في الاحتجاجات العراقية … مُغيبون ومُختطفون وطرف ثالث مُتهم

فريق بغداد الإستقصائي

Image preview

“كنت احسب عدد الضربات التي تفتكُ بجسدي، لكنني توقفت حين ضربني بأخمس البندقية على صدري، شعرت أن كل شيء توقف، حتى الهواء … انقلبتُ أنا والكرسي، الذي ربطوني عليه طيلة فترة إختطافي، إلى الوراء… لم يكتفِ بذلك، جاء ووقف بكل ثقله فوق صدري فيما كان طرف حذائه يدمي وجهي”.

يقول (المختطف 1) والناشط الشاب في احتجاجات العراق، وهو يتطلع الى زاوية مظلمة في الصالة المستطيلة التي التقيناه فيها مستذكرا قصة تعذيبه أثناء فترة اختطافه التي امتدت من 27 إلى 31 تشرين الأول 2019.

يضيف وهو يحاول إخفاء حسراته التي تتسلل مع الكلمات: “لم أكن أصدق أن تعذيبا جسديا كالذي تعرضت له يمكن أن يحصل في بلد كالعراق ومع أناس كلُّ جريمتهم أنهم احتجوا على الفساد”.

طوال الأيام الخمسة “للكابوس” الذي عاشه كما يسميه، دون ان يعرف مصيره ولا المكان الذي اقتادوه إليه أو الجهة الخاطفة، لم يقابل مختطفاً، لكنه لم يكن المتظاهر المختطف الوحيد، فقد كان خاطفوه يتحدثون عن مختطفين آخرين ويبحثون عن “اصطياد” زملاء له.

حالات الإختطاف المؤكدة وفق مصادر متعددة تم التواصل معها من قبل فريق إعداد التحقيق، تعد بالعشرات، وهو ما يؤكده عضو مفوضية حقوق الإنسان فاضل الغراوي، قائلا إن “المفوضية وثقت 79 حالة اختطاف أو إخفاء قسري بحق نشطاء ومتظاهرين بينهم 4 فتيات منذ مطلع تشرين الأول 2019 حين انطلقت الاحتجاجات وحتى منتصف شباط 2020، أُطلِق سراح 22 منهم فقط”.

لكن نشطاء في الحراك الشعبي يتحدثون عن أرقام أكبر، وعن أسماء لم تصل المفوضية لأن الكثير من عوائل المختطفين فضلوا الصمت والتوسط لاطلاقهم خوفا من تعرضهم لما هو اسوأ.

وفق متابعات فريق التحقيق، تختلف أعمار المختطفين وانتماءاتهم وميولهم، كما طرق اختطافهم واستدراجهم، لكنهم يشتركون في “جريمة الاحتجاج على الجهات الحاكمة” والتي كانت أثناء عمليات الاستجواب والتعذيب تحمل عناوين “تلقي اموال خارجية، التواصل مع جهات معادية، وتخريب الممتلكات العامة”.

كان (المختطف 1) في ساحة التحرير التي تعد معقل الإحتجاجات في العاصمة بغداد، نحو الساعة السادسة من مساء 27 تشرين الأول، حين تعرضت الساحة لموجة من قنابل الغاز القاتلة التي حجبت السماء، أصابت إحداها كتفَه الأيمن ما اضطره للتراجع باتجاه شارع السعدون لتلقي العلاج وأخذ قسط من الراحة.

يقول: “من حُسن حظي أن القنبلة سقطت باردة وتسببت لي بكدمة قوية فقط، ارتحت قليلاً ثم عدت إلى الساحة لأُشارك المسعفين عملهم قرب مدرسة العقيلة القريبة من جسر الجمهورية، بقيت هناك لنحو ساعة أنقل المصابين بالغازات لسيارة إسعاف تتمركز على بعد أكثر من 200 متر لكن سرعان ما تبدّلت الأدوار واختنقْتُ”، يضيف وهو ينهض من كرسيه الذي كان يغرق فيه طوال فترة اللقاء، ويقف على قدميه “كنت أسعل، واحاول مقاومة الإغماء ثم تعثرت، فجاءت عربة تكتك وحملتني، هذا آخر ما أتذكره”.

لا يعلم (المختطف 1) إذا ما كان مَن في عربة التكتك شركاء في عملية اختطافه أم لا “صحوت على أرضية سيارة إسعاف، كان هناك شخصان لم أستطع تمييز ملامحهما، سرعان ما بادر أحدهما بضربي وتثبيتي ليزرق الآخر إبرة في وريد يدي، ففقدت الوعي مجدداً”.

القمع والإختطاف: وقود الإحتجاج

لم تكن جرائم الإختطاف شائعةً في الأيام الاولى للتظاهرات، كان احتمال الموت وارداً في كل لحظة في التحرير وبقية ساحات الإحتجاج في المحافظات نتيجة الاستخدام المفرط لقنابل الغاز المسيل للدموع القاتلة والتي اختلفت الروايات الحكومية بشأن نوعيتها ومصدرها ومن يستخدمها، وقتها كان الرصاص العشوائي لا ينقطع وسبق كل ذلك، في مطلع تشرين، القناصون الذين يختارون بالصدفة ضحاياهم.

