الدكتور صالح احمد الورداني
————-
من اخطر الكتب التي قرأناها في بداية نشأتنا الإسلامية في بداية السبعينيات من القرن الماضي كتاب العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي (ص)لأبي بكر بن العربي المالكي (ت 543ه)
ويعد هذا الكتاب من أخطر الكتب التي تم استغلالها من قبل الوهابيين في سرقة عقول الشباب الناشئ..
وهو أشبه بمنشور حكومي الهدف منه تبرير جميع صور الفساد والانحراف التي وقعت على يد الصحابة والحكام وتأويلها بما يخدم الخط السائد ويدعمه..
ويهدف أيضاً الى إلغاء العقل وتكبيله بأغلال من صنع الشيطان..
وقد قام بنشر وتحقيق هذا الكتاب مجموعة من جهابذة الوهابية..
وعلى رأسهم الناشر محب الدين الخطيب وهو وهابي سوري لجأ الى مصر فارا من الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى وأسس بالقاهرة أول دار نشر وهابية وهى المطبعة السلفية ومكتبتها في العشرينيات من القرن الماضي (ت 1968م)
وتتكون فصول الكتاب من عاصمة وقاصمة حسب تعبير كاتبه..
وعاصمة يقصد بها عدم التقول في الصحابة والخوض فيما جرى من حوادث تتعلق بهم كما يعتقد اهل السنة..
والقاصمة هى الخروج على ذلك المعتقد..
وبعد أن تحدث عن قاصمة وفاة النبي (ص)وماجرى من خلاف وصدام بين الصحابة..
قال : واضطربت الحال ، ثم تدارك الله الإسلام ببيعة أبي بكر..
وقال تحت عنوان عاصمة: فتدارك الله الإسلام والأنام ـ وانجابت الغمة انجياب الغمام ، ونفذ وعد الله باستئثار رسول الله وإقامة دينه على التمام بأبي بكر..
وقال : ثم استخلف عمر ، فظهرت بركة الإسلام ، ونفذ الوعد الصادق في الخليفتين ثم جعلها عمر شورى فقدم عثمان ، فكان عند الظن به : ما خالف له عهدا ، ولا نكث عقدا ، ولا اقتحم مكروها ولا خالف سنة..
ولما صحت إمامته قتل مظلوما ، وليقضي الله أمرا كان مفعولا..
وقال تحت عنوان قاصمة :قالوا متعدين ، متعلقين برواية كذابين : جاء عثمان في ولايته بمظالم ومناكير ، منها :ضربه لعمار حتى فتق أمعاءه ولابن مسعود حتى كسر أضلاعه ومنعه عطاءه وابتدع في جمع القرآن وتأليفه ، وفي حرق المصاحف ..
وحمى الحمى وأجلى أبا ذر إلى الربذة وأخرج من الشام أبا الدرداء ورد الحكم بعد أن نفاه رسول الله (ص) وأبطل سنة القصر في الصلوات في السفر وولى معاوية ومروان و الوليد بن عقبة وهو فاسق ليس من أهل الولاية ..
وأعطى مروان خمس أفريقية وعلا على درجة رسول الله..
ولم يحضر بدرا ، وانهزم يوم أحد ، وغاب عن بيعة الرضوان..
قال تحت عنوان عاصمة :هذا كله باطل سندا ومتنا..
وقد اعتذر عن ذلك العلماءُ بوجوه لا ينبغي أن يُشتَغل بها لأنها مبنية على باطل ، ولا يُبنى حق على باطل ، ولا نُذهب الزمان في مماشاة الجهال ، فإن ذلك لا آخر له..
وقال تحت عنوان عاصمة عن حرب الجمل : أما خروجهم إلى البصرة فصحيح لا إشكال فيه ولكن لأي شيء خرجوا؟ لم يصح فيه نقل ، ولا يوثق فيه بأحد لأن الثقة لم ينقله ، وكلام المتعصب لا يسمع ..
وقد دخل على المتعصب من يريد الطعن في الإسلام واستنقاض الصحابة فيحتمل أنهم خرجوا خلعًا لعلي لأمر ظهر لهم وهو أنهم بايعوا لتسكين الثائرة ، وقاموا يطلبون الحق..
ويحتمل أنهم خرجوا ليتمكنوا من قتلة عثمان ويمكن أنهم خرجوا في جمع طوائف المسلمين ، وضم نشرهم ، وردهم إلى قانون واحد حتى لا يضطربوا فيقتتلوا..
وهذا هو الصحيح ، لا شيء سواه ، وبذلك وردت صحاح الأخبار..
وقال تحت عنوان قاصمة :ودارت الحرب بين أهل الشام وأهل العراق..
