مع التكفير،

الدكتور صالح احمد الورداني
———
بعد الضرية الثانية التي وجهت للإخوان في مصر عام 1965م حدث نوع من الحراك الفكري في دائرة الجماعة داخل السجون..
وبدأ طرح سيد قطب في البروز على حساب طرح البنا الذي لم يعد ملائماً للمرحلة الجديدة التي تمر بها الجماعة..
وبدأت أصوات الشباب تعلو مطالبة الاخوان بضرورة اتخاذ موقف أكثر تشدداً من عبد الناصر..
وهنا بدأت فكرة التكفير في البروز..
وحمل الإخوان سيد قطب مسئولية بروز هذه الفكر..
وتزعم هذا التيار في البداية بعض كبار الاخوان لكنهم تراجعوا عنه بضغط من الآخرين ليتولى زعامته شكري احمد مصطفى..
وكان شكري طالبا في السنة الأولى بكلية الزراعة جامعة أسيوط وقبض عليه ضمن مجموعة الطلاب الذين تظاهروا احتجاجاً على القبض على الاخوان..
ودخل الاخوان في صدام مع هذا التيار الجديد..
وعكفوا على الكتب لاستخراج الردود..
تلك الردود التي تم جمعها فيما بعد ونشرها في كناب أسموه : دعاة لا قضاة..
ونسبوه لمأمون الهضيبي ابن المرشد اسماعيل الهضيبي والذي أصبح مرشداً فيما بعد..
ولم يكن مأمون هو مؤلفه..
وعكف شكرى أيضا على تقوية مذهبه ودعمه بالأدلة والبراهين..
وأخذ يتنقل بين السجون لنشر أفكاره..
وبالطبع هذا التنقل كان يتم بمعرفة المخابرات وبتسهيل منها..
وأمام حملة الاخوان تم حصر تيار التكفير في مجموعة صغيرة لا تشكل وزناً..
وبهذا تحول الاخوان داخل السجن الى ثلاث جماعات:
الأولى جماعة الهضيبي التي التزمت بخط البنا التقليدي..
وجماعة سيد قطب..
ثم جماعة التكفير التي سمت نفسها جماعة المسلمين..
وبعد وصول السادات للحكم والافراج عن الاخوان خرجت هذه الجماعات الثلاث الى الساحة الاسلامية التي كانت مهيأة تماما لاستقبال الاخوان..
وبدأ الصدام بينهم من أجل الهيمنة على الحركات الطلابية في الجامعات والمؤسسات الاسلامية..
في البداية كان التفوق للاخوان بدعم من السادات..
أما التيار القطبي فتوارى الى الظل والتزم السرية ولم يحقق انتشارا كبيرا..
إلا أن تيار التكفير أحدث مفاجأة كبيرة في انتشاره على حساب الاخوان بين الشباب والطلاب..
وسبب هذا التفوق لتيار التكفير كان يكمن في طرحه الذي كان يستخدم لغة الدليل من القرآن والروايات ولم يكن يتطرق الى صور الاستدلالات الاخرى..
وهذه هى اللغة التى تلائم الشخصية المصرية والأكثر جاذبية لها..
كان طرح شكرى يتكون من ثلاث اركان:
الاول التوسمات وهو يمثل قراءة شكرى لعلامات آخر الزمان وتيقنه أن الزمان في آخره وأن الملحمة الكبرى التي تنبأ بها الرسول(ص) قريبة..
وأن جماعته هى التي سوف تقود المسلمين في هذه الملحمة..
والتاني هو التوقف والتبين اى التوقف في الحكم على الناس بالاسلام حتى يتبين موقفهم من دعوته، فإن آمنوا بها كانوا من المسلمين ،وان رفضوها كانوا من الكافرين..
والثالث الهجرة..
وكان شكرى يرفع شعاراً في مواجهة الصحابة والفقهاء يقول: هم رجال ونحن رجال..
وشعاراً آخر يقول : من قلد كفر..
وأيضاً: المصر على المعصية كافر..
والغريب أن الاخوان والازهر كلاهما فشل في مقاومة تيار التكفير الذي بدأ يفرض نفسه على الساحة خاصة بعد أن تمكن زعيمه شكرى من توجيه العديد من عناصره نحو العراق واليمن والسعودية واوربا وغيرها من البلدان..