وثقت مفوضية حقوق الإنسان، مقتل 556 شخصاً خلال أربعة أشهر، بينهم 158 شخصا قتلوا في الأيام الأولى لشهر تشرين الأول، و399 بين 25 تشرين الأول 2019 ومطلع شباط 2020، وفق عضو المفوضية علي البياتي، إضافةً لإصابة نحو 24 ألفاً آخرين.

مع القتل بوسائل مختلفة، كان الاختطاف يحضرُ كأداة لبث الرعب، استُخدِمتْ في العديد من ساحات الإعتصام ببغداد ومدن جنوب العراق.

ذلك العنف، تحول وفي أكثر من مرة إلى وقود للإحتجاج، فكان سبباً في تزايد أعداد المحتجين وإدامة زخم التظاهرات المطالبةً بالإصلاح وانهاء الفساد وتحسين الخدمات والتي ارتفع سقفها الى تغيير الطبقة الحاكمة والنظام السياسي في البلاد. وهو ما حدث في مساء السادس من تشرين الثاني 2019 حين قامت مجموعة مسلحة باقتحام مرآب السنك وساحة الخلاني القريبتين من التحرير وأطلقت النار على المتظاهرين موقعةً 25 قتيلاً في ما عرف لاحقا بـ “مجزرة السنك”، والتي دفعت في الصباح جموعا هائلة من المواطنين للتوجّه الى الساحة لمساندة المعتصمين هناك.

لِمَ القمع؟

يرى المحلل السياسي كاظم المقدادي أن التظاهرات “تهدد امتيازات الأحزاب السياسية الفاسدة التي تعتقد أن الاحتجاجات وإرادة الشباب في التغيير قد تكون سببا بفقدانهم أموالهم وامتيازاتهم”.

ويضيف متحدثا لفريق إعداد التحقيق: “بالتأكيد يقومون بالخطف والقنص والقتل، فهذا أسلوب المليشيات وخير مثال على ذلك اختطاف الناشط جلال الشحماني في 2016 واختفاؤه منذ ذلك الوقت وحتى الآن”.

كان الشحماني قد اختفى واثنان آخران من أبرز نشطاء التظاهرات هما واعي المنصوري الذي غيب في 2015 وفرج البدري الذي اختفى في 2018، ولم تتبنَّ أيةُ جهة عمليةَ خطفهم. وعُرف الثلاثة بمساهمتهم وقيادتهم للاحتجاجات التي تتفجر بين فترة وأخرى منذ سنوات، ويتفق ذووهم، أثناء حديثهم لفريق التحقيق، على أن “اختطافهم جاء انتقاماً من نشاطاتهم الإحتجاجية” فلا أسباب اخرى لذلك. يقول شقيق أحد الضحايا :”أصعب شيء ذلك الانتظار الأبدي، وعدم وجود قبر له نمضي اليه باكين”.

لا تتوفر احصاءات بشأن عدد المختطفين في السنوات الأخيرة وعدد من نجا منهم. وعادة ما تنتهي التحقيقات في عمليات الخطف دون نتائج حتى لمن يتم الافراج عنهم من قبل مجموعات الخاطفين. ومع حالات الاختفاء وصمت

المُفرج عنهم وغياب نتائج التحقيقات لا تُعرف كلُّ تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة المغيبين وإذا ما كانوا قد تعرضوا للتعذيب أم جرى تصفيتهم سريعا.

لكن بعض الناجين يتحدثون عن تعرضهم للتعذيب والترهيب ولأساليب مبتكرة في الإيذاء الجسدي والنفسي، حسب شهادات وثقها فريق التحقيق. يقول (المختطف 1 ) ان أكثر ما كان يرعبه ليس الضرب بل المادة المجهولة التي كان الخاطفون يزرقوها في أوردته كلّ يوم وتتسبب في كلّ مرّة بفقدانِه الوعي.

ويضيف: “فقدتُ الشعور بالزمن لأنني عندما أصحو من إغمائي لا أعرف كم استغرقت من الوقت، والذي ضاعف معاناتي هو إغلاق عينيَّ طيلة المدة التي قضيتها محتجزا”.

مختطفون أم أرقام؟

بعد محاولات عديدة، ومقابلات مع مسؤولي مركز النماء لحقوق الإنسان، حصل فريق إعداد التحقيق، على تقرير تفصيلي عن حالات القتل والإختطاف أعده المركز وأظهر تقارباً كبيراً بين المعلومات التي تضمنها والمعلومات التي حصل عليها فريق التحقيق من مصادر عديدة.

ووفقاً للتقرير الذي تم إعداده في الفترة المحصورة بين 1 تشرين الأول 2019 و31 كانون الأول من نفس العام، فإن الفِرَق الرصدية للمركز “سجلت 64 حالة إختطاف واغتيال طالت المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء في الفترة المذكورة”.

ووفق التقرير فان جميع المختطفين “تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة بهدف إنتزاع اعترافات كاذبة منهم بالقوة ووجهت لهم إتهامات كيدية أبرزها العمالة والتجسس والتخابر لصالح دول أجنبية”.

بعد تواصل فريق التحقيق مع (المختطف 2) (23 عاما) الذي اختُطف لسبعة ايام، تم الاتفاق على اللقاء به في أحد مقاهي منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد. في اليوم المحدد للقاء طلب، عبر الهاتف، تغيير المكان حرصا على سلامته.

