اشكالات وردود : من أجل وعي عقائدي،

مروان خليفات

بعد نشري لحلقاتي : تفضيل نهج الإمامية على مذهب الزيدية بالأدلة الشرعية، انبرى أخ زيدي للرد، فحشد كل شبهاته التي أخذ معظمها من الوهابيين، ومن قدماء المعتزلة وسلفه، وقد نشرت حلقتين في نقض كلامه وتوقفت لكثرة المشاغل، فإذا ببعض الاصدقاء يرسلون لي سائر حلقاته، وفي تلك المدة راسلني أخوة من اليمن الجريح وبعض البلدان مسرورين بتلك الابحاث، عازمين على نشرها، فارتأيت اكمال النقض لبيان وهن الآخر في حججه وبياناته، وليزداد المؤمن ايمانا بعقيدته، على أن أقوم لاحقا بجمع كل هذه الحلقات ونشرها في كتاب الكتروني وربما أطبعه لاحقا بعد توسيعه واكتمال مباحثه التي أحتفظ بها .

قال فهد شايم في حلقته الثالثة : ( المبحث الثّاني : أصحابُ أئمّة الإمامية يتعامَلون معهم مُعاملة غير المعصومين ، ومُعاملة أصحاب النّظر والاختلاف )

أقول : هل يأخذ المرء عقائده من النصوص المتواترة أم من الرواة وأصحاب الأئمة وأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

من السهل اللجوء لنفس هذا المنطق الذي جاء به فهد الزيدي للطعن بالنبي وعصمته، والطعن بعلي والحسن والحسين عليهم جميعا الصلاة والسلام .
إن كبار الصحابة وأغلب قريش التي أسلمت متأخرة كانوا يشككون بعصمة النبي، فقريش نهت ابن عمر عن الكتابة عن النبي في كل أحواله، وقريش هم صحابة النبي الذين اسلموا،
ثم يشكك أحد صحابة النبي به، فيقول له في صلح الحديبية كما روت كتب السيرة : ألست نبي الله حقا …؟
ومرة جذب عمر النبي وقد أراد الصلاة على ابن أبي، روى البخاري : (فَجَذَبَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّىَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ )
صحيح البخارى – باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف ومن كفن بغير قميص
وزوجته تقول له : أنت الذي تزعم أنك نبي الله ؟
والحديث يطول عن اعتقادات صحابة النبي، وكذا صحابة الإمام علي ع، من الخوارج الذي خرجوا عليه وغيرهم، وكذا صحابة الإمام الحسن ع الذين طعنوه، وأولئك الذين اعترضوا على صلحه مع معاوية، فهل كان هؤلاء يعتقدون بعصمته عليه السلام ؟!
كل هؤلاء كانوا يشككون بعصمة النبي ويشككون بإمامة علي والحسن والحسين عليهم السلام، ويطعنون في عصمتهم.
وفق منطق فهد شايم فالنبي ليس معصوما ، ولم يكن عليُ والحسن والحسين عليهم السلام معصومين، لأن تلك عقيدة أصحابهم، فهل هذا منط وتحقيق أم هي مراهقة بحثية ؟!

قال : ( ثمّ وقد وقفتَ في المبحث الأوّل على أنّ الأخيار من ولد الحُسين –عليهم السّلام- الأصلُ فيهم عدم العصمَة )
هذا رأيه الذي لا يقدم ولا يؤخر، والدليل على خلافه.

قال : ( ، ولمّا انعدَم الدّليل الشّرعي على إمامتهم والعصمَة عليهِم )
أقول : حديث الثقلين ينص على عصمة الآل، لأنهم لا يفترقون عن القرآن، فكما أن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، فكذا العترة، كما أن آية الإمامة الإبراهيم التي أسهبتُ في بيانها سابقا تنص على أن الإمامة عهد من الله، لا ينالها ظالم، وهذا يستلزم أن الذي ينالها معصوم من الذنوب.
ولو رجعنا إلى مرويات الإمامية، فهناك أكثر من ستين رواية ذكرت عصمة العترة وهي متواترة تواترا معنويا.
تحت عنوان : إن الأنبياء والأئمة معصومون لا يصدر عنهم ذنب من ترك واجب ولا فعل حرام، قال الشيخ الحر العاملي : (والآيات في ذلك كثيرة ، والروايات قد تجاوزت حد التواتر ، والأدلة العقلية كثيرة وقد ذكرنا جملة من الروايات في كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات )
الفصول المهمة في أصول الأئمة ، ج 1 – ص 441 – 443

قال : ( ثمّ كانوا يروون عن غيرِهم ، وكذلك يختلفون في الفُتيا والاجتهاد ؛ كحال سائر بني عُمومتهم )
أقول : هيهات، الاصل أنهم لا يروون إلا عن آبائهم كما قدمنا ، ولم يدرسوا عند أحد غير آبائهم على عكس بني عمومتهم الذين اخذوا من المعتزلة وغيرهم، إن أئمتنا لم يرووا عن غيرهم إلا القليل جدا، لأسباب ذكرناها، فتراجع، وروايتهم، عن بعض شيعة أمير المؤمنين ع ليس لحاجتهم إلى تلك الروايات، بعد روايتهم لها عن آبائهم، وهم بعكس أئمة الزيدية الذين درسوا على يد المعتزلة والأحناف والإمامية ورووا عن خصمومهم الرافضة ورووا عن النواصب والكذبة أمثال معاوية وابي هريرة وأنس وابن عمر …. وقد تقدم ذكر مصادر هذه الحقائق.

أما اختلافهم في الفتيا، فهو اختلاف بسيط في الموسعات والمستحبات، كان متعمدا، لحفظ شيعتهم، وبذلك جاءت الرواية، وكبار أصحابهم عليهم السلام على علم واطلاع برواياتهم التي تعبر عن الحكم الواقعي. لكن فهد الزيدي همه التشويش، فلا يذكر الفكرة كاملة، ليبدو النهج الإمامي هشا متناقضا، فحسابه على الله يوم لا ينفع مال ولا بنون.

روى الشيخ الصدوق : (أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن الوليد والسندي ابن محمد عن أبان بن عثمان الأحمر عن محمد بن بشير وحريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له أنه ليس شئ أشد علي من اختلاف أصحابنا قال ذلك من قبلي )
علل الشرائع ، ج 2 – ص 395

وروى الشيخ الكليني بسند موثق : ( إَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَأَلْتُه عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَنِي ثُمَّ جَاءَه رَجُلٌ فَسَأَلَه عَنْهَا فَأَجَابَه بِخِلَافِ مَا أَجَابَنِي ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَأَجَابَه بِخِلَافِ مَا أَجَابَنِي وأَجَابَ صَاحِبِي فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلَانِ قُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّه رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ شِيعَتِكُمْ قَدِمَا يَسْأَلَانِ فَأَجَبْتَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِغَيْرِ مَا أَجَبْتَ بِه صَاحِبَه فَقَالَ يَا زُرَارَةُ إِنَّ هَذَا خَيْرٌ لَنَا وأَبْقَى لَنَا ولَكُمْ ولَوِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ لَصَدَّقَكُمُ النَّاسُ عَلَيْنَا ولَكَانَ أَقَلَّ لِبَقَائِنَا وبَقَائِكُمْ قَالَ ثُمَّ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه ع – شِيعَتُكُمْ لَوْ حَمَلْتُمُوهُمْ عَلَى الأَسِنَّةِ أَوْ عَلَى النَّارِ لَمَضَوْا وهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِكُمْ مُخْتَلِفِينَ قَالَ فَأَجَابَنِي بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيه)
الكافي ، ج 1 – ص 65
ملاحظة : قال والد الشيخ البهائي في ( وصول الأخيار إلى أصول الأخبار) ص 169 – 171
مبينا بعض اسباب الإختلاف : ( ثم ينضاف إلى ذلك من أسباب الاختلاف عندنا ما كان يخرج عن أئمتنا عليهم السلام على وجه التقية ، كما اشتهر بل تواتر النقل عنهم ( ع ) بأنهم كانوا ربما يجيبون السائل على وفق معتقده أو معتقده بعض الحاضرين أو بعض من عساه يصل إليه الحديث من أعدائهم المناوئين . فقد روينا بأسانيدنا إلى محمد بن يعقوب وعلي بن محمد عن سهل بن زياد عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال لي : يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممن يتولانا بشئ من التقية ؟ قال : قلت له : أنت أعلم جعلت فداك . قال : إن أخذ به فهو خير له أو أعظم أجرا ” . وفي رواية أخرى : ان أخذ به أوجر وان تركه والله أثم)

