الغموض والأخبار المتضاربة ساهما في ارتفاع حصيلة القلق بين الناس

نهى الصراف

بدون شك، فإن الانتشار السريع والملفت لفيروس كورونا على مستوى دول العالم، أمر مقلق للاختصاصين من علماء الأوبئة والعاملين في مختبرات الفايروسات، إضافة إلى الأطباء والعاملين في المجال الصحي،

أما قلقهم فمتأت من شعورهم بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم لدرء خطر انتشار هذا الفيروس ومحاولة لاحتوائه وعلاج الأضرار التي يسببها، مع مضاعفة الجهود والدخول في سباق مع الزمن لإيجاد علاج أو حتى لقاح لإيقاف مدّ تأثيراته المدمرة على صحة البشر وحياتهم المعيشية والاقتصاد العالمي عموماً.

أما الغموض الذي يحيط به نفسه، هذا المخلوق المجهري الذي قد يكون مميتاً لبعض فئات البشر خاصة كبار السن وغيرهم من الناس الذين يمتلكون تاريخاً مرضياً مقلقاً؛ كمرضى السكري والقلب والسرطان والجهاز التنفسي، هذا الغموض يتعلق بماهية الفيروس وسلوكه وطرق انتشاره وكيفية الحد من ضرره، مع الكثير من الأسئلة وعلامات التعجب التي تشتغل في نفوس أهل الأرض هذه الأيام عن موعد نهاية هذا الكابوس. ولأن لا إجابات شافية في الوقت الحاضر، مع تضارب الآراء أيضاً بين أهل العلم والتجربة والصراع الأزلي الذي انبثق فجأة إلى السطح بين الدين والعلم، كذلك الانتشار المريع للخرافة والجهل بين الناس في بعض دول العالم. كل هذه الأسباب مجتمعة، ولّدت حالة من الذعر والهلع غير مسبوقة بدأت تظهر تأثيراتها على حياة الناس اليومية، وما موجات التسوق الهستيرية ومشاهد أرفف المتاجر الكبرى الفارغة في بعض الدول الأوروبية وحتى بعض الولايات الأمريكية، إلا مثالاً صارخاً على تفشي هذا الذعر في نفوس الناس حتى لكأنه بدأ يسير جنباً إلى جنب مع تفشي الفيروس، ولهذا بدأنا نشهد حالات إصابات كثيرة بنوبات الهلع النفسية سواء لكبار السن أو الصغار وبالفعل صارت سيارات الأسعاف مشغولة مسبقاً بمحاولة نجدة أصحاب هذه الحالات التي تفاقمت مؤخراً، ولأن الوضع الصحي العام لم يعد يحتمل المزيد فإن متخصصين في الطب النفسي بدأوا بمحاولات خجولة لاحتواء التداعيات النفسية لانتشار فيروس كورونا، وذلك بنشر الوعي الصحي، والكتابة في مواقعهم الشخصية وعقد الحوارات التلفزيزنية.

يؤكد د. باهر بطي؛ اختصاصي علاج نفسي في ولاية أوريغون الأمريكية، أن

حدوث نوبة الهلع الحاد سواء أكانت قصيرة أم طويلة، له تأثيرات سلبية على الصحة البدنية خاصة للمصابين بأمراض القلب وضغط الدم كما يمكن أن يؤدي تكرارها للإصابة بهذه الأمراض فعلاً للأشخاص الأصحاء وعلى المدى البعيد، كذلك سيكون هناك تأثير سلبي كبير على جهاز مناعة الجسم لأن التوتر الذي يرافق هذه الحالة من شأنه أن يطلق هورمون الكورتيزول وهذا بدوره يقلل من المناعة ويعرض الجسم لخطر الإصابة بالامراض المعدية ومنها الفيروسية.