طوال فترة اللقاء الذي امتد لنحو ثلاث ساعات ظل (المختطف 2) يتلفت نحو مصدر أي صوت في المكان، ولم تغب عيناه عن باب المقهى طيلة الوقت، قال: “أواجه صعوبةً في التنفس، كسروا أنفي في اليوم الأول من الإختطاف”.

مثل سابقه، لم يستطع (المختطف 2) التعرف على أحد من خاطفيه أو حتى المكان الذي اقتادوه اليه، قال بصوت خافض: “لم يرفعوا العصّابة عن عينَيّ… كانت يداي ورِجلاي مكبلتان وكنت في حالة رعب”. واضاف “لم يمر يوم من الأيام السبعة من دون ضرب وإهانات وشتائم”.

مع كل سؤال، كان (المختطف 2) يتوقف للحظات قبل ان يجيب، وبقي يكرر التأكيد على عدم ذكر اسمه خشية ملاحقته من قبل الخاطفين.

حين سألناه عن أبرز ما بقي في ذاكرته من أيام الخطف قال: “اليوم الثاني كان الأكثر مرارة، أعادوا عليّ الاتهام بالعمالة لسفارات دول أجنبية وحين أنكرت ربطوا وجهي بالقماش وسكبوا علي الماء، كرروا هذه الحركة لأكثر من ساعتين، مع ضرب مناطق مختلفة من جسدي بأدوات حديدية لم أتعرف عليها… في نهاية التحقيق طلب منهم (الحجي) الذي كان يقود التحقيق ويطرح الأسئلة، قطعَ أصابع يدَي، سمعت صوت تشغيل منشار خشب ثم شدوا يدي نحوه، كنت أشعر به يمر قرب أصابعي”.

بتهمة العمالة

وفق شهادات سبعة من المختطفين تنوعت أساليب التعذيب التي استخدمت معهم، لكنها تشابهت في أنها مؤلمة حدّ تركها آثار على أجسادهم وفي نفوسهم، فإن التهم التي اشتركوا بتلقيها من قبل الخاطفين تنحصر في إطار “العمالة لدول أجنبية، تلقي مبالغ مالية من السفارات لتنفيذ أجندتها، والتحريض على التظاهر”.

عبر الواتساب، تواصل الفريق مع (المختطف 3) 26 عاماً، وهو من سكنة محافظة ذي قار (387 كيلومتراً جنوب العاصمة بغداد)، وعند سؤاله عن التهمة التي وجهت إليه، أجاب ضاحكاً: “عميل للسفارة، وملحد وأحد عناصر عصابة الجوكر”.

حسب قوله كان قد استخدم الإبتسامة ذاتها حين وجهوا إليه الإتهامات مع إنكارها، لكنهم كرروا عليه ذات التهم طيلة أيام إختطافه الستة التي تعرض خلالها للضرب والتعذيب بوسائل مختلفة: “طال الضرب جميع أجزاء جسدي، ضربوني بأعقاب البنادق والأحذية، وعندما عجزوا عن استنطاقي بما يريدون ربطوا أسلاك الكهرباء بعضوي الذكري”.

على أثر ما تعرض له أثناء فترة اختطافه، مازال (المختطف 3) يراجع أكثر من طبيب للتخلص من الآثار الصحية والنفسية لما مر به، يقول: “بسبب ما تعرضت له من ضرب وصعقات كهربائية في فخذَيّ وساقَيّ، تغيّرتْ حياتي، والآن يصعب علي الوقوف أكثر من دقائق معدودة”.

حصل فريق إعداد التحقيق على نسخة من تقرير طبي لحالة (المختطف 3) – تم إخفاء إسمه والمعلومات التي قد تدل عليه بناء على طلبه- يُظهر تشخيصُ الطبيب في التقرير الطبي أن ظَهْرَ (المختطف 3) مازال يحمل كدمات نتيجة الضرب وأن في فخذَيْه وساعدِه جروحاً.

تعذيب على “الطريقة الصدامية”

حسب شهادات لمختطفين، فإن الأساليب التي يتبعها الخاطفون في التعذيب “تعيد للأذهان ما كانت تمارسه الأجهزة الأمنية في حقبة صدام حسين” وهذا بالضبط ماقاله (المختطف 4) (26 عاماً) الذي اختطفه مجهولون يركبون سيارة رباعية الدفع، في منطقة سكناه في بغداد حين كان عائدا من ساحة التحرير، وقع ذلك بمنتصف كانون الأول.

10 أيام قضاها (المختطف 4) في “مُعتقله” المجهول، لم يخلُ أيٌّ منها من التعذيب “الى الآن أسمع صوت ذلك الشيء وهو يخترق الهواء باتجاه ظهري، لا أعرف ما هو، أعتقد أنه أنبوب حديدي أو ربما خشبة، إلى الآن تلك الضربة لا تفارق ذهني وألمها مازال يحفر بظهري” يقول (المختطف 4).

ويضيف: “الضربة الثانية أصابت ساقي اليسرى، ورغم زوال ألمها لكنني ما زلت أسير بصعوبة… ليس الضرب وحده، كانت أسلاك الكهرباء تمتد إلى جسدي لتتناوب على صعقه طوال ساعات”.

