رئيس وزراء بريطانيا تواضع أم ماذا؟

رئيس وزراء بريطانيا
تواضع أم ماذا؟
علاء كرم الله

ضجت مواقع التواصل الأجتماعي بالفديو الذي يظهر فيه رئيس وزراء بريطانيا الحالي( بوريس جونسن) وهو يتبضع من أحد المتاجر في وسط لندن ( أسم المتجر أسواق ميلاد وهو لشخص عراقي!، وهنا لا بد من الأشارة بأن الفديو هو قبل أنتشار وباء كورونا وأصابة رئيس الوزراء به!، حيث يرقد الان بالعناية المركزة بسبب تدهور صحته حسب ما نقلت وكالات الأخبار والفضائيات). وأظهر الفديو رئيس الوزراء، كأي مواطن بريطاني عادي ، بل حتى أقل من ذلك! مرتديا قمصلة سوداء كبيرة بعض الشيء، وبنطرون جينز، مع غطاء للرأس (كوليته) بلهجتنا العراقية،وهو يقف أمام الكاشير ليدفع الحساب، حيث قام بشراء تفاحة واحدة، وقليل من الخبز، مع باكيت جبن صغير!، ثم خرج من الأسواق وركب دراجته الهوائية (بايسكل) التي أوقفها أمام الأسواق!. ومن الطبيعي جدا والمتوقع أن يكون لمثل هذا الفديو، وقع كبير على المشاهد العربي المسلم تحديدا!، لأنهم لم يتعودوا أن يشاهدوا رؤوساء حكوماتهم وزعمائهم وقادتهم السياسيين وملوكهم يتمشون بين الناس ويشترون من الأسواق كبقية خلق الله، حيث عرف عنهم بأنهم يسكنون القصور والبروج العالية، محاطين بالعسكر والحمايات من كل جانب، لا يراهم أحد، وهم بشاهدون الناس ويحكمونهم من وراء تلك البروج ومن خلف تلك الجدران والأبواب الموصدة، مطوقين بأفواج وأفواج من الحمايات والرجال المدججين بالأسلحة، وبالسيارات المصفحة وحتى بالطائرات!. وقد أصبحت مشاهد وصور الحكام العرب وكل زعاماتهم وقادتهم السياسيين هذه مترسخة في العقل العربي بهذه الصورة المخيفة والمرعبة من كثرة الحمايات والرجال المسلحين، ولن يسمح المواطن العربي لنفسه ولا حتى بالخيال! أن يرى رئيسه وزعيمه كمواطن عادي يمشي بين الناس!. حيث تعود المواطن العربي والمسلم تحديدا على تأليه الحاكم وأيصاله الى درجة التقديس!، ليس الآن ولكن، منذ مئات ومئات السنين، وتحديدا منذ أنتهاء الخلافة الراشدية!.وأذا كان مشهد رئيس الحكومة البريطانية ( بوريس جونسن)، قد أثار لدينا كل هذا العجب والأندهاش والأهتمام، وأثار فينا الكثير من التساؤلات والمقارنات!؟، فأنه بالمقابل لم يثر أي أنتباه وأهتمام لدى المواطن الغربي والأوربي بشكل عام!، لأن مشاهدة رؤوساء حكوماتهم وزعمائهم السياسيين وقادتهم ووزرائهم بينهم في القطارات وفي المترو والأسواق والمسارح ودور السينما، أو هم يقودون سياراتهم بأنفسهم، أو يركب دراجته الهوائية، هو أمر طبيعي ومنظر مألوف الى حد ما، ولا يحمل لديهم أية مفاجأة!، حتى أن الفضائيات ووسائل الأعلام نقلت مرة ومنذ فترة وقبل أنتشار وباء كورونا، عن ملكة بريطانيا وهي تتسوق من أحد المتاجر!، وكذلك شوهد رئيس وزراء كندا وهو يركب المترو، والمستشارة الألمانية ميركل تتسوق أيضا في أحد المتاجر. الشيء المهم في مثل هذه المشاهد، أن أصحابها يتصرفون بتلقائية وبشكل طبيعي وبلا تكلف أو تصنع، وبلا أية مقاصد ولا يريدون من ذلك أن تتسلط عليهم الأضواء أو وسائل الأعلام!