جماعات الكاتيوشا تدير دفة الهجمات: امتيازات اقتصادية وعقود حماية لشركات أميركية

توصف الهجمات الصاروخية التي يشهدها العراق بـ”هجمات الكاتيوشا” وتصيب في العادة مواقع عسكرية ودبلوماسية كسجال بين واشنطن وطهران على اراضي دولة بديلة.

وفي خضم هذا التوتر بدأ جانب آخر “غير معلن” يفسر تلك الحوادث من جانب اقتصادي وخلافات داخلية.

وبحسب مصادر مقربة من الجماعات المسلحة، ان الفصائل التي ظهرت في العراق بعد 2003، هي من مصدرين: الاول منظمة بدر التي تشكلت في خارج البلاد في ثمانينيات القرن الماضي، وجيش المهدي (من الداخل) الذي طرح نفسه بصفته “مقاوم للقوات الاميركية”، قبل ان يتم تجميده عام 2007. 71 فصيلا انبثق عن هاتين المجموعتين، وتحول هذا العدد الكبير الى “عبء ثقيل” على القيادات الكبيرة في الفصائل، بحسب ما تقوله المصادر، وتفقد القيادات السيطرة على الفصائل في احايين كثيرة.

ويقول قيادي سابق في الحشد الشعبي لـ(المدى): “الصراع على المصالح الاقتصادية، هو واحد من الاسباب التي ادت الى تكاثر الفصائل المسلحة وانشطارها الى العشرات من الجماعات”. تسيطر 5 جماعات مسلحة “كبيرة”، بحسب المصادر، على عدد من المنافذ الحدودية في البلاد، التي تصل ايراداتها الشهرية لنحو 100 مليون دولار.وقبل ايام قال محمد علاوي، المكلف السابق بتشكيل الحكومة، ان “بعض الفصائل المسلحة في العراق لم تعد تحصل على تمويلها من ايران وانما من ميزانية العراق”.

واكد علاوي في لقاء تلفزيوني مع محطة عربية معروفة، ان القائد العام للقوات المسلحة، في اشارة الى عبد المهدي “اعترف بانه لا يستطيع السيطرة على الفصائل المسلحة”.

ودخلت بعض تلك الجماعات، في اطار التنافس الاقتصادي، في التجارة غير الشرعية، مثل تهريب المخدرات وحتى النفط . بعد عام على تحرير الموصل من سيطرة داعش، كشفت (المدى) عن مجاميع مسلحة في المدينة، هربت ملايين الاطنان من “السكراب”، وتاجرت في اراضي حكومية واخرى تابعة لمسيحيين.

عادل عبد المهدي، رئيس وزارء حكومة تصريف الاعمال، وعد نهاية 2018، باغلاق ما يعرف بـ”المكاتب الاقتصادية” التابعة للأحزاب في المناطق المحررة والتي كانت تتهم برعاية تلك التجارة، لكنه وبحسب مصادر (المدى)، لم ينجح سوى بإغلاق نصف تلك المكاتب فقط.

الخلافات السياسية

في 2004، بعد عام من ازاحة نظام صدام، اتفقت اغلب القوى الشيعية على ترك العمل العسكري واللجوء الى خيار السياسة، لكن بعض الجماعات قد رفضت الانحراط في هذا الاتفاق، وعملت بشكل سري حتى عادت للظهور في مرحلة داعش.

ويقول القيادي السابق في الحشد: “عماد مغنية – وهو قيادي سابق في حزب الله اللبناني وقتل عام 2008- درب الجماعات المنشقة، وأبو مهدي المهندس نظمهم بعد عام 2014”.

الخلافات السياسية كانت احدى العوامل التي قسمت الجماعات المسلحة الشيعية بداية من تدخل “مغنية”، حتى بلغت ذروتها في الصراعات للسيطرة على هيئة الحشد الشعبي، بين المنشقين السابقين والقيادات التقليدية التي يرتبط بعضها بمرجعية النجف.

