نقيا ) ، عشيقة الملك الآشوري سنحاريب ، الذي حكم البلاد ما بين عام 705-681
قبل الميلاد .

على الرغم من أن زكوتو لم تكن تحمل صفة ملكة ، كونها خليلة وليست زوجة مُعلنة ، غير أنها أنجبت منه ولداً واسمه ( إسرحدون
) الذي ورث الحكم بعد وفاة والده . وقد تولت زكوتو مقاليد الأمور السياسية في بلاد آشور بوظيفة ( ملكة ) بعد مقتل ابنها إسرحدون في حربه مع مصر . وهي نفسها جدة الملك (آشور بانيبال) ابن إسرحدون الذي كان وليّاً للعهد .

تأتينا الحكايات عن زكوتو في الأصل من عهد إسرحدون والتي تُعدّ دليلاً على أنها كانت امرأة قوية وذكية انتقلت من الظلمة
إلى العظمة . ومن المعروف عن نقيا أو زكوتو ، في أن اسمها مقروناً مع اسم سنحاريب منذ عام 713 قبل الميلاد عندما تولى منصب ولي العهد في زمن سرجون الثاني .

كان لدى سنحاريب ما لا يقل عن أحد عشر ولداً (ربما أكثر) من زوجاته وخليلاته ، وكان من بين هؤلاء ، ابنه إسرحدون الأصغر
سناً. وبما أن زاكوتو كانت مجرد ” إمرأة قصر ” ، وليست من الأسرة الملكية ، حسبما ورد في النصوص الآشورية المكتوبة ، فأن الاخوة الأكبر سناً لم يبالوا كثيراً عند ولادة أخوهم الأصغر (إسرحدون ) .

جعل سنحاريب ولده المفضّل ووريثه المختار ( آشور ـ ندين ـ شومي ) ، حاكماً على بابل ، ولم يمض على حكمه سوى بضعة شهور
حتى أسره العيلاميون (أعداء الآشوريين) حوالي عام 695 قبل الميلاد . ومن المرّجح أنه قتل أيضاً على أيديهم عام 694 قبل الميلاد .

كان على سنحاريب في تلك الظروف العصيبة ان يختار واحداً من ابنائه ليكون وريثاً جديداً من بعده ، ولكنه كان منشغلاً في
الحملات العسكرية من جهة ، والقيام في بناء المشاريع واعادة الاعمار من جهة اخرى ، ونتيجة ذلك ، فقد استغرق وقتاً طويلاً لاتخاذ قراره فيما يتعلق بخلفه .

في عام 683 قبل الميلاد ، اختار سنحاريب ابنه الأصغر إسرحدون وريثاً له ، ولكن قرار سنحاريب كان مفاجأة غير سارة لأشقائه
الاخرين الذين اعترضوا على قرار والدهم المجحف في ضياع حقوقهم المفترضة لولاية العهد .

يؤكد بعض العلماء والباحثين أن دهاء وحيلة زكوتو كانا وراء قرار سنحاريب هذا . وخوفاً منها على حياة ولدها إسرحدون من
أشقائه في الانتقام ، فقد بعثت زكوتو بابنها إلى مكان يُعرف سابقاً باسم (ميتاني ) ـ قرب بلاد الأناضول ـ للاختباء فيه .

في عام 681 قبل الميلاد ، اغتال اثنان من أبناء سنحاريب والدهم ، وذلك بسبب تدميره مدينة بابل ، واختطافه التمثال المقدّس
للإله العظيم مردوخ من معبده ، ولكنها كانت خطة مدبرّة للاستيلاء على العرش و الانتقام من والدهم الذي خذلهم في التوريث .

أرسلت زكوتو طلباً في عودة ابنها من منفاه القسري ، وبعد رجوعه ، شنّ إسرحدون حرباً أهلية شرسة استمرت ستة أسابيع ضد اشقائه
واتباعهم الذين قتلهم جميعاً هم وعوائلهم ، ومن ثم تربّع على عرش مملكة آشور دون منافسة من أحد .

استمر حكم إسرحدون من 681 إلى 669 قبل الميلاد ، ومن ثم قُتل خلال حملته العسكرية على مصر . بعد ذلك انتقل العرش إلى
ابنه “آشوربانيبال “( 685 ـ 627 ق.م) ، الذي يعد آخر ملوك الإمبراطورية الآشورية التي شهدت إنجاز الكثير من مشاريع البناء والعمران والثقافة ، وبها ازدهرت التجارة ، وتوسعت الزراعة ، وتطور الطب وصناعة الأدوية ، وانتشار العلوم والمعرفة في أرجاء الامبراطورية ، وكان
آخرها المكتبة الآشورية الشهيرة في نينوى .

