الإمام علي ع و المسح على الرجلين (أسانيد صحيحة ، وتحريف البخاري،

مروان خليفات

تمهيد :

غسل الرجلين أو مسحهما مسألة فقهية، اختلفت فيها الأقوال، وهذا العمل من مقدمات الصلاة، حيث أن بطلانه هو بطلان للصلاة.

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القول بمسح الرجلين في الوضوء في بعض مصادر الجمهور، ففي صحيح الترغيب والترهيب لمحمد ناصر الدين الألباني ، ج 1 – ص 129 : ( وعن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى فذكر الحديث إلى أن قال فيه فقال الرجل لا أدري ما عبت علي فقال النبي : إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ويغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه ! إلى الكعبين … قال أبو عمر بن عبد البر النمري هذا حديث ثابت)
وصحح الألباني الحديث في صحيح الجامع الصغير وزياداته ، ج 1 – ص 475 – 476
وقد كان بعض السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم يقولون بالمسح.

جاء في المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ، ج 1 – ص 19

: ( وقال رجل : لمطر الوراق من كان يقول : المسح على الرجلين ؟ فقال : فقهاء كثير ( كثيرون ))

وقال المناوي : (وممن روى عنه المسح كما في مصنف ابن أبي شيبة وغيره وعكرمة والحسن والشعبي بل وأنس وغيره من الصحابة )
فيض القدير شرح الجامع الصغير ، ج 1 – ص 190

وفي المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ، ج 1 – ص 19 : ( عن ابن عباس قال : افترض الله غسلتين ومسحتين ألا ترى أنه ذكر التيمم فجعل مكان الغسلتين مسحتين وترك المسحتين )

وقريب منه في جامع البيان عن تأويل آي القرآن لمحمد بن جرير الطبري، ج 6 – ص 175

وقال ابن حزم في المُحلَّى لابن حزم، ج2 ، ص56 : ( وأما قولنا في الرجلين فإن القُرآن نزل بالمسح (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كلٍّ عطف على الرؤوس، إمَّا على اللفظ وإمَّا على الموضع، لا يجوز غير ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يُحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة. وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القُرآن بالمسح ـ يعني في الرجلين ـ في الوضوء. وقد قال بالمسح على الرجلين جماعةٌ من السلف، منهم علي بن أبي طالب، وابن عباس، والحسن، وعكرمة، والشعبي، وجماعة غيرهم، وهو قول الطبري، ورويت في ذلك آثار، منها…)

قال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم ، ج 2 – ص 27: (وقد روي عن طائفة من السلف ما يوهم القول بالمسح … وقال ابن جرير : حدثنا علي بن سهل حدثنا مؤمل حدثنا حماد حدثنا عاصم الأحول عن أنس قال : نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل وهذا أيضا إسناد صحيح …

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أبو معمر المنقري حدثنا عبد الوهاب حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس ” وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ” قال هو المسح ثم قال : وروي عن ابن عمر وعلقمة وأبي جعفر – محمد بن علي – والحسن في إحدى الروايات وجابر بن زيد ومجاهد في إحدى الروايات نحوه…وحدثنا ابن أبي زياد حدثنا يزيد أخبرنا إسماعيل قلت لعامر إن ناسا يقولون إن جبريل نزل بغسل الرجلين فقال نزل جبريل بالمسح فهذه آثار غريبة جدا وهي محمولة على أن المراد بالمسح هو الغسل الخفيف !!)

وتأويل ابن كثير هذا لا دليل عليه إلا الهوى المذهبي .