وقال محمد تقي والد الشيخ المجلسي في ( روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ) ج12 – ص 204: ( واعلم أن هذا الاختلاف للتقية والاتقاء عليهم كما تقدم في اختلاف الروايات في الأوقات)

قال المحقق يوسف البحراني (1186هـ) : (ولعل السر في ذلك أن الشيعة إذا خرجوا عنهم مختلفين كل ينقل عن إمامه خلاف ما ينقله الآخر ، سخف مذهبهم في نظر العامة ، وكذبوهم في نقلهم . ونسبوهم إلى الجهل وعدم الدين ، وهانوا في نظرهم ، بخلاف ما إذا اتفقت كلمتهم وتعاضدت مقالتهم ، فإنهم يصدقونهم ويشتد بغضهم لهم ولإمامهم ومذهبهم ، ويصير ذلك سببا لثوران العداوة ، وإلى ذلك يشير قوله عليه السلام : ( ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا . . . الخ ) . ومن ذلك أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح – على الظاهر – عن سالم أبي خديجة عن أبي عبد الله ( ع ) قال : ( سأله انسان وأنا حاضر فقال : ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلي العصر ، وبعضهم يصلي الظهر ؟ فقال : أنا أمرتهم بهذا ، لو صلوا على وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم ) وهو أيضا صريح في المطلوب )
الحدائق الناضرة ،ج 1 – ص 6

وقال المرجع السيد السيستاني : ( إن وجود الرقابة الشديدة على الأئمة( عليهم السلام) وشيعتهم في تلك الفترة كانت تفرض وجود بعض الإختلافات الشكلية والصورية في الأحكام فيما بينهم، فإن اتفاق كلمتهم على الحكم سيكشفهم للسلطة ويكشف انتسابهم للإمام عليه السلام ، وسيعرضهم لمخاطر كان يمكن تفاديها بإلقاء الإختلاف بينهم في الأحكام التي لم تكن بتلك الدرجة من الأهمية كما في الموسعات والمستحبات مع الاتفاق في الأحكام المهمة … ومع وجود هذا الإختلاف لا يكشف المتربصون بالشيعة عن أفرادهم أو ارتباطهم بالأئمة عليهم السلام، وتدل على ذلك روايات كثيرة … ومن هنا نجد أن الإمام الباقر والصادق عليهما السلام على الرغم من تبنيهما مذهبا فقهيا يخالف ما عليه العامة لكنهما يتمتعان بالوثاقة والاعتبار والمكانة المحترمة عند العامة مع أن عادة العامة الجرح لأدنى سبب، فإنهم حين يرون اختلاف الشيعة فإنهم ربما نسبوا ذلك إلى الشيعة أنفسهم لا إلى الأئمة عليهم السلام، فيتصورون أن الأئمة لا يخالفونهم، وإنما الخلاف جاء من الشيعة أنفسهم…
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر : ( ذكره ـــ الصادق ـــ ابن حبان في الثقات، وقال : كان من سادات أهل البيت ع فقها وعلما وفضلا ) إلى أن يقول : (وقد اعتبرت حديث الثقات عنه، فرأيت أحاديث مستقيمة ليس فيها شيء يخالف حديث الأثبات، ومن المحال أن يلصق به ما جناه غيره…)
فنجد ـــ لا زال الكلام للمرجع السيد السيستاني ـــ أن التغطية التي كان يهدفها الإمام من خلال القاء الخلاف بين الشيعة قد تحققت بالفعل )
تعارض الأدلة واختلاف الحديث، ص 248 وما بعدها

وقال علي ابن بابويه القمي ( ت 325هـ) : (ولولا التقية والخوف ، لما حار أحد ، ولا اختلف اثنان ، ولا خرج شئ من معالم دين الله – تعالى – إلا على كلمة لا تختلف وحرف لا يشتبه . ولكن الله – عظمت أسماؤه – عهد إلى أئمة الهدى في حفظ الأمة ، وجعلهم في زمن مأذون لهم بإذاعة العلم ، وفي آخر حلماء ” يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون)
الإمامة والتبصرة ص 10

يبين هذا السرد العلمي الموثق أن أئمة أهل البيت ع لا يختلفون، وإنما جاء الخلاف من شيعتهم بقصد منهم عليهم السلام، وهذا على عكس اختلاف أئمة الزيدية، وكلامي ليس عن محاربتهم لبعض وقتلهم للنفس البريئة، كما أثبتُ سابقا، وإنما كلامي عن اختلافهم العظيم كما في اعتراف مجد الدين المؤيدي، حيث قال في ترجمة الإمام محمد بن الحسن الداعي : (هذا الإمام جمع بين القاسمية والناصريه، بعد التباين العظيم !! بسبب الإختلاف في الإجتهاد، فأظهر القول بأن كل مجتهد مصيب في الإجتهادات )
التحف شرف الزلف، ص 201
وهناك كتاب كبير حول اختلاف أئمة العترة لدى الزيدية، قال ابن أبي الرجال في ترجمة علي بن العباس الحسني : ( كان علي بن العباس قاضيا بطبرستان ومن الداعي الصغير، وله تصانيف كثيرة في الفقه وغيره، منها : كتاب اختلاف فقهاء أهل البيت، يذكر المسألة ويقول فيها : قال الحسين، قال جعفر، قال زيد، قال فلان، وهو كتاب كبير)
مطلع البدور ومجمع البحور، ج3 ص 269 ـــــ270

قد يقول قائل: كيف يعرف الإمامية الحكم الشرعي مع وجود التضارب بين الروايات الصادرة عن الائمة عليهم السلام، واختلاف الفتيا ؟
اقول : هذا ليس بحثنا، ولكن لآن الآخر شنع بذلك كما أذكر، فجوابه كالتالي :
إن ذاك الاختلاف في الفتيا ليس في المهمات وإنما هو في الموسعات والمستحبات لا في الأحكام المهمة كما ذكر الفقيه السيد السيستاني في تقريراته، وقد ألف الأصحاب مصنفات في ذلك تدل على ادراكهم للمسألة ومعالجتهم لها، من تلك المؤلفات :
ــــ اختلاف الحديث ، يونس بن عبد الرحمن ( 208هـ)
ـــ علل الحديث ، يونس بن عبد الرحمن. فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص 447
ـــ اختلاف الحديث ، محمد بن أبي عمير ( ت 217هـ)
ـــ اختلاف الحديث، أحمد بن محمد بن خالد البرقي ( ت 274هـ)
ـــ علل الحديث ، أحمد بن محمد بن خالد البرقي . فهرست أسماء مصنفي الشيعة، ص 76
ـــ الأخبار وكيف تصح، هشام بن الحكم ( ت 179 ه ) فهرست ابن النديم، ص 233

