*من بينهم نوري السعيد وعبد الكريم قاسم وصدام حسين* حكام العراق وسياسيوه بين الهجاء والمديح

* رواء الجصاني
—————————————————————-
كما هي المغالاة العراقية في شؤون عديدة “حفل” قاموس الهجاء والشتائم التى اطلقها العراقيون – وما برحوا – على العديد من سياسييهم وحكامهم بنصوص غاضبة “متفردة” في مفرداتها واساليب واشكال الافصاح عنها كما أحسب، وكذلك هي الحال في مدائحهم، ايضا .. ووفق الذاكرة وما تخزنه، لربما تفيد التوثيقات ادناه لبحث اجتماعي – نفسي ، مثلا، بغية ان يتوقف عنده المعنيون لمزيد من الدراسات عن الحدة، والغلو، والعنف، والتناقض عند مواطني البلاد، وتشكيلاتهم السياسية (1).

لقد جاء بعض ذلك الهجاء والشتائم على اوجه عدة، ومنها بشكل سخرية واهازيج لاذعة، وثقيلة احيانا، لتعبر عن الحال السياسية، والاجتماعية والنفسية ومديات الوعي، والتمزق الداخلي، بأشكال متنوعة، كما سنرى. مع التوكيد بأن جميع الامثلة التي نوثق عنها تُعنى بالعراق الحديث بحسب التعبير السائد، اي ما بعد الحكم (الوطني) عام 1921… وقد اهملنا، عن عمد، النماذج بالغة البذاءة، والحدة، برغم ان ما سيلي ليس خاليا من بعض قسوة ومباشرة، وندونه بهدف التأرخة واستخلاص اتجاهات ووقائع ملموسة .

اما المديح ونصوصه واهازيجه، بأشكاله المختلفة فقد توقفنا عنده ايضا، ولو بشكل عجول، لتبيان المبالغات العراقية، والتقلبات في المواقف والاراء، وسواء كانت من الاوساط الشعبية او السياسية، دعوا عنكم البطانات والاجهزة الاعلامية الرسمية، وكذلك المديح المدفوع الثمن للكثير ممن يعيشون او يعتاشون عليه ..

وفي هذا السياق لا بد من الاشارة ايضا الى اهمية دور القوى والاحزاب والتيارات السياسية المتناحرة، في اشاعة – بل واطلاق – شتائم ومفردات شعبوية قاسية، وعبر “بستات” واهازيج مثلا، وبطرق متباينة اعلامية وتحريضية و(تنويرية!) وفقاً لقناعات ذوي العلاقة والامر منهم. كما يبيّن – التوثيق- لحدود معيّنة كيف كانت المدارك والمفاهيم في حينها ..

ولمزيد من الدقة نوضح ايضا ان هذا التوثيق قد اعتمد – جهد الممكن- الاسبقية الزمنية، في العهد الملكي والجمهوري سواء بسواء، مبعدين التوصيفات والشتائم “السياسية” والاتهامات الشخصية مثل العمالة والدكتاتورية والماسونية والرجعية وسواها ..

1- الملك فيصل الاول (بن الحسين) الذي أختير ونصّب اول ملك للعراق الحديث (الوطني) ومما كتبه عنه، هجاءً، الشاعر معروف الرصافي ” لنا ملك تأبى عصابة رأسه / لها غير سيّف “التيمسيين” عاصبا / وليس لنا من أمره غير أنّهُ / يعدّد أياما ويقبض راتبا وكلمة او صفة “التيمسيين” الواردة في النص تعني البريطانيين، وعاصمتهم لندن التي تقع على ضفاف نهر “تايمس/ تايمز” الشهير .. اما موالو الملك ومؤيدوه فقد كالوا له

المديح وأيات الشكر العظيمة، كتاباتٍ وشعرا واهازيج وغيرها، بأعتباره العربي الاصيل، الهاشمي البـر، المصلح والساعي لبناء الدولة العراقية ..

