بين أوهام الحاكم النيسابوري ودقة الشيخ الصدوق ( جواب شبهة سلفية )،

مروان خليفات

بعث لي أخ كريم شبهة روج لها السلفيون، وبعض السارقين لافكارهم بصياغات جديدة، محاولين الصاق تهمة رواية الشيخ الصدوق عمن لم يلتق به.
كتبوا تحت تحت عنوان : الرواية عمن لم يلتق به :

ـــ حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين …. ع
ذكر ابن بابويه ـــــ الصدوق ــــ أنه سمع منه في مدينة قم في رجب سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة.

وهذا لم يقع إذ كان محبوسا في نيسابور منذ سنة سبع وثلاثين إلى سنة تسع وثلاثين، ثم أخرج إلى بخارى بواسطة من أبي بكر بن اسحاق الصبغي إمام أهل نيسابور، ثم استأذن للخروج منها إلى وطنه نيسابور في سنة أربعين، وبقي فيها إلى أن مات، ذكر ذلك تلميذه الحاكم النيسابوري … فلم يخرج في سياحة أو في رحلة لطلب الحديث لكي يسمع منه ابن بابويه في قم )
وطنطن العسر بما قاله السلفيون، فتلقفه دون اشارة لأصحاب الشبهة، فقال : ورغم مجهوليّة حال حمزة بن محمّد العلويّ في كتب التّراجم الإثني عشريّة، لكنّا نلاحظ: إنّ السيّد السّيستاني وجملة من الأعلام الإثني عشريّة المعاصرين فضلاً عن المتقدّمين يوثّقونه ويعتمدون رواياته أيضاً؛ وذلك لأنّهم يعتبرون أنّ ترضّي الصّدوق عليه كاشف عن وثاقته وجلالة قدره؛ حيث روى الصّدوق عدّة روايات عنه وجملة وافرة منها من تفرّداته، مدّعياً لقاءه به وتحديثه بها في قم سنة: “339هـ.
ألم يسأل السّيد السّيستاني ورفاقه أنفسهم: كيف تمكّن الصّدوق من الّلقاء بحمزة بن محمّد العلوي الزّيدي في قم والرّجل كان مسجوناً في بخارى ما بين عام: “337هـ” وحتّى عام: “339هـ”، وبقي تحت المراقبة والإقامة الجبريّة فيها حتّى استأذن للعودة إلى نيسابور فأُذن له سنة: “340هـ”، وهكذا ظلّ مقيماً فيها إلى أن مات سنة: “346هـ” كما نصّ على ذلك تلميذه المبرَّز الحاكم النّيسابوريّ؟ )

الجواب فيما يلي :

ــــ إن الحاكم ( ت 405ه) ليس من رجال الإمامية ولا هو حجة عليهم، حتى يرجع فقهاؤهم إليه ويعتمدون قوله خاصة مع ما ابتلي به في أواخر عمره من خلط ونسيان وتغير ، وهو زمان تأليف كتابه تاريخ نيسابور، كما سيأتي .

ــــ اعتمد القوم في بناء شبهتهم على السمعاني ( ت 562ه) وغيره الذين نقلوا عن كتاب الحاكم النيسابوري ( تاريخ نيسابور ) وهذا الكتاب مفقودٌ، ولا سند موثق يُعرف للكتاب، وقد صنفه بعد المستدرك أو اثنائه واستمر في تأليفه بعد اتمام المستدرك .

قال السيوطي نقلا عن ابن حجر : ( وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك : إلى هنا انتهى إملاء الحاكم ، قال : وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة …)
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي ، ج 1 – ص 113

أقول : فما حال كتاب تاريخ نيسابور الذي استمر الحاكم بتأليفه بعد المستدرك كما سيأتي؟ فلا نعلم أنه مروي عن الحاكم اجازة !