إن معالجة تلك التعارضات إنما هو من أعمال الفقيه، قال الشيخ المفيد رحمه الله : ( وقد تكلمنا على اختلاف الأحاديث وبينا فرق ما بين صحيحها من سقيمها ، وحقها من باطلها ، وما عليه العمل منها مما لا يعمل عليه ، وما تتفق معانيه مع اختلاف ألفاظه ، وما خرج مخرج التقية في الفتيا ، وما الظاهر منه كالباطن في مواضع من كتبنا وأمالينا، وبينا ذلك بيانا يرفع الاشكال فيه لمن تأمل ، والمنة لله تعالى … وجملة الأمر أنه ليس كل حديث عزي إلى الصادقين – عليهم السلام – حقا عليهم ، وقد أضيف إليهم ما ليس بحق عنهم [ ومن لا معرفة له لا يفرق ] بين الحق والباطل . وقد جاء عنهم – عليهم السلام – ألفاظ مختلفة في معان مخصوصة ، فمنها ما تتلازم معانيه وإن اختلفت ألفاظه ، لدخول الخصوص فيه والعموم والندب والايجاب ، ولكون بعضه على أسباب لا يتعداها الحكم إلى غيرها ، والتعريض في بعضها بمجاز الكلام لموضع التقية والمداراة ، وكل من ذلك مقترن بدليله ، غير خال من برهانه ، والمنة لله سبحانه . وتفصيل هذه الجملة يصح ويظهر عند إثبات الأحاديث المختلفة ، والكلام عليها ما قدمناه ، والحكم في معانيها ما وصفناه ، إلا أن المكذوب منها لا ينتشر بكثرة الأسانيد انتشار الصحيح المصدوق على الأئمة – عليهم السلام – فيه ، وما خرج للتقية لا تكثر روايته عنهم كما تكثر رواية المعمول به ، بل لا بد من الرجحان في أحد الطرفين على الآخر من جهة الرواة حسب ما ذكرناه ، ولم تجمع العصابة على شئ كان الحكم فيه تقية ، ولا شئ دلس فيه ووضع متخرصا عليهم وكذب في إضافته إليهم . فإذا وجدنا أحد الحديثين متفقا على العمل به دون الآخر علمنا أن الذي اتفق على العمل به هو الحق في ظاهره وباطنه ، وأن الآخر غير معمول به ، إما للقول فيه على وجه التقية ، أو لوقوع الكذب فيه . وإذا وجدنا حديثا يرويه عشرة من أصحاب الأئمة – عليهم السلام – يخالفه حديث آخر في لفظه ومعناه ولا يصح الجمع بينهما على حال رواه اثنان أو ثلاثة ، قضينا بما رواه العشرة ونحوهم على الحديث الذي رواه لاثنان أو الثلاثة ، وحملنا ما رواه القليل على وجه التقية أو توهم ناقله . وإذا وجدنا حديثا قد تكرر العمل به من خاصة أصحاب الأئمة – عليهم السلام – في زمان بعد زمان وعصر إمام بعد إمام قضينا به على ما رواه غيرهم من خلافه ما لم تتكرر الرواية به والعمل بمقتضاه حسب ما ذكرناه .

فإذا وجدنا حديثا رواه شيوخ العصابة ولم يرووا على أنفسهم خلافه علمنا أنه ثابت ، وإن روى غيرهم ممن ليس في العدد وفي التخصيص بالأئمة – عليهم السلام – مثلهم إذ ذاك علامة الحق فيه ، وفرق ما بين الباطل وبين الحق في معناه ، وأنه لا يجوز أن يفتي الإمام – عليه السلام – على وجه التقية في حادثة فيسمع ذلك المختصون بعلم الدين من أصحابهم ولا يعلمون مخرجه على أي وجه كان القول فيه ، ولو ذهب عن واحد منهم لم يذهب عن الجماعة ، لا سيما وهم المعروفون بالفتيا والحلال والحرام ، ونقل الفرائض والسنن والأحكام . ومتى وجدنا حديثا يخالفه الكتاب ولا يصح وفاقه له على حال أطرحناه ، لقضاء الكتاب بذلك وإجماع [ الأئمة – عليهم السلام – ] عليه . وكذلك إن وجدنا حديثا يخالف أحكام العقول أطرحناه لقضية العقل بفساده ، ثم الحكم بذلك على أنه صحيح خرج مخرج التقية أو باطل أضيف إليهم موقوف على لفظه ، وما تجوز الشريعة فيه القول بالتقية وتحظره وتقضي العادات بذلك أو تنكره . فهذه جملة ما انطوت عليه من التفصيل تدل على الحق في الأخبار المختلفة ، والصريح فيها لا يتم إلا بعد إيراد الأحاديث ، والقول في كل واحد منها ما بينا طريقه)
تصحيح اعتقادات الإمامية ، ص 146 – 149
على هذا النهج سار الشيخ الطوسي وباشارة من استاذه المفيد صنف ( الاستبصار لما اختلف من الأخبار ) حيث جمع فيه بين الأخبار المختلفة.

قال : ( وأنّ ذلك قولٌ لكثيرٍ من سلفِ الإماميّة المتقدّمين ؛ كانوا ينظرون إليهم بغير صفَة العصمَة ،وبصفَة أصحاب الأقوال المختلفَة ، الباقر يجتهدُ النّظر بخلاف أبيه ، والصّادق بخلاف ابنه الكَاظم ، وهكذا ، حتّى جمَع ابن الجُنيد أقوالَهم المُختلف في كتابٍ . ثمّ عرفتَ أنّ قولَ أهل الغلوّ غير قولِ هؤلاء وأنّهم يقولون بالعصمَة ولا يجوّزون الاختلاف ، وهؤلاء فلا التفاتِ إليهم هُنا )
أقول : بل لا التفات لقولك ، لأن قولك ملزم لك ولمن يتبعك مغمضا عينيه، وإذا كان من قال بعصمة الأئمة مغاليا، فأنتم أهل الغلو أيضا لقولكم بعصمة الخمسة أصحاب الكساء، فإن تذرعتم بالنص، احتججنا بالنص المتواتر، وهي نصوص قرآنية كما في آية الإمامة الإبراهيمية، ونصوص روائية متواترة بمجموعها تربو على الستين رواية.

قال : ( وأنتَ إذا وقفتَ على تعامل هؤلاء الأصحاب مع أخيار ولد الحسين –عليهم السلام- ؛ ستقفُ على قوامٍ لتلك المدرسَة القديمَة …)
أقول: تقدم أن الأصحاب لا يعبرون عن العقيدة الصحيحة التي يجب أن تكون بالائمة ع، إلا أن يجمعوا على ذلك ، وهو مفقود، إنما الدليل هو الذي يثبت ذلك، وقد ثبت دليل عصمتهم من طرقنا، وقال بتلك العقيدة كبار العلماء من الطائفة والرواة في القرون الأولى، وهذه أسماء مجموعة من أصحاب الأئمة ع القائلين بعصمتهم، كما يظهر من ذلك من سبر مروياتهم:

1ـــ سليم بن قيس ( ت 75هـ) الذي عده البرقي من أولياء أهل البيت ع.
راجع : الكافي ج 1 – ص 191، وحسنها الشيخ المجلسي في مرآة العقول ج2 ص 343

2ــ جابر بن يزيد الجعفي ( ت 128هـ) كما في : علل الشرائع – الشيخ الصدوق – ج 1 – ص 123 – 124
وهو ليس زيديا كما يزعمون، حيث أنه من المتخلفين عن زيد، وهو من أصحاب نظرية : ( فلا نخرج مع من خرج من ولده ـــ أي عليا ع ــ حتى ينادى مناد من السماء) كما في صحيح مسلم، ج 1 – ص16
وكان يعتقد الرجعة ، و يقول بإمامة الباقر ع، ويصفه بوصي الأوصياء، ويسلم على المهدي ع ! كما في تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 2، ص 41 وقد أوضحت ذلك في الحلقة الأولى من : موقف أهل البيت ع من ثورات العلويين فليراجعها المهتمون في صفحتي.

