حكومة مكبّلة بأصفاد الدولة العميقة

ساهر عريبي
[email protected]

توشك الحكومة العراقية الجديدة ان ترى النور خلال بضعة ايام. ووفقا لتسريبات فإن التشكيلة الوزارية الجديدة التي يقودها رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي, أختير أعضاءها وفقا لمعياري الكفاءة والنزاهة, بعيدا عن معادلة المحاصصة الحزبية التي حكمت تشكيل الحكومات السابقة منذ العام 2003.

ولاشك ان مثل هذه التشكيلة تبدو للوهلة الأولى مبعث ارتياح للشارع العراقي الذي ضاق ذرعا بحكومات المحاصصة الحزبية, التي لا غاية للكتل والأحزاب المشاركة فيها سوى الإستحواذ على العقود والهيمنة على موازنة الوزارات والهيئات الحكومية, وأما تقديم الخدمات واعمار البلاد المدمرة فهو الأخير في سلم اولوياتها.

لكن الحقيقة ان هذه الحكومة وإن كانت بهذه المواصفات إلا انها لن تنجح في مهمتها وستواجه عقبات وعوائق كبيرة تضعها الكتل السياسية النافذة في طريقها. لقد أنتجت السنوات الماضية طبقة سياسية تتمتع بنفوذ هائل قائم على المال والسلاح والدعم الخارجي. وفقا للإقتصادي مظهر صالح فإن حجم الهدر في الموازنة خلال 9 سنوات بلغ 222 مليار دولار!

يمكن من خلال هذا الرقم تصور حجم الهدر خلال 17 عاما, وتوجه الإتهامات إلى القوى الحاكمة التي تبرم العقود من خلال مكاتبها الإقتصادية وبموافقة الوزراء الذين يمثلون كل كتلة او حزب. وهكذا سلكت هذه الأموال الهائلة طريقها إلى حسابات الأحزاب النافذة, التي باتت تتحكم بالعملية السياسية.

يضاف إلى ذلك أن هذه القوى لديها فصائل مسلحة تمثل جناحها العسكري الضارب عند الحاجة, ومن ليس لديه فصائل, فهو يمتلك الوية وفرق داخل المؤسسة العسكرية والأمنية إضافة إلى نفوذها في أجهزة المخابرات والأمن.

لقد تغلغت هذه الأحزاب خلال السنوات الماضية داخل مفاصل الدولة الحيوية من عسكرية وامنية واقتصادية وإعلامية وأسست دولة عميقة داخل الدولة العراقية, التي لم تعد لها هيبة ولاوجود حقيقي, وأصبح لدولة الأحزاب العميقة كلمة الفصل مستعينة بالمال والسلاح والنفوذ. ولذا فإن هذه الدولة المتجذرة داخل المؤسسات قادرة على إفشال واسقاط أي حكومة في بغداد.

وهكذا تبدو القوى النافذة غير مكترثة لغيابها عن الحكومة مدعية انها خولت رئيس الوزراء المكلف محمد علاوي اختيار وزرائه بعيدا عن المحاصصة. فهذه القوى التي أصبحت رموزها قاطبة مرفوضة من الشارع العراقي دخلت مرحلة النشاط الحكومي من خلف الستار ودون ان يكون لها تمثيل ظاهر في الحكومة تجنبا للسخط الشعبي.
إن امتيازاتها ونفوذها وهيمنتها على موازنة الوزارات ستظل مستمرة ولن تنجح الحكومة الجديدة في قلب الطاولة عليها. فالدولة العميقة تمثل شبكة كبيرة من وكلاء الوزارات والمدراء العامين والأعوان المتغلغلين في الأجهزة الأمنية والعسكرية فضلا عن وسائل الإعلام والجيوش الإلكترونية.

هذه الأذرع ستحبط أي مخطط او برنامج تطرحه الحكومة الجديدة للحد من الفساد وإعادة إعمار البلاد واستثمار مواردها الطبيعة والبشرية, لأن مثل هذا البرنامج سيطيح بالقوى السياسية النافذة التي تعتبر السلطة حقا طبيعيا لها مستعينة بالتاريخ وبالمذهب وبالقومية لتبرير فسادها وهيمنتها.

كما وان بعض هذه القوى تتاجر بشعارات محاربة أمريكا وإسرائيل للتغطية على فسادها, فامريكا لن يهزمها الفاسدون أبدا, وأمريكا لن يهزمها الجهلة المتخلفون, فمن يريد هزيمة أعظم قوة على وجه الأرض عليه ان يتسلح بالعلم ولإصلاح, وبغير ذلك فإن هذه الشعارات الرنانة ليست سوى مسحوق لتبييض وجه الفاسدين.

ولذلك فإن نجاح الحكومة الجديدة رهن بتفكيك الدولة العميقة التي تكبل الدولة العراقية وأي حكومة كفاءات بأصفادها! ولن يتحقق تحرر العراق من هذه الدولة التي يمكن وصفها بالخبيثة إلا بقرارات شجاعة وجريئة من رئيسها, عبر فتح ملفات فساد رموز العملية السياسية الذين أمسكوا بدفة الحكم طوال السنوات الماضية.

فتلك الملفات مركونة على رف القضاء والنزاهة ولايجرؤ أحد على فتحها, ومن يفعل فيسقط بالإغراءات أو بالرصاص. لكن فتح هذه الملفات سيحظى بدعم شعبي كبير وتأييد من المرجعية الدينية العليا التي بح صوتها من كثرة النداءات التي أطلقتها لإصلاح البلاد, إن هذين العاملين يشكلان عنصري القوة التي تحسم المعركة لصالح رئيس الوزراء وتهزم مال وسلاح القوى الفاسدة.

إن تفكيك الدولة العميقة هو مفتاح نجاح الحكومة المقبلة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في العراق, وبغير ذلك فإن الحكومة حتى لو نجحت في التهيئة لتنظيم انتخابات مبكرة, فإن الدولة العميقة ستعيد إنتاج هذه الطبقة السياسية بوجوه جديدة هي نموذج استنساخي للوجوه القديمة, وسيظل العراق يدور في دوامة الكتل الفاسدة إلى أمد غير معلوم!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here