د صالح الطائي ..
· قاربت السبعين من العمر ولم أجد في نفسي قدرة المشاركة بالتظاهرات التي تطالب بالإصلاح وحينما يتعرض الوطن إلى أذى من غريب أو قريب يكون لزاما على هذا الحب أن يعلن عن نفسه
·
· اعتبر نفسه خارجا على قانون الموروث وتقليدية المناهج،
· من طبيعة جمال صنع الله للقلب الإنساني أنه أوقفه على حب واحد
حوار / راضي المترفي
صالح الطائي عاشق عَبَرَ شذا عشقه الحدود، تزاحم في صدر هذا العاشق حبه لله وعشقه للعراق، بحث في هذا الحب عن الله في زوايا كثيرة، والف كتبا زادت عن الخمسين، ولم يخف لومة لائم، ولم يعرقل سيره نحو حبيبه عائق، وكثيرا ما ختم اذان الفجر مناجاته مع حبيبه على امل المواصلة بعد الانتهاء من اداء الفرض، وقد فتح عينه هذا الحب على ما خلق حبيبه من جمال، فتألم من قبح بعض المخلوقين، لكن قبحهم لا يقارن بجمال الخالق الحبيب، فتسربت الطمأنينة الى قلب صالح بعد هذه المقارنة، واقتنع تماما ان القبح وصانعه زائل، والجمال وخالقه دائم، من هنا، انطلق صالح في رحلة عمر يبحث فيها عن الجمال ليحارب به القبح، فافلح الى حد كبير وفي لحظة صفاء اكتشف هذا العاشق جمال وطن اسمه العراق، وبما ان حب الجمالِ جمالٌ، تمنى صالح على كل محبيه ان يشاركونه في صنع قلادة من درر الكلم يزين بها هذا الوطن الجميل فوجه نداءً جميلا للجميع بالمشاركة ..
• يعرفك بعض ويجهلك اخرون فهلا عرفت الجميع بك بصورة افضل؟
ج/ صالح الطائي مواطن عراقي بسيط إلى حد السذاجة، معقد إلى حد الإعجاز، وبينهما، بين المتناقضين مجرد إنسان عرف دربه بعد عناء طويل واهتدى إلى نبراس نور الحقيقة من خلال البحث والمتابعة والتدقيق والتنقير، لا من خلال التقليد والتشبيه والنقل الحرفي. اعتمد منهج التفكيك دون أن يخضع لمعادلات الكيمياء وتفاعلات الفيزياء بعد أن أدرك في وقت مبكر أن كل ما في الوجود ليس أكثر من لحظة صفاء لتنزاح الستر وتفتح مغاليق الأبواب فتشرق الحقيقة دونما حجاب. وهو بهذا اعتبر نفسه خارجا على قانون الموروث وتقليدية المناهج، فأسس لنفسه منهجا تفكيكيا تحليليا، نجح من خلاله في رصد كواكب الدين دون حاجة إلى منظار وكواكب الوطن دون حاجة إلى انتماء وتبعية، ولذا عرض نفسه لاضطهاد القوى المختلفة منذ أن أدرك عمق المأساة ووجوب وقوفه بجانب المحتاجين، لا المحتاجين للمال فهؤلاء لديهم مسارب كثيرة يمكنهم من خلالها تحصيل ما يسد الرمق، وإنما محتاجي الفهم الذين لا يمكن اقناعهم إلا بالدليل غير المردود والقول المسنود، ولأجل ذلك أعتقل في زمن النظام السابق ثلاث مرات بمدد مختلفة كادت أن تودي به إلى القبر، ومن ثم اختطف بعد التغيير وبقي نائما على دكة الذباح لمدة ثلاثة عشر يوما، ولكنه وهذه مفارقة غريبة نجح في تجاوز كل تلك الأزمات التي لا يحمل من ذكراها الآن سوى طيف حزن وبعض الآثار المطبوعة على الجسد وعين كادوا ان يختطفوا نورها فتصدى لهم حكماء بارعون أعادوا لها شعاع أمل. وهو مع كل ما مر به لا زال يكتب ويبحث وينجز حتى تجاوز عدد مؤلفاته الخمسين كتابا ورقيا وعدة كتب الكترونية ومئات المقالات والدراسات والبحوث، وبعضا من فيض الأدب بكتابة الشعر والنثر المركز والإسهام في بعض المشاريع البنائية.