3ـــ سليمان بن مهران الأعمش ( ت 148هـ) كما في : الخصال – الشيخ الصدوق – ص 603 – 608
والأعمش ليس زيديا كما يزعمون ، فهو لم يخرج مع زيد كما في : تسمية من روى عن الإمام زيد من التابعين، محمد بن علي بن الحسن الكوفي العلوي ( ت 445هـ) تحقيق صالح عبدالله قربان ، ص 94

4ـــــ السيد الحميري الشاعر ( ت 178هـ) كما يظهر ذلك في قوله مخاطبا جعفر الصادق ع بعد أن تاب على يديه واعتنق النهج الإمامي :
فإن قلت لا فالحق قولك … والذي أمرت فحتم غير ما متعصب
وأشهد ربي أن قولك حجة … على الخلق طرا من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي… تطلع نفسي نحوه يتطرب
له غيبة لا بد من أن يغيبها … فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر حينه … فيملأ عدلا كل شرق ومغرب
بذاك أدين الله سرا وجهرة … ولست وإن عوتبت فيه بمعتب)
وردت هذه القصيدة في اكثر من مصدر تاريخي وأدبي قديم، من غير مصادر الإمامية، مما يدل على صحتها وانتشارها، ولا زالت مثبتة في ديوان السيد الحميري ص 166 – 167 ونحن نذكر قصيدته نقلا عن أحد أهل الأدب والتاريخ الثقات، حيث ذكرها المرزباني الخراساني ( ت 384هـ) في كتابه (أخبار السيد الحميري) وذكر مقطعا من هذه القصيدة وأبيات الغيبة الأخيرة القاضي الإسماعيلي النعمان المغربي في : شرح الأخبار ، ج 3 – ص 293 – 295، والمصادر الإمامية متفقة على روايتها، وقد فصلت حال الشاعر وقوله بغيبة الثاني عشر قبل أن يولد، نقلا عن مصادر غير الإمامية في كتاب : اضاءات مهدوية، للعبد الفقير، وهو مطبوع .
والمعنى واضح في اعتقاده بصوابية قول الصادق مطلقا في كل ما يقول .

5ـــ هشام بن الحكم ( ت 179هـ) كما في: الأمالي – الشيخ الصدوق – ص 731 – 732
6 ـــ المفضل بن عمر الجعفي كما في : الخصال – الشيخ الصدوق – ص 304 – 310

7ـــ عبدالله بن أبي يعفور كما في اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) – الشيخ الطوسي – ج 2 – ص 518 – 519
والرواية : ( … عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : والله لو فلقت رمانة بنصفين ، فقلت هذا حرام وهذا حلال ، لشهدت أن الذي قلت حلال حلال ، وان الذي قلت حرام حرام ، فقال : رحمك الله رحمك الله)
وهذه قمة التسليم والاعتقاد بعدم خطئه، أما ما يروج له فهو الزيدي وقبله السلفيون من أنه كان يعتقد أن الأئمة علماء أبرار، فليس فيه انكار للعصمة، فاثبات الشيء لا ينفي ما عداه، وهم حقا علماء أبرار، فضلا عن سائر صفاتهم من العصمة وغيرها ، وكلام الشهيد الثاني الذي استندوا إليه، إنما هو رأيه، والعبرة بالدليل، فكلام العالم يُستدل له لا به .
8ـــــــ عن حمزة بن الطيار كما في اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) – الشيخ الطوسي – ج 2 – ص 638 – 639

9ـــ سدير صاحب الإمام الصادق ع كما في : الكافي ، ج 1 – ص 269 – 270
10ـــ علي بن رئاب ، من أصحاب الصادق ع كما في : الكافي – الشيخ الكليني – ج 2 – ص 450 و معاني الأخبار – الشيخ الصدوق – ص 383 – 384
وهي صحيحة السند كما في : موسوعة أحاديث أهل البيت للشيخ هادي النجفي، ج2 ص 271
11ــــــ محمد بن أبي عمير (ت217هـ) كما في : الأمالي – الشيخ الصدوق – ص 731 – 732

12 ـــــ الحسين بن سعيد الأهوازي الثقة، وهو من أصحاب الرضا والجواد والهادي، حيث قال ناقلا اجماع علماء الطائفة على القول بالعصمة، وهو أدرى بالأمر من غيره لكونه مطلعا قال في كتابه الزهد ص 114 : ( لا خلاف بين علمائنا في أنهم (عليهم السلام) معصومون من كل قبيح مطلقا وأنهم (عليهم السلام) يسمون ترك المندوب ذنبا وسيئة بالنسبة إلى كمالهم (عليهم السلام))
هذه شهادة حسية من هذا المصنف الثقة، وهو نقل رأي علماء الطائفة بعصمتهم عليهم السلام، ومقصوده بعلماء الشيعة هم كبار الرواة.

إن كلامه يدل على أنه لا خلاف بين كبار أصحاب الأئمة ع في أنهم ع معصومون عصمة مطلقة، ولو افترضنا وجود بعض الأصحاب أو الرواة ممن لم يذهب إلى القول بعصمتهم، فهذا تقصير منهم في حقهم ع، ولا يضر الطائفة بشيء، ويبقى قول كبار العلماء هو المعتمد وهو الذي يعبر عن عقيدة الامامية في تلك الفترة.
ولو افترضنا وقلنا بوجود خلاف بين الأصحاب حول عصمة الأئمة ع، وافترضنا قول البعض بذلك، ومخالفة آخرين لهم، فينبغي أن نلجأ حينها إلى الدليل، فهو من يحسم الخلاف.

ملاحظة : بمراجعة بعض المصادر ككفاية الأثر وغيره يظهر أن بعض الصحابة كانوا معتقدين بعصمة أهل البيت عليهم السلام ، من أولئك : ابن عباس وسلمان وأبو ذر وابو سعيد الخدري وعامر بن الطفيل، ولم أفصل في ذكرهم خوف الاطالة، على أن أكتب في موضوع العصمة بحثا مستقلا

هذه هو اعتقاد الطائفة في القرون الأولى ولا عبرة بالأقوال الشاذة، كما أنه لاعبرة بأقوال اصحاب علي والحسن والحسين الذين ما كانوا يرون عصمتهم !
اذا فهمنا ما سبق سهل الجواب على ما ذكره عن أبي بصير والمعلى وغيرهما، فالعبرة بالدليل وقول كبار الطائفة .

قال : ( والأمرُ الثّاني من قولِ الإمام موسى بن جعفر –عليهما السلام- : وهُو اختلاف قولِه عن قول أبيه ، والمسألةُ مسألةٌ واحدَةٌ ، وذلك يُعضّدُ ما قدّمناه … فيروي الشيخ الكشي ، بإسناده ، عن شعيب العقرقوفي، عَن أبي بصير، قَال: ((سَألتُ أبا عبد الله -عليه السلام- عَن امرَأةٍ تَزوَّجَت وَلها زَوجٌ فَظهَر عَليها؟. قَال: تُرجَمُ المَرأة وَيُضْرَب الرَّجُل مَائة سَوطٍ ؛ لأنّه لم يَسأل. قَال شُعيب: فدخلت على أبي الحسَن [أي الكاظم] -عليه السلام- فَقُلت له: امرَأةٌ تَزَوَّجَت ولها زَوجٌ . قَال: تُرجَمُ المرأةُ وَلا شَيء عَلى الرَّجُل، فَلقيتُ أبَا بَصير ، فَقُلتُ له: إنّي سَألتُ أبَا الحسَن -عليه السلام- عَن المرأة التي تَزّوجَت ولها زَوجٌ، قَال: تُرجَمُ المَرأة ولا شَيءَ عَلى الرَّجُل، قَال: فمَسَحَ عَلى صَدْرِه ، وقال: مَا أظُنُّ صَاحِبَنا تَناهَى حُكْمُه بَعد))[1] اهـ)

أقول : تقدم الكلام حول تعمد الائمة القاء الخلاف بين شيعتهم لهدف عقلائي بيناه، ومما ينقض كلام فهد الزيدي ما روي عن الإمام الرضا ع بسند صحيح : ( حدثني محمد بن قولويه ، والحسين بن الحسن بن بندار القمي ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن … ـــــ عن الإمام الرضا ع ـــــ ان كلام آخرنا مثل كلام أولنا ، وكلام أولنا مصادق لكلام آخرنا ، فإذا اتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا أنت اعلم وما جئت به ، فان مع كل قول منا حقيقة وعليه نورا ، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان)
. اختيار معرفة الرجال ، ج 2 – ص 489 – 491

هذا أولا، أما ثانيا: فلم يذكر فهد السند ربما لعلمه بضعف الرواية، وهذا من عدم انصافه وخداعه للقراء واستغفاله لهم. قال السيد الخوئي معلقا على رواية الكشي: ( الرواية مرسلة فإن الكشي لا يمكن أن يروي عن حمدان ) معجم رجال الحديث ، ج15 ص 152

قال : ( وفي هذا الرّواية تأمّل كيفَ أنّها تردّ على أصحاب العصمَة ، وعدم جواز الاختلاف)
لا عجب ان تتأمل بها وأنتم تعتمدون المراسيل والمجاهيل والموضوعات، قد بينا سقوط الرواية، وذكرتُ أن العقيدة تؤخذ من الدليل المتواتر وليس من بعض الأصحاب الذين لم يعرفوا مقامات الأئمة عليهم السلام .

