الشخصية الايمانية لمريم العذراء (عليها السلام) وبهتان شيخ زمان الحسناوي

بسم الله الرحمن الرحيم

بلا شك فإن آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم) لا يقاس بهم أحد، فهم صفوة الخلق وسادة الكون، لا يدانيهم في علو منزلتهم أحد من الخلق. وكما روي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد)1، وهذا الحديث الشريف جاء في معرض جواب الامام الصادق (عليه السلام) لسؤال عباد بن صهيب حين سأله: “أخبرني عن أبي ذر أهو أفضل أم أنتم أهل البيت؟”، فجاء جواب الامام (عليه السلام) بانهم لا يقاس بهم احد. والملاحظ ان جواب الامام (عليه السلام) لم يكن فيه انتقاص لأبي ذر (رضوان الله عليه) بل بيان بأن أهل البيت الاطهار (عليهم السلام) لا يدانيهم احد في علو منزلتهم وعظمتهم مهما بلغ من علو مكانة ومنزلة.

هذا الاسلوب الايماني العظيم الذي بينه الامام الصادق (عليه السلام) في بيان علو منزلة أهل البيت الاطهار (عليهم السلام) لا نجد العديد من خطباء المنبر ينتهجونه مع الاسف حيث نرى العديد منهم حينما يريدون بيان علو منزلة أحد الائمة الاطهار (عليهم السلام) او ابنائهم الاخيار الصالحين إنما يعمدون للإنتقاص من أحد الانبياء (عليهم السلام) أو الصالحين ثم يقارن بين فعل ما لأحد الانبياء (عليهم السلام) أو أحد الصالحين مع فعل آخر لأحد الائمة الاطهار (عليهم السلام) أو ابنائهم! ودائما تكون المقارنة بعيدة عن الانصاف وغير موضوعية حيث يسودها الاساءة القسرية لبعض مقامات الانبياء (صلوات الله عليهم) أو الصالحين، مع ان الائمة الاطهار (صلوات الله عليهم) لايحتاجون في بيان علو منزلتهم الى التقليل من شأن من يمكن ان يقارنون بهم أو بمواقفهم، بل على العكس، كلما علا شأن النبي الذي يقارنون مكانته ومنزلته مع منزلة الامام كلما بانت عظمة وعلو منزلة الامام الذي تتفوق منزلته ومواقفه على منزلة كبار الانبياء ومواقفهم. والشواهد عديدة على هذا التصرف السيء لبعض الخطباء، نذكر منها آخر ما وصلنا وهي خطبة في احد المجالس للشيخ زمان الحسناوي بعنوان [(آل البيت) مصاديق وأقسام -١] منشورة في موقع اليوتيوب بتاريخ 21 آذار/مارس 2020م، افترى فيها على مريم عليها السلام افتراءاً عجيباً وقدم وأخَّر في رواية قصتها بخلاف ما سرده لنا القرآن الكريم، كل ذلك من اجل ان يقول ان منزلة سيدتنا ومولاتنا زينب (عليها السلام) هي اعلى من منزلة مولاتنا مريم العذراء (عليها السلام)! فهل تحتاج مولاتنا زينب (عليها السلام) في بيان عظيم منزلتها ومكانتها الى الاساءة لمقام مريم (عليها السلام) والكذب عليها من اجل ذلك!!؟؟؟

وننقل بعض ما جاء – بلفظ عامّي – من كلام شيخ زمان الحسناوي في خطبته المنشورة، بعد الدقيقة 42:50، قال: امامك السيدة مريم عليها السلام، اختبارها صعب جداً … امرأة تجيب ولد شلون من غير رجل! اختبار صعب آني اقول لك كلش صعب … لكن بالمقابل رب العالمين تعهدلهة بكل شي، لو ما تعهد! قال لها: كلي اشربي قَرّي عينا، قالت له الطفل شلون قال لها هو يسولف، قولي اني نذرت للرحمن صوماً فلن اكلم اليوم انسيا، اني ما اتكلم اشري على الطفل، الطفل من يتكلم الامور كلهة تصير بصالحج، لأن وين اكو طفل يتكلم، هو من يتكلم يقول اني عبد الله، الامور تصير بصالحك بعد كلهة تصدق بكِ، تعهدلهة لو ما تعهدلهة! مع كل هذي التعهدات قالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسيا!! والسيدة زينب عليها السلام ولا تعهد

عدهة، لا كلي ولا اشربي ولا قرّي، اخوتهة مذبحة اولادها مذبحة اهل بيتها مذبحين وكربلاء وآلام كربلاء، وتقف على جسم الحسين ما قالت يا ليتني مت قبل هذا ، قالت ان كان هذا يرضيك فخذ، قالت تقبل منا هذا الاضحى تقبل منا هذا القربان وقامت تصلي صلاة الليل”…

وللرد على ما جاء في هذا الكلام من بهتان بحق مولاتنا مريم العذراء (عليها السلام) نقول:

اولاً. على شيخ زمان ان يراجع آيات القرآن الكريم التي ذكرت مولاتنا مريم (عليها السلام) ليعلم المنزلة العظيمة التي كانت تتمتع بها،

منها ما جاء في سورة آل عمران (عليهم السلام): ((فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)).

