نشأة الرواية الغربية

ترجمة: هاشم كاطع لازم – أستاذ مساعد – كلية شط العرب الجامعة – البصرة

مقدمة

الرواية واحدة من الأشكال القصصية النثرية العديدة وهي تشترك مع الأنماط القصصية الأخرى مثل الملحمة والرومانس 1 romance بخاصيتين أساسيتين هما: (أ) وجود قصة ؛ (ب) وجود راوي. والملحمة تتناول قصة تقليدية هي مزيج من الأسطورة والتاريخ والقصة الخيالية وأبطالها من الآلهة والرجال والنساء الأستثنائيين. وقصص الرومانس تتعاطى مع شخصيات مغايرة لبني البشر ، وهي تهتم على نحو خاص بالمغامرات وتتضمن في الغالب بحثا عن مثل أعلى أو تعقّب عدو ما. وتبرز الأحداث على نحو رمزي رغبات العقل البشري وأماله ومخاوفه وهي بذلك تماثل أدوات الأحلام أو الأساطير أو مجموعة طقوس معينة. ورغم أن مثل هذا الأمر ينطبق على بعض الروايات أيضا فأن مايميز الرواية عن الرومانس هو معالجتها الواقعية الحياة وسلوك الأنسان ، كما أن أبطالها من الرجال والنساء لايختلفون عنا ، أما أهتمامها الرئيسي فينصب مثلما اشار نورثروب فراي Northrop Frye:(على الشخصية الأنسانية التي تتضح خواصها في المجتمع).

تطور الرواية

تطلق معظم اللغات الأوربية تعبير (رومان) roman على الرواية وهذا يدل على صلتها برومانس romance القرون الوسطى. والتسمية الأنكليزية مشتقة من المفردة الأيطالية (نوفيلا) novella التي تعني (شيئا جديدا الى حد ما). وتعتبر كل من قصص الرومانس والنوفيلا بمثابة اصل الرواية مثلما ينطبق الأمر على القصص المعروفة ب (البيكاريسك) picaresque الاسبانية الأصل حيث أن كلمة (بيكارو) Picaro الأسبانية تعني (متشرد) وأن قصة البيكاريسك النموذجية تتناول الأعمال الطائشة لشخص وغد يكسب عيشه بأساليب بارعة لكنها ليست شريفة على الدوام! وفي هذا السياق تدين الرواية الواقعية بالكثير الى مثل هذه الأعمال ذات الطابع الأدبي التي كتبت حتى تخفف من وطأة الأشكال القصصية الرومانسية وتلك المنسوجة في قالب مثالي. ومثالا عن ذلك فأن رواية (دون كيشوت) Don Quixote (1605 – 1615) لكاتبها سيرفانتس Cervantes هي قصة رجل مجنون جذاب يسعى للعيش وفق مثل الرومانس الفروسية وهي تتحرى الوهم والواقع في الحياة الأنسانية وكانت في الواقع المنبع الأهم المفرد للرواية الحديثة.

لقد أنبثقت الرواية من تلك الأصول القصصية التي أستخدمت قصصا خالدة تعكس الحقائق الأخلاقية الثابتة ، وكانت نتاجا لبيئة فكرية أسس قاعدتها فلاسفة القرن السابع عشر العظام وعلى رأسهم ديكارت Descartes وجون لوك J. Locke اللذين شددا على أهمية التجربة الفردية وأرتأيا أمكانية قيام المرء بأكتشاف الواقع عبر الحواس. وهكذا أكدت الرواية على تفاصيل محددة وملموسة ، كما أنها ميزت شخصياتها من خلال تحديد وضعهم في الزمان والمكان على نحو دقيق. أما مواضيع الرواية فقد تناولت أهتمام القرن الثامن عشر بالبنى الأجتماعية للحياة اليومية.

ويذهب الرأي السائد الى أن الرواية ظهرت للعيان مع صدور روايتي دانيال ديفو Daniel Defoe الموسومتين (روبنسن كروزو) Robinson Crusue (1719) و (مول فلاندرز) Moll Flanders (1722) ، وكلا الروايتين من نمط قصص البيكاريسك حيث أن كل واحدة منهما تدور حول سلسلة أحداث مترابطة لكونها لاتحصل لشخصية واحدة فحسب. غير أن الشخصية المركزية في الروايتين تبدو مقنعة كثيرا وتعيش في عالم متماسك للغاية ومحدد مما يجعل الكثيرين ينظرون الى ديفو على أعتباره أول من كتب الرواية الواقعية realistic novel ، أما أول (رواية شخصية) أو رواية نفسية فهي رواية (باميلا) Pamela (1740 – 1741) لكاتبها صاموئيل ريتشاردسن Samuel Richardson وهي رواية مكتوبة بشكل سلسلة رسائل epistolary novel تتصف بعناية تخطيط الكاتب للحالات العاطفية. ولعل رواية ريتشاردسن الثانية الموسومة (كلاريسا) Clarissa (1747 – 1748) تفوق روايته الأولى من حيث الأهمية. ويعتبر كل من ديفو و ريتشاردسن أول كاتبين بارزين في تاريخ أدبنا لأنهما لم يعتمدا في حبكة رواياتهما على الأساطير أو التاريخ أو الخرافات أو الأدب السابق ، أنما وضعا الأساس للرواية بأعتبارها وصفا أمينا لخبرات الأفراد الحقيقية.