رفض (المختطف 4) التقاط صورٍ لآثار العذيب، والسبب حسب قوله “حاجز نفسي تجاه الكاميرا”.

يعود سبب خشية (المختطف 4) من الكاميرا إلى حادثة حصلت معه في اليوم الثامن لاختطافه “دخل شخص الى الغرفة التي كنت محتجزا بها وأنا مقيد ومعصوب العينين، فرض عليَ ارتداء ملابس كان يحملها بدلا من ملابسي المتسخة بآثار التعذيب. حين فتح قيدَ عينَي المعصوبتين منذ اليوم الأول، رأيتُ رجالاً ملثمين حولي…أمرني بقراءة ورقة أمام الكاميرا.. لهجته بدت غريبة ربما شامية، الورقة كانت عبارة عن اعترافات لا علاقة لي بها”.

ويضيف: “هددوني بأفراد عائلتي، أمي وأبي وأخوتي، حتى أصدقائي سردوا عليّ أسماءهم الكاملة جميعاً، ولم أكن أقوى على مقاومتهم”.

ليس (المختطف 4) الوحيد الذي أُجبر على قراءة إعتراف أمام الكاميرا أو الوحيد الذي صوروه، لا يستبعد (المختطف 3) أن يكون خاطفوه قد صوروه أثناء تعذيبه بهدف ابتزازه مستقبلا، كذلك (المختطف 2) يقول: “أعتقد أنهم صوروا جميع جلسات الإستجواب والتعذيب التي أخضعوني لها”.

فيما استبعد (المختطف 1) ذلك بقوله “لا أعتقد أنهم صوروني، لأنني تعرضت للإختطاف في وقت مبكر لم يكن فيه الأمر شائعا وهذا من حسن حظي.. لاحقا سمعت عن تصوير مختطفين أثناء تعذيبهم أو اغتصابهم”.

يعتقد (المختطف 2) الذي أُفرج عنه بعد سبعة أيام من الإختطاف، في إحدى المناطق البعيدة عن بيته في العاصمة بغداد، أن خاطفيه كانوا يتبعون جهة أمنية. تشكل ذلك الرأي لديه كاستنتاج من العبارات التي كان يستخدموها خاطفوه، رغم سماعه مفردة “الحجي” أثناء التحقيق معه في ثاني أيام اختطافه: “طوال الفترة التي قضيتها مختطفاً كانت مفردة سيدي هي المفردة التي يستخدها الخاطفون أكثر”.

لا يستبعد الباحث في شؤون الجماعات المسلحة والمحلل السياسي هشام الهاشمي وجود تواطؤ من قبل قيادات في الأجهزة الأمنية مع الجماعات المسلحة التي عملت بالضد من المتظاهرين، مذكراً خلال حديثه لفريق التحقيق بتصريح رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي الذي طالب الخاطفين خلاله بالإفراج عن المختطفين: “يعلم السيد عبد المهدي من هي هذه الجهات وبالأسماء ولكنه لم يمتلك الإرادة لاتخاذ قرار محاسبتهم وفق قانون الإرهاب لأن تلك الجماعات محمية من قبل أحزاب سياسية مسيطرة في البرلمان والحكومة”.

كان عبد المهدي قد دعا في 14 تشرين الثاني 2019 في بيان له إلى “إطلاق سراح المختطفين” وذكر على وجه الخصوص الدكتور ياسر عبد الجبار عميد المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري في وزارة الداخلية، الذي اختطف قبل يومين من تاريخ البيان، وأظهر مقطع فيديو إلتقطته كاميرا مراقبة لحظة اختطافه في أحد شوارع العاصمة بغداد من قبل مسلحين مجهولين يركبون سيارات رباعية الدفع.

وجاء في بيان عبد المهدي “نشهد ازدياد حالات الخطف التي تقوم بها جهات توحي بأنها تنتمي إلى احدى مؤسسات الدولة، سواء بعناوين حقيقية او مزيفة”. وتضمن البيان أيضاً “إننا نرفض هذه الممارسات بشدة ونعدّ هذا العمل جريمة يعاقب عليها القانون، وعلى الجناة إطلاق سراحه فوراً وبدون قيد أو شرط”.

إعتقالات رسمية

يقول ممثل المفوضية العليا لحقوق الإنسان فاضل الغراوي لفريق إعداد التحقيق، إن “المفوضية سجلت 2800 حالة إعتقال بحق متظاهرين من قبل القوات الأمنية بمختلف صنوفها”.

على مشارف ساحة التحرير ينتشر عناصر أمنيون من صنوف عسكرية مختلفة، كما ينتشر أمنيون بزي مدني داخل الساحة أو في مقترباتها.

يعتقد (المختطف 2) أن تحركاته كانت مراقبة داخل الساحة قبل اختطافه. يقول: “أثناء رحلة التعذيب/ التحقيق، عرضوا عليّ صوراً التُقطَت لي خلال إشتراكي في التظاهرات، كانت إحداها صورة لي وأنا جالس مع أصدقائي داخل خيمة في الساحة”.

