مع الشيعة في مصر (22)،

الدكتور صالح احمد الورداني
————
كانت رحلتى الاخيرة للعراق هى نهاية المطاف..
وكانت خاتمة علاقتى بالمؤسسات والمرجعيات وليس بالشيعة
فقد ظلت لى علاقة بالعديد من بالعقلاء والنابهين من شيعة مصر وايران والعراق وسوريا وبلاد اخرى..
مثلما ظلت لى علاقة بالكثير من عقلاء السنة في مصر وغيرها..
قدمت للعراق في رحلتى الاخيرة هذه من سوريا حيث اقيم وضمن حملة الاربعينية..
كانت هذه هى الفرصة الوحيدة للحصول على تأشيرة لدخول العراق..
وكنا ندفع خمسون دولارا ثمنا للفيزة ونسافر للنجف بالطائرة..
وفي مطار النجف كانوا يغرموننا عشرة دولارات اخرى كرسم دخول..
وفى رحلاتى للعراق كنت انزل في ضيافة بعض الاخوة ممن تربطنى بهم علاقة قديمة..
بعضهم كنت على علاقة به وقت ما كان يدرس في مصر..
وبعضهم اساتذة في الجامعات وبعضهم كان من اصحاب العمائم..
وهؤلاء جميعا يملكون رؤية نقدية للواقع الشيعي بل ان بعضهم يملك رؤية متطرفة..
وقد سعى بعض هؤلاء الى توطينى في العراق..
حتى ان بعضهم سعى لى في عروس..
وقبلت لكونى اجد ان اقامتى في العراق افضل لى..
الا ان محاولاتهم جميعها باءت بالفشل..
كانت اولى هذه المحاولات مع الشامى صاحب جامعة الامام الصادق وهو سيد معمم كان من المقيمين في بريطانيا..
وقدمنى البعض له وقدمت له نماذج من مؤلفاتي..
وعرض على الشامى ان اقوم بالتدريس في فرع الجامعة بالنجف..
الا اننى لما دخلت الجامعة رايت فيها ما لم يعجبنى وما لا يليق باسم الامام الصادق..
ومن جهته تراجع عن قراره هذا ..
وعلمت فيما بعد ان الشامى هذا كان يتولى اوقاف الشيعة وان جامعته هذه هى جامعة البكر ايام البعثيين..
واخذنى احد الاخوة الى جهة بدرية وعرفهم بى وتحمسوا للتعاون معى..
حتى انهم قرروا ان بجهزوا لى شقة في بغداد تكون خالصة لى..
واتصلوا بى يوما واخذونى للشقة واخبرونى ان الحاج … وهو مسئول كبير سوف يأتى ليرتب الامر معك..
وتركونى داخل الشقة وانصرفوا..
وجلست انتظر الحاج المسئول ساعات وساعات وغلب على النوم فقررت ان انام فإذ بى اجد جميع غرف الشقة مقفلة..
فظللت جالسا على مقعدى حتى اذن الفجر فصليت ونمت على المقعد..
وما ان جاء الصباح حتى انطلقت من المكان..
ولم اسمع منهم خبرا او اعتذارا..
وتم اجراء اتصالات بالصدريين وجهات اخرى بشأني ..
ولم يتحقق شيئا..
ولما انتهت مدة اقامتى وهى شهر اقترح على البعض تمديدها وتم ذلك ببعض الوساطات..
وذهبت الى جوازات بغداد ووقعت في متاهة الروتين والتوقيعات من هنا وهناك..
واستمر هذا الامر لساعات طوية واخيرا انتهى بدفع مائة دولار كرسوم..
ومددت اقامتى لشهر آخر على ان اغادر بعده العراق..
واجرى البعض اتصالات مع جهات اعلى من اجل الحصول على اقامة دائمة لى..
حتى انهم وصلوا الى وزير الداخلية قاسم الاعرجى الذى وجهنى لمقابلة مدير جوازات بغداد..
