أزمة الشركات المساهمة والعاملين فيها بسبب الأزمة

باسل عباس خضير

الشركات المساهمة (المختلطة أو الخاصة) هي عماد الاقتصاد الوطني لأغلب البلدان ، وفي بلدنا فان تأسيس وعمل وتصفية الشركات المساهمة ( المختلطة والخاصة ) يخضع لأحكام قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 المعدل ، وتتألف تلك الشركات من أشخاص لا يقل عددهم عن خمسة ويكتتب فيها المساهمون بأسهم في اكتتاب عام ويتحملون المسؤولية عن ديون الشركة بمقدار القيمة الاسمية للأسهم التي اكتتبوا بها ، و تتمتع بالشخصية القانونية المعنوية أو الاعتبارية ، وتتميز الشركات المساهمة بسمات خاصة تتفرد بها عن بقية الشركات التجارية منها ، إن حصص الشركاء (الأسهم) تكون قابلة للتداول بكامل الحرية دون الحاجة إلى الموافقة المبدئية لبقية الشركاء ، وان الذمة المالية للشركة مستقلة تماما عن ذمة الشركاء ، وهذا يعني أنه في حال إفلاس الشركة لا يمكن الحجر على الأموال الخاصة للشركاء من أجل سداد ديونها ، كما إن مسؤولية الشركاء محددة بحيث لا يتحمل كل شريك من الخسائر إلا بمقدار مساهمته في رأسمال الشركة ، وهناك حد أدنى لعدد الشركاء ولرأسمال الشركة يحددهما القانون ، ولا يجوز أن تحمل الشركة اسم أحد الشركاء لأن الشركة لها شخصية قانونية مستقلة عن شخصية المساهمين فيها.

ويبلغ عدد الشركات المساهمة المسجلة رسميا لدى المسجل العام للشركات في العراق بالمئات منها 33 شركة مختلطة والباقية شركات مساهمة خاصة ، وهي شركات أما متوقفة او تعمل بشكل محدود فاغلبها لم تتعافى من معاناتها بعد وتتخصص في مجال ( الصناعة ، الزراعة ، المصارف ، التامين ، الاستثمار ، الخدمات ، الفنادق والسياحة ، الاتصالات ، التحويل الخارجي ) ، وهذه الشركات تعرضت لظلمين على الأقل أولهما ظلم النظام السابق الذي لم يحدد هويته الاقتصادية الحقيقية في كونه اقتصاد اشتراكي او رأسمالي فاخترع لنفسه أسلوب الاقتصاد الهجين ، والظلم الآخر أوجدته الحكومات التي تعاقبت على إدارة شؤون الاقتصاد بعد 2003 التي لم تولي موضوع التنوع الاقتصادي لمصادر الدخل الاهتمام الذي يستحقه ، فتحول البلد إلى اقتصاد ريعي أحادي الجانب يعتمد 90% منه او اثر على الإيرادات النفطية لتمويل موازنته الاتحادية ، وإتباع ( سياسة ) فتح الحدود لتوريد احتياجات الشعب بحيث وصلت نسبة الاستيراد إلى 95% من الاحتياجات ويتم تمويلها بالتحويلات الخارجية ونافذة بيع العملة في مزاد البنك المركزي العراقي ، وفي ظل الحجم الكبير من الاستيراد وعدم حماية المنتج المحلي ومحدودية دعمه ، فقد أخذت الشركات المساهمة يتراجع دورها وحجمها وتأثيرها يوما بعد يوم ، ويتم حقنها بإبر مخدرة عنوانها ( المبادرات ) التي لم توجد علاجات قط ، ورغم ما مرت به معظم الشركات من مشكلات وصعوبات ومعوقات إلا إن بعضها لايزال حيا وعاملا بجزء او كل طاقاته ويأمل الحصول على الفرصة المناسبة عند توفر الإرادة والإدارة في إعادة الاعتبار للمنتج الوطني وزيادة الناتج المحلي ، الذي بلغ 230 مليار دولار للعراق عام 2018 رغم المساحة الشاسعة وعدد السكان وتوفر الموارد واغلب عوامل الإنتاج وهو ما يجعل بلدنا في المرتبة 50 وهي متدنية قياسا لما نمتلكه من موارد وخيرات .

