ملاحظات حول الاجتماع الأول للجنة العليا للصحة والسلامة العامة

ملاحظات حول الاجتماع الأول للجنة العليا للصحة والسلامة العامة
د.كاظم المقدادي

عقدت “اللجنة العليا للصحة والسلامة العامة لمكافحة جاءحة كورونا” أول إجتماع لها في 29/3/2020، برئاسة رئيس اللجنة (رئيس مجلس مجلس الوزراء المستقيل،رئيس حكومة تصريف الأعمال) عبد المهدي، الذي عاد يزاول عمله بعد ” غياب طوعي” لعدة أسابيع.
وصدر عن اعلام اللجنة العليا بيان مقتضب جاء فيه ان الأجتماع ” إتخذ العديد من القرارات الهامة والعاجلة والتي ستصدر لاحقا “..

من خلال حديث رئيس اللجنة المصور والمعلن على شاشات فضائية، يبدو لنا أن اللجنة لم تتخذ أي قرار، وإنما إستمعت الى رئيسها، الذي طرح عليها جملة أفكار المطلوب دراستها..وها قد مرت أيام ولم تعلن القرارات المنتظرة..
وبإنتظار إعلانها، وعندئذ سنرى كم هي هامة واَنية وعاجلة،أود ان أعقب على ما طرحه رئيس اللجنة العليا في الأجتماع الأول بالأستناد الى ما نشر في الأعلام المرئي والمقروء.

في ظل الأوضاع الخطيرة التي يعيشها المجتمع العراقي،أحسن البعض الظن بان عودة عبد المهدي لمزاولة أعماله الحكومية، وترأسه بنفسه للجنة العليا للصحة والسلامة العامة، إنما هي إدراكه، ولو متأخراً، لخطورة الحالة الراهنة في ظل وباء كورونا. وإنتظروا منه ان يسلك نهجاً مغايراً في إدارة الأزمة، يبدأه بالتنازل والتواضع، فينتقد ، على الأقل، مواقف وسياسات حكومته، التي إتسمت بالفوضى والتخبط واللاأبالية في التعامل مع مواجهة الوباء القاتل،وفشلها في إتخاذ الإجراءات الوقائية الفاعلة.وأن يباشر عمله في اللجنة العليا بإجراء مراجعة وتقييم جدي للعمل الحكومي منذ بدء إنتشار الوباء وحتى اليوم، وبالسعي الجاد الى تلافي ما حصل وتداعياته..

لكن عبد المهدي لم ولن يتغير، إسوة بشلته من الطغمة الحاكمة، مصراً بان إدارته ” لم ” تفشل، و” لم ” ترتكب أخطاء،وإنما هي ” ناجحة”و” حققت” الكثير!!.. ولذا أعتبر في الأجتماع الأول للجنة العليا للصحة والسلامة العامة ان العراق حقق ” إنجازات” في مكافحة وباء كورونا، بقوله: “العراق اتخذ قرارات مبكرة، بشهادة منظمة الصحة العالمية، وتحقيق نتائج جيدة في السيطرة على الوضع، وقلة الإصابات، على الرغم من موقعه الجغرافي، وقياسا بدول متقدمة وتمتلك قدرات هائلة ”..

وهنا لا بد من نذكيره بالقرارات ” المبكرة” لحكومته:
أولها-عقب الأعلان عن وجود إصابات ووفيات في إيران، وكان يفترض غلق الأجواء البرية والجوية والبحرية، أو تشديد الرقابة عليها، سمح وزير داخليته ياسين الياسري للوافدين الأيرانيين، وتحديداً في 18 أو 19/2/2020، بدخول العراق بدون تأشيرة دخول (الفيزا).فدخل الآلاف، وبينهم مرضى ومصابين بالعدوى..قد لا يعلم أو ل يتذكر ان حكومته أرجعت عدد من الأيرانيين المرضى الى بلدهم ؟