في 4 تشرين الأول، إعتقلت دورية للشرطة الإتحادية خمسة صحفيين قرب ساحة الفردوس المؤدية للتحرير، دون مذكرة قبض. يقول مذيع الأخبار في قناة “هنا بغداد” أحمد عباس: “بمجرد معرفته أننا صحفيون، صرخ ضابط الدورية بوجهنا بلا سبب وأمرنا بالصعود لسيارتهم، طلبنا منه إيضاح سبب القبض علينا فرد قائلاً إنكم ذاهبون للتحريض على النظام.. هيا اصعدوا”. ويضيف: “كانت المعاملة سيئة، إحتُجِزنا لثلاث ساعات ثم أُفرِج عنا بوساطة”.

كان للصحفيين والعاملين في المؤسسات الصحفية حصة من الإعتداءات وعمليات الخطف منذ انطلاق التظاهرات، يقول فاضل الغراوي “اكثر من 76 حالة اعتداء واختطاف طالت صحفيين ومؤسسات إعلامية سجلناها منذ بداية تشرين الأول 2019 لغاية 20 شباط 2020”.

منظمات دولية تحذر

في الثاني من كانون الأول 2019 حمّلت منظمة “هيومن رايتس ووتش” السلطات العراقية مسؤولية التحقيق بعمليات الإختطاف كما طالبت بإطلاق سراح المعتقلين الذين لم توجه إليهم تهم واضحة. وبرغم المناشدات التي أطلقتها منظمات حقوقية دولية ومحلية معنية بمراقبة حقوق الإنسان إلّا أن حالات الإختطاف لم تنقطع حتى لحظة كتابة هذا التحقيق.

ولا ترد الحكومة الاتحادية او الجهات الأمنية المسؤولة، على الاتهامات الواردة في التقارير الدولية. يعلق الباحث هشام الهاشمي على ذلك: ” لدى السلطات الأمنية كامل القدرات على تنفيذ القانون ولكنها تفتقر للإرادة السياسية التي تصدر أوامر تنفيذ ذلك، والسبب هو التواطؤ الحزبي والطائفي بين تلك الجماعات وبين القيادات السياسية الأمنية فتختار الصمت إزاء تلك التقارير”.

بعض عمليات الإختطاف والتعذيب كانت تجري علناً أمام المتظاهرين والمارّة وتداول رواد مواقع التواصل الإجتماعي صوراً ومقاطع تُظهر بشاعتها، هذا غير الصور والمقاطع التي لم يطلها النشر لأسباب أغلبها تتعلق بسلامة ناشريها.

أثناء إحدى فورات الإحتجاج التي امتدت من قلب ساحة التحرير إلى طريق محمد القاسم شرقاً وساحة الوثبة شمالاً، وتحديدا في 20 كانون الثاني شاهد فريق التحقيق، عربات التُكتُك تسيرُ أرتالاً، واحدةً تلو الأخرى، محملةً بالمصابين والمختنقين نحو المفارز الطبية المنتشرة في ساحة التحرير، ووسط صراخ المصابين وأنينهم، إلتقى الفريق بـ (المختطف 5) بعد أن نقلته عربة تُكتُك إلى مفرزة طبية في الساحة اثر تعرضه لجروح في أماكن متعددة من جسمه.

كان (المختطف 5) مواظباً على زيارة الساحة كلّ يوم، لم يتوقع أن تقوم قوات مكافحة الشغب المنتشرة على الطريق السريع محمد القاسم ومقترباته بالقبض عليه من دون مذكرة إلقاء قبض أو جرم، وبالتعامل معه “بطريقة مرعبة وغير مبررة” كما يُعبر زميله الذي كان يُرافقه، خصوصاً وأنه لم يكن في شارع محمد القاسم، بل كان واقفاً على الرصيف القريب من محطة تعبئة وقود الكيلاني، حسب زميله.

يُذكر أن تعليمات صدرت للأجهزة الامنية بمنع اي محاولات لقطع الطرق والجسور، والتعامل مع من يقومون بها كمجرمين يخلون بالنظام ويضرون بالممتلكات العامة.

وافق (المختطف 5) على الحديث وطلب تصوير جراحه وآثار الضرب والتعذيب التي تغطي جسده. إنتظر فريقُ إعداد التحقيق أن يفيق تماماً من شبه الغيبوبة التي كانت تسيطر عليه من شدة الضرب الذي تعرّض له. وبعد أن تلقّى الإسعافات الأولية واستعادَ هدوءه قال: “أنقلوا هذه الصور للعالم”.

مَنْ عذبك بهذه الطريقة؟ يجيب (المختطف 5): “خلال تواجدي قرب بانزينخانة الكيلاني القريبة من سريع محمد القاسم اعتقلتني قوة مشتركة من مكافحة الشغب مع القوات الخاصة (سوات)، جميعهم كانوا ملثمين”

وعن المعاملة التي تلقاها يقول: “ضروني بالهراوات والعصي الكهربائية، ضُرِبت في كل مكان من جسدي، حققوا معي لثلاث ساعات وجردوني من كل ملابسي، ورموني في أحد افرع منطقة البتاويين القريبة من التحرير عاريا، لينتهي بي الحال هنا”.

ويتداولُ رواد مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، بين الحين والآخر، صوراً ومقاطع فيديو لمفرج عنهم بعد إخفائهم قسرياً أو اعتقالهم، تُظهر آثار تعذيب على أجسادهم.

