الحق في الحياة

القاضية اريج خليل

يعتبر الحق في الحياة من أهم الحقوق الدستورية التي نصت عليها كافة الدساتير الدولية بل ونص عليها دستور السماء (القرآن الكريم) وكافة الدساتير الوضعية خاصة في الدول التي تضع حماية حقوق الانسان من أهم اولوياتها، ففي القرآن الكريم جاءت العديد من الآيات القرآنية الكريمة مقررة لهذا الحق وحامية له قال الله تعالى في سورة المائدة ” مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنه مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ” وقال تعالى في سورة الاسراء ” وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ” وكذلك كافة المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان كالاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث جاء في مادته الأولى ” ان جميع الناس يولدون احرارا متساوون في الكرامة والحقوق ” وجاء في المادة الثالثة منه ” لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق او تقييدها الا وفقا للقانون وبناءا على قرار صادر من جهة قضائية مختصة “.

وقد اختلفت الدساتير في الآخذ بهذا الحق فهناك من يرى ان حق الحياة هو هبة من الله تعالى ولا يجوز تقييده في اي حال من الاحوال لان اي تقييد له يمس جوهره، الا انه ايضا هناك حق الضحية او المجنى عليه وهو حق جدير بالاهتمام والحماية في حالة ان أزهقت روحه على يد شخص آخر متمتع ايضا بحق الحياة، لذلك هناك العديد من الدساتير ومنها الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥ قيدت هذا الحق وفقا للقانون وبصدور قرار قضائي من جهة قضائية مختصة حيث نصت المادة ١٥ من الدستور العراقي النافذ ” لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق او تقييدها الا وفقا للقانون وبقرار صادر من جهة قضائية مختصة “.

اما الشريعة الإسلامية يكون القصاص هو الحق السماوي الذي يحد ويقيد من الحق في الحياة بالنسبة للجاني الا انه يمكن ان يستغنى عنه بعقوبة اخرى لا تمس حق الحياة وذلك عن طريق دفع الدية لذوي المجنى عليه في حالة قبولهم التنازل عن حق القصاص وهذا يؤكد أن الشريعة الإسلامية من اولى الدساتير التي أخذت بهذا الحق وعملت على تعزيزه.

اما في القوانين والدساتير الوضعية فان حق الحياة يرتبط ارتباطا وثيقا بعقوبة الاعدام اذ ان هذه العقوبة هي العقوبة الوحيدة التي تجرد الإنسان من هذا الحق الذي وهبه الله إياه لذلك فأن الدساتير تحظر كافة عمليات الإعدام خارج نطاق القانون او الاعدام التعسفي دون محاكمة، بل وان اغلب الدساتير الدولية وضعت ضمانات للحالات التي يتم تقييد هذا الحق بموجبها حيث نصت على عدم جواز الحكم بالاعدام الا في الجرائم شديدة الخطورة، كما واعطت للمحكوم عليه بالاعدام الحق في تقديم التماس العفو او استبدال العقوبة كما اجازت منح العفو العام او الخاص كما نصت على عدم جواز الحكم بالاعدام لمن هم دون سن الثامنة عشر من العمر وغيرها من الضمانات التي نظمت بها هذه الدساتير حالات تقييد حق الحياة،ولكن في نفس الوقت ان اغلب الدول توصلت الى عدم امكان الغاء عقوبة الأعدام ولكن يمكن الحد منها بتحديد الجرائم التي تستوجب هذه العقوبة على سبيل الحصر، هذه الضمانات التي نصت عليها الدساتير الوضعية الا ان الشريعة الاسلامية جاءت بضمانات ايضا اكثر اهمية واكثر قداسة فقد جاء في سورة النساء قوله تعالى ” وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ” وجاء في سورة البقرة ” وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “حيث ربط الله سبحانه وتعالى عقوبة من يعتدي على حق الحياة بالقصاص في الدنيا وجهنم وبغضب الله عليه في الاخرة لان هذه الحياة الله من منحها وهو الاقدر على الحفاظ عليها ولا يجوز الاعتداء على الحياة حتى من قبل صاحب الحق نفسه لذلك تكون عقوبة المنتحر بالشريعة الاسلامية كعقوبة القاتل لان الله ارحم بالعباد من انفسهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here