قال : ( ثمّ كذلك نجد زُرارة بن أعين الكُوفي ، وقد قالَ قولاً في الاستطاعَة ونسبَهُ إلى الإمام الصّادق –عليه السّلام- ، يُشيرُ إلى أنّه استنبطَهُ من كلام الإمام الصّادق –عليه السّلام- ، ثمّ الإمام الصّادق –عليه السّلام- يردّ ذلك القولَ عليه … فيروي الشيخ الكشي ، بإسنادهِ ، عَن زياد بن أبي الحلال، قال: قلت لأبي عبد الله -عليه السلام- : إنّ زُرَارة روَى عَنك في الاستطاعَة شَيئاً ، فَقبلنَا مِنه وَصَدَّقنَاه، وقد أحبَبتُ أنْ أعْرَضَهُ عَليكَ، فَقَال: هَاتِه . قُلتُ: فزعَمَ أنّه سَألك عَن قول الله -عز وجل- ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)) ، مَنْ مَلَك زَادَاً ورَاحِلَةً . فقَال [أي زُرارة]: كُلّ مَنْ مَلَك زَادَاً وَرَاحِلَةً، فَهُو مُسْتَطِيعٌ للَحَجّ وإن لم يَحجّ؟. فَقُلتَ [ أي قُلتَ له يَا أبا عبدالله] : نَعم. فَقال [ أبو عبدالله] : لَيس هَكَذا سَألَني ، ولا هَكَذا قُلتُ . كَذبَ عَليَّ والله ، كَذبَ عَليّ والله ، لعَنَ الله زُرَارة ، لَعن الله زُرَارة ، لَعنَ الله زُرَارة ، إنّما قَال لي : مَنْ كَان لَه زَادٌ وَرَاحلة فَهو مُستطيعٌ للحَجّ؟. قُلت: وقَد وجَبَ عَليه الحَجّ . قَال: فَمُستطيعٌ هُو؟. فَقُلت: لا ، حتى يُؤذَنَ لَه . قُلتُ: فَأُخْبرُ زُرَارة بِذَلك؟. قَال: نَعم. قَال زِياد: فَقدمتُ الكُوفَة فَلقِيتُ زُرَارة فَأخبَرته بما قال أبو عبد الله -عليه السلام- وسَكَتَ عَن لَعنَةٍ، فَقَال: أمَا أنّه قَد أعطَاني الاستطاعَة مِنْ حِيث لا يَعلم . وَصَاحِبُكم هَذا ليس له بُصرٌ بِكَلام الرّجَال)) [2] اهـ …
فزُرارة بن أعين كان يخاطبه : ((صَاحِبُكم هَذا ليس له بُصرٌ بِكَلام الرّجَال)) اهـ ، لا يُخاطب معصوماً ، أو إنساناً كاملاً ، أو رجلاً هُو الذي كان علمُه علم الرّسول –صلوات الله عليه وعلى آله- بحيث لا يُردّ عليه ولا يُنقضُ )

أقول : يظن المرء أنه جاء بحجة عظيمة، فالرجل مقتنع ، يحاكمنا وفق منهجه الذي يعتمد المجاهيل والمراسيل ويحتج بها علينا، لهذا لن يخضع إذا قلنا له إن هناك ارسالا في هذه الرواية وأنك تحرث البحر دون فائدة، فمحمد بن ابي القاسم المعروف بماجيلويه هو من طبقة البرقي المتوفى سنة ( 274هـ) ومن الرواة عنه، فأنى له أن يروي عن زياد بن أبي الحلال الذي يروي عن الصادق ع ( ت 148هـ) وهو لم يدركه ؟
قد ضعف الرواية التي طرب لها فهد شايم أبو غالب الرازي ( ت 368هـ )في كتاب ( تاريخ آل زرارة) ص 65

أما حكاية اللعن لزرارة، فقد سبقه السلفيون باشهارها، والرواية ضعيفة ، روى الكشي في اختيار معرفة الرجال ج 1 – ص 349 – 350 بسند صحيح : ( حدثني حمدوية بن نصير ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد قال : حدثني يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن زرارة . ومحمد بن قولويه والحسين بن الحسن ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثني هارون بن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة وابنيه الحسن والحسين ، عن عبد الله بن زرارة قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام اقرأ مني على والدك السلام . وقل له : اني انما أعيبك دفاعا مني عنك فان الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لادخال الأذى في من نحبه ونقربه ، يرمونه لمحبتنا له وقربة ودنوه منا ، ويرون ادخال الأذى عليه وقتله ويحمدون كل من عبناه نحن وأن نحمد أمره . فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا ولميلك إلينا وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودتك لنا ولميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منا دفع شرهم عنك …)
قال : ( نجدُ بريد بن معاوية العجلي -وهُو فمن أفاضل سلف الإماميّة وكبارِهم وخواصّ الأئمّة- يُشاركُ زرارة في أنّه لا يعودُ عن القول في الاستطاعَة …
فيروي الكشي ، بإسناده ، عن عبد الرحيم القصير، قَال، قال لي أبو عبد الله -عليه السلام-: ايتِ زُرَارَة وبريدَاً [هُو بريد بن معاوية العجليّ] فَقُل لَهما مَا هَذه البِدْعَةُ التي ابتَدعتُماهَا…؟

أقول : كعادته يستدل بالضعيف ظانا أنه قد ألزم الإمامية، فإذا تبين ضعفها سقط احتجاجه وحشوه الطويل حولها.
قال أبو غالب الزراري : ( قلت وهو ضعيف بجبرئيل فلم يوثق ، وبعبد الرحيم فلم يوثق)
تاريخ آل زرارة ، ص 64
وقال السيد الخوئي : (ولكنها غير قابلة لمعارضة ما تقدم ، أما أولا : فلان في سند هذه الروايات : جبرئيل بن أحمد وهو وإن كان كثر الرواية ، إلا أنه لم يرد فيه توثيق ولا مدح )
معجم رجال الحديث ، ج 4 – ص 198
وقال في موضع آخر : (الرواية ضعيفة ، فان ابن أبان مجهول وعبد الرحيم مهمل )
معجم رجال الحديث ، ج 8 – ص 248

قال فهد : ( وأشيرُ إلى لفتَةٍ وهي أنّ البعضَ إذا لم يُعجبه تصديرُ المقال ، سيأتي على تلك الرّوايات التي نذكرُها حجّةً عليهم ، ويُبرزُ سيوف أصحابه في التضعيف لتلك الرّوايات عن أصحابه ، فهذا مجهول ، وذاكَ ضعيفٌ ، بينما نحنّ نحثّ الباحث أن يُعمل هذه المعايير الرّجالية على جميع روايات الإمامية لتظهر له الظّلَمُ إلى الظُّلم ، فإنّه ما يبقَى من أخبارِهم بل من أصول كُتبهم إلاّ نزرٌ )

أقول : هو يعلم ببعض بمباني الإمامية لكنه لا يطبقها حين لا تكون في صالحة، وهذا من الخداع، حين يحاكم غيره بمبانيه ويرتضيها، الأمر الآخر زعمه أنه لو طبقت هذه المباني في التصحيح والتضعيف لن يبقى إلا النزر اليسير، وأنا اتحداه، فهذا مرآة العقول للشيخ المجلسي فيه أكثر من 5000 حديث صحيح فضلا عن الحسن والموثق، وهذا معجم الأحاديث المعتبرة، للشيخ آصف محسني في ثمانية أجزاء، وهو من المتشددين في علم الرجال ، وفهد شايم يستدل بأقواله غالبا، قد جمع محسني في كتابه هذا أكثر من 11 ألف رواية معتبرة، أتحدى الزيدي أن يأتي من كتبه بمثل هذا الكتاب من الحديث الصحيح دون أن يكرر أحاديثه !!
ولن يستطيع، فاشهر كتاب اطلعت عليه هو ( المختار من صحيح الأحاديث والاثار÷ لمحمد بن يحيى الحوثي، وهو في ثلاثة أجزاء، و 1052 صفحة !!