في منتصف تشرين الثاني 2019، اخفق العراق في تجديد عضويته في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة، بعدما أحجمت بعض الدول عن التصويت لصالحه، والسبب حسب مركز النماء لحقوق الإنسان “تراجع واقع حقوق الإنسان في البلاد”

في 13 تشرين الثاني من نفس العام ألقت الممثلة الخاصة للامم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت خطابا امام البرلمان العراقي، طالبت فيه الحكومة ومجلس النواب بالتحرك لتلبية مطالب المحتجين وإيقاف عمليات اختطاف وقتل وتهديد النشطاء والمتظاهرين.

وفي إحاطة ثانية عن العراق قدمتها الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن في 3 آذار 2020 عرضت المستجدات المتعلقة بالتظاهرات المناهضة للفساد والمطالبة بالإصلاحات، وتطرقت جينين هينيس-بلاسخارت خلالها إلى القتل والاختطاف والعنف والترهيب والتهديدات، مشيرة إلى أن تلك تُعد انتهاكات لحقوق الإنسان، وشددت على مسؤولية الدولة عن سلامة وأمن مواطنيها، وعرّجت على وجود “كيانات مسلحة” ذات انتماءات غير واضحة. وقالت “نرى مجموعات وأفرادا يستغلون المظاهرات السلمية والقوات الأمنية كغطاء لهم، مما يساهم في تفاقم المشكلات وتضليل الشعب وإلحاق الأذى بمصالح الدولة، فيلتبس المشهد”.

أثارت إحاطة بلاسخارت هذه بعض الكيانات السياسية في العراق ودفعتهم لاستنكارها وشجبها حد مطالبة بعض الكتل البرلمانية باستبدال الممثلة الأممية، بحجة أن التقرير “غير منصف وسقط بالانتقائية”.

ولم تثمر الضغوطات بمختلف أشكالها ومصادرها تحسّنا في واقع عمليات الخطف، كما لم يتم الكشف من قبل الجهات المسؤولة عن الجهات أو الأشخاص الذين يقومون بهذه العمليات، في وقت يعاني مخطفون مفرج عنهم آثارا جسدية ونفسية جسيمة، ويبقى مصير مغيّبين آخرين مجهولاً.

الخوف في وضح النهار

بالإضافة للآثار الجسدية، حفرت عمليات الإختطاف والتعذيب الذي يتخللها، آثاراً عميقة في نفسيات المختطفين والمعتقلين المفرج عنهم، لن تغادرهم بسهولة.

أثناء جلوس فريق إعداد التحقيق معه، التفت (المختطف 2) فجأة نحو مصدر صوت عاديٍ في المقهى ومال لون وجهه الى الاصفرار وغلبت على جسده ويديه حركات غير مسيطر عليها. طوال اللقاء كانت الكلمات تتشكل بصعوبة على لسانه، ما استدعى تغيير المكان إلى آخر أكثر هدوءً وخصوصية، قال “إنهم يعرفون تحركاتي، إنهم في كل مكان وأخاف أن يعاودوا اختطافي”.

خلال تواجد أحد عناصر فريق إعداد التحقيق في إقليم كردستان، حاول الوصول إلى مقر إقامة (المختطف 6) في إحدى المستشفيات في الإقليم، كان هناك من أجل العلاج والتخلص من الآثار النفسية التي تركها فيه الإختطاف، لكنه رفض إجراء المقابلة رفضاً قاطعاً مبررا ذلك، من خلال مقطع صوتي ارسله للفريق عن طريق أصدقائه: “قولوا لهم أن الخاطفين عاملوني معاملةً حسنة، استقبلوني بالورود والأحضان، وقدموا لي أفضل الأطعمة والخدمات الفندقية”. ويستدرك في المقطع الصوتي نفسه: “إذا قلتُ غير هذا الكلام سينتقمون مني ومن أهلي، ولا أستبعد أن يعتدوا على أمي وأطفالي”.

دفع الخوفُ (المختطف 6) لأكثر من ذلك، حيث اتهم فريق التحقيق باحتمالية أن يكون متخادماً مع الخاطفين لاختبار مدى التزامه بالصمت: “لن يكون غريباً أن يرسلوا شخصاً متنكراً بهيئة صحافي أو عضو في منظمة إنسانية”.

الخاطفون للنشطاء: اصمتوا إلى الأبد

يضع الخاطفون شروطا كثيرة للافراج عن النشطاء، منها التزام الصمت المطبق على مواقع التواصل الاجتماعي وتجنب الخوض في كل ما يدور حول التظاهرات، او الحديث عن طريقة الاختطاف وهوية الجهة الخاطفة.

ووجد فريق التحقيق ان عددا من النشطاء الذين افرج عنهم بعد اختطافهم حذفوا صفحاتهم في مواقع التواصل، فيما اعتزل اخرون أيّ نشاط على تلك المواقع أو في الفضاء العام.

كما ان كتابا ونشطاء معروفين توقفوا عن الكتابة وبعضهم اغلقوا صفحاتهم على مواقع التواصل، عقب تلقيهم تهديدات بالخطف والمحاسبة، وهو ما حصل مع “ز.ي”.

ووفقا لإفادات المختطفين الذين قابلهم فريق التحقيق فإن الجهات الخاطفة فتحت هواتفهم واطلعت على رسائلهم ومحادثاتهم فضلا عن تفحصهم للصور ومقاطع الفيديو المحفوظة في ذاكرة الهاتف.

