الشعب يريد حكومة وطنية تلبي مطالبه الملحة العاجلة

مرت أربعة اشهر على استقالة عادل عبد المهدي وحكومته في الأول من كانون الأول ٢٠١٩، ومنذ ذلك التاريخ والاطراف المعنية تتداول اسماء لتقدم منها اسما يكون مقبولًا شعبيا ويلبي المعايير التي حددتها ساحات التظاهر وحظيت بتأييد شعبي واسع. ومن أهم تلك المعايير أن يتمتع هو ووزارته بالاستقلال عن المنظومة السياسية الحاكمة.

وجرى الإعلان عن أسماء مرشحة عدة وتم تكليف شخصيتين بتشكيل الوزارة، لكنهما دفعا الى الاعتذار قبل انتهاء المهمة بعد رفض بعض الكتل لهم، ليصل الدور إلى السيد مصطفى الكاظمي الذي يبدو ان اجماعا بين الكتل المتنفذة تحقق بشأنه، بما في ذلك من الكتل التي سبق أن رفضته وكالت له اتهامات خطيرة.

وجاءت التكليفات المذكورة جميعا مخالفة للمعايير الموضوعة من جانب المنتفضين وغالبية جماهير الشعب وحتى من المرجعية، كما أن الآليات التي اعتمدت هي ذاتها التي انتجت حكومات المحاصصة السابقة، والتي تغوّلت منظومات الفساد في ظلها وأدت الى الفشل في بناء دولة مؤسسات رصينة، وفي تأمين الخدمات وتحقيق التنمية وتوفير حد أدنى من العدالة الاجتماعية، وفي صيانة السيادة الوطنية وضمان استقلالية القرار الوطني. و بات واضحًا ان القوى المعنية بتشخيص المرشحين، لم يكن منطلقها التجاوب مع ما اعلنه المنتفضون ومعهم جماهير واسعة، واعتبار مصالح الشعب والوطن وما يمران به من أزمات شديدة متزامنة، وإنما كانت تنطلق قبل كل شيء من مصالحها الخاصة ولإدامة نفوذها، ومن حرصها الشديد على إدامة المحاصصة والتمسك بـ “الأعراف” التي نظمت آلياتها، وهي بعيدة عن الدستور .

يأتي تكليف السيد الكاظمي بعد أربعة اشهر حرجة، تخللها الكثير من ممارسات التسويف والمماطلة من قبل الكتل المتنفذة، فيما بلدنا بامسّ الحاجة الى حكومة كفاءات مؤقتة، قادرة على تحقيق مطالب الناس الملحة والعاجلة، ومنها:

اولا. توفير مستلزمات التصدي الفاعل لجائحة كورونا وإنقاذ شعبنا من مخاطرها.

ثانيا. تقديم المساعدات العاجلة والدعم الضروري لبنات وأبناء شعبنا، المتضررين من حظر التجوال الصحي المطلوب وأزمة انخفاض أسعار النفط.

ثالثا. اجراء انتخابات مبكرة نزيهة، وفق منظومة انتخابات عادلة وإشراف دولي فاعل.

رابعا. فتح ملفات الفساد، صغيرها وكبيرها.

خامسا. متابعة ملف قتلة المتظاهرين وتقديمهم الى القضاء.

سادسا. اتخاذ الإجراءات الكفيلة بانقاذ اقتصادنا وتنويع مصادره والحد من البذخ والهدر والإنفاق غير الضروري، وعدم إلقاء تبعات الازمة على غالبية المواطنين المكتوين بنار الأزمات، والذين يعانون الفقر والجوع وفتك الأمراض وتدهور الخدمات وبضمنها الصحية.

سابعا. السيطرة على جميع المجاميع المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة .

لقد انتفض شعبنا ليسقط منظومة المحاصصة والفساد، وليغيّر المنظومة السياسية المأزومة بكاملها، وان كل مسعى للدوران واللف على هذا المطلب الواضح لن يحل الازمة، بل سيفاقمها ويرفع منسوب السخط الذي قد يتفجر بموجات جماهيرية واسعة وحاشدة، ويأخذ ابعادا وأشكالا عدة. خصوصا وان معاناة الجماهير تزداد يوما بعد يوم، ومعها يزداد وعيها وإدراكها لاسباب شقائها وبؤسها ومن يعمل على إدامته .

ولا بد لأية حكومة جديدة ان تدرك ذلك وتعيه جيدًا، وان يكون في مقدمة توجهاتها الاهتمام بحاجات الناس والاستجابة لمطالبهم العادلة.

ان برنامج الحكومة المؤقتة ومستوى تنفيذه بما ينسجم مع تطلعات الناس وحاجاتهم في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية، سيكون المعيار لقدرة الحكومة على النجاح في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد.

وان الحكومة المطلوبة لا بد ان تكون مؤقتة ومصغرة، وان تضم كفاءات تتمتع بالنزاهة والصدقية والاستقلالية والإرادة السياسية، وقادرة على النهوض بمهامها بعيدًا عن اعتبارات المحاصصة وأية اعتبارات أخرى غير مصلحة الوطن والناس.

ان الوقت حرج، وان شعبنا لا يحتمل المزيد من المماطلة والتسويف، وسوف لن يتم الحكم على الحكومة الجديدة وفق ما تعلنه، بل بناء على السلوك والممارسة العملية والإجراءات الملموسة، ومدى قربها او بعدها عن هموم ومصالح وتطلعات المنتفضين وعموم المواطنين، الذين يتطلعون الى فسحة أمل والى نور في نهاية النفق المظلم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here