2- نوري السعيد، رئيس الوزراء المديد في العهد الملكي، حتى عام 1956 وقد قيل ماقيل عنه من قدح وذم لا يباريّان، ومن بينها هذه الاهزوجة الشعبيـة التي راجت في حينها “نوري السعيد القندرة، صالح جبر قيطانه” (2).. وقد رد محبوه وانصاره بأهزوجة مقابلة ونصها” نوري السعيد شدّة ورد، وصالح جبر ريحانه” لانهم والعديد من السياسيين والعامة ايضا، يرون بأنه الرجل المناسب في الزمان المناسب، المخلص لاجتهاداته وقناعاته وما يترتب عليها، وفي اهمية ارتباط العراق مع بريطانيا بشكل وثيق..

اما المقصود الاخر في الاهزوجة – اي صالح جبر- فهو سياسي عراقي مهم في العهد الملكي، وتُؤرخُ اشهر لا وطنيته ، وفق معارضيه، كونه كان متحمسا لعقد معاهدة “بورتسموث” مع بريطانيا عام 1948 والتي اثارت حفيظة قطاعات سياسية وشعبية واسعة في البلاد، واشعلت ما يعرف بـ “وثبة كانون الثاني” التي ووجهت برصاص الشرطة وخلفت قتلى وجرحى عديدين، ثم ادت الى الغاء المعاهدة وسقوط الحكومة .. وقد كان – جبــر- رئيسا لمجلس وزراء العراق في حينها. كما كان حليفا ومناصرا وثيقا لنوري السعيد..

– ومن الاهازيج / الشعارات الشعبية – السياسية ايضا ضد نوري السعيد، تلك الشهيرة التي أطلقت بعد قيام الجمهورية الاولى في العراق عام 1958 وهي ” يا بغداد ثورى ثوري، خلي (فلان) يلحك نوري”.. واما “فلان” فهو اي اسم لسياسي او لحاكم يستحق البطش به بحسب مطلقي الاهزوجة، لأن نوري السعيد كما هو معروف قد قتل وسحلت جثته في شوارع بغداد بعيّد سقوط النظام الملكي، وقيام الجمهورية الاولى .

3- عبد الاله بن علي بن الحسين، الوصي على عرش العراق منذ عام 1939 وحتى عام 1953، اي الى حين ان بلغ الملك فيصل الثاني ( بن الملك غازي بن فيصل الاول) سن الرشد ليتولى العرش. وقد شمله – اي عبد الاله- الهجاء العراقي القاسي لما عرف به سياسيا: من مولاة لبريطانيا، واجتماعيا: بحب النساء والكحول بحسب معارضوه . وبلغت القسوة منتهاها عليه حين قتل مع بدء حركة الرابع عشر من تموز 1958 التي اسقطت النظام الملكي، وقد سحلت جثته في الشوارع حتى تآكلت … بينما كيلت له بالمقابل من الموالين والمناصرين، المدائح لانه كان من السلالة الهاشمية، ومارس مهامه بحنكة ومسؤولية، وقدم خدمات جليلة خلال فترة وصايته على العرش العراقي لمدة اربعة عشر عاما …

4- فاضل الجمالي، السياسي العراقي الشهير، وتولى العديد من المسؤوليات الرفيعة حتى نهاية الحكم الملكي عام 1958 ومنها رئيس لمجلس الوزراء عام 1954. وقد نددت

به العديد من القوى السياسية بسبب قناعاته بضرورات التحالف مع بريطانيا. ومن اشهر اما قيل ضده من هجاء الاهزوجة الشعبية (مشروع “الجمالي” بالراديو حجالي/ ويريد يربطنه بحلف ما اله تالي) (3). لقناعاته بأهمية قيام حلف بغداد بين العراق وايران وباكستان، والمملكة المتحدة، عام 1957 وترحيبه به عبر وسائل الاعلام، ومنها الاذاعة عام 1955 . اما مؤيدو الجمالي فيرونه رجل دولة، ومفكرا وشخصية قديرة ودبلوماسيا بارعا..