ثانيها-في الوقت الذي كان المطلوب فيه توفير الفحوصات الطبية الإحترازية وإجرائها على نحو جدي للوافدين للعراق، شاهد العالم مدى الأستهانة والأستهتار في هذه المهمة، حيث كان الموظف في نقاط دخول الوافدين يفحص واحداَ، مقابل دخول 8-10 أشخاص بدون فحص..ودخل العراق،عن طريق المطارات والمنافذ الحدودية المئات من العراقيين والأيرانيين بدون فحوصات، وبينهم مصابون بالوباء دون علم الجهات العراقية، فنقلوا العدوى للكثيرين من أقربائهم وللآخرين..
ولم تغلق الحكومة الحدود، رغم مناشدات وإستغاثات وتحدذيرات أطباء وكتاب ومسؤوبين، خاصة محافظي كربلاء والنجف، إلا في الأسبوع الأول من شهر اَذار، وأُغلقت تماماً عقب أعلان حظر التجوال.

ثالثهما-رأينا النتائج ” الجيدة” و” السيطرة على الوضع” و”وضع العراق أفضل من دول عديدة متقدمة”التي تغنى بها عبد المهدي،في الأجتماع المذكور، وقبله وزير الصحة جعفر صادق علاوي، وما يزال يتغنى بها يومياً تقريباً المتحدث بإسم وزارة الصحة سيف البدر، الذي تعود قبل هذا على ترديد تلك الجمل طيلة سنوات، حتى أصبحت قوانة مشروخة، بشأن الأصابات والوفيات السرطانية في العراق..

رابعهما-يبدو ان رئيس اللجنة العليا لا يعلم ان الأرقام التي تعلنها ” خلية الأزمة” حول الاصابات والوفيات هي موضع شكوك، وحتى إستهزاء وتندر من قبل المواطنين،الذين لا يثقون بمصداقية أرقامها منذ أول ظهور لأعضائها في شباط الماضي، حينما رأوهم كيف يتدافعون على تصدر المنصة أمام وسائل الأعلام ..
وتزايدت الشكوك بعد ظهور التباين الكبير بين الارقام المعلنة المتعلقة بالوباء وما تشهده المستشفيات.وأكدتها بيانات نشرتها مفوضية حقوق الانسان، وأظهرت تضارباً لارقامها مع تلك الحكومية. فإعتبرها العراقيون الاعيب حكومية تدلل بها من جديد على الأستهانة بالمخاطر المحدقة بالمجتمع والاستخفاف بالشعب ومصيره، إستكمالآ لجرائم مافيا الفساد في الصحة، التي سببت إنهيار الخدمات الصحية تماماً ..

الى هذا، نقلت تقارير عن مسؤولين في الصحة أنهم يخشون من تفشٍ خفي لفايروس كورونا،وأن تكون أعداد المصابين به اكبر بكثير من الأرقام الرسمية التي كشفت عنها الحكومة. وزعموا أن جهات متنفذة غير حكومية تقوم بعزل مجتمعات بأكملها من المرضى في مناطق خارجة عن سيطرة الدولة.ومن المحتمل أن تحتجز آلاف المصابين..ونبهوا الى أن عدم الكشف عن ذلك يشكل خطراً صحياً كبيراً خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وأقرت وزارة الصحة ان توسيع الفحوصات أظهر زيادة متوقعة في عدد الاصابات الموجبة المكتشفة في اغلب محافظات العراق..

ثالثها-لمس الجميع النتائج ” الجيدة”(قياسا بدول متقدمة وتمتلك قدرات هائلة)، حيث بلغ العراق معدل وفيات عالي جداً بسبب جاءحة فايروس كورونا.. وشهد الجميع عجز الحكومة المخجل عن معالجة مشكلة دفن المتوفين بكورونا لرفض المدافن لهم.وبقيت جثثهم مكدسة في ثلاجات المستشفيات لفترة غير قليلة..

