البيشمركة ليست جيش المهدي يا مقتدى

معد فياض

يأبى مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، أن يكون هناك حدث، مثل انتشار وباء الكورونا، يشغل العراقيين والعالم أكثر مما تشغلهم تغريداته و”كصكوصاته” ومواقفه المتغيرة والمتناقضة في تأييد هذا أو ذاك.

وأخيراً خرج لنا الصدر بنظرية مثيرة للجدل، مثل مواقفه، قال فيها إن قوات “البيشمركة ميليشيا” مثلها مثل ميليشيا “جيش المهدي”، أو سرايا السلام حالياً، وميلشيات العصائب وحزب الله العراق والنجباء وبدر، وغيرها من الميلشيات التي تخطف وتبتز وتقتل العراقيين بعيداً عن محاسبة الحكومة والقانون.

مقتدى الصدر بعد أن انحسر اسمه وتغيرت صورته إثر هجوم ميلشياته سرايا السلام على المتظاهرين في ساحات الاعتصام، في بغداد والنجف وكربلاء، تحت لافتة “أصحاب القبعات الزرقاء”، واحتلالهم لبناية المطعم التركي، معقل المعتصمين في ساحة التحرير، وقتلهم للعشرات من الشباب الأبرياء في بغداد والنجف وكربلاء، ظهر علينا في حوار تلفزيوني ترويجي يستعرض فيه سلطاته الخارقة “السوبر” التي تمكنه من أن يغير أي شيء ويجترح أية معجزة، وبأنه “أبو المتظاهرين”، وبأن ما قام به أنصاره في ساحات الاعتصام كان “مجرد جرة أذن” للمعتصمين الشجعان، وبأنه قادر على تعيين أي رئيس حكومة وتشكيل كل الوزارات العراقية، مدعياً بأن “أية حكومة تشكلت منذ (أياد) علاوي حتى اليوم كانت بتدخله وموافقته”، ضارباً الانتخابات والبرلمان والقوى السياسية، التي اطلق عليها وصف “زبالة” بدون استثناء، عرض الحائط، ومسمياً الدولة بـ”المزعطة”.

الحديث التلفزيوني الترويجي لـ”السوبر مان” مقتدى الصدر والحافل بالمفردات الغريبة عن اللغة العربية، مثل “جرخته” و”شعبوثي”، هدد فيه الشعب العراقي بعودة نشاط جيش المهدي و”البطة” إذا ما عادت المفخخات، متهماً الأحزاب السنية بأنها كانت وراءها، ومتحدثاً عن جراثيم الفساد وسراق المليارات وانهيار الجيش العراقي أمام تنظيم داعش الإرهابي دون أن يسمي من كان مسؤولاً عنها، نوري المالكي، ومهدداً بإشعال الحرب إذا بقيت القوات الامريكية في العراق.

الحديث “السوبرماني” هاجم السياسيين الكورد ملقياً عليهم مسؤولية الفساد، واعترف الصدر بأنه كان يقصد بـ”االعرقيين” في إحدى تغريداته الأخيرة “سياسيي الكورد الذين ألحوا بإضرار العراق”، دون أن يذكر قادة تياره الذين عاثوا القتل والفساد والسرقة وتحولوا إلى أصحاب المليارات في غضون سنوات قليلة.

وعن موضوع حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء الميلشيات، اتهم الصدر بأن قوات “البيشمركة ميليشيا”، وكرر ذلك لمرتين، مضيفاً “لن أحل سرايا السلام إلا بعد حل البيشمركة والحشد الشعبي”، متناسياً بأن الدستور العراقي يعترف بقوات البيشمركة باعتبارها حرس الحدود وأنها قوات رسمية وشرعية ودستورية مثلها مثل الجيش والشرطة ولها وزارة خاصة في حكومة إقليم كوردستان “وزارة البيشمركة”.

يقال حدث العاقل بما يعقل، لكن زعيم جيش المهدي، سابقاً، وسرايا السلام لاحقاً، يريد أن يقلب المفاهيم والموازين والثوابت حسب رغبته، انطلاقاً من أنه يعتبر نفسه “أبو العراقيين” حسب وصفه وأن كل الأمور يجب أن تسير على هواه، ومنها مقاربته ما بين قوات البيشمركة التي قاتلت لعقود من السنوات أعتى الحكومات والجيوش دفاعاً عن حقوق الشعب الكوردي ووجوده المشروع حتى تحقق حلم الكورد بقيام إقليمهم الحضاري شبه المستقل بمواصفات دولة متطورة، بميليشيا جيش المهدي التي قتلت وروعت الآلاف من العراقيين خاصة في سنوات التطهير الطائفي، وأن بعض قادة تياره معروفون كإرهابيين وقتلة.