• كيف اجتمع حبان في قلبك وهل يتقدم احدهم على الاخر ام انهما في مصاف حب واحد؟
ج/ من طبيعة جمال صنع الله للقلب الإنساني أنه أوقفه على حب واحد؛ هو حبه، فالقلب مهما كان كبيرا لا يسع سوى حبا واحدا، أما ما يبدو وكأنه أكثر من حب تجتمع سوية، فذاك من وهم العارفين لأن كل أنواع الحب التي تحدثوا عنها، والتي تظهر للعيان أو يفضحها البيان إنما هي جزئيات صغيرة من الحب الأوحد الأعظم، فمن يحب الوطن مثلا لا يشركه مع حبه لله، بل هو جزئية من حب الله تعالى لأن (حب الوطن من الإيمان) والإيمان هو حب الله تعالى يقينا، فهذا من ذاك فرع من أصل، ومن يحب والديه لا يشرك حبهما مع حبه لله لأن حبه لله هو الذي أمره ان يحبهما، جاء في الحديث الشريف أن عبد الله بن مسعود، قال: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثمّ أي؟ قال: ثمّ برّ الوالدين، قلت: ثمّ أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. وهذا حب جزئي من الحب الأعظم، وبالتالي تتوحد كل أنواع الحب في حب الله تعالى وحده. أما من يحب ما هو زائل كالدنيا والمال والولد فذلك ليس من معاني الحب الأعظم وإنما هو للفتنة أقرب، وهو ينتهي في النهاية عند حدود الدنيا التي تمثل الحب الكبير المقابل لحب الله والذي لا يمكن أن يجتمع معه في قلب واحد، بدليل قوله تعالى في سورة الكهف: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}، ولذا قالت رابعة العدوية:
أحِبُكَ حُبَيْنِ حُبَ الهَـوىٰ وحُبْــاً لأنَكَ أهْـل لـِذَاك
• ماذا اهديت حبيبك الاول ( الله ) الذي اهداك كل شيء ومنها الحياة؟
يبدو هذا السؤال طبيعيا وفق رؤى العرفانيين والصوفيين ولكنه يتعرض للمماحكة من قبل المتدينين طالما أنهم يوقنون أننا نحتاج إلى الله وهو لا يحتاج إلينا، قال تعالى في سورة الفرقان: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}
وبرأيي المتواضع أن الأصلُ بالإنسان أنه يسعى عادة وراء معرفة الإجابات عن الأسئلة المشاكسة لأن الإجابة عنها بحد ذاتها لابد وأن تترك أثرا كبيرا في مجمل مسار حياته، والجواب على السؤال المشاكس لا يخالف المنطق بالمرة.
من هنا أرى أن الإنسان يحتاج لله تعالى في كل جزئية من جزئيات حياته مهما تناهت في الصغر، والله سبحانه يحتاج إلى عبده لا وفق مادية الحاجة والرغبة والإشباع وإنما من حيث الرضا بكل ما فيه من عمق دلالي. الله يحتاج الإنسان أن يكون بمستوى إنسانيته ويقدر درجة الاستخلاف التي وضعه فيها، وهنا ـ إذا ما صح التشبيه ـ تكون حاجة الله للعبد مثل حاجة الأب الذين تجاوز المائة من العمر إلى نجاح ابنه وتسنمه مناصب عالية وتحقيق ثراء فاحش والحصول على درجات علمية عليا.
أنا كنت ولا زلت ـ في كل خطوة أخطوها ـ أحتاج إلى الله، وأعمل جاهدا على أن أرضيه لا أكثر، وأحافظ على المكاسب التي ترضيه، ولطالما تمثلت بقول علي بن أبي طالب (عليه السلام): “اللهم ما عبدتك خوفاً من نارك، وما عبدتك طمعاً في جنتك، وإنما وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك”.
