فوبيا المقدس :جدلية المعرفة و خصام السائد

رياض زوما
………………….
صدر مؤخراً كتاباً معرفياً نقدياً بعد عناء طويل تمثّل في رفض معظم دور النشر من طباعة الكتاب اضافة الى تكاليف الطبع والشحن والأهم من ذلك كله الأنتقادات الواسعة بعد صدور الكتاب من قبل بعض رجال الدين وصل حد التهديد , لكن الكاتب اَثر تلك المعاناة وأعتبرها تجربة قاسية لكنها ايجابية في حالة تحقيقها لمعنى أكبر لحياة الناس .. صدر كتابه الجديد بعنوان : ( فوبيا المقدّس – جدلية المعرفة وخصام السائد- ) للكاتب والمفكر العراقي المعروف الأستاذ مصطفى العمري , وبعد قرائتي للكتاب أنصح الأصدقاء بقرائته لأنه ينقلنا الى أفكار نحن بأمس الحاجة لها خاصةً في مجتمعنا الشرقي كما يفتح لنا اَفاق رحبة للأنفتاح على الاَخر ويجعلنا نفكّر بتحسين المحاكمة العقلية وتحسين اسلوب ممارسة التفكير و تنمية الحس النقدي ..
فوبيا المقدس كتاب معرفي نقدي حداثوي معلوماتي ويعتبر من أهم الكتب الناقدة للدين الأسلامي في شقّيه السيرة والفقه و بشكل علمي ومنطقي وتصحيحي في العقد الأخير .

كتاب فوبيا المقدس هو عملية اصلاح شاملة لمن ينظر الى اصلاح المجتمع من ثنايا البثور والقشور البالية والمواريث الهادمة , فالكتاب جاء نتيجة خبرات المؤلف وتجاربه مزجا بعبقريته في التفكير والكتابة وجهوده المبذولة على القراءة العلمية المنهجية لمختلف مشكلات المنظومة الدينية بغية تجاوز سلبياتها دون الخروج عن الخصائص الحضارية للمجتمع ,والهدف هو تحقيق الأنسانية بجعل عقل الأنسان هو من يصنع الحضارة والحداثة لتحقيق ذلك .
ومن أجل تكييف هذا القصد وبيان أهمية الوعي الحضاري فقد أسقط الكاتب هذا الوعي على واقع أزمتنا الراهنة التي تعيشها الشعوب العربية اليوم من جرّاء تلك الحوادث الأرهابية وذلك التطرّف الفكري المأزوم ليشخّص حقيقة الخلل الواقع ولا يتشاغل عن توصيف المرض ,لذلك يقول أن أزمة الأسلام هي أزمة وعي في فهم الدين وفقه التديّن .
ان تركيز الكاتب على الدين جاء لأجل أن يبتعد الأنسان المسلم عن كل المشاعر المضادّة للاَخر أمام تحديات الواقع, ولأن الحياة في مسؤولية الكاتب الأيمانية هي حركة القيم والأهداف الكبرى التي يعمل على تحقيقها من خلال عمق المعاناة النفسية للأنسان في حياته الخاصة وعلاقة تلك الحياة مع المجتمع حيث أن الدين هو الحالة العقيدية والوجدانية التي تُقيم التوازن بين الفرد والمجتمع ..

الكاتب والمفكر مصطفى العمري يصب أهتمامه على المسار التأريخي للأنتاج الفكري الديني وان الأشكالات المرتبطة بمعرفة الدين الحقيقي هي من صلب أهتماماته حيث يغور في جذور الأفكار ذوي الأوجه المتعددة بغية الكشف عن درجات صحتها واليقين التي تمثله , كما انه يعتبر الشك وسيلة للوصول الى الحقيقة , و يعتبر الحقيقة نسبية تختلف من فرد لاَخر ومن مجتمع لاَخر وحسب المنظورات والرؤى المتعلقة بها و بحسب تعدد المصالح والمنافع للفئة المتسلطة.
عملية الأصلاح التي ينشدها الكاتب هي معالجة علمية ومتأنية لمختلف المشاكل الطارئة والكامنة والمؤثرة على صيرورة القيم والمناهج الدينية حيث يغوص في أعماق التكوين الخاص للمجتمع ليكتشف عوامل أخرى جديدة تؤثر في تحقيق الأهداف المرجوة وببعد بيداغوجي .
ملاحظة: البعد البيداغوجي هو كل ما يمس العلاقة المباشرة بين الأطراف المشكّلة للموقف الديني من مناهج ووسائل وأساليب وأستراتيجيات ..
فعند قرائتك للكتاب تشعر ان الكاتب يسعى الى نضوج فكر القاريء لأحتوائه على أفكار ذات عمق في المضمون وذا تأثير على الفكر العلمي والمنطقي يجذبك نحوه ويفتح لكَ باباً جديداً للمعرفة والسؤال والبحث اضافة الى أن الكاتب طرح موضوعه بصراحة وجرأة متناهيتين جداً يُحسد عليها … ان مضمون الكتاب ليس جديداًعلى الكاتب فقد سبق وطرح مثل تلك الأفكار منذ سنوات والذي يؤكد فيها الى انحباس المدار المعرفي المغلق لقرون عديدة وتحوله الى كابوس وأنسداد في مجرى العلوم الدينية , ويضيف أن لا سبيل الى تجديد الفكر الديني الّا بتحريره من قيوده وتخلّفه وذلك بتسليط أنوار العقل عليه , فالكاتب يؤكد على أن العقل البشري هو الذي يقود الأنسان للقيام بالتجربة والأختبار لأجل أكتشاف الحقائق و يحررنا من ثقافة التخلف التي هي الوعاء الواسع لعقلية التقليد والأجترار في الفكر الديني ,كما أستند الكاتب على مراقبة جميع مفردات الظاهرة التي يقوم بكتابتها لكي يصدر حكمه النهائي عليها .
ان ما جاء في الكتاب من أفكار لا يمكن فصلها عن أمتدادها التأريخي والّا سيكون الحكم على الأفكار حكم سطحي وبعيد عن الفهم الحقيقي لنشأته وتطوره ,فتلك الأمتدادات لم تحتفظ بما يتناسب لديمومة وتقدم وحداثة الأفكار وتناغمها مع مجتمع اليوم. وأخيراً يذهب الكاتب الى انه لا مخرج من دائرة التخلف الا بترك التراث الغير صالح والأقبال على تفعيل العقل وقبول الأفكار الجديدة التي تخدم الأنسان والمجتمع , فلا أمل في التطور ببقاء كل التراث الذي تركه السلف والأنغلاق والتعامل السلبي مع المتغيرات الحضارية العلمية الحاصلة على كافة الأصعدة ومنها الدينية بالخصوص..
ملاحظة : الكتاب موجود على موقع eBay وبسعر زهيد جداً , فقط أكتب (فوبيا المقدس) ..
مع تحياتي وتقديري للأستاذ المفكّر اللامع مصطفى العمري راجياً له كل الموفقية والتألّق في مزيد من الأصدارات الرائعة التي لا يبغي فيها الّا خير الأنسان والأنسانية .
رياض زوما

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here