فيتامين ( C ) يخرب النفوس

في السنوات التي عشنا فيها في عراقنا ( العظيم ) مررنا بالعديد من الأحداث التي ربما لا تعد ولا تحصى من كثرتها وتنوعها ، وخلال سنوات عمرنا الحلوة والمرة تراكمت في ذاكرتنا العديد من الأحداث والمواقف التي تم نسيان بعضها ولا يزال البعض الآخر عالقا في الذاكرة بالفخر او الرفض ، ومن الأحداث التي تكرر مرورها ما يتعلق بتعرض البلد لحالات الإصابة بالأوبئة والأمراض ومنها الهيضة ( الكوليرا ) التي ارتبط اسمها بالدكتور سعدون خليفة ( رحمه الله ) والجدري والليشمانيا والحصبة الألمانية والتهاب الكبد الفيروسي ونقص المناعة ( الايدز ) وأنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها من الحيوانات ، كما مررنا ب( ايبولا ) و ( سارس ) والجمرة الخبيثة والكثير من الأمراض التي مر بعضها بسلام او تركت إصابات آلت إلى الشفاء او الوفيات ، واغلب تلك الأوبئة كانت اقل من السل والطاعون فتكا إلا إنها أحدثت درجات متفاوتة من الرعب المحلي والعالمي ، وقد تذكرنا تلك الحالات الوبائية ونحن نمر وسط عاصفة الوباء الجديد الذي أسموه فيروس كورونا 2019-NCov ، وما يميز هذا الفيروس هو اختلاف الآراء بخصوص أسباب نشأته وكيفية مروره وانتشاره وما يحيط به من شبهات بخصوص نظرية المؤامرة التي لم تنقطع سلاسلها المترابطة منذ عقود من الزمان .

وكما هو معروف فان وجود الأوبئة ( باعتبارها أخطارا محتملة للجميع ) تعني المرور بأزمة ، والأزمة بمفهومها ومتطلباتها تزيد الناس تماسكا على المستويين المحلي والدولي ، كما إنها تنشأ نشاطات جمعية وطوعية تزيد الناس تماسكا لتقليل الأخطار التي تحدق بالجميع ، والحق يقال إن الصين أثبتت قدرتها في الاحتواء والتصرف المتوازن حيث أوجدت أنماطا سلوكية منسقة ومنضبطة واجهت بها الوباء رغم إنها حاضنة الفيروس وعدد سكانها ربما يزيد عن مليار ونصف من السكان ، أما في بلدنا الذي اكتشفت فيه 35 إصابة مؤكدة ( لغاية اليوم ) جميعها واردة من بلد جار ، فقد ظهرت فيه بعض الأنماط السلوكية التي تخالف المألوف وتختلف عن الأنماط التي شهدها البلد أثناء وجود ومرور الأوبئة السابقة والتي اشرنا لبعضها أعلاه ، فبعد أن تم الترويج بان الإصابة بالفيروس ترتبط بدرجة المناعة الفردية التي يتمتع بها كل فرد ، فقد فرح ( البعض ) عندما قالوا بان كبار السن ممن أعمارهم 60 سنة فاكبر هم أكثر الأشخاص عرضة للإصابة وكأن هناك عدد محدد سيوزع على السكان وسيكون من حصة ( الختيارية ) فحسب ، والبعض الآخر كان أكثر لؤما و ( حقارة ) فبعد النصح باستخدام الأغذية التي تحتوي على Vitamin C كوسيلة لزيادة المناعة ، اختفت من الأسواق تلك الأغذية ، فبين ليلة وضحاها اختفى الليمون الحامض والبصل الأخضر واليابس والنارنج وبعد أن ظهرت لعدم قدرة الفاكهة والخضروات للخزن الطويل ، وجد إن أسعارها ارتفعت لأكثر من ضعفين فالليمون الحامض وصل سعره إلى 4000 دينار للكيلو غرام بعد إن كان 1000 دينار ، والبصل اليابس أصبح ب2000 دينار بعد أن كان سعره لا يتجاوز 750 دينار وهكذا لبقية المواد التي تحوي على الحموضة وترتبط بهذا الفيتامين .

وهذا الحدث الغريب ، الذي جاء بعد اختفاء معدات الوقاية الشخصية وارتفاع أسعارها إلى أضعاف الأضعاف مثل الكمامات والكفوف والمطهرات وأدوية المضادات الحيوية والسعال والعطس ، حصل بمنأى عن الرقابة والمحاسبة الحكومية والمهنية والشعبية ومنظمات المجتمع المدني ، لان كل هذه المسميات قد غاب حضورها الحقيقي من التفاصيل اليومية منذ سنوات ، لان اغلب الأمور يجري تصريفها بالإجراءات والأمر الواقع وليس من خلال الأنظمة والتعليمات وما يعلوها من قرارات وقوانين ، وصحيح إن الحكومة شكلت لجنة الأمر الديواني 55 لسنة 2020 باعتبارها خلية الاختصاص لمواجهة الوباء وأعقبتها بقرار مجلس الوزراء 65 في 4/ 3 / 2020 ، إلا إن هذه القرارات تقدم التسهيلات وليس لها صفة العلوية على القوانين ولا يمكنها إن تحد من التصرفات ( الدنيئة ) لمتصيدي الفرص والكسب غير المشروع ، لان أسواقنا المحلية يديرها اقتصاد غير معروف الهوية إذ تتحكم بها قوى العرض والطلب التي لها قابلية غير محددة على الاحتكار رغم إن كل ما يتداول في الأسواق هو من ملكية الشعب ، لأن 95% من احتياجات الشعب تتم تغطيتها بالاستيراد الذي يمول من مبيعات البنك المركزي العراقي من الدولار والدولار يأتي من مبيعات النفط التي هي من ثروات الشعب ، وفي اختبار هذا الوباء الذي لم تتجاوز إصاباته 100 ألف حالة ووفياته 3000 عالميا حاليا ، أثبتت نظرياتنا الاقتصادية عدم قدرتها على المواجهة لمثل هذه الظروف فالمخزون الحكومي قليل او معدوم والقطاع الخاص يتم استغلاله من عديمي الضمير ، ودليلنا على ذلك حموضة فيتامين C ، ويعتقد البعض إن ما يحصل ليس بالصدفة وإنما هو امتداد لحالة من عدم الانتظام في البلاد ، فحكومة تصريف الأعمال مستمرة منذ شهور وهناك اختلاف على شرعيتها او مخالفتها للدستور رغم الدعوة لإنهائها بالمظاهرات التي لم تنقطع عن بغداد وبعض المحافظات منذ 5 شهور ، وربما يحتاج البلد إلى شهور قادمة لولادة الحكومة الانتقالية التي يؤمل إنها ستهيأ لانتخابات مبكرة قد تصلح الأمور في البلاد ، مما يعني إن القضية اكبر من ألنومي حامض وفيتامين C لان الفيتامينات ليست لوحدها تخرب النفوس .

باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here