وجاء في شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره ج 1 – ص 36 : ( وقال في التوشيح واستدل به على عدم جواز مسحهما قال النووي اجمع عليه الصحابة والفقهاء، والشيعة أوجب المسح وفي نظر فقد نقل بن التين التخيير عن بعض الشافعيين ورأى عكرمة يمسح عليهما وثبت عن جماعة يعتد بهم في الإجماع بأسانيد صحيحة كعلي وابن عباس والحسن والشعبي وآخرين )

مسح علي بن أبي طالب ع قدميه

جاءت أكثر من رواية صحيحة بهذا الخصوص، منها ما رواه أحمد بن حنبل
في مسند الإمام احمد بن حنبل ، ج1 ص 124 وصحح شعيب الأرناؤوط سنده :

( … عن عبد خير عن علي قال : كنت أرى ان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما)

وفي المصنف لابن أبي شيبة الكوفي ، ج 1 – ص 30 : (عن عبد خير عن علي قال : لو كان الدين برأي كان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح ظاهرهما)

وقد حاول البعض تحريف معنى النص، فقال بعضهم أنه متعلق بالمسح على الخفين، ولا دليل لديه على هذا التأويل.

وقد روي نصُ صريحٌ صحيحٌ حول ذهاب علي ع للمسح .

روى أبو داود في مسنده ص22 : (حدثنا شعبة، قال: أخبرني عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت النزال بن سبرة، يقول: صلى علي رضي الله عنه الظهر في الرحبة ثم جلس في حوائج الناس حتى حضرت العصر ثم أتي بكوز من ماء فصب منه كفاً فغسل وجهه ويديه ومسح على رأسه ورجليه ثم قام فشرب فضل الماء وهو قائم ثم قال: إن ناساً يكرهون أن يشربوا وهم قيام ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل الذي فعلت وقال: «هذا وضوء من لم يحدث)

وهو في شعب الإيمان للبيهقي، ج5 ص 109

هذه الرواية الصريحة في معناها، رواها البخاري عن شيخه بالسند نفسه الذي جاء في مسند أبي داود، ولم تطب نفسه لعبارة: ( ومسح على رأسه ورجليه ) فقام بتحريفها كما هي عادته في صحيحه !

فقد روى في صحيحه، ج6 ص 248 كتاب الأشربة، باب الشرب قائما (حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا عبد الملك بن ميسرة، سمعت النزال بن سبرة، يحدث عن علي رضي الله عنه: أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتي بماء، فشرب وغسل وجهه ويديه، وذكر رأسه ورجليه !، ثم قام «فشرب فضله وهو قائم» ثم قال: إن ناساً يكرهون الشرب قياماً «وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت)

وهذا يدل على اخفاء المحدثين للحقائق وكتمها وبترها، فحسابهم عند ربهم، وفيما فعلوه درسٌ للباحثين، ليعلموا كيف تختفي النصوص وتُحرف.

لقد روى الإمامية عن علي ع وأبنائه، عشرات الروايات التي تدل على مسح القدمين في الوضوء.

قال الشريف المرتضى في رسائل الشريف المرتضى ، ج 3 – ص 312 – 313 : ( فإن الإمامية كلها تعلم أن مذهب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق وآبائه وأبنائه من الأئمة عليهم السلام إنكار غسل الرجلين ، وإيجاب مسحهما…)

وقال في الناصريات ، ص 122 : ( فأما ما نختص بروايته في وجوب مسح الرجلين فهو أكثر من السيل والليل ، ومن أن تحصى كثرة ) .

وما يؤكد قول أئمة أهل البيت ع بالمسح ما رواه الطبري في جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، ج 6 – ص 175 : (حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا هارون ، عن عنبسة ، عن جابر ، عن أبي جعفر ـــ الإمام الباقر ع ـــ ، قال : امسح على رأسك وقدميك )

وفي التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة لابن أبي خيثمة (ت279 ه ) – ج 2 – ص 219 : ( عن الحكم ، قال : سألت محمد بن علي ـــ الإمام الباقر ع ـــ عن المسح ؟ قال : إن عليا كان يمسح عندنا ، قال : كان علي فيكم ، وفيكم يقر علمه وأنتم به )

قال الفخر الرازي في (تفسير الرازي ) ج 11 – ص 161

: ( اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما ، فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر : أن الواجب فيهما المسح ، وهو مذهب الإمامية من الشيعة )

قال الرازي في موضع آخر، ج1 ص 170 : ( ومن اتخذ علياً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه )

والحمد لله رب العالمين .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here