ونذكر السيد مقتدى الصدر بأن غالبية الميلشيات المسلحة المسجلة على قوائم الإرهاب الدولية، وفي مقدمتها العصائب والنجباء ولواء العباس، وغيرها فرخها جيش المهدي، وقادتها تدربوا على قتل العراقيين في جيش المهدي وانشقوا عنه ليشكلوا ميلشياتهم الإرهابية، وأن هذه الميلشيات، كما جيش المهدي، لم تدافع عن العراقيين أو تقاوم الاحتلال كما يدعي قادتها زوراً وبهتاناً، بل قتلوا آلاف العراقيين الأبرياء لأسباب طائفية بحتة ولتدمير الأوضاع الأمنية في العراق، وهم اليوم مَن أفرغ المؤسسات الأمنية والقانونية والقضائية والحكومة من معانيها ومهامها وتعريفاتها ومهماتها، وصارت هذه الميلشيات هي من تحكم وتتحكم بالأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، وأن قادة هذه الميلشيات هم أبرز سراق النفط ومافيات تهريب المخدرات وحبوب الكريستال والأغذية المنتهية صلاحياتها والأسلحة.

ولزيادة معلومات زعيم التيار الصدري وقائد ميليشيا سرايا السلام، فإن قوات (البيشمركة) أو الـ(پێشمه‌رگه) كما هو في اللغة الكوردية، مصطلح يعني حرفياً “الذين يواجهون الموت”.

ومصطلح البيشمركة من الكلمات المهمة عند الشعب الكوردي، ذلك أن هذه التسمية تطلق على إنسان يعمل بنكران الذات مضحياً بحياته من أجل حرية وحقوق شعبه العادلة، وتتكون التسمية من كلمتين، “بيش” وتعني أمام و”مرك” تعني الموت وهو تحدي الموت، وهي من أقدم القوات المسلحة في العراق، حيث يعود تشكيلها إلى عشرينات القرن الماضي، أي أواخر عصر الدولة العثمانية، رغم أن بذور البيشمركة هي أقدم من ذلك حيث ترجع إلى قوات نشأت في تسعينات القرن التاسع عشر.

أما رسمياً وحسب الدستور العراقي الساري المفعول، فتسمى قوات حماية إقليم كوردستان، وتشكلت بموجب الفقرة الخامسة من المادة 121 من الدستور العراقي، وتعرف قوات حرس إقليم كوردستان (البيشمركة) باعتبارها قوة عسكرية دفاعية دستورية وقانونية، وبموجب الفقرة الثالثة من المادة الثانية من قانون وزارة البيشمركة فإن من واجب قوات (حرس إقليم كوردستان) حماية إقليم كوردستان ودعم القوات العراقية للدفاع عن سيادة وأمن العراق باعتبارها جزءاً من المنظومة العسكرية لجمهورية العراق.

أخيراً، نقول لزعيم التيار الصدري بأن قوات البيشمركة التي يفتخر الآلاف من المواطنين الكورد بقتالهم في صفوفها، وفي مقدمتهم زعيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود البارزاني، والراحل زعيم ومؤسس الاتحاد االوطني الكوردستاني جلال الطالباني، ضد قوى الظلام من أجل تحرير الشعب الكوردي من الظلم، تتمتع بتاريخ ناصع ومجيد منذ تأسيسها حتى اليوم. إذ تحمي هذه القوات الإقليم محققة أمنه واستقرار شعبه وعشرات الآلاف من العراقيين المقيمين في إقليم كوردستان، وحاشاها أن تعتدي على مواطن مهما كانت قوميته ودينه ومذهبه، وهي مع بقية الأجهزة الأمنية الكوردية من جعلت من الإقليم قلعة أمن وسلام ووئام، ولا يمكن مقارنتها بميلشياتكم التي خربت العراق وروعت شعبه وحولته عالمياً لأسوأ بلد يمكن أن يعيش فيه الإنسان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here