تبرعات سخيّة للشعب العراقي

والعالم يعيش أسوأ وضع صحي له منذ ما يقارب القرن، ونتيجة لعدم قدرة القطّاع الصحي العراقي المتخلف من أستيعاب الأعداد الكبيرة للمرضى حينما يصل الوباء الى أعلى مستواياته عالميا وعراقيا خلال الأسابيع القادمة وفق توقعات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحّة العراقية، ولضعف الإقتصاد العراقي الذي يعتمد على تصدير النفط الذي فقد الكثير من أسعاره في الأسواق العالمية، من تلبية حاجات المجتمع وعلى الأخص الفقراء والعاطلين عن العمل. فأنّ الأنظار تتجه ولفشل الدولة في إمكانية تجاوز هذه المرحلة نتيجة خواء الميزانية الى حملة التبرعات التي نظّمتها بعض المؤسسات الخيرية وبالتعاون مع بعض منظمات المجتمع المدني واللجان الإقتصادية للأحزاب السياسية والوقفين الشيعي والسنّي ومؤسسات الكفيل التابعة للعتبة العباسية، وإدارات المراقد المقدسة الشيعية والسنّية ، وتبرعات المرجعيات الدينية في النجف الأشرف، علاوة على الشخصيات السياسية والبرلمانية وكبار رجال الأعمال والتجّار الذين أبدوا إستعداد لا مثيل له للمساهمة في هذه الحملة الوطنية.

ففي مؤتمر صحفي بُثَّ على الهواء بشّر منظمي هذه الحملة جماهير شعبنا، بتوفير نسبة كبيرة جدا من إحتياجاته في هذه الفترة الحرجة التي نعيشها ومعنا العالم بأكمله. وهذا يؤكّد الروح الوطنية العالية التي يتحلّى بها كل المتبرعين وهم يعملون على توفير ما يمكن توفيره للفقراء والعاطلين من أبناء هذا البلد المعطاء.

فقد أعلنت اللجنة المنظمة لهذه الحملة، عن تخصيص رواتب ثابتة للأشهر الثلاثة القادمة للعوائل المتعففة ودفع بدلات إيجار دورهم وإعفائهم من تسديد قسائم الماء والكهرباء، وتعويض العاطلين عن العمل لنفس الفترة. كما قررت اللجنة دفع بدلات إيجار أصحاب المحال والورش الصغيرة والمتوسطة التي تضرّرت وستتضرر نتيجة إغلاق أبوابها لحين عودة الحياة الطبيعية للبلاد. كما ستقوم اللجنة وبإشراف مباشر منها بإستيراد أجهزة طبية ومنها أجهزة التنفس وأجهزة الكشف عن فايروس الكورونا، في المستشفيات القائمة وتلك التي ستبنيها على وجه السرعة حتى نهاية الاسبوع القادم. كما قدّمت اللجنة المنظمّة شكرها وتقديرها العميقين لمؤسسات الكفيل التابعة للعتبة العباسية المطهرّة لوضعها جميع إمكانياتها ومنها مستشفيات الكفيل تحت إدارتها لخدمة المرضى مجانا.

في جانب آخر من المؤتمر الصحفي وعلى الرغم من رفض المتبرعين إعلان ما تبرعوا به تيمنّا بالآية القرآنية الكريمة “( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم )، الا أنّ منظمي الحملة ولغرض دفع آخرين للإنظمام الى حملة التبرع هذه قامت بتوضيح بعض الأمور دون التطرق الى الأرقام، مكتفية بالرقم النهائي والذي تجاوز التسعين مليار دولار. وممّا قامت اللجنة بتوضيحه وإعلانه كان: تبرع اللجان الإقتصادية للأحزاب السياسية بنسبتها من عمولاتها في مشاريع ست وزارات للأعوام الخمسة الماضية والتي تقدّر بعشرة في المئة من كل مشروع تنفّذه الوزارة أو تمنحه لجهة ما لإستثماره. أمّا الوقفين الشيعي والسنّي فقد تعهدا بدفع كل ما دخل خزنتيهما من الأموال التي خصصتها لهما الدولة خلال السنوات السبع الماضية، مضافا إليها بدلات الإيجار والإستثمار لعقاراتهما لنفس الفترة، مع وعد بتحويل المساجد والجوامع والحسينيات الى مستشفيات ميدانية وتحت إدارة المؤسسات الصحية العراقية. فيما تعهدت مؤسسات الكفيل بتوفير وجبات طعام للفقراء والمرضى والكوادر الطبية العاملة في مختلف المستشفيات بعموم البلاد، وفتح مستشفياتها أمام المرضى بشكل مجاني وتحويل فنادقها الى مستشفيات مؤقتة ووضعها تحت تصرف المؤسسة الصحية أيضا. فيما تعهدت إدارات المراقد الشيعية والسنّية على تحويل الأموال التي جنتها من المواطنين على شكل نذور وتبرعات وللسنين العشر الأخيرة الى الدولة العراقية للتصرف بها بما يخدم الصالح العام. وكان موقف المرجعية هو الأكبر والأكثر شعورا بما يمر به شعبنا ووطننا في ظل هذه الظروف العصيبة، فقد أعلنت المرجعية وعن طريق الشيخ مهدي الكربلائي، عن وضع كل أموال الخمس والزكاة تحت تصرف حكومة تصريف الأعمال برئاسة السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بما يساهم بالتخفيف من أعبائها وهي تواجه هذا الموقف العصيب..

فجأة أيقظتني إبنتي الصغيرة من النوم لأخرج معها في نزهة صباحية كونها حبيسة المنزل لتعطيل المدارس للحد من إنتشار فايروس الكورونا، فطالبتها بمنحي عشر دقائق فقط لأغيّر ملابسي. وفي هذه الدقائق راجعت نشرات الأخبار للتعرف أكثر على هذه الحملة الوطنية الكبيرة، الا إنني تفاجئت بعدم ذكرها في أي خبر وعرفت من أنّ الأمر لم يكن سوى حلما. وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن سوى حلما الا أنني شعرت به وكأنه كابوس، خصوصا وأنّ الأموال التي كانت ستكون تحت يد عادل عبد المهدي وفريقه الحكومي سيكون مصيرها كما مصير مصرف الزوية.

زكي رضا

الدنمارك

20/3/2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here