ملاحظة: صح لدى أهل السنة 4400 حديثا دون تكرار ، وأحاديث الكافي الصحيحة لوحده أكثر من كل أحاديث أهل السنة التي صحت لديهم، وسننتظر فهد شايم ليبرز لنا تراثه، لنرى من يبقى لديه نزر يسير من الأحاديث !!
ثم رص حروفا كثيرة انشائية إلى أن جاء بشبهة قديمة، قال : ( حّتى قال الحرّ العامليّ وهُو المُحيط بروايات الإماميّة ومصادرهِم وأصول كُتبهم يقول: ((وَأصحَاب الاصطلاح الجَديد قد اشتَرطُوا – في الرّاوي – العَدالة فَيلزم مِن ذَلك ضَعْف جَميع أحادِيثنا لعَدم العِلم بِعَدالة أحَدٍ مِنهُم إلاّ نَادراً))[6] اهـ .

أقول : الحر العاملي ، قال كلامه رادا على أصحاب الإصطلاح الجديد، وقد بالغ رحمه الله، ولم يصب، فيكفي الرجوع لمرآة العقول للمجلسي لمعرفة عدد الأحاديث الصحيحة، وهي التي رواها العدل الإمامي، وهي أكثر من كل ما صح لدى أهل السنة، ولا يمتلك الزيدية مثلها من الصحيح ، بل لا يمتلكون نصفها، لأن موازينهم مضطربة ولا يمتلكون آلة سليمة في التصحيح والتضعيف، حتى نقدهم بنو جلدتهم أمثال صالح المقبلي وقبله ابن الوزير وغيرهما، وتركوا المذهب.
قال الشيخ المقبلي في المنار ج1 ض 160 عن بعض احاديث الزيدية : ( لا طريق لنا لمعرفتها لعدم عنايتهم بالأسانيد، واعتمادهم على الإرسال واسقاطهم واهمالهم علم الرجال )

وقال صالح في العلم الشامخ ص 87 : ( وأما الزيدية فأوائلهم مصرحون بقبول المجهول، واواخرهم تنزهوا عن هذا المذهب واعتمدوا قبول المرسل بالمعنى الأعم ، ولذا لا يعرجون على علم الرجال، حتى صرح بعضهم انه ساقط من شروط الإجتهاد …)
وقال ابن الوزير : ( وعلى الجملة ؛ فالزيدية إن لم يقبلوا كفار التأويل وفساقه ؛ قبلوا مرسل من يقبلهم من أئمتهم , وإن لم يقبلوا المجهول ؛ قبلوا مرسل من يقبله , ولا يعرف فيهم من يحترس من هذا البتة . وهذا يدل على أن حديثهم في مرتبة لم يقبلها إلا من جمع بين قبول المراسيل بل المقاطيع , وقبول المجاهيل)
الرَّوضُ البَاسمْ في الذِّبِّ عَنْ سُنَّةِ أبي القَاسِم – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ج 1 – ص 181
وقال : ( فكذلك أئمة الزيدية ليس لهم من التأليف في علم الحديث ما يكفي المجتهدين)
الرَّوضُ البَاسمْ في الذِّبِّ عَنْ سُنَّةِ أبي القَاسِم – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،ج 1 – ص 178
وقال : (وليس يوجد في خزائن الأئمة كتاب في الجرح والتعديل بخلاف سائر العلوم)
العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم ، ج 1 – ص 279

وقال : ( إن قولك بالرجوع في الحديث وتصحيحه وتضعيفه ورده وتعليله إلى أئمة الزيدية يحتاج إلى تمهيد قاعدة , وهي : أن يكون أئمة الزيدية قد صنفوا في معرفة صحيح الحديث , ومعلومه , ومقبوله , ومردوده ما يكفي أهل الاجتهاد من أهل الإسلام , والمعلوم خلاف ذلك , فإن من أهل الاجتهاد من لا يقبل المرسل , ومنهم من لا يقبل [ ما ] وقفه الأكثرون ورفعه بعض الثقات ؛ أو وصله وقطعوه , أو أسنده وأرسلوه , ومعرفة هذا يحتاج إلى تأليف في العلل , والذي كتب العلل هم علماء الحديث : كالدارقطني وغيره , وليس لأئمة الزيدية في ذلك تصنيف البتة , ومن لم يفرد للعلل تأليفا من المحدثين ذكرها في تأليفه في الحديث كما يصنع أبو داود والنسائي وغيرهما , بخلاف من جمع الحديث من الزيدية فإنه لا يتعرض لذلك , وكذلك المجتهد يحتاج عند تعارض الأحاديث إلى معرفة الراجح بكثرة الرواة أو زيادة معدليهم أو كون بعضهم مجمعا عليه وبعضهم مختلفا فيه , وهذا يحتاج إلى معرفة فنين عظيمين : أحدهما : معرفة طرق الحديث , وهو فن واسع لا نعرف للزيدية فيه تأليفا ، الفن الثاني : علم الجرح والتعديل , وما فيه من تعريف مراتب الثقات والضعفاء الذين لا يتم ترجيح حديث بعضهم على بعض إلا بعد معرفته , وهو علم واسع … وليس للزيدية في هذا الفن تأليف البتة . وهذه علوم جليلة لابد من معرفتها عند من يعتقد وجوب معرفتها من أهل الاجتهاد . فقول المعترض : إن الواجب هو الرجوع إلى أئمة الزيدية في علوم الحديث قول مغفل ! لا يعرف أن ذلك مستحيل في حق أكثر أهل العلم الذين يشترطون في علوم الاجتهاد ما لم تقم به الزيدية ! ! وإنما هذا مثل قول من يقول : إنه يجب الرجوع في علم الطب إلى الأحاديث النبوية والآثار الصحابية ولا يجوز تعديها إلى غيرها , ومثل من يقول : إنه يجب الرجوع في علوم الأدب إلى أئمة الزهادة وأقطاب أهل الرياضة )
الرَّوضُ البَاسمْ في الذِّبِّ عَنْ سُنَّةِ أبي القَاسِم – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ج 1 – ص 175 – 177

سبب النقص في التراث الحديثي وعيوبه لدى الزيدية، ترك بعض كبارهم الزيدية، أمثال : ابن الأمير وصالح المقبلي والشوكاني وابن الوزير صاحب الروض الباسم ومقبل الوادعي وغيرهم.
وبعضهم لجأ إلى الإستعانة بكتب الجمهور كمحمد بن يحيى بن بهران، الذي قال في ديباجة كتابه تخريج البحر الزخار الذي أسماه جواهر الأخبار : ( وقد آثرت رواية الكتب الستة على غيرها من كتب الأحاديث النبوية، وآثرت رواية غيرها من كتب الحديث على ما يرد في الكتب الفقهية، لظهور إسناد كتب الحديث ومعرفة أصولها، وموافقة المخالف على قبولها)
انظر : الرسالة المنقذة من الغواية في طرق الرواية، القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري، تحقيق حمود بن عبدالله
الأهنومي، ص 20
ملاحظة : ما كان بودي الاستطراد حول الحديث ومسائله لولا أن فهدا فتح الباب على نفسه وعلى مذهبه، فليرقع إن أستطاع !