احتلت زكوتو مكانة عالية في الدولة الآشورية ، وكانت مثيرة للإعجاب خلال حكم ابنها إسرحدون ، عندما حملت لقب (الملكة
) وإن لم تتوج ، فقد كانت تعمل على صياغة الرسائل الملكية وتستقبل المبعوثين والشخصيات البارزة ، وعلى الرغم من أن نقيا أو زكوتو لم تكن آشورية المولد ( إما آرامية أو عبرية الأصل) ، ولم تُمنح لقب ملكة أبداً في زمن سنحاريب ، وحتى عندما اختار ابنها إسرحدون خلفاً
له ، لم تكن تحمل أيّ صفة ملكية ، بل كانت تُعرف باسم “والدة ولي العهد ” . ألاّ أنها كانت تتلقى الرسائل من جميع مناطق المملكة حول الأمور المهمة والعاجلة للبت فيها ، وتتصدر كتابة تلك الرسائل العبارات التالية :

إلى “أم الملك سيدي” ، وتبدأ مع التحية ” تحياتي إلى والدة الملك سيدي . أتمنى من إلهي آشور (شمش ، ومردوخ ) ، أن يحفظا
الملك سيدي في كامل الصحة. آمل من والدة الملك سيدي ، ان تصدر مرسوم خير ،……إلخ . ” . ويتم كتابة هذه الديباجة قبل أن تُذكر تفاصيل الأمر المطروح .

خبير الآشوريات الألماني (ولفرام فون سودن ) يصف دور وأهمية زكوتو المستمرة في البلاط الملكي كالتالي :

” زوجة سنحاريب السورية في الولادة ، (نقيا – زكوتو) ، كانت شخصية كبيرة ومؤثرة خلال السنوات الأولى من حكم حفيدها آشوربانيبال
، إذ كان يخشاها جميع المسؤولين في البلاط الملكي “(ص67) .

قبيل وفاتها بفترة وجيزة ، أو بعد وفاة إسرحدون عام 669 قبل الميلاد ، أصدرت زكوتو وثيقة العهد والولاء في عام 670 أو
668 قبل الميلاد . لتأمين عرش آشور بانيبال في البلاد ، إذ أمرت رجال البلاط وجميع أفراد الشعب الآشوري بالاعتراف على أن حفيدها آشور بانيبال ملكاً على بلاد آشور وتوابعها . ونصّت بعض عبارات تلك الوثيقة في العهد ، ما يلي :

” أي شخص في هذا التعهد الذي أبرمته الملكة زكوتو مع الأمة بأسرها بشأن حفيدها المفضّل آشوربانيبال .. على أنك لن تثور
ضد سيدك آشوربانيبال ـ ملك آشور ـ ، أو تجعل في قلبك أفكارتضعها في كلمات لخطة قبيحة ، أو مؤامرة شريرة ، ضد سيدك آشور بانيبال ، أو تقوم بمؤامرة مع شخص آخر لقتل سيدك آشوربانيبال ملك آشور….. . آشور ، و سين ، و شمش ، وعشتار ، يشهدون ، ويلعنون منتهكي هذه المعاهدة
“.

تحدد المعاهدة زكوتو بوضوح كملكة في ذلك الوقت ، وفي الحقيقة كان يمكنها أن تصدر مثل هكذا مراسيم وأوامر ، على اعتبار
أن لديها السلطة والتأييد الكافيين كي تكون قادرة على ضمان خلافة حفيدها كملك . كما تبين من خلال عقد شراء أرض زراعية . وكانت لدى زكوتو أختاً واسمها (أبرامي) .

لا يعرف حتى الآن إلاّ القليل عن زكوتو وحياتها الشخصية ، والتي جاءت في بعض الألواح الحجرية من المكتبة الآشورية التي
تذكرها بالاسم ، وحتى تاريخ ميلادها ووفاتها غير معروفين ، بيد ان تأثيرها في الخطط السياسية والإدارية كان بارزاً بوضوح خلال فترة حكم ابنها إسرحدون وحفيدها آشور بانيبال . ولا يعرف بالضبط ، كيف تمكنت من الوصول الى أعلى السلطة و هيمنتها على البلاط الملكي بأسره
؟ ، هذا السؤال ، لا يمكن لأحد ان يعرف إجابته في الوقت الحاضر ، ويُنتظر من الاكتشافات الأثرية التي قد تحصل مستقبلاً في المنطقة للوصول الى بعض الحقائق الغامضة . لكن على الأقل لدينا معرفة شبه مؤكدة ، في ان زكوتو أو نقيا كان لها الدور الرئيسي في بروز اثنين من
أهم ملوك الإمبراطورية الآشورية الجديدة (إسرحدون ) و ( آشور بانيبال ) …

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إليزابيث ماير تيتلو ـ المرأة : الجريمة والعقاب في القانون القديم ، والمجتمع ـ كانتينيوم للنشر ـ نيو أورليانز ـ 2005
.

ولفرام فون سودن ـ مقدمة لدراسة الشرق الأدنى القديم ـ ب . ارديمانز للنشر ـ 1994 .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here