“الكعيبر … ووعوده السخية لأبناء وبنات أخته الأرملة”؟!

أ. د. جواد كاظم لفته الكعبي

في زمان القهر العراقي لسنوات الستينات من القرن الماضي (وما أكثر أزمنة القهر العراقي؟!)، عَزَمَ رجل من أهالي البصرة عاطلا عن العمل على السفر إلى دولة الكويت بحثا عن عمل هناك، متسللا خلسة عبر الحدود مشيا على الأقدام، حيث يسميه الناس بتسمية “كعبير!”، وهي ممارسة مألوفة في ذلك الوقت. وفي سبيل إضفاء البهجة والأمل في نفوس أبناء وبنات أخته، أغدق “كعيبرنا الطيب” الوعود الكثيرة والكبيرة عليهم بلا حساب، قائلا لهم: “سأشتري لكم كذا… وكذا… وكذا … حتى صاحت به أخته القنوعة بالقليل قائلة: خويه هذا هواي … خويه ماكو داعي لكل هاي الصرفيات”! أجابها أخوها بطيبته المعهودة وكرمه المُفرط: “خليهم يأكلون بصاية خالهم”!

كان خالنا الكعيبر في ستينات القرن الماضي صادقا في وعوده، إذ بمجرد عبوره الحدود وحصوله على عمل، يستطيع الإيفاء بها، بينما “خالنا المُكلف” في سنة 2020 برئاسة مجلس الوزراء، الذي أغدق على أبناء وبنات العراق حزمة وعود (12 وعدا!)، فأقل ما يقال فيه أنه غير صادق، لأنه لا يستطيع الإيفاء بها. كيف يمكن للخال الجديد لأبناء وبنات العراق الوفاء بوعوده وهو:

· يشكر “رئيس الجمهورية وقادة الكتل السياسية وأعضاء مجلس النواب” على تكليفه، وهم سبب محنة أبناء وبنات العراق المستديمة بعد عام 2003 ولغاية الآن. من يشكُر مُسببي محن بلاده، لن يكون ساعيا أو راغبا أو قادرا على وضع وتنفيذ وعود لا يمتلك المؤهلات والإمكانات المهنية والإنسانية والسياسية المطلوبة لرسمها وتحقيقها.

· يطلب العون من “أخوانه وأخواته في مجلس النواب ومن القوى السياسية” لتنفيذ وعوده، وهو بذلك يُقدم لهم عرضا صريحا بقبول تدخلهم في تشكيل وعمل حكومته، ومُتذاكيا على أبناء وبنات العراق، كما هو حال سلفه المُستقيل، وسلفه المُكلف المُعتذر.

· يشكر “المرجعية” على نقدها لسياسات وممارسات الطبقة السياسية الحاكمة ضد أبناء وبنات العراق، وهو أحد رجالات هذه الطبقة التي أصمت آذانها عن سماع رأي المرجعية العليا الكريمة أو رأي أهل العلم والاختصاص المهني، ولم يُقدم شيئا ملموسا لمدينة المرجعية نفسها عندما كان محافظا لها.

· يشكر “المرابطون في سوح الاعتصام والتظاهر” ويطلب العون منهم لتنفيذ وعوده، وهو مُكبل بقيود واستحقاقات ومناورات ودسائس ومصالح طبقته السياسية.

وكما تعلم يا خالنا المُكلف الجديد، وأنت المختص بالفقه الإسلامي، إذا كانت المقدمات باطلة فستكون النتائج باطلة حتما. وحتى نمنحك ثقتنا، لنضمن الصدق في مسعاك، وقبل تشكيل حكومتك، عليك اليوم وليس غدا تحقيق الأمرين المترابطين الآتيين:

الأمر الأول، أن تخرج الآن على أبناء وبنات العراق بخطاب تقول فيه بأنك تحترم عقول الناس، ولا تريد التذاكي عليهم بحزمة وعود ليس لك القدرة والإمكانية والرغبة على تحقيقها لهم، وأنك ستكتفي بالعمل على تنفيذ الوعدين الآتيين من وعودك المُعلنة: الأول (التحضير الفني لإجراء انتخابات مبكرة خلال مدة 3-6 أشهر، وليس خلال سنة كما تقول)؛ والثاني (مواجهة خطر وباء كورونا)، تاركا وعودك العشرة الأخرى، وبمعيتها رغبتك التي لم نسمع عنها ولم نلمسها سابقا في “بناء دولة المؤسسات والمواطنة، وتأكيد الهوية العراقية!”، لمن سيخلفك وطبقتك الحاكمة بعد الانتخابات المبكرة، إذ ربما سيكونون قادرين على انجازها بقدر مقبول من درجات الصدق والنجاح.

الأمر الثاني، أن تذهب إلى من أسميتهم “الشباب المعتصم في سوح التظاهر” لتسمع منهم لماذا يتظاهرون وماذا يريدون، وأن تعتذر وتطلب الصفح وتواسي أهالي ضحايا طبقتك السياسية وتساعد الجرحى والمعاقين من هؤلاء الشباب قدر المستطاع.

عند قيامك بهذين الأمرين الآن، ربما سيجد أبناء وبنات العراق في أنفسهم العذر والقدرة والصبر على قبول تكليفك، ومنحك فرصة أن تكون قائدا لانجاز مهمة التحضير لإجراء الانتخابات المبكرة ومواجهة وباء فيروس كورونا.

د. جواد الكعبي

[email protected]

91/3/2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here