، لأنهم بصراحة وببساطة يعرفون قيمة أنفسهم جيدا!، ولا يحتاجون الى أية هالة أعلامية ولا الى الحمايات ولا الى التصفيق والأهازيج وتقبيل الأيادي، كما تعودنا أن نرى ونشاهد ذلك لدى حكامنا العرب المسلمين!. جانب آخر في مشهد البساطة الذي ظهر عليه رئيس وزراء بريطانيا أو غيره من الزعماء والمسؤولين والوزراء في أوربا ودول الغرب، أن المشهد لا يدل على التباهي وتحديهم للشعب!؟، وبنفس الوقت لا يدل على أستصغارهم لأنفسهم، كما نتصورذلك نحن العرب، بل يدل على سمو أخلاقهم وتواضعهم الأنساني وكبريائهم الفكري والأخلاقي والتربوي والثقافي والعقلي، وأيضا يدل على أنهم أقاموا العدل وأحقوا الحق وطبقوا القانون وتعاملوا مع الناس سواسية بصدق وبلا أية تفرقة، لم يضلموا أحدا، وعبارة ( العدل هو أساس الملك) هم خير من طبقها وعمل بها وصانها وحافظ عليها. كما أن المشهد يدل على عمق المباديء الأنسانية والنبيلة التي يحملونها، حيث لا توجد في قواميسهم السياسية ولا الأخلاقية روح الأنتقام والثأر، وبالتالي لا تجود لديهم ذرة خوف من الشعب!. ولا بد لنا أن نذكر هنا من باب الحق والحقيقة التاريخية ، بأن الرسالة المحمدية العظيمة هي خير من قدم وجاء ونادى بكل هذه المباديء والقيم الأنسانية والأخلاقية والتربوية للأنسانية جمعاء، فالرسول العظيم محمد وصحبه الكرام والخلفاء الراشدين على الرسول وعليهم جميعا أفضل السلام، كانوا هكذا في بساطتهم وتعاملهم وتواصلهم مع الرعية. وكلنا يعرف قصة ذلك الرجل الذي جاء الى بلاد المسلمين، يسأل عن خليفة المسلمين ليقضي له أمرا أستعصى حله، وكان ذلك في فترة خلافة عمر بن الخطاب رض، وكان لا يعرفه، فعندما سأل عن الخليفة، قالوا له تجده هناك في حقل يعمل به!، فلما وصل أليه وجده نائما تحت ظل شجرة بعد أن أنهكه العمل!، بلا حماية ولا حراس فقال قولته المشهورة ( عدلت فنمت)، وتقول الرواية بأن الرجل وبعد ما شاهد منظر الخليفة هكذا أعلن أسلامه! لانه لم يكن من المسلمين. والشيء المحزن أن كل تلك القيم والمباديء الأنسانية النبيلة، التي جاءت بها الرسالة المحمدية السمحاء وسار عليها الصحابة الكرام والخلفاء الراشدون انتهت بعد أنتهاء الخلافة الراشدية بأستشهاد الأمام علي عليه السلام سنة 41 هجرية، وأنتهت معها صورة القائد والحاكم الذي يكون بين شعبه يعيش آلامهم ومشاعرهم وأحاسيسهم ويتفقد أحتياجاتهم، أنتهى كل ذلك (وكأن تعب وجهد العظيم محمد عليه أفضل السلام، ورسالته الأنسانية المعطرة بروح الله قد ضاعت!؟)، بعدما أصبح الملك هرقليا يتوارثه الأبناء عن الأباء، بل يقتل الأخ أخيه والأبن أبيه طمعا في الملك. أخيرا تقول: ستبقى الرئاسة وحب الجاه والمنصب وهيبة السلطة والملك وبهرجة الحكم والحمايات والعسكر، آفة العرب الى يوم تقوم الساعة!، ولا حول ولا قوة ألا بالله العلي العظيم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here