العقد النفسية للمسؤولين.. وزير الخارجية نموذجاً

بقلم: مؤيد النجار

لا يخلو مجتمع من المجتمعات البشرية من أفراد مصابين بعقد
نفسية، والعقدة النفسية ليست مرضاً مشيناً، بل حالة نفسية قد تكون نتيجة تجارب سابقة، إذ أن العقد النفسية هي خبرات ومشاعر تحمل انفعالات نفسية تم اختزانها في عقلنا الباطن في مراحل عمرنا السابقة، ربما من ايام الطفولة نتيجة تعرض الفرد للضغوط والحرمان والمواقف الصعبة.

هناك انواع كثيرة من العقد النفسية تختلف حسب الحالة والبيئة
التي مر بها الفرد في طفولته؛ منها عقدة اوديب، والكترا وأطلس وعقدة النقص وعقدة الظهور…..الخ.

وكما اسلفنا فإن العقدة النفسية ليست مرضاً مشيناً ويمكن
علاجها والتخلص منها بسهولة وخاصة عند الاشخاص الذين يمرون بفترات إيجابية في حياتهم كالنجاح في الدراسة والعمل وبناء عائلة متماسكة او دخول بيئات اجتماعية ايجابية. وهناك مرضى لا يتمكنون من الخلاص من هذه العقد، او تأتيهم النوبات النفسية بين الحين والآخر، وخاصة
عندما يتذكرون الضغوطات التي مروا بها في طفولتهم او نتيجة حالات مشابهة يواجهونها في سنهم المتقدم.

بالنسبة لعنوان موضوعنا والذي يعتبر من المصائب المضافة
الى المحن الكبرى التي يمر بها العراق كبلد وكشعب، هو عندما يصل اناس مصابون بأمراض وعقد نفسية الى مناصب ودرجات وظيفية عليا كالوزير والسفير من خلال المحاصصة المعروفة في الوضع السياسي العراقي الحالي والمنسوبية والمحسوبية والولائية، دون التدرج في الدرجات الوظيفية
واكتساب التجارب والخبرات العلمية والعملية، لذا ترى هؤلاء الاشخاص لا ينظرون الى هذه المناصب والدرجات الوظيفية العالية من ناحية قيمتها واهميتها ومسؤولياتها ومكانتها، بل بالعكس يحاولون ان يسدوا الفراغ المعرفي والمرض النفسي والعقد التي يعانون منها، من خلال استغلال
المنصب والسلطة التي “ربحوها” في يانصيبات الحالة السياسية العراقية.

ولأن العقد النفسية تجعلهم لا يعترفون بحالات الجهل التي
يعانون منها كما ولا تسمح لهم ان يتعلموا من الاخرين، كونهم يعتبرون انفسهم أكفاء وجديرن بالمنصب، بل ان المنصب بحاجة اليهم، لذا تجدهم يفشلون فشلا ذريعا او يتسببون في خلق مشاكل كبيرة وإحداث الخراب والفوضى العارمة في المؤسسات او الدوائر التي يقودونها، لأنه وكما
هو جدير بالذكر ان اكتساب الخبرات والتجارب في الحياة والعمل، تمنح الانسان الثقة بنفسه، والثقة بالنفس تلعب دورا مهما في التخلص من العقد النفسية.

يقال ان وزير الخارجية محمد علي الحكيم مر بفترة طفولة
ومرحلة شبابية صعبة في بعض الاحيان، حيث سمع منه يقول “لا اريد ان اتذكر واتكلم عن هذه الفترات ابداً”، رافضاً بشكل قاطع التحدث معه او تذكيره بمرحلة الطفولة والشباب.

ان تفاصيل هذه الفترة يعرفها الوزير نفسه والذين عاشوا
قريبين منه، ولكن عندما يلاحظ اسلوبه وتعامله وتفكيره وهو في سن السبعين من عمره، وبالرغم من قضاء ثلاثة ارباع عمره في اوربا وامريكا وفي ظل مجتمعات متقدمة وبيئات اجتماعية إيجابية كالدراسة في الجامعات والاختلاط بالناس، إلا انه يمكن الاستنتاج انه مر بمراحل صعبة
حقاً في طفولته وشبابه، لأن أول ملاحظة يمكن ان ينتبه اليها المرء هي عدم تأثره بالثقافات المتقدمة او الإستفادة منها، إذ انه يشعر بالدونية تجاه الاعلى منه والغرور والفوقية تجاه الأدنى منه، هو في تملق دائم لأصحاب الفضل عليه ويذكرهم حتى في الأحاديث التي لا علاقة
بالشخص، فهو يذكر بشكل مستمر عادل عبدالمهدي حتى لو تكلم عن ذهابه الى الحمام، لان وكما هو معروف عادل عبدالمهدي هو من اتى به بعد سقوط النظام ومنحه المناصب ( فهل هو كان جديراً بالمنصب او كيف تم اختياره سناتي اليه لاحقاً). كما انه ومن اجل الحفاظ على منصبه مستعد
للتودد و التملق وتقديم اية خدمة للذين يعرف ان مصيره ومنصبه بأيديهم، ويعوض هذه الحالة الدونية بالتصرف بشكل مغاير تماماً تجاه موظفيه او الأشخاص الذين يعرف انهم لا يشكلون “خطراً” عليه.