ولطالما وجِدت حسابات مختطفين على فيسبوك متصلةOn line ، خلال ايام اختطافهم. فاصدقاء الناشط والكاتب ميثم الحلو استغربوا من كون حسابه نشطاً طيلة أيام الاختطاف، قبل ان يُفرَج عنه في الـ 20 من تشرين الثاني بعد ان قضى نحو 20 يوما في الاختطاف.

يتهم نشطاء ومختطفون قوات أمنية (غير معروفة) وفصائل في الحشد الشعبي بالوقوف وراء عمليات الإختطاف التي طالت المتظاهرين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وذكر اثنان من المختطفين وأحد الذين تعرضوا لمحاولة اختطاف من الذين أجرى فريق إعداد التحقيق مقابلات معهم أسماء فصائل مسلحة “ذائعة الصيت” يعتقدون أنها تقف وراء ما تعرّضوا له.

في تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر بنهاية عام 2019، ورد اتهام لقوات الأمن العراقية بما فيها فصائل في الحشد الشعبي، باستخدام القوة المفرطة بحق المحتجين، وصولاً إلى حد القبض عليهم والإخفاء القسري والتعذيب وغير

ذلك من أشكال الترهيب، وأشار تقرير المنظمة إلى أن بعض تلك الحالات حصلت على أيدي أجهزة الاستخبارات والأمن.

وحول هوية الجهات الخاطفة، يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا لفريق التحقيق، إن “أغلب المختطَفين امتنعوا عن إعطاء معلومات تفصيلية حول طريقة اختطافهم او الجهة الخاطفة، لكن الجهات التحقيقية تمتلك المعلومات الكافية وسنكشفها لاحقا بعد اكمال الاجراءات”.

وعن طبيعة جرائم الاختطاف في فترة التظاهرات يقول إن “العديد من قضايا الخطف المتعلقة بالتظاهرات ذات خلفية سياسية، حصل تضخيم في بعض الحالات واتضح لنا ان عددا من هذه الحالات كانت جنائية بحتة.. حوادث الخطف كانت موجودة سابقا ولا زالت مستمرة، والجهات التحقيقة في الوزراة لديها الخبرة والتجارب في التعامل مع هكذا ملفات، وحال اكمال التحقيقات سيُحاسَب المتورطون من اي جهة كانوا”.

الى اين وصلت نتائج التحقيقات ومتى يعلن عنها؟، يجيب المحنا قائلاً “التحقيقات في عهدة القضاء العراقي، ودور الوزارة يكمن في التحرك الفني والتحقيق لكشف ملابسات تلك الجرائم.. والسقف الزمني مرهون بمقررات القضاء”.

وفي محاولة من فريق التحقيق لمعرفة نتائج التحقيقات الخاصة بعمليات الاختطاف لدى القضاء، أُرسلَ مجموعةً من الأسئلة للناطق الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار البيرقدار، من خلال المكتب الإعلامي للمجلس، لكن، وبعد مرور يومين اعتذر المكتب الإعلامي لمجلس القضاء عن الإجابة عليها.

الطرف الثالث “المجهول”

خلال مقابلة مع “فرانس برس” في 14 تشرين الثاني 2019، وبينما كانت الإحتجاجات تعيش فورة في ساحاتها، اتهم وزير الدفاع في الحكومة العراقية نجاح الشمري جهاتٍ أطلق عليها اسم “الطرف الثالث” دون ان يحدد هويتهم بقتل واختطاف المتظاهرين، ومنذ لحظة استخدام الوزير للمصطلح شاع وصف “الطرف الثالث” ليُطلَق على الجهات التي تخطف وتقتل المتظاهرين، حتى أنه استُخدِم أيضاً لوصف الجهات التي تقف وراء دعم الاحتجاجات.

وأطلق قادة ومسؤولون في فصائل الحشد الشعبي توصيف “الطرف الثالث” على “المندسين” في التظاهرات، وفي مقابلة تلفزيونية لقناة العهد قال زعيم عصائب اهل الحق (احدى فصائل الحشد الشعبي) ان “الطرف الثالث هو امريكي – اسرائيلي”، في اتهام منه للدولتين بالوقوف وراء قتل المتظاهرين.

يتداول نشطاء ومتظاهرون مصطلح “الطرف الثالث” عند الإشارة الى الجهات التي تقوم بعمليات الإختطاف والتهديد التي يتعرض لها المحتجون، ويشير إثنان من المختطفين الذين قابلهم فريق التحقيق إلى أن الطرف الثالث هو “فصائل مسلحة في الحشد الشعبي”.

لكن القيادي في الحشد الشعبي محمد البصري يدافع عن فصائل الحشد نافياً وقوفها وراء عمليات الإختطاف بالقول إن “هذه التهم تدل على أن أصحابها يريدون تسقيط الحشد الشعبي خلال فترة التظاهرات، فهم لم يستطيعوا تسقيطه خلال فترة داعش، نظرا لما يملكه من قوة ضاربة”.

ويرى القيادي أن “هناك عمليات اختطاف مفبركة يدّعيها أصحابُها، وأن هناك من استغلَّ فترةَ التظاهرات لتحقيق مآربه الخاصة، او لديهم نوايا مثل اللجوء”.