• ما سبب انشغالك وطلبك من الاخرين المشاركة والمساعدة في مشروع كتابة (قصيدة وطن) وكيف جاءتك الفكرة؟
ج/ لما كان حب الوطن من الإيمان، وهو جزء من كلية الحب الإلهي فمن الطبيعي أن يكون قلب الإنسان عامرا بحب الوطن، والتعبير عن هذا الحب يأتي عادة بصيغ وصور متعددة، تبدأ بالإخلاص ولا تنتهي عند التضحية بالنفس، وبينهما على طول المسافة الفاصلة هناك منهج سلوك وتفاعل وتعامل يتساوق مع قدسية هذا الحب. وحينما يتعرض الوطن إلى أذى من غريب أو قريب يكون لزاما على هذا الحب أن يعلن عن نفسه بالأسلوب الذي يراه مناسبا، كما على الإنسان أن يسعى إلى صد ومحاربة والوقوف بوجه من يسعى إلى تخريب أو تغريب المحبوب.
ولأني قد قاربت السبعين من العمر لم أجد في نفسي قدرة المشاركة بالتظاهرات التي تطالب بالإصلاح فذلك دور الشباب، أما من هو مثلي فعليه أن يبحث عن سبل أخرى يؤكد من خلالها مشاركته في السعي للإصلاح. فضلا عن ذلك أرى أنه لكي يكون الإنسان كامل الإيمان عليه أن يحب الوطن الأكبر (الوطن العربي) مثلما يحب الوطن الأصغر (العراق) والمدينة والمحلة والبيت والغرفة التي يعيش فيها، ويحرص على كل جزء كما يحرص على الكل. وأنا لم أجد وسيلة للتعبير عن هذا الحب، حب العراق، وحب الأمة أفضل من أن أنشئ مشروعا لكتابة قصيدة لنصرة الوطن بقلم شعراء الأمة، ولذا توجهت بنداء إلى الأدباء العرب للمشاركة في صنع قصيدة من وزن الوافر، وضعت مطلعها بنفسي، وقلت فيه:
حذار من الهدوء إذا تشظى فعند الفجر قارعة تثور
وعشت بعد ذلك مرحلة صراع نفسي مرير بين الخوف والأمل، سببه روح التحدي الموجودة في الدعوة، لأن وطننا الأكبر اليوم ليس مثلما كان بالأمس، وبلدانه تبدو ظاهرا متشظية متعادية متنافرة متباغضة متباعدة متقوقعة على نفسها محبة لذاتها غير آبهة لسواها، مع إيماني العميق ان هذا الظاهر لا يمثل مكنون أنفس أهلها وما يختلج في صدورهم، ولكن روح الأمل انتصرت على روح الخوف مع وصول أولى المشاركات؛ التي تلتها مشاركات أخرى من جميع أرجاء وطننا الكبير فتجاوز عدد أبيات القصيدة المائتين وخمسين بيتا.
والأهم والأكبر من ذلك أن الكثير من العرب الأدباء والشعراء وأصحاب المواقع الالكترونية والمشرفين على المنتديات الأديبة وحتى المواقع الالكترونية انتخوا ليعتبروا نصرة العراق نصرة لقضاياهم فأصبحوا يروجون للقصيدة ويدعون الشعراء العرب للإسهام في كتابتها، فانتشرت الدعوة وزاد عدد المشاركين.
• كيف ستكون هذه القصيدة من حيث الوزن والبناء؟
ج/ مثلما أسلفت أن القصيدة من بحر الوافر وبقافية الراء المضمومة، ومع ذلك وردتنا مشاركات يحتاج بعضها إلى التقييم والتقويم والتصحيح، فضلا عن مشكلة تكرار القافية فقافية (تدور) على سبيل المثال تكررت بحدود خمس وعشرين مرة وهو تكرار يعيب القصيدة ويضعفها، واختلاف مستويات الشعراء وأشياء بنائية أخرى تحتاج كلها إلى الجمع بينها والربط بين معانيها. وبناء عليه أوكلت هذه المهمة العصية الكبيرة إلى أحد فطاحل وفحول الشعر العربي هو الأديب العراقي المغترب ضياء تريكو صكر، وهو الآن مشغول في إعادة بناء القصيدة لتصبح أول مشروع شعري مشترك بهذا الحجم في العالم كله، وهو أهل لهذه المهمة التي أوقف لها جهده.