يعتبر نفسه ذكيا متمكنا لانه يتكلم الإنكليزية، ويستخدم
الكلمات الانكليزية حتى عندما يتكلم العربية لتغطية إمكانياته الثقافية والمعرفية الضعيفة وكأَّن التحدث بلغة اجنبية حتى بدون مستوى مقبول من الثقافة هو بمثابة شهادة تثبت الجدارة والقدرات العالية للشخص. فهو يستخدم الكلمات الانكليزية حتى في الاحاديث العادية. يمكن
انه في مجال اختصاصه، الذي هو الاتصالات وليس السياسة الخارجية والدبلوماسية، يفقه شيئا، بالرغم من انه لم يقدم شيئا يذكر عندما كان وزيرا للاتصالات، وثبت قطعا انه لا يفقه شيئا من الدبلوماسية عندما اصبح سفيرا وخدم في مركزين مهمين جدا بالنسبة للعلاقات الدولية وهما
جنيف ونيويورك ولم ينجز شيئا يذكر، الا الفضائح (السكائر في جنيف) و (إيجارات شقته الغالية في نيويورك) و(التحايل على زميله حسن الجنابي من اجل نيل وظيفة في الأمم المتحدة وحرمان الأخير منه، و خلقه للمشاكل بين الموظفين بشكل دائم).

والمصيبة الكبرى هي فشله الذريع وزيرا للخارجية خلال هذه
السنة والنصف من تسنمه للمنصب، حيث لا رؤى ولا نظرة ولا توجه في كيفية إدارة السياسة الخارجية ( جل تحركاته هو ردود الأفعال، تجاه الأزمات التي يواجهها، لا مبادرات ولا افعال تسبق الاحداث او حتى تتبعها، وطبعا لا خطط لمجابهتها وكمثال عندما قامت الولايات المتحدة بجريمة
المطار لم يقم باستدعاء السفير الامريكي، الا بعد توجيه النقد اليه والتهديد باقالته من قبل بعض الكتل البرلمانية مثل الصادقون).

أما الطامة الكبرى فهي جهله الكامل في كيفية إدارة وزارته،
فالفوضى التي تجري في وزارته دليل قاطع على عدم كفاءته.

فحسب المعلومات الواردة من داخل الوزارة فإن بعض الوكلاء
تركوا عملهم وصرحوا بانهم لن يعودوا للعمل في ظل وجوده في الوزارة وينتظرون الحكومة الجديدة والوزير الجديد.

السفراء باتوا يتكلمون بصوت عال ضده، الموظفون من الدرجات
العليا الى آخر موظف صغير، ناقمون على تصرفاته غير المهنية والادارية وحتى الانسانية، فهو يتعامل بنفسية الحقد والتعصب والانتقام من الموظفين الذين لا يروقون له وكان يكرههم عندما عملوا معه في البعثات أعلاه (جنيف ونيويورك)، وهو جزء من مرضه النفسي والعقدة التي لم
يتمكن من تجاوزها والخلاص منها حتى بعد ان اصبح وزيرا، فبدلا من ان يترفع ويتصرف بمستوى يليق بمنصبه ومهامه وينسى الماضي، فهو يحاول الانتقام من الموظفين وحتى الكبار منهم مثل الوكلاء او السفراء الذين كانوا يوما ما زملاء له.

ربما الشيء الذي يجيده الوزير بإتقان هو كيفية تسويق نفسه
في “سوق” المصالح السياسية، وكيف اللعب على “حبال المصالح” مثل المهرج، وذلك لارضاء المسؤولين وكسب اعجابهم به وكيل المديح له دون ان يعرفونه من قريب ويعملون معه ويرون تصرفاته وأدائه وكيفية إدارته للدوائر التي يشرف عليها.

فهو من خلال خبرته في التملق للمسؤولين وتقديم الخدمات
لهم يعرف كيف ينال رضاهم، فهو تاجر محترف في بيع المثاليات برأس الموظفين الفقراء وتطبيق القوانين و التعليمات عليهم، لإظهار “مهنيته” المزعومة، وإعطاء الانطباع للمسؤولين بانه شخص نزيه، أما تجاه أصحاب الواسطات واقرباء المسؤولين الكبار، فلا قيمة للمثالية و النزاهة
والقوانين والتعليمات لديه، بل يبرز عنده غريزة البيع وشراء المصالح.

مؤيد النجار

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here