عودة الحب في زمن كورونا : قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

ثمرة حبك الخالد أسقطت بذرتها في حقول قلبي

فها أنا أنتظر قدوم الربيع لتزدهر يانعة مترعة..

هكذا كتبت له ذات يوم على وريقة صغيرة ، ولكنها لم ترسلها أو تريه إياها إنما وضعتها بين صفحات كتاب كانت تقوم بقراءته في ذلك الحين استدلالا للصفحة التي توقفت عندها ، و بقيت الوريقة هناك لتصفّر
مع مرور الأيام ..

في أثناء ذلك كانت تشعر بالأيام الرمادية ورويتينيتها الكاسحة والطاحنة تمضي سريعة ، ملتهمة ما تبقى من بقايا حبهما ليصبح في النهاية باهتا ، باردا ، كسحنة خريف متجهم اكتئابا ، ظهر ذلك في تباعدهما
الوجداني و برودة العاطفة عن بعضهما ، فجوة بعد فجوة ، جدارا بعد جدار غير مرئي ، لينكسر بعيدا بعيدا ، كغريق خطفه تيار مسرع نحو محيطات مجهولة ، وبالكاد كانا يتبادلان حديثا طويلا مع أنهما يعيشان تحت سقف واحد بحكم الواجب والعادة ، بصفة زوج وزوجة ، بعدما سبق لهما
أن عشقا بعضهما عشقا محموما أشبه بعشق صوفي مجنح في أفاق قلبيهما ، والآن لا شيء من هذا القبيل ، باستثناء إلقاء تحية أو بضع كلمات مجاملة مملة حقا ، و ذلك تخلصا من إحراج صمت ثقيل ، طالما خيم على أرجاء المنزل كغراب هائل و محنط ، حتى باتا و كأنهما غرييبن على بعضهما
، كأنما جمعتهما المصادفة في منزل ريفي منسي ليفترقا فيما بعد ليذهب كل واحد منهما لشأنه ..

غير إن الجنرال الطائش والغاضب الشرس كورونا قرر ــ بانقلاب مباغت ضد العالم أجمع ــ حجزهم الإجباري تحت سقف البيت ولأيام طويلة ، مع زيادة فترة مكوثهما معا عند طاولة الإفطار والغداء أو العشاء ،
يعقبه تبادل أطراف أحاديث متفرقة أو إطلاق بعض نكات طريفة عن جبروت كورونا وعجز العالم و شلله المطبق ورعبه المتزايد إزاء ه ــ نعم إزاء هذا الشيء الضئيل جدا و الذي لا يُرى حتى ولا بعين مجردة ولكنه مع ذلك فتاك رهيب لا يميز بين ملك و متشرد !،.فكانت هي تطيل النظر
إليه أحيانا ، بنظرات أنثوية مشعة ، متوهجة زاخرة بمعان خفية معبرة بوضوح إشارات اشتياق مكبوت ومدفون في بحيرة حسرة متدومة بصمت هش على وشك الانكسار ، بينما هو يخفض نظره إحراجا و تهربا ، ولكن بأسارير كانت تصطبغ أحيانا بحمرة خفيفة وتبرق بود واهتمام ، و ذات مرة بينما
هو داخل إلى غرفة المكتبة بحثا عن كتاب جديد ليقرأه فلاحظ ثمة وريقة صغيرة تسقط من بين صفحات كتاب لم يسبق له أن قرأه والتي كانت تحتوى عبارات تالية :

ثمرة حبك الخالد أسقطت بذرتها في حقول قلبي

فها أنا أنتظر قدوم الربيع لتزدهر يانعة مترعة.

و فجأة وكأنما هذه العبارات قد أزاحت ستارة عن مسرح حبهما الأول وعشقهما الجارف لبعضهما فمسته بالصميم ، حيث كانا لا يطيقان الابتعاد عن بعضهما حتى ولو لدقيقة واحدة ، حيث وجدا كل شيء جميلا و مدهشا
و رائعا من منظار هذا الحب المتوهج بلهيبه الأزرق العالي حتى هذا العالم البلاستيكي البارد والمتسخ بالسخام بدا دافئا و جميلا في نظرهما ، فشعر برغبة جامحة لا تقاوم في أن يذهب إليها ، يمسح على شعرها ، يحتضنها بل يشدها إلى صدره بقوة ، فما كانت دهشته حينما دار على
عقبيه ليخرج من الغرفة بحثا عنها أن وجدها واقفة خلفه تتأمله بدموع تعالج إخفاءها عبثا و إذا به يفتح ذراعيه و يحتضنها بقبلات ممطرة ساخنة ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here