إقليم كوردستان ومسألة تشكيل حكومة جديدة في العراق

بعد سقوط طاغية العراق صدام ونظامه الفاشي في التاسع من نيسان عام 2003 إثر الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها علی العراق قرر شعب كوردستان بتشكيل الاتحاد الاختياري في الدولة العراقية الجديدة، التي كان من المفترض أن تقوم على الأسس الديمقراطية والبرلمانية والاتحادية (الفدرالية) المثبتة في الدستور الجديد لعام 2005، لتکون تجربة الحكم التعددي في العراق من التجارب الفريدة في المنطقة.

ظن البعض بأن هذه البذرة الأولی سوف تثمر بعد زرعها أسس الديمقراطية، التي يمكن تصديرها لتؤدي بالنتيجة الی تغيير الشرق الأوسط بشكل إيجابي، لکن بسبب السياسات الفاشلة للحکومات المتعاقبة في العراق الجديد طغی وللأسف الإنتماء المذهبي علی المواطنة الدستورية وأصبحت فكرة الديمقراطية القائمة على العمل، والتفاعل والاندماج الاجتماعي في خبر کان.

قراءتنا للواقع تقول أن الإحتجاجات المستمرة في الكثير من محافظات وسط وجنوب العراق هي نتیجة سلطة أوليغارشية بنت سلالة هيکلية في العلاقات بين الدولة والمجتمع لکي تعيش بشکل طفيلي علی حساب الأكثرية المهمشة في مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية والتي ترفض الوضع الراهن بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها، حيث تطالب بإبعاد الطبقة السياسية الفاسدة و إن أمکن تغيير في نظام التوزيع و السياسة التمثيلية.

إن إنخراط عدد كبير من خريجي الجامعات والطلاب من کلا الجنسين الی جانب طبقات وشرائح أجتماعية أخری في حركة الاحتجاج خير دليل علی وعي الجماهير والرغبة في بناء دولة مدنية فاعلة لاتبذر مواردها في إشباع رغبات و نزوات نخبة سياسية فاسدة و مليشيات طائفية مسلحة خارجة عن القانون.

المجتمع المنتفض يريد أن يصنع سلطته بيده، سلطة تعمل بعقلانية راشدة متوازنة وتقنیات فائقة وذلك لزرع ثقافات ديمقراطية خلّاقة، لأن الإدارة الفعؔالة هي التي تدير مجتمعاً ، يتصرف فيه أفراده ومجموعاته ، کفاعلين ومسٶولين بقدر ماهم مختصون ومنتجون للثروة أو المعلومة أوالخدمة أو السلطة، بحيث تكون القرارات حصيلة التداولات والتأثيرات المتبادلة. إن بناء الثقة وتحويل الاستشارات المسهبة الی طاولات الحوار وملتقيات النقاش ومنتديات المكاشفة ضروري لإظهار المشكلات في الملفات الأساسية و مكامن الحلول العملية لها وإيجاد القواسم الجامعة بين القوی المجتمعية.

القيادة السياسية الحکيمة في الإقليم تعلم جيداً بأن الرهانات في العراق كبيرة و أن التحديات قائمة، لکنها لاتقبل أن يمنع رئیس الوزراء المکلف، محمد توفيق علاوي، رئاسة و حکومة إقليم كوردستان بإختيار وزراء يمثلون الکوردستانيين في الحکومة الجديدة وترفض سياسة فرض أشخاص علی شعب كوردستان و تعتبر تلك المحاولة بخطوة سلبية هدفها إنهاء شراکة شعب كوردستان في إدارة دولة العراق الفدرالي.

لقد عمل الرئیس مسعود بارزاني دون تقصير من أجل مساندة ودعم أي حراك سياسي من أجل بناء شراكة حقيقية بعيدة عن منطق الصدام، لغرض المساهمة في إدارة التحولات و قيادة المصائر و فهم المستجدات، إذ يعود إليه والی فلسفته و سیاسته الحکيمة الفضل في تحقيق التعايش السلمي والأمن والسلام والإستقرار في الإقليم.

الشعب الكوردستاني لا يريد أن يصب نضاله التاريخي في بحار العدم. نعم الكوردستانيون ما زالوا جزء مهم من العراق ولهم الحق الكامل في التمسك بالوسائل الديمقراطية لمجابهة خصومهم السياسية، إن سعيهم

لمصالحهم الذاتية في إطار اللعبة الديمقراطية بإستعمالهم أساليب ديمقراطية ودستورية لا يقلل من شأن حقهم الديمقراطي.

أما العراق السياسي فقد عاش في السابق بسبب ظاهرة التفرد في إتخاذ القرارات إنهيارات و إخفاقات و حروب و كوارث و أزمات عظيمة، مجتمعه لا يمكن أن يُبنی مرة أخری بعقليات و نماذج و مفردات سائدة قديمة أو حديثة أو يصنع بسرديات كبری و أساطير مذهبية بالية، التي دفع المجتمع العراقي لقاءها أثماناً باهضة، دماءاً و دمارا.

فمن يريد الحرية السياسية لابد له من إتقان لغة الاعتراف والحوار والتوسط والتعدد والمباحثة والشراكة المبادلة ومن لايخرج من سجنه الطائفي وولائه الخارجي لايمکن لە بناء صداقة و شراكة حقيقية مع من يريد بناء نظام ديمقراطي تعددي فدرالي.

من واجب الحکومة الجديدة والأطراف السياسية في العراق العمل علی إنهاء النفوذ الإقليمي واحترام الدستور والإلتزام به و إنهاء سلطة الملیشيات التي تنفذ أجندات خارجية وتقوم على التهديد و القتل والتخويف. کما يجب اللجوء الی حكومة تكنوقراط من شخصيات ذات ثقة و كفاءة وإختصاص، تهتم بالقضايا الملحة التي يعانیها المواطنون العراقيون، خصوصاً في مجال الخدمات وتحفيز الإقتصاد، حكومة ذات قاعدة موسعة تلزم جميع الأطراف السياسية التعاون والعمل معاً من أجل إجراء إصلاحات أساسية لتحقيق التنمية والتطور.

وختاماً: إذا كانت صناعة الواقع و المشاركة في إدارة العالم مهمة تشترط القدرة علی الإبداع والتحول بخلق الوقائع وإنتاج الحقائق، فإن الحوار هي أحوج ما یحتاج الیه الشعبين الكوردستاني والعراقي لكي یتحملوا تکالیف الحیاة السیاسیة والإجتماعیة بالحد الأدنی، المعقول أو المقبول.

الدکتور سامان سوراني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here