يقول خلال حديثه لفريق التحقيق: “نأخذ مثلا الناشطة ماري محمد التي خرجت كناشطة ودعمت أصحاب عربات التكتك، وبعد اختطافها بأيام تبيّن انها طالبةٌ للجوء في ألمانيا.. هذه سيناريوهات تشوّه سمعةَ القوات الامنية للأسف”.

ويتفق متحدث الداخلية خالد المحنا مع ما ذهب إليه البصري، ويرى أن غالبية عمليات الإختطاف “مزيفة”، بعضها جنائية وأخرى بغية الحصول على اللجوء. ويؤكد جدية الوزارة في متابعة الحالات: “تُسَجَّلُ حوادثُ الخطفِ عادة، بالبلاغ عن فقدان شخص، وتبدأ تحريات الشرطة بالانطلاق، نحن لا نميز بين شخص واخر، كل المواطنين متساوون”.

يتأسف (المختطف1) لأن ذويه لم يسجلوا بلاغاً باختطافه، والسبب حسب قوله “الخوف من الملاحقة” بينما تجرأ ذوو (المختطف 2) بالإبلاغ عن فقدان ابنهم، لكنّه حالَ الإفراج عنه، كان أولَ ما فعله هو التنازل عن الدعوة، يقول: “كان هذا واحداً من شروطهم”.

كذلك فعل (المختطف 4) حيث تنازل عن القضية فور الإفراج عنه، على الرغم من الآثار الصحية البالغة التي خرج بها.

إختطاف “بلا” وقف التنفيذ

بعد الإفراج عنه، جرّب (المختطف 2) العودة إلى ساحة التحرير، لم يطُلْ وقتُه داخلَها حتى جاءتْه رسالةٌ على صفحتِه في أحدِ مواقعِ التواصل الإجتماعي من حساب مجهول تُذكّرُه بما حصلَ له أثناء الإختطاف وتنصحُه بالخروج منها فورا، يتحدثُ عن لحظةِ قراءته للرسالة: “صرت أشك بالجميع”.

حاول فريق التحقيق التواصل مع ثلاثةِ مختطفين تكرّرَ اختطافهم مرتين، لكنّهم كانوا أكثر حذراً وامتناعاً عن الإدلاء بتصريحٍ عن ظروفِ اختطافهم، وبحسب المعلومات التي حصل عليها الفريق فإن مَن تكرّر اختطافهم تعرّضوا لتعذيبٍ أشد في المرة الثانية وأُجبروا على تقديم ضماناتٍ بعدم العودةِ لساحاتِ الإحتجاج، بينهم الناشط والمسعف إبراهيم حسين -شقيق الفنانة آلاء حسين- حيث أختُطِف للمرة الثانية يوم 15 شباط 2020 وأرسل الخاطفون حينها صوراً لإبراهيم تُظهرُه مخضباً بدمائه.

قضى إبراهيم خمسة أيامٍ مختطفاً، ثم أُفرج عنه في 20 شباط 2020، وعلم فريق التحقيق من خلال مقرّبين منه، أن الخاطفين اشترطوا عليه، في المرة الأولى، عدم العودة لساحة التحرير إطلاقاً، وفي الثانية ذكّروه بهذا التحذير، خصوصاً وأنه عاد لممارسة نشاطه في الساحة بين الإختطافين.

ولم تتوقف حالات الإخفاء القسري ومضايقة النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان أو تهديدهم حتى مع تراجع زخم التظاهرات نتيجة خطر فيروس كورونا: في التاسع من آذار 2020 اختطَفَ مجهولون الصحافي توفيق التميمي الذي يعمل في جريدة الصباح شبه الرسمية، التابعة لشبكة الإعلام العراقي، وبقي مصيرُه مجهولاً حتى لحظة إنجاز التحقيق.

وكان التميمي اختُطِف بعد يومين من نشره منشوراً على صفحته في موقع فيسبوك، تساءل عبره عن مصير زميله الآخر في شبكة الإعلام العراقي، الكاتب والناشر مازن لطيف الذي سبقه للمصير المجهول ذاته في أول أيام شهر شباط 2020.

ورغم ما تعرضوا له، يُجمع المختطفون الذين أجرى فريق إعداد التحقيق مقابلات معهم على البقاء في العراق، يقول (المختطف1) “لا قيمة لحياتي هنا، لكنني لن أغادر وطني ولم أعد أخاف من شيء”.

ويُبدي (ع.ط)، وهو شاب عرف بنشاطه ومبادراته داخل ساحة التحرير وتعرض لمحاولة اختطاف كُسر أنفُه على أثرها، رغبتَه بالبقاء في العراق، يقول بحديثه لفريق التحقيق، والذي جرى داخل الساحة: “بعد مرور يومين على محاولتهم اختطافي عدتُ للتحرير ومررت بالمكان الذي حاولوا اختطافي فيه قرب الساحة، وسأستمر بالمجيء إلى هنا والمطالبة بحقوقي على الرغم من رسائل التهديد التي تصلني وما تعرضتُ له من أذى”.

*تم حجب أسماء المختطفين أو من تعرض لتهديدات ومحاولات إختطاف خشية ملاحقتهم.

انجز التحقيق بدعم من شبكة “نيريج” للصحافة الاستقصائية، ونشر على موقع “درج” المعني بشؤون الشرق الاوسط.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here