شهيد في عيون الوطن.

علي العرداوي.
عندما يكتب التاريخ، نجده ينتقي امهات الاحداث، لنجد هذه الاحداث مدارس، تتربى فيها الأجيال، لتصنع منها شعب حر، لا يقف عند المجد، بل ان نظره نحو الافاق، باحثا عن سيرة الشهداء، ليتعلم منهم التضحية، وهذا ما وجده في شهيد العراق، السيد محمد باقر الحكيم.
فالحكيم صنع جيلا يعشق الحرية، وصنع له عزما، في فترة قُتل فيها العزم.
تسابقت نحوه المنايا، وكإنها قد اشتاقت اليه، فقد أختلسته الشهادة، فكان منبرا لا يرتقيه إلا المضحون.
بعد استشهاده بمدة، وبعد ان غاص في اعماق سيرته المتخصصون، وجدت بعض الاقلام سبلا، لتصل الى ضفاف حياته، لتصفها لنا بالمدرسة، فهو قد اعطى بتلك المسيرة الخالدة، دروسا لم يختصرها بالجهاد، كان عالما يعض الناس، وسياسيا يعزز دوره بإسناد دولي، وجنديا يبحث عن النصر.
فقد وضع نصب عينيه ظلامة شعب، قد سرق حريته طاغوت، لا يروي ظمأه إلا الدم، وإنطلق مشمرا عن ساعديه، باحثا عن حريته بكل وسيلة، وتلك الوسائل هي، صفحات انتقاها المؤرخون، فبين سياسة وعلم، وطريق جهاد طويل، كان يبحث عن الشهادة.
لا تتجرأ الكلمات في وصفه، فقد عاش مجاهدا ومات شهيدا، قدم روحه طواعية، وثبت في مواجهة الموت، كان رمزا للإيثار، ومضحيا بنفسه لينعم شعبه بالأمان.

عندما نجد طاغوتا يردد اسم عدوه، وفي مجالسه الرسمية، فهذا يدل على انه قد زرع في قلبه الرعب، وإنه قد ايقظ مضاجع ذلك العدو، شهيدنا قدم الكثير من عائلته الكريمة، من كبار العلماء واساطين الزمان، وخيرة الشباب المتعلم من اهل بيته، إلى الشيوخ والنساء والأطفال، لم يكتفي بتلك الدماء الزكية من آل الحكيم، ولم يكتفي بذلك الثمن الباهض، الذي قدمه هدية بيضاء طاهرة الى شعبه العراقي، بل قدم نفسه قربان لذلك الشعب، الذي عاش في وجدانه، وهب روحه للموت ليشتري لهم الحرية.
شهيد العراق كان عالما مجاهدا، مع عبء طريق الجهاد الطويل الذي سار فيه، وهمه برفع ظلم وطغيان، الحكم الدكتاتوري الصدامي البعثي البغيض، وحزنه الطويل على ما يجري ضد شعبه الاعزل، من قتل طائفي وتشريد، ومقابر جماعية، حيث ان ذلك النظام الملعون، يهدم البيوت، ويذبح العوائل، بكل طغيان وقسوة، كان يبيد تلك العوائل، ومن العوائل التي هجرها وشتتها صدام، وقتل منها اكثر من ثمانون شخص، هم عائلة السيد المُتَرجم له، يفقد اخاه في السودان، مجاهدا اخر من عائلته، يبكيه رغم البعد، ولا ينثني عن خدمة شعبه، ليفقد بعض افراد عائلته، داخل العراق، ويستمر بطريق الجهاد، بكل تضحية لا يكسر عزيمته شيء، ليخسر الكثير من تلك العائلة، والتي هي رمزا للإيثار، بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
كان شهيد المحراب يعمل على هدفين، هدفه الاول هو زرع روح التحرر، لدى أبناء شعبه العراقي، معززة بثقافة حب الوطن، ورفض الظلم والطغيان، محصنا هذه الفكرة، بدعوتهم للاتحاد، بصفتهم أبناء شعب واحد، بعيدا عن المذهبية والقومية،
اما هدفه الثاني، فقد كان يبني جيلا، معززا بفكر وعلم ودراية، وروح تعشق النصر.
فوق كل ما ذكرناه، أن شهيد العراق، قدم كل ما يملك، لنصرة شعبه المظلوم، فقد نصب نفسه لنصرة الحق، فوهب له ماله ودمه واهله، رجل الكلمة والجهاد، اختبرته الايام، فكان صبره اطول منها، تحيرت بثبات موقفه العقول، فلم نرى مسافرا، يشد رحاله عند الإياب، فبعد سقوط صدام، ونظامه البعثي البغيض، وعودة سيد الجهاد، من ميدان الحرب، رأيناه يأتزر بعزمه، ويقاتل الفتنة قبل ولادتها، ويحمل هموم، ولادة عملية سياسية جديدة، ويدفع عجلتها لتدور، ويستقر بها وطنه، الذي مزقته مخالب البعث.

كان يمتلك رؤية ودراية منقطعة النظير، فهو ذلك الشهيد الذي قال، نحن علينا ان نقف موقفا موحدا مع حوزتنا، وهو يقول انا اقول هذا الكلام عن حساب، انا اقبل أيادي جميع المراجع العظام، واحدا واحدا وانا خادم لهم، واقبل اياديكم انتم ايضا واحدا واحدا، يقصد بذلك شعبه العراقي.
إنما قال ذلك ليفهم الجميع، انه يريد ان يكون ابناء مذهبه متحدون، وتحت راية مرجعيتهم العظيمة، لتقودهم إلى بر الامان، وان لا يتناثروا، تحت كذب هذا، ونفاق ودجل ذاك، كما وإنه يريد ان يخبرهم، انه ليس بطالب سلطة، دينية كانت او سياسية، كان يريد وطنا قدم له الكثير من القرابين من أهله.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here