• هل هناك شروط للمشاركة في كتابة القصيدة؟
ج/ حينما أعلنت عن مشروع قصيدة وطن، ووجهت الدعوات، لم أضع شروطا محددة باستثناء الالتزام بالوزن والقافية والموضوع؛ وهو نصرة العراق
• اظن انك تفكر بطباعتها فهل توفر لك متبرع؟
ج/ بعد ازدياد عدد المشاركات أعلنت اتني سأحول القصيدة وملحقاتها إلى كتاب أطبعه على نفقتي الخاصة، لكن حدود النخوة العربية لم تقف عن المشاركة بالشعر بل تعدته إلى المشاركة بالمال إذ أعلن الأستاذ الصحفي عبد النبي الشراط صاحب ومدير دار الوطن للطباعة والنشر في المملكة المغربية عن تبنيه المشروع والتبرع بطباعة ونشر الكتاب على نفقته الخاصة وهذا يبين حجم المشاعر الوحدوية التي يحملها العرب وحبهم للعراق وأهله رغم المظاهر الخداعة. وانتهز هذه المناسبة لأوجه الشكر الجزيل للأستاذ الشراط الذي كتب لي: “إن فضل العراق علينا لا ينسى وعلينا أن نقف مع العراق”.
• هل في النية تسجيلها على شريط مرئي؟ وهل ترى ان الفنان جواد الشكرجي اصلح لقرائتها من غيره؟
ج/ أنا منذ مراحل وعيي الأولى راهنت على طيبة ووطنية وكرم العرب، وفي كل مرة كان رهاني ينجح ويحقق الأمنية، واليوم مع أني لا أعرف أحد في الوسط الفني، أراهن على الروح الوثابة للعراقيين، وكلي أمل أن هناك من سيتطوع لمساعدتنا على تسجيل القصيدة على شريط مرئي، واتفق معك أن الفنان الكبير جواد الشكرجي هو من أكبر المؤهلين لتبني مهمة قراءتها بصوته الشجي. ولأن القصيدة فريدة في جميع مواصفاتها بما فيها فكرتها ونظمها وموضوعها، اتمنى لو تطوع أحد المغنين الكبار مثل كاظم الساهر وكبار المغنين العراقيين باختيار مجموعة من أبياتها لأدائها كنشيد وطني.
• واخيرا هل القصيدة هي الحلم؟ ام ان الحلم في تجسيدها على ارض الواقع؟
ج/ الحلم كبير، أكبر حتى من توقعاتنا، والقصيدة إن كانت في بدايتها حلما فإنها تحولت اليوم إلى حقيقة بارزة للعيان بعد ان تجسدت على أرض الواقع، كأنموذج فريد للتعاون العربي، لتتحول إلى حقيقة يجب أن تعيشها جماهير الأمة في كل الوطن العربي، وهذا ما نتمناه من الإعلام المحايد والمحطات الفضائية والصحف والمجلات، فنحن لا زلنا ننتظر أن يؤدي الإعلام العربي دوره ويتبنى التعريف بالمشروع ومتابعة خطواته والترويج له. وقد تكون أخي الأستاذ راضي المترفي أول المتطوعين والمبادرين للحديث عن (قصيدة وطن) التي هي لكل الوطن، وارجو أن تسهم خطوتك هذه في فتح باب الترويج للمشروع والتعريف به، وأنا أتقدم إليك بالشكر الجزيل.
طرحت عليه اسئلتي وجلست انتظر اجاباته، فهالني ما كان يبدو عليه من حب وحماس ولهفة لإنجاز (قصيدة وطن) تليق بالعراق، وكنت ارى في عينيه اشعاعات أمل واطياف محبة واستعجال في طي الزمن ليرى قلادة دعا لها هو وشاركه في صياغتها الكثير من المحبين والعشاق.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط