عمل ارهابى عنصرى فى مدينه المانيه

فى الساعه 2200 من يوم الاربعاء المصادف 19- 2-2020 اقتحم فى مدينة” هاناو-Hanau “القريبه من مدينة فرانكفورت توبياس ار الذى كان مسلحا حانه للاركيله ومقهى واطلق النار على بعض الحاضرين حيث كان عدد الضحايا 9 من الالمان من اصول مهاجرين مسلمين اترااك. ان هذا العمل الارهابى المسلح ليس فريدا وليس جديدا على الساحة الالمانيه وكذلك على اولئك الذين يبدو عليهم اصولهم غير الالمانيه, على الرغم من اعتداءات واعمال ارهابية مماثله حصلت ضد بعض كبار الموظقين الحكوميين فى الاشهر الاخيرة الماضيه, وبالرغم من تشابه اليات الارهاب الا ان دوافعه واسبابه كثيرة وتختلف من حالة الى اخرى. كان وقع هذا العمل الارهابى كالصاعقة على الساحة الالمانيه, واجتهد المسؤلون الالمان على اختلاف مواقعم القيادية, ليس فقط باستنكاره كعمل اجرامى يحتمل انطلاقه من تطرف يمينى وعقلية عنصريه, وانما كذلك فى تشخيص العمليه وتبيان اسبابها; اضطرابات وامراض نفسيه وعزلة اجتماعيه تؤثر فى الشخص, عقليا وذهنيا تبعث على استعداد لتقبل افكار يمنيه متطرفه تمتد نحو مواقف عنصريه ونظريات تأمر عبثيه تدفعه نحو تولى وظيقة الحاكم والمنتقم. قبل سنه استخدم هذا الاطار النفسى الاجتماعى فى تفسير وتوصيف الاسباب التى قام بها احد الالمان فى مدينه “بوتروب” وسط المانيا حينما قد سيارته متعمدا فى مجموعه من الرجال الذى يبدو عليهم, من شكلهم والوانهم انهم من “المهاجرين” او المان من اصول مهاجرين عرب, اتراك او مسلمين بشكل عام. بالامس 24-2 حصلت حالة مماثله حيث قاد احد الالمان سيارته فى جمع من مشاهدى احتفالات الكرنفال فى احد المدن الصغيره مما ادى الى اصابة اكثر من 60 شخصا, البعض منهم باصابات خطيره. ان الاجهزه الامنيه على مختلف مستوياتها باشرت فى عملية التحرى ولكن لم تحصل على معلومات كثيره تطرحها على وسائل الاتصال, الا انهم يعبرون مبدئيا الى عمل ارادى وليس مفاجىء. لقد تبين من خلال التحريات وفحص وتفتيش بيت مرتكب جريمة ” هاناو” انها لم تنطلق عن مزاج انى معقد ومحبط وانما قد تم التخطيط لها , فهو حمل السلاح وتوجه نحو مقهى للاريكيله فى مركز المدينه واطلق النار فى مجموعه من الرجال ثم اخذ سيارته وعلى بعد 2كم اطلق النار على مخزن صغير ثم توجه الى بيته واطلق النار على امه, التى كما يبدو انه لم تكن علاقته معها على مايرام واخيرا اطلق النار عليه.ان الجهات المسؤله قامت بتفتيش البيت ووجدوا فيديو قبل حوالى الشهر من تسجيله يحذر من السياسه الامريكيه كما اتهم المانيا بانها تحكم من قبل “مخابرات”. لم تاتى هذه الاعمال الارهابيه من فراغ, خاصة وانها تتكرر ضد جماعات من الاجانب,

اللاجئين, والمهاجرين وبشكل خاص من العرب والاتراك والافارقه, والذى ينعكس فى عدم قبول ورفض ومختلف انواع الاتهامات, مثلا باحتلال فرص العمل والتمدد بالمجتمع وتغريب ثقافته واسلوب حياته وليس اخير انهم يعشيون على حساب دافعى الضرائب الالمان, ويحتل الدين الاسلامى موقعا مهما فى عملية الادانه والتحريض والرفض. من جهة اخرى فان “معاداة الساميه” التى تعتبر احد المشكلات التى لها جذور عميقه فى التاريخ الالمانى هى الاخرى التى تتمتع بحضور دائم رغم كل القوانين والممنوعات التى قد شرعتها الدولة الالمانيه وحضور قوى للمؤسسات اليهوديه التى تسجل وتراقب, ترفض وتراقب وتعلن عن كل التجاوزات المباشره التى يتعرض لها اليهود كاشخاص اوافراد او رموزهم ومقدساتهم الدينيه فوريا وبشكل مستمر. ان هذه الاشكالية, لقد قامت اوليات هذه الحاله على المضايقه الانتهاكات والاستخفاف بالعمال الاجانب ,وهذه قد قامت على احكام مسبقه اخذت تزداد وتتراكم مع الزمن والتى قد افرزت حاجزا معوقا لعملية الاندماج والتى كان يجب تتطورها لدى الالمان والاجانب, الشرقيين على حد سواء. ان الحاجه الماسه لايدى عامله منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضى لاستمرار انجازية ومنافسة الاقتصاد الالمانى عالميا قضية فرضها الاقتصاد الالمانى ولذك توجهت الدوله اولا نحو ايطاليا التى هى الاخرى كان فى عملية تطور اقتصادى قوى, ثم توجهت نحو تركيا واسبانيا والمغرب العربى. ان دخول بضعة ملايين من العمال الاجانب مع مرور الزمن, خاصة من المسلمين, ليست عملية بسيطه للجميع, فى الوقت الذى كان الاقتصاد والدولة الالمانيه بحاجه الى ايدى عامله, الا ان “العمال الضيوف” كما تم التعريف بهم كانوا يشرا من لحم ودم وثقافه اخرى تختلف عن ثقافة البلد المضيف وعلى ذلك فان مواطن الخلاف والصراعات كانت قائمة اساسا, خاصة ان الدوله الالمانيه باجهزتها ووسائل اتصالها الجماهيريه لم تكن موفقه فى طرح حلول ونماذج موفقه قى احتواء الخلافات و التجاوزات التى حصلت ضد الاجانب, وكذلك لم تطرح برنامجا لتعليم اللغه وكورسات عن خصوصية ناريخ , قوانين, العادات والتقاليد ومفردات الحياة فى المانيا. فى الحقيقه فان فهم وادراك الاخر, الالمانى والمهاجر, اللاجىء, التفاهم والاتصال المتبادل لم يكن قائما, وعليه فان الالمان لم يجدوا تفسيرا لعادات وسلوكيات المهاجرين الغريبه عليهم والذى يفرز حالة اللامبالاة, يتحملها, يصبر عليها او يرفضها. هنا يفعل الوعى والثقافة دورها فى الحفاظ على السلام الاجتماعى؟ اما عن العمال الضيوف واللاجئين فهم امام مجتمع جديد يختلف جذريا عما اعتادوا عليه سابقا ويصعب عليهم تقبله والاندماج فيه. لقد حصلت تغيرات كثيره ومؤثره على صعيد المانيا واوربا بشكل عام والذى يشار اليه بتصاعد قوى اليمين واليمين المتطرف والذى استطاع دخول مجالس المحافظات و البرلمان وحتى البرلمان الاوربى. فى المانيا استطاع اليمين المتطرف بتكتل “البديل لالمانيا-AFD ” الذى فاز بالانتخابات المحليه وعلى مستوى البرلمان الاتحادى,