ــــ لقد نقل الحاكم الحسكاني الحنفي ( توفي بعد سنة 490هـ) ايضا ترجمة حمزة العلوي عن كتاب الحاكم،. قال في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، ج 2 – ص 510 – 511

(قلت : أبو يعلى العلوي هذا هو حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وسمعت القاضي أبا بكر أحمد بن الحسين الحيري يقول : سمعت الشريف الفقيه الفاضل العالم الذي ما رأيت مثله في الخلق والخلق وأنواع الفضائل أبا يعلى حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر وذكر الحديث . وذكره ( أيضا ) الحاكم أبو عبد الله الحافظ فقال : نجم أهل بيت النبوة في زمانه الشريف حسبا ونسبا والجليل همة وقولا وفعلا ما أعلمي رأيت في مشايخ الاسلام له شبها ورد نيشابور سنة ثلاثين وثلاث مائة !! واستوطن سكة عيسى وتوفي ( في ) النصف من رجب سنة ست وأربعين ( وثلاث مائة )

نلاحظ أن نسخة كتاب الحاكم التي نقل عنها الحسكاني أرخت قدوم حمزة إلى نيسابور سنة 330ه.
أما السمعاني فقال : (ثم قال الحاكم : ورد أبو يعلى نيسابور سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة)
الأنساب ، ج 3 – ص 189 – 190
وهذا التضارب في تحديد تاريخ قدومه يدل على وجود تحريف في النسخ، وربما سقط، مما يدفعنا للتوقف في قبول كل ما يرد في الكتاب.

ــــ قال السمعاني نقلا عن الحاكم : ( ثم أخرج إلى بخارى ، وهذا في سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة فخرج وبقي ببخارى مدة ، ثم استأذن في الرجوع إلى وطنه بنيسابور ، فأذن له فيه ، فانصرف إلينا سنة أربعين)

إن عدم ذكر الحاكم ذهاب حمزة لقم في سنة 39ه، ليس دليلا على عدم ذهابه إليها في تلك السنة، فربما أغفل ذكر هذا الأمر، أو لم يسمع بذلك، أو وهم كما هي عادته ، فحمزة أخرج إلى بخارى في هذه السنة وبقي مدة، ربما أسابيع أو أشهر قليلة ثم رجع إلى نيسابور ، فليس بعيدا وهو الحق ـــ على افتراض عدم وهم الحاكم ــــ أنه ذهب إلى قم في هذه السنة، وفي سنة اربعين اختلف إليه الحاكم وأخذ عنه.

ــــ إن قول الحاكم عن حمزة : ( ثم استأذن في الرجوع إلى وطنه بنيسابور ، فأذن له فيه ، فانصرف إلينا سنة أربعين فحينئذ أدمنا الاختلاف إليه إلى وقت وفاته بنيسابور، وتوفي للنصف من رجب من سنة ست وأربعين وثلاثمائة )
الأنساب للسمعاني، ج3 ص 190

هذا القول من الحاكم من ديمومة اختلافه لشيخه يتعارض مع ما عُرف من هجرة الحاكم إلى العراق سنة 341ه، طلبا للحديث، وتردده على أكثر من مدينة كبغداد والكوفة ثم ذهابه للحجاز، ولعل سبب هذا الوهم هو غفلته التي اشتهرت عنه.
جاء في ذيل تاريخ بغداد لابن النجار ، ج1 ص 161(… عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري قال : حدثني أبو طاهر عبد الواحد بن علي بن محمد بن ثابت النجار ببغداد في شوال سنة احدى وأربعين وثلاثمائة)
وقال عن نفسه : (قد كنت دخلت الكوفة أول ما دخلتها سنة إحدى وأربعين)
معرفة علوم الحديث ، ص 191

ـــ إن قول أصحاب الشبهة : ( وبقي فيها ــــ أي نيسابور ــــ إلى أن مات، ذكر ذلك تلميذه الحاكم النيسابوري … فلم يخرج في سياحة أو في رحلة…) منقوض ، فالحاكم لم يتتبع أحوال الرجل صغيرها وكبيرها، والحاكم نفسه تركه وهاجر إلى بغداد لطلب الحديث.