وعلى مقولة ( في المحن تنهض الأمم ) فقد توقعت بعض الشركات المساهمة أن تسند لها ادوارا في التصدي ومعالجة أزمة انتشار فيروس كورونا COVID – 19 من خلال الإمكانيات التي تتمتع بها واستثمار خبرات مئات الآلاف من العاملين فيها الذين يعتمدون في معيشتهم على ما يتقاضونه من رواتب وأجور بعملهم بتلك الشركات ، ولكنه لم يتفاجأوا بعدم إسناد أية ادوار لهم أثناء حظر التجوال ، حيث تسبب هذا الحظر بتوقف أعمال معظم تلك الشركات بشكل كامل والأكثر من ذلك إن أي من تلك الشركات لم يتم شمولهم باستثناءات من الحظر وبشكل أدى إلى :

. توقف عمل الشركات بشكل مفاجأ مما تسبب بحدوث تلف في البضاعة قيد الصنع او المواد الأولية وإلغاء المواعيد والحجوزات والطلبات وكل الالتزامات .

. تعرض الخزين إلى التلف بسب فقدان الطاقة ونفاذ وقود تشغيل المولدات وعدم الوصول إلى ظروف الخزن الملائمة التي تحمي المواد وتمنع تلف وسائل العمل والإنتاج .

. توقف الأنشطة وتعرض بعضها إلى المخالفات ومطالبتها بالتعويضات والغرامات لنكولها في الإيفاء بالمواعيد وإحداث فجوة واسعة في السيولة النقدية .

. العجز عن دفع رواتب وأجور واستحقاقات العاملين خلال شهرين ( في الوقت الحاضر ) حيث إنها واجبة الإيفاء استنادا لقانون العمل رقم 37 لسنة 2015 .

. عدم قدرة الشركات التي تتوفر لها سيولة نقدية بدفع استحقاقات العاملين كلا او جزءا نظرا لكون رواتبها غير موطنة وتعتمد وسائل الدفع اليدوي وعدم تمكن العاملين في الوصول إلى شركاتهم لأسباب جغرافية وحظر التجوال الشامل للكل .

وان ما تم ذكره في أعلاه ربما سيتسبب بمصائب وخيبة أمل لعشرات الآلاف من العمال العاملين في تلك الشركات من حيث عدم قدرة شركاتهم على دفع رواتبهم لشهرين او أكثر لان آذار ونيسان توقف فيهما العمل والمقبل هو شهر رمضان المبارك الذي سيكون للتهيئة لإعادة مستويات الأداء إلى ما كانت عليه ( إن انتهت الأزمة بإذن الله ) ، لذا فان من الضروري أن يتم دفع رواتب المنتسبين المضمونين العاملين في شركات القطاع المختلط والخاص من صندوق الضمان الاجتماعي بوزارة العمل ( لان لديها معلومات باستحقاق العمال ) ويتم تعويضه لاحقا من وزارة المالية على أساس المنحة المقدمة لدعم الاقتصاد ، وان يصاحب ذلك إعفاء الشركات من دفع حصصها من الضمان الاجتماعي للعاملين ، ولغرض إعانة الشركات في تعويض جزءا من خسائرها لكي تستعيد قوتها في دفع الرواتب والأجور، فان من الضروري إصدار قرارات من خلية الأزمة برئاسة مجس الوزراء لصالح شركات القطاعين المختلط والخاص تتضمن ، منح إعفاء من ضريبة الدخل والمبيعات والاستقطاع وكذلك الإعفاء من الغرامات ، والإعفاء من الرسوم التي تتقاضاها الجهات الحكومية وخصوصًا رسوم المهنة والإعلانات وغيرها ، فضلا عن منح قروض ميسرة من دون فوائد أو ضمانات لتسيير دفع رواتب ومستحقات المنتسبين ، والإعفاء من أجور الماء والكهرباء وأية أجور تتقاضاها أجهزة الدولة ، ونشير هنا إلى إن إهمال هذا الموضوع سيتسبب بحرمان عشرات الآلاف من العمال وعوائلهم من الحصول على الأجور او المرتبات ، واحتمال فقدانهم لأعمالهم وتحولهم إلى البطالة في حالة عدم دعم ورعاية الشركات التي يعملون فيها والتي كنا ننتظر منها إيجاد المعالجات للبطالة والفقر في البلاد ، وان ما يخشاه البعض ان تتعرض تلك الشركات للعجز او الإفلاس عند استمرار إهمالها يوما بعد يوم .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here