ثم أتى لنا برواية محاولا النيل من عقيدة العصمة وشخص زرارة، فيقول : ( فيروي الكَشّي ، بإسناده ، عَن ابن مسكان، قَال: سَمعتُ زُرَارة يَقول: ((إنّي كُنتُ أرَى جَعفرَ أعلم مِما هُو ، وذَاك أنّه يَزعُم أنّه سَأل أبا عبد الله -عليه السلام- عَن رَجُلٍ مِن أصْحَابنا مُختفي [مُختفٍ] مِن غُرَّامِه . فَقال : أصلحَك الله إنّ رَجُلاً مِنْ أصْحَابِنا كَان مُختفياً مِن غُرامِه ، فَإن كان هَذا الأمرُ قَريباً صَبَر حتّى يَخرُج مَع القَائم، وإن كَان فِيه تَأخيرٌ صَالَح غُرّامه؟. فَقال له أبو عبد الله -عليه السلام- : يَكونُ . فَقال زُرارة : يَكُون إلى سنة؟. فَقال أبا عبد الله -عليه السلام- : يَكونُ إنشَاء الله . فَقال زُرارة : فَيكونُ إلى سَنتين؟. فَقال أبو عَبد الله: يَكون إن شاء الله . فَخَرج زُرارة ، فَوطّنَ نَفسه عَلى أن يكون إلى سَنتين ، فَلم يكون. فَقال: مَا كُنت أرَى جَعفَر إلاّ أعلَم ممّا هُو)) [7] اهـ
وهنا فتقفُ على واقعٍ يحكي لكَ أنّه لا صحّة لذلك الإجماع المُنعقد في قلوب رجال الإمامية وفقهائهم على أنّ أئمّتهم كانوا بحال من يعلمُ ما كان وما يكونُ… )

أقول : قبل أن يحلق بخياله ، كان ينبغي أن يخاطب الإمامية وفق موازينهم ومبانيهم، فلو احتج هو على سلفي برواية لطالبه السلفي باثبات صحتها، ولو طالبته باثبات صحة الرواية لعجز، اذن هو يقرر مقدمات ميتة لا تصمد، ثم يبني عليها نتائج هلامية.
قال السيد الخوئي عن هذه الرواية التي ساقها فهد : (هذه الرواية ضعيفة بجبرئيل بن أحمد فإنه لم يوثق )
معجم رجال الحديث ، ج 8 – ص 243
لكن الرجل لن يقتنع ولا يهمني عدم قناعته، فإنني أكتب للقارىء الحصيف المنصف، الذي يقبل ما صح لدى المدرسة الإمامية، فيحتج عليهم بذلك، لا أن يلجأ إلى كل ضعيف ومرسل، فليس هذا من سلوك العلماء ولا طلبة العلم ولا المثقفين حتى!

وما دام المتابع لنا فطنٌ، منصفٌ سينهار أمام عينيه ما شيده الأخ الزيدي، لأن مقدماته ضعيفة، لا يمكن محاججة الخصم بها بعد اثبات ضعفها، فبناؤه كان على جرف هار فانهار به، عسى أن يتعلم فن الحوار والمحاججة، لأن أسلوبه هذا ليس في صالحه ، ولا في صالح مذهبه .
ثم قال فرحا : ( ثم في الخبر فائدةٌ …)
أليس المفروض ان يثبت صحة الخبر أولا قبل أن يبني عليه نتائجه ؟!
إذ كيف سيقنع الإمامي وهو يحتج بخير ضعيف ساقط ؟!

قال : ( فيروي الكشّي ، بإسناده ، عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة الشحام ويَعقوب الأحمَر، قَالوا: كُنّا جُلوسَاً عِند أبي عَبد الله -عليه السلام- فَدخَل عَليه زُرَارة ، فَقال : إنّ الحَكم بن عُيينة [الحكم بن عتيبة] حَدّثَ عَن أبيك أنّه قَال : صَلِّ المَغرب دُونَ المُزدَلِفَة . فَقال لَه أبو عبد الله: – عليه السلام- : أنَا تَأمّلته ، مَا قَال أبي هَذا قَطّ ، كَذب الحكمُ عَلى أبي، قَال: فَخرَجَ زُرَارة وهُو يَقول: مَا أرَى الحكمَ كَذب عَلى أبيه)) [8] اهـ ،

قال السيد الخوئي : ( على أن سند هذه الرواية مجهول … وعيسى لم يرد فيه توثيق ويعقوب فيه كلام يأتي)
معجم رجال الحديث، ج8 ص 244

ما زال يحشد الروايات دون جدوى، قال : ( فيروي الشيخ الطوسي ، بإسناده ، عن ابن أبي عُمير ، عَن شُعيب ، قال : سَألتُ أبا الحسن –عليه ‌السلام- عَن رَجُلٍ تَزّوج امْرَأةً لها زَوجٌ ، قَال : يُفرّق بَينهما . قُلت : فعَليه ضَربٌ؟. قَال : لا مَاله يُضرب؟! فَخرجت من عنده وأبو بَصير بحِيال الميزاب ، فأخبَرته بِالمسألة والجواب ، فَقال لي : أين أنا؟. قُلت : بِحِيال الميزاب . قَال : فَرفَع يَدَه . فَقال : وربّ هذا البيت -أو وَربّ هذه الكَعبة- لَسَمِعتُ جَعفراً يَقول : إنّ عَليّا –عليه ‌السّلام- قَضى في الرّجُل تَزوّج امرَأةً لها زوج فرَجَم المَرأة وضَربَ الرَّجل الحَد . ثمّ قَال : لَو عَلِمتُ أنّك عَلِمت لَفضَخت رَأسَك بالحجَارَة . ثمّ قَال : مَا أخوفَني أن لا يكون أوتِي عِلْمَه))

قال الشيخ الطوسي : (فلا ينافي ما تضمن صدر هذا الخبر من قوله ليس عليه ضرب الخبر الأول لان هذا الخبر محمول على من لا يعلم أن للمرأة زوجا والأول متناول لمن علم ذلك فكان عليه الحد ، وقد بين ذلك في الخبر الأول حين قال : انه قد تقدم بعلم وتقدمت هي بعلم ، ‹ صفحة 210 › وعلى هذا يحمل ما حكاه أبو بصير في آخر الخبر الأخير عن جعفر بن محمد من حكايته قضية أمير المؤمنين عليه السلام وأنه إنما فعل ذلك بمن علم أن لها زوجا فضربه الحد ويمكن أن يحمل الخبر على أنه إنما ضربه الحد الذي هو التعزيز دون الحد الكامل وذلك إذا غلب في ظنه أن لها زوجا ففرط في التفتيش عن ذلك فاستحق لهذا التفريط التعزير ، ويكون قوله عليه السلام : لو علمت أنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة المراد به انك لو علمت علم يقين ان لها زوجا لفعلت ذلك ، ويجوز أن يكون ذلك مختصا بمتهم ادعى انه لم يعلم ذلك ولم يقم له بينة بالزوجية فكان عليه الحد ، يدل على ذلك …)
الاستبصار – الشيخ الطوسي – ج 4 – ص 209 – 210

وقال الشيخ التستري : (وليس بين ما قاله الكاظم ( عليه السلام ) وما نقله الصادق ( عليه السلام ) من قضاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تخالف ، والأوّل محمول على جهل الرجل صرفاً وخلوّ ذهنه ، والثاني على احتماله وجود زوج لها ، بل تلبيسه الأمر على نفسه فإنّه كان قضيّة في واقعة وهو ( عليه السلام ) استكشف من حال الرجل ذلك ، وأمّا الكاظم ( عليه السلام ) فبيّن الحكم الكلّي للجاهل ، وإنّما يرد على أبي بصير عدم فرقه بين الموضعين فاستغرب قول الكاظم ( عليه السلام ) مع سماعه عن أبيه ( عليه السلام ) فعل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولابدّ أنّه راجع وأفهم وإن لم يذكر في الخبر )
قاموس الرجال – الشيخ محمد تقي التستري – ج 12 – ص 441