5- عبد الكريم قاسم، مؤسس الجمهورية الاولى في العراق عام 1958 وندد به معارضون عديدون، احزابا وشخصيات وفئات سياسية، باتهام فرديته وتسلطه وانه “قاسم العراق” وساذج ولا يصلح رئيس دولة .. وفي المقابل كان له انصار كثيرون سياسيا وشعبيا لانه باعتقادهم: عبقري وابو الفقراء، ومؤسس الجمهورية الاولى. وبعد قتله بتاريخ 1958.2.9 من قيادات حركة شباط البعثيية حزنت عليه اوساط شعبية لحد كبير حتى انها نكرت انه مات فعلا “وان وجهه انعكس على الارض من القمر”.

6- عبد السلام عارف، العقيد العسكري المشارك بفاعلية في اسقط الحكم الملكي عام 1958.. ثم رئيس العراق في الستينات، ولقي معاداة كبيرة من المعارضين لقناعاته القومية، ودوره في التنكيل بانصار القوى السياسية “اليسارية”. وقد نال منه الشاعر محمد مهدي الجواهري بشكل شبه صريح في ميمية مطولة بعد انقلاب 8 شباط 1963 وما حدث فيه من مآسي راح ضحيتها الالوف من القتلى والجرحى والمعتقلين، وكان لعبد السلام عارف دور كبير فيها، ومما جاء في تلك القصيدة ( يا عبدَ حربٍ وعدو السلامْ/ يا خزيّ من صلى وزكى وصامْ/ يابن الخنا ان دماء الكرام/ نار تلظى في عروق اللئامْ) .

ووفق متابعين فقد ابتهج مواطنون كثيرون بمصرع عبد السلام عارف في حادث سقوط طائرته المروحية وهو رئيس للبلاد عام1966 وان ما حدث هو انتقام من الله. ومما يوثق ذلك انتشار الاهزوجة الشعبية (صعد لحم / نزل فحم) (4). بينما كان له محبون ومؤيدون عديدون لانه بتقديرهم مخلص لوطنه وامته العربية وانه (ابو الثورات الثلاث في العراق)(5) وغير ذلك من انجازات وفق تقديراتهم.

7- احمد حسن البكر، العسكري والسياسي ورئيس الجهمورية العراقية الاسبق(1968-1979) وقبلها رئيس حكومة انقلاب شباط 1963 سابق الذكر. ويصفه معارضوه بأنه مسؤول مباشر وغير مباشر عما تعرض الوف العراقيين من عسف وقتل. اما شعبيا فقد كان يوصف بانه بسيط وريفي وعشائري (يصلح للزراعة ورعي البقر). وبالمقابل كان مؤيدوه، البعثيون خاصة، يصفونه بانه مؤمن يخاف الله ومحب الناس، ومخلص للبلاد .

8- طاهر يحيى، عسكري عراقي معروف، شغل مهمات عديدة ومنها رئيس للحكومة اواسط الستينات الماضية، ويحمله معارضوه مسؤليات مباشرة عما وقع من قمع

وتنكيل بالمواطنين بعد حركة شباط البعثية عام 1963 التي كان مشاركا فيها بمسؤولية ونشاط. وقد قيل ضده الكثير خلال اشغاله منصب رئيس الوزراء في مجالات التسلط والوساطات والمناطقية، وكذلك تهم الرشاوى والسرقات له واقاربه ومواليه، وأطلق عليه لقب (ابو فرهود) (6) وقد ثبت لاحقا بحسب الموثقين بان ما أشيع عنه بشأن الفساد المالي أقل بكثير جدا عن الواقع. فيما يتحدث عنه بالمقابل مؤيدون وانصار بكثير من التقديـر.