ـــ يظهر من نقولات السمعاني عن كتاب الحاكم أن الحاكم ألف كتابه في أخريات حياته، والحاكم (321هـ ـــ 405هـ) أصابه وهم وغفلة وتغير في آخر عمره، فإذا ثبت ذلك فلا يمكن الأخذ بقوله مع وجود معارض له، لكني لا أتهمه بالكذب كما فعل هؤلاء مع الشيخ الصدوق، ولكن نحيل الأمر للغفلة والاختلاط الذي أصابه .

ـــ ما يدل على تأليف الحاكم لكتابه في آخر عمره وبعد المستدرك، ترجمته لأناس توفوا قبل مماته بمدة يسيرة جدا.

فهو يترجم لأعلام كانوا بعد سنة 390هـ ، قال السمعاني : (وذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في التاريخ وقال : أبو الحسن بن أبي بكر بن إسماعيل البخاري – يعني الإسماعيلي – كان أبوه شيخ عصره بما وراء النهر وصارت الرياسة والحكم بها بعد التسعين وثلاثمائة)
الأنساب، ج 1 – ص 155

قال السمعاني في موضع آخر : (سمع منه الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله وذكره في التاريخ فقال : أبو حاتم الفقيه المزكي الحاتمي …وتوفي في رجب سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة)
المصدر نفسه، ج 2 – ص 147 – 148

وقال في مورد آخر : ( وذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في التاريخ فقال : أبو الحسين بن أبي نصر الخفاف … وتوفي وهو ابن ثلاث وتسعين سنة يوم الخميس الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وثلاثمائة وصليت عليه أنا …)
المصدر نفسه، ج 2 – ص 387
لاحظ أن وفاة هذا المترجم له كانت قبل وفاة الحاكم بعشر سنين !

وقال السمعاني : ( وأبو الفتح علي بن محمد البستي الأديب الكاتب النحرير ، وهو أوحد عصره في الفضل والعلم والشعر والكتابة ، ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخه وقال : ذكر لي سماعه بتلك الديار من أصحاب علي بن عبد العزيز وأقرانه وأكثر عن أبي حاتم وأهل عصره ، ورد نيسابور غير مرة وأفاد حتى أقر له جماعة بالفضل ، وتوفي ببخارا في سنة إحدى وأربعمائة !!)
المصدر نفسه، ج 1 – ص 349

وقال : ( ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور فقال : القاضي أبو عبد الله بن أبي محمد … وتوفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعمائة ، وقيل توفي في شهر ربيع الأول من السنة)
المصدر نفسه، ج 2 – ص 250 – 251

هذا النص يدل على أن الحاكم ألف كتابه تاريخ نيسابور أو كان مشغولا بتصنيفه قبل وفاته بسنتين !

وقد ذهب المعلمي السلفي إلى أن الحاكم اشتغل بتأليف المستدرك منذ سنة 393هـ واستمر الى سنة 402هـ كما في التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ، ج 2 – ص 689 – 690

هذا يعني أن تاريخ نيسابور صنفه الحاكم بعد المستدرك، أو استمر بتأليفه بعد انهاء مستدركه، ولا شك أن الحالة التي رافقت الحاكم من الوهم والغفلة، قد ألقت بظلالها على كتابه تاريخ نيسابور، فأخطأ في بعض موارده نتيجة النسيان والغفلة.
ــــ بعد أن ثبت تأليف الحاكم لكتابه في آخر عمره، نأتي إلى الدلائل على وهمه واختلاطه وتغيره.

قال ابن حجر : ( قيل في الاعتذار عنه انه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره ، وذكر بعضهم انه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره !! ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم ومنع من الاحتجاج بهم ثم اخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها)
لسان الميزان ، ج 5 – ص 233

إننا نجد أن السمعاني نفسه الذي أكثر النقل عن تاريخ الحاكم قد اعترف بوهم الحاكم أيضا ، فقال معلقا على ترجمة الحاكم لأحدهم : ( ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور فقال : … ثم بلغني أنه توفي بها سنة خمس وأربعين وثلاثمائة . قلت هذا وهم من الحاكم ! فإنه مات ببخارى في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة )
الأنساب ، ج 2 – ص 464 – 465