-هل هناك نقاط تشابه بين نوبة الهلع الشديدة والنوبة القلبية؟

يجيب د. باهر: أثناء نوبة الهلع قد يعاني الأشخاص من أعراض جسدية اضافة للضيق والتوتر النفسي، حيث يشعر الانسان بالتعرق، مشاكل في التنفس، دوار، سرعة ضربات القلب، قشعريرة حارة أو باردة كذلك ألم في الصدر وفي المعدة. هذه الأعراض تشبه الذبحة القلبية ولكنها ليست كذلك ولا تؤدي الى نوبة قلبية، مع ذلك فان المصابين بمرض قلبي يمكن أن يكونوا عرضة لنوبة قلبية أثناء الهلع بسبب شدة التوتر، أما عند وجود شك في التمييز بين الحالتين فيجب اللجوء الى مساعدة طبية فورية، أعني بذلك أن المرء يمكنه تمييز نوبة الهلع لكونه عارفاً بأنه يعاني مسبقاً من القلق ومن إمكانية حدوث نوبات الهلع المصاحبة لأحداث معينة في حياته.

فيما يتعلق بأسباب حدوث نوبات الهلع والقلق المصاحب لها في الوقت الحاضر التي تتعلق بأخبار انتشار فايروس كورونا، يقول د. باهر: “إن القلق من فيروس كورونا في الحقيقة له جانبان، يعود السبب في ذلك الى عدم القدرة على التمييز بين التهديد الحقيقي الذي يشكله المرض والتهديد المتضخم الذي يتأتى من التغطية الإعلامية الهستيرية. ونظراً لوجود قدر قليل نسبياً من المعلومات حول فيروس كورونا COVID-19، يقابله قدر كبير من عدم اليقين المحيط به، عدم اليقين هذا يولد سلسة أفكار من نوع “ماذا لو”، هذا يعني بيئة مهيأة لحدوث القلق الذي يبدأ بالتوالد ليصبح مرضياً وصولاً الى الوقوع في نوبات الهلع.

لذلك، فان بداية السيطرة على القلق تبدأ مع الاختيار الواعي للتفكير بعقلانية وواقعية، بالتالي الخروج من دائرة الـ”ماذا لو”، بما في ذلك الامتناع عن القراءة العشوائية لكل ما يرد في السوشيال ميديا أو الإعلام عن انتشار الوباء، والإطلاع على المواد التي تخص الوقاية بأسلوب علمي وعملي فقط.

ويرى د. بطي، أن عدم معالجة نوبات القلق واضطراب الهلع يمكن أن يُؤَثِّر على جميع مناحي الحياة. إذ سيتملك الانسان الخوف من التعرُّض لمزيدٍ من نوبات الهلع؛ فيعيش في حالة دوامة من القلق المتوالد والخوف من الخوف نفسه. لا توجد طريقةٌ مؤكدةٌ لمنع حدوث نوبات الهلع متى ما بدأت دوامة القلق المرضي، لذلك تبقى الوقاية خير من العلاج والمقصود هنا الوقاية من القلق. ولتلافي تكرار الحالة، ينصح بمحاولة الحصول على علاجٍ دوائي موصوف طبياً للقلق وخصوصاً الذي تصاحبه نوبات الهلع وفي أقرب فرصة ممكنة، إضافة إلى أهمية تعلم تقنيات الاسترخاء والتنفس العميق. هاتان التقنيتان تساعدان الانسان على استعادة التركيز العقلي، متى ما تمكن من الانتقال من التشتت الذي يسببه القلق الى الانتباه الى الجسم واعادة الترابط مع العقل. في حين يمكن اللجوء الى العلاج النفسي المعرفي وتفعيل قدرة العقل على تمييز الاستنتاجات والتوقعات الخاطئة واستبدالها بأخرى عقلانية وايجابية، كما يوصى بالمواظبة على التمارين والأنشطة البدنية والتغذية الصحية، لأنها تساعد على تخفيف حدة القلق.

على الرغم من أن نوبة الهلع يمكن أن تحصل في مكان أو وقت غير مناسبين، تبقى تقنيات الاسترخاء والتنفس العميق هي الأمثل للسيطرة عليها على أية حال. وفيما يتعلق بالأشخاص المصابين بأمراض الشيخوخة أو ذوي الإعاقة مثلاً، فيفضل عدم تركهم لوحدهم في حالة توقع حصول هذه النوبات لديهم وعند حصولها فيمكن مساعدتهم بتهدئتهم وطمأنتهم وعند الشك بحصول نوبة قلبية فيجب طلب المساعدة الطبية الفورية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here