وأيضاً في سورة آل عمران (عليهم السلام): ((وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ (42) )).

ثانياً. على شيخ زمان ان يقرأ ما جاء في سورة مريم (عليها السلام) ليعرف التسلسل الصحيح للاحداث، وليعلم ان مريم عليها السلام انما قالت ذلك (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِياًّ) في بدء امرها لهول الحدث، قبل ان تأتيها تطمينات الله سبحانه وتعالى. قال عزَّ وجلَّ:

((وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً (16)

فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِياًّ (17)

قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِياًّ (18)

قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِياًّ (19)

قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِياًّ (20)

قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِياًّ (21)

فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِياًّ (22)

فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِياًّ (23)

فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِياًّ (24)

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِياًّ (25)

فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنسِياًّ (26)

فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِياًّ (27)

يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِياًّ (28)

فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهْدِ صَبِياًّ (29)

قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِياًّ (30)

وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياًّ (31)

وَبَراًّ بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِياًّ (32)

وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وَلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَياًّ (33) )).

بل ان آيات القرآن الكريم تبين بوضوح ان مولاتنا مريم (عليها السلام) – ((فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ)) – جاءت قومها وهي مطمئنة بنصر الله سبحانه وتعالى لها وعلى يقين من امرها بوعد الله سبحانه وانه سينقذها من كيد قومها اليهود.

ثالثاً. ما نسبه شيخ زمان لمولاتنا السيدة زينب (عليها السلام) من انها ليس لديها تعهد من الله سبحانه بمثل ما لدى مريم (عليها السلام)! فنقول له: اي تعهد تريد وهي بنت النبوة، وهي من أهل بيت تصافحهم الملائكة على فرشهم كما في بعض الروايات، وفي احداها عن الامام الصادق (عليه السلام) – كما في بصائر الدرجات – قوله (عليه السلام): (إن الملائكة لتأتينا وإنها لتمر باجنحتها على رؤوس صبياننا، يا عمّار إن الملائكة لتزاحمنا على نمارقنا)، وفي رواية اخرى قال (عليه السلام) عن الملائكة: (هم ألطف بصبياننا منّا). ومن المعلوم ان شيخ زمان في نفس خطبته هذه قد اشار الى بعض هذه الروايات ومن نفس المصدر الذي ذكرناه! فأي يقين عظيم ستكون عليه مولاتنا زينب (عليها السلام) وهي من هذا البيت العظيم، وجدها خاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله) وأبوها باب مدينة العلم وامها فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) واخواها الامامان الحسن والحسين (صلوات الله عليهما)، وفي بيتهم نزلت المعجزة الخالدة القرآن الكريم وهم اعلم الناس به وبتأويله وتفسيره، وجدها الذي عُرِجَ به الى السماء وابوها من ردت له الشمس، وابن اخيها علي الاكبر الذي يخاطب اباه الحسين (صلوات الله عليهما): { يا أبه أفلسنا علـى حق ؟ قال : بلى . يا بني والذي اليه مرجع العباد. قال : إذاً لا نبالي بالموت اوقعنا على الموت او وقع الموت علينا}. هؤلاء هم أهل البيت (عليهم السلام) وهذه هي سيرتهم ويقينهم وواقع حالهم العظيم، فأي وعد ويقين وطمأنينة يبحث عنها شيخ زمان عند مولاتنا زينب (صلوات الله عليها) بعد ذلك اعلى مما كان لديها!

رابعاً. المقارنة التي افتعلها شيخ زمان بين موقف مريم العذراء (عليها السلام) وهي تلد ابناً من غير أب، مع موقف سيدتنا ومولاتنا زينب (عليها السلام) وهي ترى مصرع اخيها الحسين (صلوات الله عليه) ومصارع ابنائه وابنائها واخوتها، هي مقارنة غير موضوعية، ولا توجد مشتركات بينها. نعم الموقفان فيهما من الصعوبة الشيء الكثير، ولكن لكل موقف خصوصيته، فشتان بين امرأة طاهرة مطهرة تنجب من غير أب ولا يمكن لأحد من البشر ان يصدق ذلك لولا تصديق الله سبحانه وتعالى لها بإنطاق ابنها وهو في المهد، وبين امرأة طاهرة مطهرة تلقى عليها مسؤولية جسيمة في رعاية من تبقى من عائلتها وهي ترى مصرع امامها واخيها الحسين (صلوات الله عليه) وآل بيته الاطهار. فأي مقارنة تصح بين هذين الموقفين المتباينين؟!!

فينبغي على شيخ زمان الحسناوي ان يكون اكثر تانياً وحذراً، وهو يلقي كلامه من على المنبر الحسيني الشريف، من ان ينزلق لسانه في الباطل وهو يطلب الحق!

نبيل الكرخي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here