يبدو من النص التالي أن وهم الحاكم كان مشهورا، فكيف يمكن الاعتماد على تواريخه من دون شاهد يقويه؟ قال السمعاني في موضع آخر : (وليس هذا من وهم الحاكم بمستنكر !!)
الأنساب، ج 3 – ص 49

قال ابن الأثير : ( قال أبو موسى وقد وهم الحاكم أبو عبد الله في روايته وفى كلامه عليه)
أسد الغابة ، ج 1 – ص 69

قال الذهبي مثبتا وهم الحاكم في ذكر التواريخ : (قال أبو عبد الله الحاكم في كتاب ” مزكي الاخبار ” : أبو الحسن صار واحد عصره في الحفظ والفهم والورع . وإماما في القراء والنحويين ، أول ما دخلت بغداد ، كان يحضر المجالس وسنه دون الثلاثين ، وكان أحد الحفاظ . قلت ـــــ أي الذهبي ـــــ : وهم الحاكم ، فإن الحاكم إنما دخل بغداد سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة ، وسن أبي الحسن خمس وثلاثون سنة ! )
سير أعلام النبلاء ، ج 16 – ص 450

وقال الذهبي : (وهم الحاكم ، فإن الحاكم إنما دخل بغداد سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة … )
سير أعلام النبلاء ، ج 16 – ص 450

وقال الذهبي نقلا عن الحاكم : ( إذا ذاكرت في باب لا بد من المطالعة لكبر سني)
تذكرة الحفاظ ، ج 3 – ص 1041

( قال ابن حجر العسقلاني : (حديث ) أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن عسب الفحل وروى أنه نهى عن ثمن عسب الفحل وهي رواية الشافعي في المختصر : البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عمر باللفظ الأول وهم الحاكم فاستدركه ) !
تلخيص الحبير ، ج 8 – ص 191
وقال : ( وقد وهم الحاكم في جمعه بين العبدي والخراساني )
تهذيب التهذيب ،ج 3 – ص 90

ما يدل على وهم الحاكم وعدم دقته في تواريخه قول الذهبي في ترجمة أحدهم : (وتوفي سنة خمس وخمسين وثلاثمائة . وهم الحاكم في قوله : توفي سنة أربع وأربعين )
تاريخ الإسلام ، ج 26 – ص 132

مع هذه الشواهد حول أوهام الحاكم في ذكر التواريخ وغيرها ، ينبغي الشك فيما يقوله،وعدم اعتماد قوله مع وجود معارض له !

قال النووي : (قال بعض المحدثين : وقد وهم الحاكم فزعم أن حديث لا حمى إلا لله متفق عليه . وهو من أفراد البخاري )
المجموع، ج 15 – ص 235

ـــ ذهب الشيخ الكوثري إلى أن الحاكم : (اختلط في آخره اختلاطا شنيعا )
ذكر قوله المعلمي في التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل ، ج 2 – ص 689

قال محمد الأمين السلفي عن الحاكم معترفا بغفلته الشديدة : (لكن التخليط الأوضح من ذلك هو الأحاديث الكثيرة التي نفى وجودها في “الصحيحين” أو في أحدهما، وهي منهما ‏أو في أحدهما. وقد بلغت في “المستدرك” قدراً كبيراً. وهذه غفلةٌ شديدة. بل تجده في الحديث الواحد يذكر تخريج ‏صاحب الصحيح له، ثم ينفي ذلك في موضعٍ آخر من نفس الكتاب !! )
النص من موقعه في النت.