والتزام كل مهاجر من الجماعة بإرسال ثلاثة أرباع دخله للجماعة..
وهكذا انتعشت الجناعة اقتصادياً وبدأت تتفرغ لخصومها..
وكنا مع آخرين بتلك الفترة في حالة تصادم مع التكفير وبذلنا جهوداً كبيرة في مقاومته أثمرت عن العديد من النتائج الإيجابية..
وكتبت منشوراً يحوي مقارنة بين فكر شكرى وفكر فرقة الازارقة من الخوارج..
وأن فكره هو امتداد لفكر هذه الفرقة كان له أثرة في تلك الفترة..
وكتبت منشوراً آخر بعنوان : الحق .. وهل ينحصر في جماعة واحدة..؟
وهو ما يدعيه شكرى وجماعته..
من هنا وضعنا وغيرنا في القائمة السوداء من قبل الجماعة وحكم علينا بالإعدام..
ورغم ذلك تمكنا من إعادة العديد من الشباب..
وحدث أن انتمى للتكفير رجل مع زوجته وبعد محاورات ومداولات تمكنا من إعادة الزوج بينما أصرت الورجة على موقفها ورفضت العودة مع زوجها..
وهنا أصدر شكرى قراره باعتبار الزوج مرتداً وفرق بينهما وزوجها لواحد من جماعته..
كان شكرى يتصرف كأمير للمؤمنين ..
وقد تزوج باربعة نساء..
وكان أتباعه يفترضون فيه العصمة ولا يجرؤ أحد على مخالفته..
وهو ما شكل حالة من الانضباط والاستقرار داخل جماعته التي كان يعيش أفرادها في حالة تقشق وبساطة متناهية..
وكان المحرك لجماعته شخصية متطرفة هو ابن اخته ماهر ..
وهو الذي كان يقود حملات تصفية خصوم الجماعة..
وكنت قد اختفيت بعد أن قامت الجماعة بمحاولة قتل لبعض خصومهم والمرتدين عنهم..
وماهر هذا لى معه قصة..
فقد جاءنى في البيت بغرض عرض دعوته علي ..
ودار بيننا حوار حاد..
كان ماهر يتكلم بلغة القوي المتمكن..
وكنت أواجهه بلغة العقل..
وتطرقنا لمسألة التقليد فقلت له : إذا كنتم تكفرون المقلد فأنتم كفار أيضاً لأنكم تقلدون شكرى..؟
قال : نحن لا نقلد أحد ، وكلامنا هو الحق المبين..
قلت له: وهل جاءت نصوص تقول : إن المصر على المعصية كافر أو أن المقلد كافر أو أن مرتكب الكبيرة كافر ،هذه وغيرها من أقوال شكرى وأنتم قلدتموه فيها، فأنتم وقعتم في التقليد..
وخير لى أن أقلد مالك اوابوحنيفة او الشافعى من أن أقلد صاحبكم، فهؤلاء أعطونى حق الاختيار وحق الرفض لمذاهبهم، أما صاحبكم فيكفر مخالفه..
وهنا نهض ماهر واقفاً في غضب واصدر حكمه بكفرى وانصرف..
وماهر هذا مع ضابط شرطه من الحراسات الخاصة يدعى ممدوح عبد العليم وآخرين من أفراد الجماعة هم الذين نفذوا عملية اختطاف الدكتور الذهبي وزير الأوقاف وقتله..
وكانت تلك هى القشة التي قصمت ظهر البعير حيث تم القبض على افراد الجماعة
وقدموا للمحاكمة العسكرية التي أصدرت حكمها بالاعدام على شكرى وماهر مع ثلاثة آخرين من بينهم ضابط الشرطة عام 1976م..
وبعد إعدام شكرى انشقت الجماعة بسبب الخلاف على الزعامة وبدأت في الأفول..
ويرزت جماعة أخرى أشد تطرفاً في التكفير أطلق عليها الإعلام اسم : جماعة الناجون من النار..
وتلك قصة أخرى لها مقال آخر..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here