الى متى العبث بمصير الشعب؟

على طريق الشعب…

جاء انسحاب السيد محمد توفيق علاوي واعتذاره عن محاولة تشكيل الحكومة، ليؤكدا عمق الازمة العامة في البلد بجوانبها المتعددة، وحالة الاستعصاء السياسي السائدة، ومأزق نظام المحاصصة الذي طالما أشرنا الى كونه هو نفسه ولّادا للازمات، ولا ينتظر منه حل او مخرج. فما حصل ويحصل لا يعكس ازمة تشكيل الحكومة فقط، انما ايضا ازمة نظام الحكم ومنهجيته، وطبيعة مصالح القوى الحاكمة والمتنفذة ونمط التفكير السائد عندها، بل وازمة المنظومة السياسية بكاملها.

من جانب آخر تؤشر مجريات تشكيل الحكومة المؤقتة مدى انانية القوى المتنفذة، وضيق أفقها، واصرارها على ادامة نهج المحاصصة، وتقديمها مصالحها ونفوذها على كل شيء آخر، وان اختارت لذلك مسميات وتعابير أخرى.

فالقوى التي تكفلت باختيار مرشح لمنصب رئيس الوزراء أخفقت من جديد في التوصل الى توافق بشأنه، وعندما بادر رئيس الجمهورية الى تكليف مرشح جديد وفقا لصلاحياته الدستورية وبعد تشاوره مع المحكمة الاتحادية، أعلن بعض تلك القوى معارضته للخطوة، متهما الرئاسة بتجاوز الدستور وتهديد السلم الأهلي وتفكيك النسيج الوطني وتجاوز الكتلة الأكبر، غير الموجودة أصلا.

واليوم وبعد مضي أكثر من أسبوعين على تكليف هذا المرشح، السيد عدنان الزرفي، نجده يصطدم لاسباب مشخصة ومعروفة بتلك المواقف ذاتها، التي تعقد عملية تشكيل الحكومة، وهي الحكومة الموقتة في جميع الأحوال والمحددة زمنيا. الامر الذي يطرح احتمال تكرار التجربة الفاشلة لتكليف السيد علاوي، كما يعني المزيد من المماطلة والتسويف وهدر الوقت، فيما أزمة البلاد تشتد ومعاناة الناس تكبر وما من حلول تلوح في الأفق.

من الواضح ان البعض يريد احتكار تسمية رئيس الوزراء تحت عنوان “تمثيل الأغلبية”، فيما هذه الأغلبية التي تدعي تمثيلها هي من انتفضت عليها فجوبهت بالقتل وبمختلف أشكال القمع، وهي من تتحمل مسؤولية أساسية وتاريخية عما يحصل الان وعن حالة الانسداد السياسي القائمة. فلا هي تستطيع التوافق على شخص غير مجرب وغير جدلي، ولا هي فاسحة في المجال لرئيس الجمهورية كي يأخذ دوره وفقا للسياقات الدستورية. وان من غير الممكن القبول بمثل هذه المواقف، التي تريد تأبيد المحاصصة والمصالح الذاتية والنفوذ، في زمن عاصف وفي ظل أزمة عامة شاملة تتعمق يوما بعد اخر.

ومما يجب تأكيده هنا ان اختيار رئيس مجلس الوزراء وحكومته شأن داخلي بامتياز، وواحد من مقومات السيادة والقرار الوطني العراقي المستقل، ومن الواجب ان يتم بعيدا عن اية ضغوط وتهديدات، داخلية او خارجية.

ان أوضاع بلدنا السياسية والاقتصادية والصحية والنفسية، والتحديات الجمة التي تواجهه، تلح على تشكيل الحكومة المؤقتة وفقا للمعايير والمتطلبات التي طرحها شعبنا في ساحات الاحتجاج، وان من العبث الاستغراق في البحث عن حيثيات تجاوزتها أوضاع البلد، او في إعادة بعض الأسماء المجربة والفاشلة، فيما البلد يكاد يغرق، وفِيما يزداد القلق من ان يتحول الى ساحة صراع لا مصلحة لشعبنا فيه، بين أمريكا وايران.

ان العديد من القوى تبدو مستغرقة في التفاصيل، التي تكاد تكون شكلية في خضم الأزمات التي تعصف ببلدنا اليوم، وفي ظل أوضاع دولية وإقليمية متأزمة. انها اللامبالاة بعينها ازاء مصائر الملايين العراقية، التي يسحقها الوباء الفتاك والأزمة الاقتصادية الشديدة التي تلوح ملامحها شاخصة أمامنا، مع عواقبها الثقيلة على معيشة أبناء الشعب واولهم تلك الملايين من كادحيه.

واذا كان البعض يراهن على عامل الزمن، والتراجع المؤقت للانتفاضة بسبب كورونا، فهو على خطًا كبير، وهو انما يدفع البلد نحو المجهول، ويتعمد الإضرار بمصالح الشعب العراقي على اختلاف اطيافه، في الوقت الذي تكبر فيه القناعة وتترسخ بضرورة التغيير الشامل.

ألا فلتنتهِ المماطلة والتسويف والمراوغة واللعب بالألفاظ .. فلم تعد لشعبنا طاقة على رؤية هذا المشهد المخزي، اللاوطني واللانساني!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here