دواعي شعبية الرواية

منذ القرن الثامن عشر ، وخاصة منذ الفترة الفكتورية ، أصبحت الرواية اكثر الأشكال الأدبية رواجا بعد أن حلت محل الشعر والمسرحية لربما لأنها تمثل عن قرب حياة غالبية الناس. وقد تزايدت شعبية الرواية بعد ذلك لأن مجالها الأجتماعي بدأ بالأتساع ليشمل شخصيات وقصص حول الطبقتين الوسطى والعاملة. اضف الى ذلك ، بدأت الرواية تتعاطى مع الأهتمامات العائلية والأجتماعية لأفراد الطبقتين المذكورتين يضاف أليهما أعداد متزايدة من القراء من النساء والخدم.

التجريب: تطور دور الراوي

مع حركة تطور الرواية بدأ شكلها يتسع ويتفرع حيث شرع الكتاب بتجريب أنماط طرح مختلفة. وقد شكل دور الراوي محورا مركزيا لعملية (التجريب) experimentation. ترى من المتحدث مع القاريء في الرواية؟ هل تمثل القصة وجهة نظر معينة؟ هل الراوي متماثل مع المؤلف؟ هل يجسد الراوي أحدى شخصيات الرواية أو شخصية أخرى تراقب ، بكل بساطة ، أفعال الآخرين في القصة؟ هل الراوي شخص يمكن الوثوق به — هل نثق به / بها؟ أو أنه / أنها يمكن أن يكون شخصا لايمكن الوثوق به وغير قادر على نقل القصة دون تشويه؟ كيف يتسنى لأداة الراوي أن (تصوغ) القصة؟ وكيف يقر القاريء مدى صدقية الأحداث الجارية؟

وقد عمد روائيو القرن التاسع عشر من أمثال ثاكيري Thackeray وديكنز Dickens في الغالب الى سرد قصصهم من خلال راوي قدير omniscient narrator عارف بمجريات الأحداث بأكملها وكذلك بدوافع سائر شخصيات الرواية. ومن خلال مثل هذا الأسلوب يتمكن المؤلف من الكشف عن أفكار أية شخصية دون ان يبين كيفية الحصول على مثل هذه المعلومات. وأستخدم هنري جيمس Henry James ، الذي بدأ بكتابة الرواية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، أسلوب السرد التام المعبّر عن

وجهة النظر بحيث أصبحت عقول شخصياته تشكل اساس الأهتمام الحقيقي للرواية. وفي مثل هذه الأعمال الأدبية تتحدد معرفتنا بالأحداث ذاتها بمحددات هذه الشخصية أو الوعي المركزي.

وقام الكثير من الكتاب ممن عاصروا هنري جيمس بتجربة نقل تركيز الرواية نحو الداخل لدراسة الوعي الأنساني. وقد أتجه كتاب من أمثال فرجينيا وولف Virginia Woolf وجيمس جويس James Joyce ووليم فوكنر William Faulkner ألى استخدام طريقة سرد عرفت ب (تيار الوعي) stream of consciousness ، فالمدركات الحسية والأفكار والأحكام والمشاعر والتداعيات والذكريات يقدمها الكاتب على حالها دون صياغتها بجمل صحيحة من الناحية القواعدية أوعبر تسلسل منطقي. وبموجب السرد المرتبط بتيار الوعي فأن سائر الرواة لايمكنهم الأتكال عليهم الى حد ما ، وهذا يعكس أستغراق القرن العشرين بنسبية الخبرة والمعرفة والحقيقة وطبيعتها الذاتية.

أنتشار الأنواع

ماتزال الرواية تستحوذ على الأهتمام الكبير في وقتنا الحاضر، وقد أبتعدت عن التوجه الواقعي الأساسي لتتطور الى شكل متمدد يضم الأنماط القصصية كافة. وهناك اليوم على سبيل المثال الكثير من الأشكال الروائية ، فهناك الرواية الرمزية novel allegorical التي تستخدم الشخصية والمكان والحدث لوصف الأفكار المجردة والبرهنة على بعض الفرضيات. وهناك رواية الخيال العلمي science fiction التي تعتمد على الآلات العلمية أو العملية الزائفة لخلق مجتمع مستقبلي يشبه مجتمعتا. وهناك أيضا الرواية التاريخية historical novel التي تتشكل في الزمن الماضي وتستقي شخصياتها من التاريخ ، والرواية الأجتماعية social novel تتناول تالثير المؤسسات المجتمعية والأوضاع الأقتصادية والأجتماعية على كل من الشخصية والأحداث. وتتصف أنواع ىالرواية أعلاه بكونها تعليمية المنحى didactic حيث يتعلم المتلقي من خلالها ضرورة تغيير أخلاقياته وحياته ويشمل ذلك أيضا مؤسسات المجتمع. والرواية المحلية regional novel تسلط الضوء على تأثير مكان معين على الشخصية والأحداث أما الرواية البوليسية detective novel فهي مزيج من كل من رواية البيكاريسك والرواية النفِسية لأنها تكشف عن الأحداث ودوافعها. وهناك بالطبع العديد من الأنواع الأخرى.

—————————————————————————————————-

1 قصة من قصص القرون الوسطى أو الحب العذري أو مغامرات الفرسان. (المترجم)

http://academic.brooklyn.cuny.edu/english/melani/cs6/novel.html

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here