زمن الحراميه

في قديم الزمان كانوا يقولون (المو حرامي مو رجّال) نظراً لصعوبة العيش وقلة الموارد وتفشّي البطالة وقد انتشرت هذه الحالة في زمن الاحتلالين الصفوي والعثماني للعراق، فكان الحرامي يكتفي بسرقة قوت يومه وعياله وينصرف إلى قريته حتى ينفد ماسرقه ثم يعاود الكرّة مرة أخرى وهكذا، ولكن بالرغم من كثرة الحرامية والشقاوات في ذلك الزمان فقد كان الحرامي صاحب غيرة وحميّة ونخوة !! فهو لا يسرق من قريته ولامن جاره ولامن أبناء قبيلته، بل يبتعد كثيراً عنهم ليسطو على بيوت الغرباء الأثرياء ويسرق أي شيء يقع تحت يديه، ونظراً لأنّ الحالة كانت شبه عامة إلا أن المجتمع بدوره كان ينبذ الحرامي ويمقته ويشير إليه بكلّ بذاءة واستهجان، ولاأزال أتذكر في قريتنا إلى يومنا هذا أنّ هناك بيتاً يلقبون أصحابه ببيت الحرامي. تطوّرَ الوضع في العراق واستقلّ البلد وأصبح دولة، وتغيّرت أوضاع الناس نحو الاكتفاء واخذوا يستعارون من كلمة (حرامي) وأصبحت كلمة معيبة ومخجلة حتّى اصطلح على نبذ الحرامية بشكل ملفت للنظر، بفضل التعليم والمدارس والأعراف الاجتماعية التربويّة التي أخذت تسود المجتمع بعد أن كادت تندثر نتيجة الاحتلال.

أكاد أجزم بأنه في العهد الملكي كان هناك نوع من النزاهة قد طبعت سيرته، والقصص كثيرة عن ذلك سمعناها من أهلنا الطيبين على الرغم من ظهور بعض الفاسدين ولكنهم بعدد الأصابع، أمّا في زمن زعيم الشعب الشهيد عبد الكريم قاسم (رض) فقد أوجد هذا الرجل نظاماً جديداً يُعمل فيه لأوّل مرّة في الشرق الاوسط، وهو نظام العدالة الاجتماعية ومحاسبة اللصوص والمتنفذين والمتلاعبين بقوت الشعب، ونتيجة لذلك تم تصفية الشهيد الزعيم بالطريقة التي يعرفها الجميع، فجاء البعث وجلاوزته إلى الحكم وقرّبوا كلَّ الحرامية والمنبوذين وسيطروا على العراق بكلّ مقدّراته حتّى أصبح العراق ملكاً عضوضاً لشلّة من الشقاوات وأولاد الشوارع من ابناء المناطق الموبوءة بداء البعث، وتشكلت في المجتمع طبقة من المتسلطين واللصوص وجلّهم من أقرباء الطاغية الذليل صدّام وانتهت الأمور بهم كما عرفتم إلى مزبلة التاريخ ولم تنفعهم ملايينهم التي سرقوها من قوت ومستقبل أبناء الشعب، ولاعنترياتهم، وذهبوا غير مأسوفٍ عليهم. وكلنا شاهدنا هزيمتهم ( بالملابس الداخليه ) امام دبابتين .

وللحكاية ربّاطٌ فاضح، حديديٌّ وناريّ وتحذيريّ !! فالحرامي يبقى منبوذاً إلى يوم الدين، ولكن في زمننا الديمقراطيّ الحرّ الفدراليّ التعدّديّ، الحرامي (إله رنّه) كما يقولون، قديما كنّا نسمع من المذياع أغاني ومللوجات هادفه ومعبره فمثلا أغنية ( الشمس طلعت عالحراميه ) كانت لها صيت في ستينيات القرن الماضي ولااعرف لماذا لايتم اعادة بث مثل هذه الأغاني الجميله والتي بدورها تفضح اللصوص . ولكن على مايبدو اننا امام نظريه معروفه للجميع وهي ( اذا تخاصم اللصوص ظهر السارق ) اذ نرى هذه الأيام ان اللصوص قد تخاصموا فعلا لذلك أحب ان اطمأن اهلنا في العراق وأقول لهم ان اللصوص والحرامية انكشفوا وبدأنا نشاهدهم يفضحون بعضهم البعض وهذا يعني أن نهايتهم قريبه !!!!! الى متى نبقى نجامل هؤلاء على حساب مستقبل أجيالنا ووطننا؟ ومن هو المسؤول عن حصول هذه السرقات وبهذا الحجم المخيف والمريب؟ وكيف ومتى ستتم محاسبة الحراميّة؟ وعلى مايبدو أنّ الأمور تسير نحو الأسوأ، واصبح الحرامي وزيراً ونائباً ورئيساً ومديراً عامّاً وهكذا، بينما الشرفاء نصيبهم الإبعاد والتقاعد والدعايات المغرضة الكاذبة، وعلى مايبدو أنّ (الجماعة!!) قد قرّروا العودةَ إلى العهد الماضي، وهم بصدد تقديم مشروع وطني إلى مجلس النواب العراقي بعنوان: (المو حرامي مو رجّال)

جابر الشلال الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here