9- صدام حسين، السياسي البعثي، والرئيس العراقي للفترة 1979-2003 يدينه معارضوه من مختلف القوى السياسية بأن عهده كان الاقسى على البلاد، اضطهادا وعسفا وحروبا داخلية وخارجية، وقد لقي من الاحزاب والقوى المعارضة له، كما قطاعات شعبية واسعة جدا، الادانة البالغة، والهجاء والقدح بمديات كبيرة، واطلاق التسميات والاوصاف المشينة ومنها الفاشي والارهابي و(هدام العراق) والدكتاتور الدموي. ولكن بالمقابل كان بنظر اليه الكثير من البعثيين وغيرهم، بطلا وطنيا وقوميا، وحاكما مخلصا لمبادئه. ولا نحسب الحساب هنا لـتأليه صدام من الاجهزة الحكومية، والاتباع.

* اخيــرا ..

وفي اطار ما تستهدفه هذه الكتابة، والتوثيقات، تجدر الاشارة على ما نعتقد بأن شدة الهجاء والقدح، والتسميات والاوصاف كان تستعر وفق ما تشهده الحال السياسية في البلاد، ومع مستوى ادوار المسؤولين والزعامات الحاكمة، بقناعات حينا، أوعلى طريق التحريض والتعبئة السياسية احيانا اخرى ..

ويقينا ان هناك العديد من السياسيين والمسؤولين العراقيين الذين طالهم الهجاء والشتم، وفي مختلف العهود، ولكننا اكتفيّنا بالشخصيات السابقة كنماذج ليس الا، ولأنها كانت الاكثر استدلالا – بحسب اجتهادنا- لما اردنا التوثيق عنه وله.

كما نشير كذلك الى انه كانت لأهازيج الهجاء، والتسميات والاوصاف، التي جرى الوقوف عندها في الفقرات السابقة، مكانة واستخدامات مؤثرة عند المعارضة الشعبية، وخاصة حين تقف وراءها القوى والحركات والشخصيات السياسية ، مع التنويه بهذا السياق الى اننا لم نشمل بهذه الكتابة الفترة ما بعد 2003 وبدء الجمهورية الخامسة (او السادسة) في العراق.

ونضيف للتوثيق ايضا الى ان هناك تقلبات عديدة في اطلاق الاوصاف والهجاء، بما ينسجم مع المواقف العامة والخاصة من هذه الشخصية والحاكم او غيره، ما بين الادانة القاسية مرات، والمديح المبالغ به مرات اخرى، بحسب تقييمات المعنيين، مشيرين بشكل ملموس، الى التقلبات بشأن الموقف من بعض رجالات العهد الملكي، ومن مؤسس الجمهورية الاولى، عبد الكريم قاسم، ومن الرئيس الاسبق صدام حسين. وللموضوع الكثير الكثير من التفاصيل والاسباب والوقائع، تحتاج لوحدها كتابة او توثيقات اخرى.

* هوامش واحالات ——————————————————

1/ نشرنا مادة مطولة بعنوان “وقفات عند اسباب ودوافع ووقائع: العنف السلطوي والمجتمعي في العراق الحديث” موثقة على شبكة الانترنيت بتاريخ 2020.2.20.

2/ اي ان نوري السعيد هو ا”حذاء” قدم، وصالح جبر، هو قيطان ذلك الحذاء.

3/ وبالعربية الفصحى: ان مشروع حلف بغداد كان من الجمالي، وروج له عبر الاذاعة، ويريد منه ان يربط به العراق، ولأجل غير محـدد، أو لا فائدة منه .

4/ اي انه ركب الطائرة الى السماء، وكان حياً، ونزل الى الارض متفحماً بعد احتراقها.

5/ المقصود بـ”ابو الثورات الثلاث” أنه – بحسب مواليه وانصاره ومحبيه- قائد ما يعرف ويسمى: “ثورة تموز 1958 وثورة 14 رمضان 1963 وثورة 18 تشرين 1963”.

6/ كلمة “فـرهود” ارتبطت بأذهان العراقيين، بعد ما شهدته العاصمة العراقية – بغداد من نهب وسلب لاموال سكانها اليهود وممتلكاتهم عام 1941. وباتت حال تضرب بها الأمثال لاتساعها وقسوتها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here