وقال تحت عنوان عاصمة :أما وجود الحرب بينهم فمعلوم قطعًا فهذه كلها أمور جرت على رسم النزاع ، ولم تخرج عن طريق من طرق الفقه ، ولا عدت سبيل الاجتهاد الذي يؤجر فيه المصيب عشرة والمخطئ أجرًا واحدًا..
وما وقع من روايات في كتب التاريخ – عدا ما ذكرنا – فلا تلتفتوا إلى حرف منها ، فإنها كلها باطلة..
وقال فيما روى حول التحكيم : هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط . وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة ، ووضعته التأريخية للملوك ، فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع..
وعن معاوية واستخلافه ولده قال : إن معاوية ترك الأفضل في أن يجعلها شورى وتخلف عنها من تخلف فانعقدت البيعة شرعًا ، لأنها تنعقد بواحد وقيل باثنين ليس السن من شروطها ولم يثبت أنه يقصر يزيد عنها ..
فإن قيل : لم يكن يزيد عدلًا ولا عالمًا . قلنا : وبأي شيء نعلم عدم علمه ، أو عدم عدالته ؟
و إمامة المفضول مسألة خلاف بين العلماء ، كما ذكر العلماء في موضعه ..
وقد حسم البخاري الباب ، ونهج جادة الصواب ، فروى في صحيحه ما يبطل جميع هذا المتقدم ، وهو أن معاوية خطب وابن عمر حاضر في خطبته قال : من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه ، فلنحن أحق به منه ومن أبيه . قال حبيب بن مسلمة – اي لابن عمر- فهلا أجبته ؟
قال عبد الله : فحللت حبوتي ، وهممت أن أقول : أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام ، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم ويحمل عني غير ذلك ، فذكرت ما أعد الله في الجنان . فقال حبيب : حُفظت وعُصمت..
وروى البخاري أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده وقال : إني سمعت رسول الله يقول : يُنصب لكل غادر لواء يوم القيامة ، وإنا قد بايعنا هذا الرجل -يزيد- على بيع الله ورسوله ، وإني لا أعلم غدرًا أعظم من أن نبايع رجلًا على بيع الله ورسوله ثم ننصب له القتال ، وإني لا أعلم أحدًا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه. .
فانظروا معشر المسلمين إلى ما روى البخاري في الصحيح..
فإن قيل . كان يزيد خمارًا ، قلنا : لا يحل إلا بشاهدين ، فمن شهد بذلك عليه بل شهد العدل بعدالته..
فإن قيل : ولو لم يكن ليزيد إلا قتله للحسين بن علي . قلنا : يا أسفا على المصائب مرة ، ويا أسفا على مصيبة الحسين ألف مرة . وإن بوله يجري على صدر النبي ، ودمه يراق على البوغاء ولا يحقن يا لله ويا للمسلمين..
فإن قيل : أحدث معاوية في الإسلام الحكم بالباطل ، والقضاء بما لا يحل من استلحاق زياد قلنا : قد بينا في غير موضع أن استلحاق زياد إنما كان لأشياء صحيحة ، وعمل مستقيم..
ثم قال موجها للشيعة : وأكثر الملاحدة على التعلق بأهل البيت..
وفي ختام كتابه قال تحت عنوان عاصمة : إنما ذكرت لكم هذا لتحترزوا من الخلق ، وخاصة من المفسرين ، والمؤرخين ، وأهل الآداب ، بأنهم أهل جهالة بحرمات الدين ، أو على بدعة مصرين ، فلا تبالوا بما رووا ، ولا تقبلوا رواية إلا عن أئمة الحديث ، ولا تسمعوا لمؤرخ كلاماً إلا للطبري ، وغير ذلك هو الموت الأحمر ، والداء الأكبر . فإنهم ينشئون أحاديث فيها استحقار الصحابة والسلف ، والاستخفاف بهم ، واختراع الاسترسال في الأقوال والأفعال عنهم ، وخروج مقاصدهم عن الدين إلى الدنيا ، وعن الحق إلى الهوى . فإذا قاطعتم أهل الباطل واقتصرتم على رواية العدول ، سلمتم من هذه الحبائل . ولم تطووا كشحا على هذه الغوائل ومن أشد شيء على الناس جاهل عاقل ، أو مبتدع محتال..
وأخطر ما في هذا الكتاب ليس هو متنه الضعيف وتبريراته الواهية التي تصطدم بالنص والعقل وإنما تعليقات المحققين وهو ما لا يتسع المجال لذكرها هنا..
ومثل هذه الكتب يجب أن تحرق وتلقى في المزابل..
Read our Privacy Policy by clicking here