عندما أصبح نهاري ليلا و ليلي نهارا : قصة قصيرة من زمن كورونا

حينما أخذ نهاري يصبح ليلا و ليلي نهارا ، كانت ساعة الحائط
قد توقفت عن التكتكة المعتادة و الرتيبة المملة .. فلم أعبأ بها فتركتها مصلوبة على صمتها المتحجر وهي تشهق سكونها الكثيف و المتواصل ..

لكوني أدركتُ أنه من الممكن أن يكون الوقت أخطر عدو متربص
لأسير مخطوف إجبارا أو محجوز في حجره الصحي رغما و خوفا .. هكذا بدأت حدود الوقت وتفاصيله المبعثرة والمشتتة تتداخل عندي وتتبدل مثل طقوس عشوائية وطارئة .. ثم تُمحى زائلة ، شيئا فشيئا ، كخطوط رمل متموجة و متحركة وماضية في مهب رياح مزمجرة ..

ففي البداية أخذت أنسى التمييز بين شهور وأسابيع
.. ثم ذابت الحدود والخطوط وانهدمت بين أيام وأسابيع .. و بعدها بين أيام و ساعات .. بل و بين ساعات و دقائق نفسها التي أضحت مطاطية تمط ممتدة حينا و تنكمش بشكل عشوائي حينا آخر بحسب مزاجها الزئبقي والمتقلب دوما … متخذة هيئة حلزون ناعس ومنهك جدا من شدة كسل لذيذ
، حيث بالكاد يخطو خطوة متعثرة واحدة حتى يتوقف جامدا فجأة .. كأنما إلى الأبد لينتهي أمري أخيرا إلى أن :

يصبح نهاري ليلا و ليلي نهارا !..

ومسائي صباحا و صباحي مساء ..

أنا الغطاّس الكسول في بحيرة وقتي المندلقة شلالات عالية
برذاذها الفضي والمنعش ..

أحرس صمتي لوحدي من احتمالات هجمات ضجيج صاخبة و طارئة
.

في أحيان نادرة تقع أنظاري سهوا على صديقي العنكبوت الرصين
بحضوره الأصم أبدا ، وهو يستوطن سطح الساعة المصلوبة على صمتها المتجمد فاحييه قائلا :

ــ عمتَ وقتا طيبا يا صديقي الهاديء دوما ، فما هو آخر
أخبار كرورنا ؟..

فيرمقني صديقي العنكبوت مدهوشا مستغربا وهو مازال مستغرقا
بصمته المهيب دون أن يكلف نفسه بعناء جواب يليق بأهمية السؤال ، مستمرا في الوقت نفسه بنسج و حياكة شبكته الحريرية الشفافة لتكون كمائن مميتة لذباب و بعوض متسللة ومزعجة ،

و لكنه لا يرد بشيء ، ربما لأن الأمر لا يعنيه كثيرا ،
و لكي أشعره بأن عدم جوابه لا يعنيني أنا أيضا فأضيف :

ــ ولكن مهما كانت الحال يا جاري العزيز، فالأمور ليست
سيئة إلى هذا الحد ــ على الأقل ــ بالنسبة لي ــ مثلما قد تتصور أو تتخيل !.. فهل يوجد ما هو أجمل و أروع من التحرر من أسر الزمن و من علب و قضبان الوقت ؟ .. و أنت تعوم في سديم الأبدية متنكبا كتبك و أحلامك و جمرات رغباتك المتأججة .. بعدما تكون قد ولدتَ من جديد
و برؤية جديدة .. تجعلك أن تكون إنسانا جديدا تماما .. و بالضبط إنسان ما بعد مرحلة كورونا ؟..
مهدي قاسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here