كورونا والمجتمع الاستهلاكي

كورونا والمجتمع الاستهلاكي
بقلم الكاتب الإيراني حميد فرخنده
عادل حبه

حميد فرخنده
في هذه الأيام ، وإلى جانب الانتشار الواسع لفيروس كورونا والأخبار المؤلمة عن الضحايا والصعوبات والمعاناة الاقتصادية التي سببها للناس في بلدان مختلفة حول العالم ، فإننا نشهد في كثير من الأحيان عواقب هامشية سلبية وأحياناً إيجابية. فقد تم تنقية الهواء فوق المدن الكبيرة من الدخان في الصين والمنطقة الصناعية في شمال إيطاليا. ومع تراجع السياح، توفرت الفرصة للدلافين باستعراض مهارتهم في قنوات البندقية. كما إن توقف تحليق الطائرات والانخفاض الحاد في عدد الرحلات حول العالم قد وفر للسماء فرصة للتنفس. وإن الحياة البرية في الصين التي أضحت أحد الدورات الغذائية في البلاد هي الآن في حالة استرخاء إلى حد كبير. وربما تشعر بعض الأسماك والأحياء المائية الأخرى بالراحة نسبياً من ضجيج قوارب الصيد بسبب انخفاض مشتريات واستهلاك المنتجات البحرية
لقد أظهرت الأبحاث أن انتشار بعض الفيروسات، مثل الإيبولا وكورونا، جاء نتيجة للتدمير الحاصل في الغابات بذريعة التنمية الزراعة والصناعية والنمو الاقتصادي ، مما حد من ملاذات الحياة البرية وهدد الحيات في تلك المناطق.
في السنوات الأخيرة ، ظهرت أو عادت إلى الحياة المئات من الميكروبات المسببة للأمراض (پاتوژن) في مناطق لم يسبق رؤيتها من قبل. على سبيل المثال، فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، والإيبولا في غرب أفريقيا، أو “زيكا” في الأمريكتين. إن الغالبية منها (حوالي 60 ٪) هي من أصل حيواني. وإن أصل بعض الحيوانات الأليفة هو بيتي أو من أقفاص التربية، ولكن أكثر من ثلثيها حيوانات برية.
إن تدمير البيئة يهدد انقراض عدد من الحيوانات ، بما في ذلك الأعشاب الطبية والحيوانات التي تعتمد عليها القوائم الطبية دائماً. وليس لدى الحيوانات التي بقيت على قيد الحياة من خيار سوى اللجوء إلى البقع الصغيرة التي لم تطالها يد الإنسان. ونتيجة لذلك ، هناك احتمال متزايد بأن تصبح على اتصال متكرر وتماس مع البشر، مما يسمح لهذه الجراثيم بدخول أجسامنا وبالتالي تتحول من عوامل حميدة إلى عوامل قاتلة.
أحد الأمثلة البارزة هو مرض الإيبولا. وتظهر الدراسات التي أجريت في عام 2017 أن ظهور هذا الفيروس ، وهو الأكثر شيوعاً، نشأ بفعل تدير الغابات. فعندما يتم تدمير الغابات تضطر الخفافيش باللجوء إلى أشجار الحدائق والمزارع لبناء عششها. في مثل هذه الحالة ، يكون الحدث التالي أمراً متوقعاً: فالإنسان يشرع بأكل فاكهة من شجرة حديقة مغطاة بلعاب الخفافيش أو يلتهمها وبذلك يلتهم الضيف غير المحبب مما يؤدي إلى قتل الإنسان. هكذا يمكن للميكروبات العديدة الموجودة في جسم الخفافيش التي لا تزعج جسم الخفافيش أن تخترق أجسام البشر. والمثال على ذلك إيبولا ونيبا (في ماليزيا وبنغلاديش) ، أو ماربورغ (في شرق إفريقيا). تسمى هذه الظاهرة “العبور من حدود نوع معين إلى نوع آخر”. ومع ذلك ، فإن التكاثر هذا مهما كان بطيئاً، إلاّ أن يسمح للميكروبات الموجودة في جسم الحيوانات إلى التغلغل إلى جسم الإنسان وبالتالي تتحول إلى (پاتوژن).
ولا يؤدي تدمير موطن الحيوانات فقط إلى خطر ظهور الأمراض، ولكن أيضاً الطريقة التي يتم بها التعامل مع هذا الموطن. فالإنسان ومن أجل إرضاء نهمه في أكل اللحوم ، عمد إلى قطع اشجار مساحات شاسعة من غابات إفريقيا لتربية الماشية وتوفير أعلافها. ويضاف إلى ذلك، ممارسة البعض للتجارة غير القانونية في أسواق بيع الحيوانات الحي (WET Markets) . ففي هذه الأسواق ، يتم تجميع الحيوانات بعضها البعض، ويمكن أن تنتقل الميكروبات بسهولة من حيوان إلى آخر. قد يكون هذا النوع من التعامل هو الذي أدى إلى شيوع فيروس كورونا المسؤول عن وباء متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد في أعوام 2002-2003 والذي يحصرنا الآن.
خلال سنوات ، قدست البشرية أو النظام الرأسمالي العالمي كلمة التنمية مما أدى إلى تقليص المنابع الطبيعية بشكل كارثي، وشاع الاستهلاك بشكل متزايد على قاعدة”كل وأرمي الباقي في المزبلة”، غضافة إلى الترويح والدعاية للبضائع غير الضرورية (بالطبع أعارت الدول الإشتراكية هي الأخرى الأولوية لموضوعة التنمية الاقتصادية) . حتى الآن ، حيث تدوس مطرقة كورونا أعناق البشر في العديد من البلدان، فإن ما يقلق السياسيين الآن ليس مواجهة هذا التحدي الفيروسي الخطير بقدر ما يقلقهم تراجع النمو الإقتصادي. وأدى ذلك بهؤلاء السياسيين إلى التفكير بإغلاق المراكز التعليمية وتقييد تدابير النقل العام.
وهكذا كان الجواب على طريق التخفيف من حدة الفقر والبطالة في العالم الثالث والبلدان هو التمسك في الاستهلاك وزيادته في البلدان الصناعية المتقدمة بذريعة أن التخلي عنه سيرمي بالعامل الهندي والصيني والفيتنامي في جادة البطالة على حد قولهم. فبدلاً عن الإصلاح الأساسي للنظام الاقتصادي العالمي المريض وغير المتكافئ وإيجاد حل مستدام للحد من الفقر في البلدان المتخلفة أو النامية، يجري الإصرار على السير في الطريق المعطوب الذي ساروا عليه خلال سنوات طوال.
يمكن أن يدق شيوع كورونا ناقوس الخطر الثاني من أجل وضع حد لأستغلال الإنسان التعسفي للبيئة. ناقوس الخطر الأول قد دق بعد إرتفاع حرارة الكرة الأرضية جراء استخدام الوقود العضوي وإزدياد غازات الاحتباس الحراري، والذي تتوج قبل سنتين بالإضراب عن الطعام في مدينة غرتاتونبرغ السويدية.
إن تفشي كورون يمثل ضربة زلزلت الأرض تجت أقدام الإنسان المغرور الذي اعتقد بأن الطبيعة بدت له تحت سيطرته. ولكن وبدون شك فإن عالم ما بعد كورونا سيكون متفاوتاً عن عالم ما قبل كورونا. ولنبتعد عن أفكار المتدينين المتعصبين وأنصار نظرية المؤامرة، فإن البشر بعد أن يتجاوزوا آثار كورونا سيتعاملون بشكل آخر تجاه الاستهلاك والتعامل مع الطبيعة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here