نيران الميليشيات تصوب نحو رئيس الوزراء المكلف

نيران الميليشيات تصوب نحو رئيس الوزراء المكلف

عندما يتوجب على المرء الأختيار بين السيئ و الأسؤ فمن الحكمة و العقل اختيار السيئ لأنه اقل شرآ و خبثآ من ذلك الأسؤ و هذه القاعدة تصح في العراق ايضآ بعد السقوط و منذ استلام الأحزاب الدينية زمام الأمور و ترأس الحكومات حتى انهارت كل القطاعات الأمنية و الأقتصادية و الخدمية و لم يكن هناك من ترأس الوزارة و كان عهده ما يؤسف عليه و على طاقم وزارته ان انجزت تلك الوزارات المتعددة و طورت و حسنت من احوال البلاد و المواطنين سوى تلك الزيادات الغير مدروسة في الرواتب و التي لا تستند على معطيات و دراسات اقتصادية علمية في جدوى تلك الزيادات و ما اذا كان بالأمكان استمرار تلك الرواتب الضخمة في حال انخفاض اسعار النفط الحاد و حتى هذه ( المكرمة ) في زيادة الرواتب كانت ايضآ حالة سيئة تضاف الى قائمة السيئات .

على الرغم من الأرتياب و الشك المحق في كل ( الشخصيات ) التي تخرجت من مدرسة الأحزاب الدينية و التي اليها ينسب كل هذا الفشل الذريع و الأحباط المريع و تدمير مؤسسات الدولة كتلك المهمة منها كالمؤسسة الأمنية و العسكرية بأنشاء مؤسسات امنية و عسكرية موازية لا تحتكم الى وزارة الدفاع او الداخلية بل لها قياداتها الخاصة ( الحشد الشعبي ) و باقي الفصائل المسلحة ( المقاومة ) و هكذا صار السلاح الغير شرعي قانوني و علني رغم عدم سيطرة الوزارات الأمنية المعنية عليه و فلتان الميليشيات المنضوية تحت تلك التسمية الفضفاضة و التي لديها ما يمثلها بالعدد من القادة و الناطقين بأسمائها .

اما على الصعيد الأقتصادي فلم يشهد العراق مثل هذا الأنهيار في المؤسسات و النشاطات الأقتصادية و التجارية فقد جلبت الأحزاب الأسلامية الحاكمة معها آفة الفساد التي نخرت الأقتصاد العراقي و كان اغراق الأسواق بالبضاعة الرخيصة الرديئة التي ادخلها تجار الأحزاب الدينية و سماسرتها ان توقفت المصانع و تعطلت المعامل و غادر مئات الالاف من العمال اماكن عملهم و انظم معظهم الى صفوف العاطلين و اصبح للأحزاب الأسلامية الحاكمة حصة في موارد النفط و نصيب في ايرادات الموانئ و استولت على جباية الضرائب من المنافذ الحدودية و اصبح تهريب العملة الأجنبية الصعبة يمارس بشكل علني في مزاد تباع فيه و تشترى منه ملايين الدولارات كل يوم تحت واجهات و اسماء وهمية و تحول تلك الأموال المهربة الى دول و احزاب أجنبية .

سيرة رئيس الوزراء المكلف ( عدنان الزرفي ) و من خلال السنوات التي شغل فيها منصب محافظ ( النجف ) لم تكن تلك السنوات هي النموذج الأمثل الذي يطمح اليه المواطن في محافظة النجف و لكن و في نفس الوقت كانت هناك بصمة واضحة في البناء و الأعمار و قد دلت على ذلك العديد من الشواهد العمرانية التي شيدت في عهد المحافظ ( عدنان الزرفي ) و هذه الشواهد تحسب له في امكانيته النهوض النسبي بالواقع العراقي المتردي و ان كانت مقولة ( المجرب لا يجرب ) في معناها السلبي في الأخفاق و الفشل فأن ( المجرب الناجح قد يجرب ثانية ) اذا كان النجاح و التوفيق و ان كان نسبيآ قد حالفه في التجربة السابقة .

من ( النجف ) يمكن ان تكون للزرفي نقطة الأرتكاز و الدليل و البرهان الذي من الممكن الأستناد و التعويل عليه في وجه الخصوم الذين يرفعون شعارات و عناوين ( وطنية ) كلها تدعو و تنادي بالجلاء الكامل للقوات الأمريكية ( المحتلة ) و هو ( كلام حق يراد به باطل ) فهؤلاء يريدون من خلال انسحاب القوات الأجنبية افراغ الساحة العراقية و جعلها مناسبة اكثر في اللحاق بالمشروع الأيراني التوسعي في المنطقة و تسليم مقدرات العراق و ثرواته في خدمة المشروع الأيراني و الذي يهدف الى جعل العراق ممرآ و طريقآ مهمآ و حيويآ للوصول الى سواحل البحر الأبيض المتوسط و تأسيس الأمبراطورية الفارسية .

الموقف العدائي الصريح و العلني الذي اتخذته الأحزاب و الفصائل المسلحة الموالية لأيران من رئيس الوزراء المكلف ( عدنان الزرفي ) دليل واضح و قوي عن ابتعاده عن المحور الأيراني و اصراره الحازم في الوقوف على الحياد بين كل الدول الأقليمية و الدول الكبرى و النأي بالعراق دولة و شعبآ قدر الأمكان و المستطاع عن ساحة الصراعات الدولية و بالأخص ذلك الصراع المزمن بين امريكا و ايران و الذي يصر الطرفان ايران و امريكا على تصفية حساباتهم على ارض العراق و استنزاف ثرواته و ما استهداف الفصائل المسلحة الموالية لأيران القواعد العسكرية العراقية و التي تضم قوات امريكية ما هو الا اعلان الحرب الأيرانية على الأمريكان في العراق بالوكالة و حين كان الرد الأمريكي القاسي و المباغت في اغتيال ( الجنرال سليماني ) و عدد من معاونيه و على الأرض العراقية ايضآ ما حدى بالقوات الأيرانية من مهاجمة القواعد العسكرية العراقية و التي تستضيف قوات امريكية و هذه المرة كان الأستهداف بشكل مباشر و ليس عبر الوكلاء او العملاء .

في مثل هذه الأجواء المشحونة و الأوضاع المتوترة داخليآ و خارجيآ يكون البحث عن تلك الشخصية التي بأمكانها انتشال البلاد من ازماتها او على الأقل وقف التدهور و الأنحدار نحو الحضيض عملية ليست باليسيرة و ان تكون المرحلة انتقالية في تهيئة الأوضاع المناسبة للأنتخابات المبكرة في اجواء نزيهة و شفافة و تحت اشراف دولي مباشر و قد يكون اختيار رئيس الجمهورية ( برهم صالح ) و تكليف السيد (عدنان الزرفي ) ذو التوجه العلماني المعتدل بتشكيل الوزارة الأنتقالية موفقآ و حكيمآ كون السيد ( الزرفي ) شخصية مقبولة الى حد كبير من كل الأطراف تقريبآ عدا تلك الموالية لطهران و التي بدأت تفقد اكثريتها المطلقة و شعبيتها الكبيرة و كذلك كانت ساحات التظاهر و الأعتصام و التي لم يكن لديها رفض المرشح ( الزرفي ) بالمطلق و كذلك ليس القبول به بالمطلق اضافة الى القوى السياسية العراقية الأخرى المؤيدة لتكليف ( الزرفي ) فهذه الفرصة قد تكون الأخيرة للنجاة بالمركب من الغرق .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here