ــــ إن الأمثلة على وهم الحاكم وغفلته كثيرة، من ذلك ما ذكرته في كتابي ( قراءة في الأدلة السلفية)عنه وهو يجهد في تصحيح حديث : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين…) قال في المستدرك ج 1 – ص 95 – 98
بعد أن روى الحديث المذكور : ( هذا حديث صحيح ليس له علة وقد احتج البخاري بعبد الرحمن بن عمرو وثور بن يزيد …)

إن خلطُ الحاكم وغفلته هي في ظنه أن عبد الرحمن بن عمرو السلمي ـــ أحد رجال السند ــ من رجال البخاري واشتبه بينه وبين آخر، فلهذا وثقه، وفي” رجال الصحيحين” لابن القيسراني لا يوجد له ذكر أبدا، قال ابن رجب الحنبلي رادا على الحاكم :” ليس الأمر كما ظنه، وليس الحديث على شرطهما فإنهما لم يخرجا لعبد الرحمن بن عمرو السلمي …” جامع العلوم والحكم: 257

من أراد الوقوف على بعض أوهام الحاكم وغفلته في كتبه التي ألفها قبل المستدرك، فليرجع مثلا إلى كتاب الأوهام التي في مدخل أبي عبدالله، للحافظ عبد الغني سعيد الأزدي (ت 409ه) وهو من معاصريه، وقد أحصى عبد الغني 54 موردا تطرق فيها الوهم والغفلة إلى الحاكم، قال الحافظ عبد الغني في مقدمة كتابه: (أما بعد،، فإني نظرت في كتاب المدخل الذي صنفه الحاكم أبو عبدالله محمد بن عبدالله النيسابوري…فإذا فيه أغلاط وتصحيفات أعظمت أن تكون غابت عنه وأكثرت جوازها عليه وجوزت أن يكون ذلك جرى من ناقل الكتاب له أو حامله عنه)

مع العلم أن كتاب المدخل كتبه الحاكم قبل المستدرك، أي قبل سنة 393ه، فكيف يكون حال تاريخ نيسابور وقد كان يؤلفه قبل مماته بسنتين بعد ان استول عليه النسيان ؟!!

ـــ إن الحاكم نفسه يعترف أنه يحتاج إلى مطالعة ما يقوله بسبب كبر سنه. قال الذهبي نقلا عن الحاكم : ( إذا ذاكرت في باب لا بد من المطالعة لكبر سني) فكيف مع اقراره على نفسه نثق بكل ما يقوله في تاريخه كأنه وحي منزل ؟!

بعد هذا السرد المدعم بالأدلة، ونص الذهبي وغيره على غلط الحاكم ووهمه في ذكر أكثر من تاريخ، نخلص إلى نتيجة يقبلها كل منصف، وهي أنه لا يمكن قبول ما ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور ، خاصة مع وجود معارض لكلامه من قبل الشيخ الصدوق، وبعد البحث لم نجد شاهدا لكلام الحاكم من خارج كتابه ، هذا مع ملاحظة أن الحاكم كان مشغولا بتأليف كتابه قبل وفاته بسنتين، وهو يعيش الخلط والنسيان والغفلة، وقد ذكرتُ كلام بعض أعلام الجمهور حول ذلك واعتذروا له كما بينا.

ومع ما كان عليه الحاكم وكثرة غفلاته، يبقى كلام الشيخ الصدوق الذي (يضرب بحفظه المثل ) على حد تعبير الذهبي في سير أعلام النبلاء هو الأدق والصحيح، ولا يصلح أن يكون كلام الحاكم معارضا له بسبب الغفلة التي حاصرته في آخر حياته .

إن السلفيين وتبعهم العسر بنوا كلامهم على جرف هار فانهار بهم، وبان فشلهم وحقدهم وغيظهم.

ملاحظة : قد يقول معاند : أنت بكلامك حول الحاكم تهدم كتابه المستدرك الذي طالما احتج به الإمامية على محاوريهم، وجوابه إن الاحتجاج بالمستدرك وتصحيحات الحاكم إنما هي من باب الإلزام، مع وجود شواهد لأكثر ما ذكره، خاصة مع موافقة بعض أعلام الجمهور لأحكامه، كالذهبي في تلخيص المستدرك وكابن الصلاح الذي عد تصحيحات الحاكم ـــ في مقدمته ـــ من قبل الحديث الحسن يحتج به ويعمل به، إلا أن ظهر فيه علة توجب ضعفه .

والحمد لله رب العالمين .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here