والتقيت بالمدير ورحب بى الرجل .. وقال : لا مانع من عمل الاقامة ولكن يجب ان تأتينى بكتاب من اى جهة حزبية او مرجعية او مؤسسة وانا اتمم لك اجراءات الاقامة..
كانت المشكلة تكمن في هذه الورقة او الكتاب..
ورغم كل الجهود التى بذلت لم نتمكن من الحصول على هذه الورقة..
واكتشفت عن طريق بعض الاخوة ان السيد طالب الرفاعى موجود في بغداد منذ شهور..
واتصلوا به وذهبت معهم لزيارته في مقر اقامته باستراحة على نهر دجله..
وقدمت له بعض مؤلفاتى ومنها كتاب تأريخ الشيعة في مصر..
والتقيت به مرة اخرى وكان قد قرأ كتاب تأريخ الشيعة وعاتبنى على عدم ذكرى له في الكتاب..
الا انه اجرى العديد من الاتصالات مع بعض المسئولين من اجل تيسير الحصول على الاقامة دون جدوى..
وتبين لى فيما بعد ان الرجل لم تعد له كلمة مسموعة او تأثير يذكر على المسئولين كما كان في الماضي..
وقررت بعدها ترك بغداد والذهاب للنجف..
واقمت هناك في ضيافة معمم سابق متخصص في ادب الرحلات وله كتاب مصور عن رحلة قام بها لمصر..
وفي النجف التقيت بالشيخ اليعقوبى وقدمت له نماذج من كتبي الجديدة مع نماذج من مجلة اهل البيت..
واتصل بى القائم على مركز يسمى مركز الدراسات الافريقية التابع للعتبة العباسية..
ولما زرت المركز وجدت القائمين عليه لا يعرفون شيئا عن افريقية وارادوا ان يستثمرونى فاعرضت عنهم..
وتبين لى ان القائم على هذا المركز على صلة بشيعة مصر وهو دائم السفر الى هناك..
ثم تعرف بى احد اصحاب المكتبات في النجف وهو حوزاوى سابق وعرض على طباعة كتبى فوافقت..
ورتبنا كل شئ ولم يبق سوى توقيع عقد الاتفاق..
وكان من المقرر ان نلتقى في مكتب احد المحامين لانهاء الاجراءات القانونية..
الا ان صاحبنا اختفى فجأة وقطع الاتصال بى..
وظننت انه قد اصابه مكروه فذهبت لمكتبته اسأل عنه فلم اجده..
وسألت موظف المكتبة عنه فأجاب انه لم يأت للمكتبة منذ مدة..
وتيقنت انه تراجع عن الامر لسبب ما..
وكان قد اخبرنى فيما سبق انه تحدث مع ضابط بالأمن الوطنى بشأنى..
وأن الضابط اخبره أنه يريد رؤيتى وسوف يساعدنى على الاستقرار في العراق..
ولم ار هذا الضابط كما لم ار صاحب المكتبة حتى رحلت من النجف..
وفي مطار النجف واثناء خروجى اوقفونى لتجاوزى فترة الاقامة.. واخبروني ان عليك غرامة ..
وعرضت على الضابط دفع الغرامة فقال لابد من دفعها في مكتب الجوازات..
وأعادونى من المطار ولجأت لأحد الاخوة وهو صاحب المكتبة الذي تسلم كتبى من معرض كربلاء فذهب معى للجوازات وكفلنى وكانت الغرامة قرابة المليون دينار تم تخفيضها الى النصف..
ثم دفعت غرامة اخرى لشركة الطيران من اجل تجديد الحجز..
وكان هذا آخر عهدى بالعراق ومنه انطلقت لآخر بلاد المسلمين واتجهت لمكتب الامم المتحدة هناك لتثبيت وضعي كلاجئ..
وقررت ان اعطى لنفسي فترة للراحة والمراجعة..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here