وهذا البديل يؤكد على كراهية ورفض الاجانب واللاجئين بشكل عام ويؤكد على رفضه للاسلام واتهامه بالرهاب وغزو اوربا ” لا يمت الاسلام للتاريخ والحضاره الاوربيه المسيحيه”, انهم يحملون المبادى والقيم النازيه والعنصريه. ان التطرف والاصوليه الاسلاميه وجرائم القاعدة وداعش فى مختلف دول العالم وقتل والتمثيل بالمعتقلين بابشع الوسائل والصور باسم الاسلام والشريعه, هذا بالاضافه الى العمليات الارهابيه الكثيره التى حصلت فى الكثير من العواصم الاوربيه سواء ان كان بواسطه المتفجرات او الرسائل البريديه او استخدام السيارات فى مختلف المناسبات ضد تجمعات السكان وسببت تضحيات كثيره قد افرزت رأى عام متحفظ ورافض ويطالب بالقصاص وحماية الدوله والدستور ويتهمها بالعجز والتخاذل. ان هذه التطورات قد ساعدت على المطالبه بالرجل الحديدى القوى الذى يتجاوز “لعبة الديمقراطيه” والاخذ بالقرارات السريعه الحاسمه. ان مشكلة رفض المهاجرين واللاجئين وتبلور تيار ينمو بشكل ملحوظ من الكراهية والتطرف والعنصريه قد اصبح حقيقة قائمه فى المانيا تمتد فى مختلف الشرائح الاجتماعية وليس كما كانت تفسر كنزعات واهواء لانصاف المثقفين والنازيين القدماء. ليس اخيرا ان نشير الى موقف السياسين ووسائل الاتصال الجماهيريه التى نادرا ما يصدر عنها موقفا متفهما للمهاجرين واللاجئين بالرغم من جود حوالى 10% من الشعب الالمانى من اصول مهاجرين ولاجئين, ويصدر عنها غالبا صورا سلبيه مهينه شاملة لشعب او امة ولا تحدد وتحصر بالفرد او الجماعه التى حينما يصدر عن شخص او جماعة تجاوزا على القانون اوعملا اخلاقيا او ارهابيا. هذا الموقف يصدر ايضا عن المسؤلين واصحاب القرار والسياسين فى التعبير عن اهمية وضرورة وجود المهاجرين للمجتمع وللاقتصاد الالمانى الذي يبحث ثانية عن ايدى عاملة مدربه, ومدراء الشركات يؤكدون حاجتهم الى غير المدربه ايضا. ان هؤلاء الـ10% قد دعموا ولازالوا انتاجية والقوة التنافسية للاقتصاد الالمانى. من ناحية اخرى فقد تم وقف الميل التنازلى لحجم السكان الالمان واخذ يسجل ارتفاعا. هذا بالاضافه الى ان وجود المهاجرين فى الدوره الاقتصاديه يشكل عاملا مهما فى تأمين ميزانيات الصناديق الاجتماعية, التقاعد, التأمين الالزامى, الرعايا الاجتماعيه…الخ. ان الاحداث الاخيره قد افرزت وعيا جديدا, ونحن نأمل ان لايكون سحابة صيف او ثلوج العام المنصرف, كما هو معتاد فقد حصلت مئات الندوات والنقاشات التلفزيونيه والرفض والاستنكار للاعمال الارهابيه العنصريه, فقد اكد وزير الداخليه الاتحادى على زيادة قوى الامن الاتحادية وحضورهم فى الشوارع والساحات العامه, هذا بالاضافة الى حماية الجوامع والحسينيات. ..الخ.لا شك بان اجراءات وزير الداخلية وتشريع قوانين من الاهميه بمكان, الا ان هذه الاجراءات يجب ان ترتبط بعملية تثقيف ووعى لمجابهة الاحكام المسبقه التى تعشعشت واصبحت كالمسلمات التى تجمع وتوحد الاخرين وان هؤلاء ليس عبئا على المانيا وانما لهم حقوق وواجبات مثل بقية الالمان. ان خلق الوعى فى حقيقة

المانيه كدولة هجره مثلها مثل امريكا, كندا, استراليا…الخ سوف يفسح المجال واسعا لتقبل الاخر والتفاعل والتواصل معه وتأمين السلام المجتمعى.

دكتور حامد السهيل 26 . 2 . 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here