وفشل رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في السيطرة على ذلك الصراع، كما انقلبت اكثر الفصائل على عبد المهدي، واحرجته عدة مرات بسبب هجمات “الكاتيوشا”، التي دانها الاخير في اكثر من بيان، واعتبرها “عملا فرديا” يضر بوضع العراق.

يضيف القيادي السابق في الحشد، انه بعد مقتل المهندس بغارة اميركية، مطلع العام الحالي، قرب مطار بغداد “وصلت علاقة الفصائل المسلحة الى حد الفوضى، وهددت بعض القوى بترك الهيئة بشكل تام”.

عبد العزيز المحمداوي، او المعروف بـ”ابو فدك” او “الخال”، من ابرز قادة الانشقاق (جماعة مغنية) والذي شكل كتائب حزب الله، استطاع ازاحة المعارضين وشغل منصب المهندس بدعم من ايران، واحدث شرخا جديدا بين تلك الجماعات.

قبل نحو شهرين هددت اربع فصائل في الحشد، بحسب تسريبات، وهي “لواء أنصار المرجعية، ولواء علي الأكبر، وفرقة العباس القتالية، وتشكيلات فرقة الإمام علي القتالية”، بالانسحاب احتجاجا على تعيين “ابو فدك”.

وبعد مقتل المهندس والجنرال الايراني قاسم سليماني، تعرضت قواعد عسكرية تتواجد فيها قوات اميركية وسفارة واشنطن، في الاشهر الثلاثة الماضية، الى 28 هجمة صاروخية، بحسب القيادي السابق في الحشد.

بدوره يشير علي مؤنس، وهو عضو لجنة الامن في البرلمان لـ(المدى) الى انه “لا يمكن تأكيد هوية الفاعلين”، لكنه يقول “بالتأكيد هناك خلل في الاجراءات الامنية ونقص في الجهد الاستخباراتي”.

انشطار الفصائل

وظهرت في تلك الفترة جماعات جديدة، مثل عصبة الثائرين، واصحاب الكهف. واعلنت الاولى قبل ايام، مسؤوليتها عن هجمات طالت معسكري التاجي وبسماية في بغداد.

وقالت “العصبة” في مقطع مصور نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي، ان العمليات جاءت “ردا على اغتيال قيادات الحشد الشعبي، وأبو مهدي المهندس وسليماني”.

وظهر ملثم في الفيديو حاملا بندقية، وهو يطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومسؤولين عسكريين، مغادرة الأراضي العراقية.

وترى المصادر ان الاوضاع بين الفصائل المختلفة ربما ستصل الان الى مرحلة الانفجار خاصة بعد هجوم “البرجسية” غرب البصرة، فجر الاثنين الماضي، والذي اصاب شركات تعمل في حقل النفط.

واعتبر تحالف الفتح، (المظلة السياسية لأكبر الفصائل في الحشد الشعبي)، في بيان غاضب عقب الهجوم، ان الحادث سيتسبب بـ”خسائر فادحة” للعراق.

وقال التحالف “ندين هذه الاعمال الإجرامية والتخريبية التي تتسبب بأضرار فادحة بالاقتصاد العراقي وتدمير ممنهج لخطط التنمية وتطوير الصناعة النفطية”.

ودعا التحالف، الاجهزة الامنية والجهات المختصة الى “اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة لحماية الشركات العاملة وتوفير بيئة آمنة لتطوير هذا القطاع المهم ومتابعة هذه المجاميع التخريبية التي تهدف الى الاضرار بالعراق وإنزال أقصى العقوبات بهم”.

ويقول القيادي السابق في الحشد، ان بعض اسباب الهجمات على مواقع اجنبية في البصرة، هو بسبب الصراع للحصول على “عقود حماية الشركات التي تسعى اليها بعض الفصائل”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here