رابعها-ضربت الحكومة عرض الحائط بالتوقعات والتحذيرات الطبية، ومنها،على سبيل المثال، للدكتور غسان عزيز- مدير الرقابة الصحية في “منظمة أطباء بلا حدود” الذي توقع، قبل إسبوعين، ارتفاع عدد ضحايا الفايروس في العراق إلى معدلات صادمة، قد تصل إلى 100 ألف شخص خلال الأشهر الثمانية القادمة، في “حال استمرت السياسات الصحية الحالية من قبل الجهات الحكومية، والتصرفات غير المسؤولة من المواطنين، والاستهانة المبالغ فيها بخصوص موضوع الفايروس”.
وبين عزيز أن “نسبة الوفيات حاليًا في العراق تبلغ 9.5%، وهو أمر غير معقول، ويعود سببه الأساسي إلى ضعف القدرة على التشخيص، ما يعني أيضًا أن عدد الحالات غير المشخصة في المجتمع يفوق عدد الحالات المشخصة”، موضحًا أن “كل مصاب في الظروف العادية ينقل العدوى إلى 3 أشخاص قبل أن يتم تشخيصه وعزله، و إلى 5 أشخاص في حالة عدم تشخيصه”.ورجح أن “يتضاعف عدد الإصابات المشخصة وغير المشخصة 4 مرات كل أسبوع تقريبًا في حال عدم اتخاذ أي إجراءات لتقليل خطر الإصابة، وعدم التزام المواطنين بحظر التجوال والامتناع عن الاختلاط والمحافظة على مسافات أمنة عند تواجدهم في الأماكن العامة”.

وأكدت منظمة الصحة العالمية ذلك، بتوقعها “ارتفاعا كبيراً في عدد حالات الإصابة بالمرض في غضون الأيام العشرة القادمة مع زيادة الفحوصات المخبرية”، مشيرةً الى أنه “تم تشغيل 3 مختبرات لفحص”كوفيد-19″ في النجف والبصرة ومدينة بغداد الطبية، مما أدى إلى زيادة الفحوصات إلى أكثر من 4500 فحص في اليوم، مقارنة بحد أقصى 100 فحص في اليوم قبل بضعة أسابيع”.
المسألة الأخرى ذات العلاقة، هي إعلان عبد المهدي في الأجتماع الأول للجنة العليا:” ان تشكيل هذه اللجنة جاء نتيجة تجربة شهرين من العمل، والتقدم الحاصل، وتجاوز الصعوبات، وتقديم الحلول والتسهيلات اللازمة ”، مشيدا “بعمل لجنة الأمر الديواني ( 55 )”، التي ” قامت بعمل كبير”..
لاحظوا ان رئيس حكومة تصريف الأعمال لم يقل “خلية الأزمة” وإنما ” لجنة الأمر الديواني 55″، و”خلية الأزمة هي من كانت وما زالت تدير الأزمة- كما لمس الجميع- وتعقد المؤتمرات الصحفية اليومية، وتعلن نتائج الأصابات الوفيات. وهي من أعطت التوجيهات، ونشرت الوعي الصحي بشأن فايروس كورونا. وهي من تراقب تنفيذ التوجيهات، حتى أن وزير الصحة يتأكد بنفسه من خلال حضوره ميدانيا..

فلمائا تجنب رئيس الحكومة المستقيل ذكر “خلية الأزمة” ؟!!

وإذا كان عمل ” لجنة الأمر الديواني 55″ يعتبره عبد المهدي ” ناجح ومتقدم”، وقدم “الحلول والتسهيلات اللازمة”- كما قال نصاً- فلمائا إذا تم تشكيل اللجنة العليا هذه ؟!!
وما الذي ستقدمه ” اللجنة العليا للصحة والسلامة العامة ” للمجتمع العراقي بحيث يميزها عن “خلية الأزمة” ويدرء خطر وباء كورونا عنه ؟

تساؤلات ضرورية، بحاجة الى إجابات عاجلة ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here