ملاحظة :إن كثيرا من أصحاب جعفر الصادق ع، كانوا من الفرق أو الديانات الاخرى، فأسلموا وتشيعوا، ولا يعني تشيعهم الإمامي معرفتهم بكل ما يلزم اعتقاده ، بل كان الإمام ع يتعهدهم ويرعاهم ويعلمهم، حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، فمدحهم الإمام كما هو حال زرارة وغيره. ونظرة بسيطة على كتاب بصائر الدرجات يعلم المرء عقيدة زرارة بالأئمة وكونهم محدثون ملهمون …

استدراك : أبوالعباس الحسني الزيدي ( 353ه) وقوله بعصمة الإمام وحجية قوله

ينتقد فهد شايم قول الإمامية بعصمة أئمتهم، متناسيا قول أحد كبار قومه بعصمة الإمام، وجعل قوله حجة !!
فأبو العباس أحد المشاهير. قال عبدالله بن حمزة عن أبي العباس الحسني أحمد بن إبراهيم: ( المتكلم الفقيه المناظر، المحيط بألفاظ علماء العترة أجمع، غير مدافع ولا منازع. فكان في محل الإمامة ومنزلة الزعامة…)
الشافي لعبد الله بن حمزة ، ج1 ص 664

وتحت فصل ( في شروط الإمامة ) قال الإمام القاسم بن محمد في الأكياس لعقائد الأكياس ، الإمام القاسم بن محمد : ( وزاد أبو العباس والإمامية العصمة) ص 93
قال القاسمي في عدة الأكياس في شرح معاني الأساس، ج2 ص 34 موضحا العبارة : ( وهو أن يكون معصوما من الكبائر. قال في المحيط : وذهب السيد أبو العباس الحسني عليه السلام من بين الزيدية إلى أن الإمام يجب أن يكون معصوما ، وأنه إذا لم يكن معصوما، يجب على الله أن يظهر لنا ستره ويبدي لنا عورته لنقف على فسقه ونتبرأ منه ولا تجب طاعته.

لو دققنا النظر في قول الإمام القاسم بن محمد : (( وزاد أبو العباس والإمامية العصمة) نصل إلى نتيجة سهلة وهي أن قصد أبي العباس الحسني بالعصمة ، هي العصمة وفق المفهوم الإمامي، حيث جعل الإمام القاسم قول أبي العباس الحسني جنبا إلى قول الإمامية وهو ما يوحي باتحاد المراد من العصمة، ولو كان يقصد بالعصمة معنى آخر كالعصمة عن الكبائر فقط، لما كان مناسبا أن يجعل أبا العباس مع الإمامية في قولهم بعصمة الإمام، ولكان يجب استبدال كلمة العصمة بكلمة بالعدالة التي تناسب ذاك المقصد.
إن تفسير القاسمي للعصمة التي تبناها أبو العباس بعدم ارتكاب الكبائر، هو خلاف ظاهر اللفظ، وتأويل فاسد ، لأن العصمة التي قال بها هي التي قال بها الإمامية، كما هو مفاد العبارة .

سيأتي من يلوي عنق النص ويصرف اللفظ عن معناه، فأبو العباس زيدي، ويجب تفسير كلامه بما يتناسب مع مذهبه !
وهذا القول قرأته سابقا، وكأن قائله يجعل ابا العباس معصوما لا يميل ولا ينحرف عن الزيدية ومذهبهم ! وهذا الموقف طبيعي هدفه دفع التشكيك عن المذهب ورجاله ولو بالتكلف والافتراضات المعوجة .

مهما كانت مرتبة هذا القائل والمبرر، ومهما كانت التبريرات التي تساق، فإن ابن الوزير أحد كبار الزيدية سابقا، فهم من العصمة ما فهمناه.
قال أحمد بن الحسن القاسمي ( 1375هـ) في كتابه العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم، الذي جعله للرد على ابن الوزير ص 27 : ( الإمام الكبير ذو القدر الخطير، علامة الزمن، والشامة في بني الحسن، واحد زمانه، وفيلسوف أوانه: محمد بن إبراهيم بن المفضل الوزير)
قال الشوكاني عنه : ( وتبحر في جميع العلوم وفاق الأقران واشتهر صيته وبعد ذكره وطار علمه في الأقطار قال صاحب مطلع البدور وقد ترجم له الطوائف وأقر له المؤالف والمخالف…)
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، ج 2 – ص 82

قال ابن الوزير في الرَّوضُ البَاسمْ في الذِّبِّ عَنْ سُنَّةِ أبي القَاسِم ،ج 1 – ص 244 – 246
: ( إن ما ذكره غير صحيح عنهم , فلم يقولوا بعصمة أحد من الصحابة فمن دونهم غير النبي – صلى الله عليه وسلم – , وإنما الشيعة هم الذين قالوا بعصمة غير رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ممن بعده , فمنهم : من اقتصر على عصمة 4 أمير المؤمنين علي وفاطمة والحسنين – رضي الله عنهم – , ومنهم : من زاد على ذلك , فالإمامية قالت : بعصمة اثني عشر إماما , وفي الزيدية من زاد على ذلك , وقال بعصمة كل إمام من أئمة الزيدية , وهو إمام علوم الزيدية المجمع عندهم على علمه وفضله السيد الإمام أبو العباس الحسني، وذلك مشهور عن أبي العباس . وقد اضطره هذا القول بأن أئمة الزيدية لم يختلفوا في الفروع , ولما كان الاختلاف بينهم في الفروع معلوما ألجأه الجمع بين مذهبه وبين اختلافهم : إلى تأويل اختلافهم , فصنف في ذلك كتابه المعروف ( ( بالتلفيق ) ) وهو كتاب معروف , قد وقفت عليه , مضمونه تأويل اختلافهم على وجه يوجب الاتفاق , وذلك خلاف ما عليه جميع الزيدية )

وهذا يدلك على أن التأويلات التي ذكروها لتفسير معنى العصمة ضعيفة، ومما قاله ابن الوزير في العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم ج 3 – ص 32 – 33وهو الخبير بكتب الزدية : ( ومن ذلك : قول السيد أبي العباس رحمه الله : إن شرط صحة الإمامة أن يكون الإمام معصوما ، وقوله : إن قول الإمام حجة كقول النبي – صلى الله عليه وسلم – ، حكى ذلك عنه الإمام يحيى بن حمزة في كتاب ” الانتصار ” ، وعبد الله بن زيد في كتاب ” المحجة البيضاء ” ، والفقيه يوسف بن أحمد بن عثمان في كتاب ” نور الأبصار ” )
فلاحظوا اعتقاد ابي العباس الذي نقله يحيى بن حمزة وغيره بحسب نقل ابن الوزير وهو ان قول الامام حجة كقول النبي وهو خلاف لكل الزيدية.
هذا هو عين مذهب الإمامية، ولعله صدر عنه بعد رجوعه للإمامية إذا صح ذلك.
جاء في شرح الأزهار : ( وكان اماميا ثم رجع إلى مذهب الزيدية وقيل لم يرجع ! ) الإمام أحمد المرتضى ، ج 1 – ص 3 المقدمة
وقال الشوكاني : ( وكان إماميا ثم رجع إلى مذهب الزيدية وقيل لم يرجع)
الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني ، ج 3 – ص 1482 نقلا عن تراجم الرجال ” للجنداري ص 3

ملاحظة : قول ابن المرتضى : (وكان اماميا ثم رجع إلى مذهب الزيدية) فيه دلالة على أنه ورث مذهبه الإمامي عن أبيه الذي لا شك أنه عاش في القرن الثالث الهجري!

اكمل فهد الزيدي مقاله ولم يستطع الدفاع عن أئمته الذين أخذوا من المعتزلة علم توحيد الله والنبوة والمعاد، حيث درسوا عندهم سنوات وترددوا على بيوتهم، ولم يستطع فهد الاتيان بدليل واحد على أن أئمة الاثني عشرية كأبناء عمومتهم درسوا على يد الآخرين من الفرق الأخرى.

سيبقى قول المصطفى : ( لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) نبراسا يقود الباحثين إلى معرفة العترة الطاهرة الذي عناهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وسأنظر في بقية حلقاته فإن كان فيها ما يستحق مررت عليها بالنقض والرد.
والحمدلله رب العالمين .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here